الجبهة الشعبية: تعذيب وتشويه جثامين الشهداء جرائم حرب تتطلب اعتقال المسؤولين الصهاينة فوراً

 


قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إن ما ظهر من مشاهد تعذيب وتشويه جثامين الشهداء هو جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مكتملة الأركان، تفرض على المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وقانونية عاجلة؛ ولا يجوز التعاطي معها بالتسويف أو التجاهل.
وأكدت الجبهة أن التعمد في تشويه الجثامين ومحو الهويات سلوك نازي وفاشي يهدف إلى طمس الحقائق، وهو بحدِّ ذاته مؤشر قوي على محاولة الإفلات من العقاب.
وأضافت في بيان لها أنه في الوقت الذي تُظهر فيه المقاومة أعلى درجات الأخلاق والإنسانية في التعامل مع المحتجزين والجثامين، يواصل الاحتلال الفاشي والنازي ارتكاب أبشع الانتهاكات، من التعذيب إلى تشويه الجثامين ومحو الهويات، مظهراً انحطاطاً أخلاقياً كاملاً.
وفي هذا السياق، دعا البيان إلى توثيق دولي مستقل وفوري لكل حالات التشويه والتنكيل بالجثامين، مع نشر نتائج موثوقة تضع الحقائق أمام الرأي العام الدولي، وتسليم جميع الجثامين وبيانات المفقودين إلى ذويهم مع ضمان احترام كرامتهم وحقوقهم.
واعتبر أن ما يتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال، خاصة أسرى غزة، من تعذيب وإهمال متعمد وانتهاكات جسيمة يُشكّل جريمة حرب مستمرة، ويتطلب تدخل المجتمع الدولي العاجل لوقف هذه الانتهاكات وضمان حماية حقوقهم الإنسانية والقانونية.
وفي ختامه، طالبت الجبهة الشعبية بتشكيل آليات قضائية دولية تنفيذية فورية تتجاوز لجان التحقيق التقليدية، وتضمن إصدار مذكرات اعتقال فورية لكل مرتكبي هذه الجرائم من المسؤولين الصهاينة، فالأدلة واضحة وشاهدها العالم بأسره، مؤكدة هذه الجرائم لن تمر دون حساب ولن تسقط بالتقادم، وسنواصل ملاحقة كل مَن يثبت تورطه من المسؤولين والمجرمين الصهاينة حتى ينالوا جزاء ما اقترفوه من جرائم.
"الأورومتوسطي" يطالب بتحقيق دولي بجرائم تعذيب ارتكبها الاحتلال
طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بفتح تحقيق دولي عاجل، لكشف ملابسات الجرائم التي ارتكبتها دولة الاحتلال وظهرت على أجساد فلسطينيين سلّمت جثامينهم إلى وزارة الصحة في غزة عبر الصليب الأحمر.
وقال المرصد في بيان، إن الحالة المروّعة التي وُجدت عليها جثامين فلسطينيين سلمتهم سلطات الاحتلال بعد احتجازهم خلال حرب الإبادة على قطاع غزة تظهر دلائل واضحة على تعرّض العديد منهم لجرائم تعذيب وتنكيل وحشي ومتعمّد تسببت بمعاناة شديدة.
وأضاف أن عددا منهم أعدم بعد احتجازه، في انتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي، مشدداً على أن هذه المعطيات الخطيرة تفرض فتح تحقيقٍ دولي عاجل ومستقل لكشف ملابسات الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها، بما يضمن إنصاف الضحايا ويكرّس مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
وأشار إلى عدم وجود وسائل تحقق فعالية في غزة لتوثيق هويات الضحايا، وفحص ملابسات احتجازهم وتعذيبهم وقتلهم، مطالبا بالسماح فورًا بوصول بعثات طبية شرعية ومستقلة وخبراء في الطبّ الشرعي والحمض النووي، والتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتسريع عملية التعرّف على الضحايا وتسليمهم لعائلاتهم.
وشدد على ضرورة إتاحة إجراءات طارئة لتوثيق الأدلة قبل أن تتلف، إضافة إلى تقديم دعم إنساني ونفسي لأسر الضحايا.
ودعا المرصد الحقوقي، المحكمة الجنائية الدولية إلى توسيع نطاق تحقيقها القائم ليشمل هذه الوقائع بوصفها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مؤكداً على ضرورة أن يُنظر إلى ما جرى في قطاع غزة ضمن سياقه الأوسع وهو الإبادة الجماعية.
وأضاف البيان أن الصمت أو الاكتفاء بالإدانة اللفظية إزاء هذه الأفعال يفرغ منظومة العدالة الدولية من مضمونها ويقوّض ثقة الضحايا بها.
17 أكتوبر.. حين زغردَ كاتم الصوت بأيدي مُقاتلي "الشعبية"
بتاريخ 17 أكتوبر، في العام 2001 تمكنت مجموعة من كتائب الشهيد   أبو علي مصطفى  - الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من تنفيذ عملية بطولية، باغتيال وزير السياحة "الإسرائيلي" الأسبق رحبعام زئيفي، التي تعتبر من العمليات النوعية التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية ضد كيان العدو الصهيوني.
جاءت العملية رداً على اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، بعدما أغارت طائرات الأباتشي الصهيونية على مكتبه في مدينة رام الله وسط الضفة المحتلة، بتاريخ 27 أغسطس 2001، ليأتي الردّ البطولي والثوري من مُقاتلي الجبهة بعد أقل من شهريْن.

تنفيذ العملية
بدأت العملية صباح يوم الأربعاء الموافق 17/10/2001 حينما دخل 3 من مُقاتلي كتائب أبو علي مصطفى، وهم: مجدي الريماوي وحمدي قرعان وباسل الأسمر، فندق ريجنسي "الإسرائيلي" في   القدس   المحتلة، فجراً، بعد عمليات رصد ومراقبة استمرت عدة أيام.
دخل المنفذون الفندق وهم يحملون معهم مسدسات كاتمة للصوت، وكان زئيفي خرج من غرفته داخل الفندق لتناول الفطور في قاعة الطعام، فانتظر البطل حمدي القرعان عودته، وبعد ربع ساعة عاد الوزير الصهيوني متجهاً إلى غرفته، فقام حمدي بمناداته قائلًا "هيه"، ليلتفت زئيفي، وسرعان ما أطلق قرعان النار عليه، فاستقرت 3 رصاصات في رأسه ما أدى إلى إصابته إصابة بالغة الخطورة، فيما كان باقي أعضاء المجموعة يأمنون المكان.
نجحت المجموعة بقتل المتطرف رحبعام زئيفي، ليشكل هذا صدمةً للإسرائيليين، على المستوى السياسي والشعبي، واختراقًا لجميع الحصون الأمينة لدولة الاحتلال.
تبنّي الكتائب
بعد تنفيذ العملية، أعلن عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية د.ماهر الطاهر، في تصريح صحفي من دمشق، تبنّي الجبهة الشعبية للعملية ردًا على اغتيال أبو علي مصطفى. تلاه إصدار كتائب الشهيد أبو علي مصطفى بيان التبنّي رسمياً، وقالت فيه "إن مجموعة الشهيد وديع حداد الخاصة التابعة لكتائب الشهيد أبو على مصطفى أقدمت على اغتيال رمز من رموز الحقد الصهيوني الإرهابي المجرم رحبعام زئيفي صاحب فكرة الترانسفير العنصرية".
وأضافت الكتائب "ليعلم الإرهابي شارون أن الدم الفلسطيني ليس رخيصًا وأن من يستهدف قيادات ومناضلي الشعب الفلسطيني لن يبقى رأسه سالمًا". وقالت "من الآن وصاعدًا سيكون كل المستوى السياسي الصهيوني هدفًا لمجموعاتنا الخاصة.. وسنلقنهم دروسًا مؤلمة كردّ على جريمة اغتيال القائد أبو على مصطفى وأكثر من 60 مناضلًا فلسطينيًا".
لكن العملية لم تنتهي هنا، إذ كان لها تبعات ونتائج غير متوقعة، حينما شاركت الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية مع أجهزة المخابرات "الإسرائيلية" في اعتقال منفذي العملية.

صفقة الاعتقال
بينما كان مقر المقاطعة في رام الله محاصر بالدبابات الصهيونية، في 24 إبريل 2002، وكانت كنيسة المهد محاصرة وبداخلها المئات، وتحت وطأة الضغط الأمريكي والتهديد الصهيوني تشكلت محكمة عسكرية من قضاة ومحامين ممن كانوا محاصرين في المقاطعة مع عرفات. وأصدرت تلك المحكمة قراراً يقضي بعقوبة السجن حتى 18 عامًا بحق أربعة أعضاء الجبهة الشعبية بتهمة القتل والمشاركة في قتل زئيفي.
منفذو العملية الأبطال (من اليمين): مجدي الريماوي- باسل الأسمر- حمدي قرعان- عاهد أبو غلمة
وفي أعقاب هذا الحكم، عقد اتفاق بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال والولايات المتحدة وبريطانيا على سجن المنفذين في أريحا تحت رقابة أمريكية وبريطانية.
وفي يناير 2002 اعتقلت السلطة الأمين العام للجبهة الشعبية، أحمد سعدات وانضم إليهم.
تقول الجبهة الشعبية أنّ "عنوان الصفقة المشبوهة كان فك الحصار عن المقاطعة في رام الله، وصيغة ما لإنهاء حصار كنيسة المهد، لكن ذلك لم يحدث، فقد اعتقل القائد سعدات في سجن أريحا بإشراف أمريكي بريطاني، وجرى إبعاد مناضلي كنيسة المهد، فيما بقيَ عرفات أسير المقاطعة حتى يوم مماته".

لحظة اعتقال أحمد سعدات
صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 14/3/2006، حاصر الاحتلال بالدبابات والآليات المدرعة والطائرات مقر المقاطعة برام الله، وسجن أريحا الذي يُعتقَل فيه سعدات ورفاقه الأربعة والعميد فؤاد الشوبكي. وبدأت بتدمير جدران المباني بروية وببث مباشر على الفضائيات لكل العالم، وصولاً إلى تدمير السجن، ليتم اعتقالهم واختطافهم على مرأى ومسمع العالم، وبمؤامرة دنيئة من السلطة الفلسطينية وبريطانيا وأمريكا والاحتلال الصهيوني.
28 شهيداً منذ بدء وقف إطلاق النار: العدو يواصل حرباً منخفضة الوتيرة
يوسف فارس

غزة | يدلّل السلوك الإسرائيلي في الميدان على أن جيش الاحتلال يتعاطى مع حرب لا تزال قائمة، إذ تشهد مناطق قطاع غزة كافة طلعات جوية متقطّعة للطيران الحربي والمُسيّر، في حين تنشط وسائط المدفعية في المناطق التي تتجاوز الخط الأصفر الذي يقضم نحو 58% من مساحة القطاع. وعليه، فإن الأهالي، وخصوصاً في مناطق الشمال والجنوب، يعيشون يومياً ظروف استمرار الحرب، وإن بشكل نسبي.
وعلى تبّة مفترق الزهراء المقابل لحي الشجاعية، مثلاً، يظهر موقع الـ77 التابع لجيش الاحتلال والذي يعتلي جبل المنطار. وتتعرّض تلك المناطق التي تقود إلى شارع الوحدة وقلب البلدة القديمة في مدينة غزة، لنيران قناصة بشكل مستمر. وحين وصلت «الأخبار» إلى المكان، وحاولت لقاء عائلات تسعى إلى الوصول إلى منازلها في حي الشجاعية، سُمع صوت ارتطام الرصاص بجدار قريب جداً.
ويقول عمر أبو هين، وهو أحد سكان الحي، بينما كان منشغلاً بنصب خيمة على التبّة المطلة على الشجاعية: «يمنعنا جيش الاحتلال من الوصول إلى منازلنا على الرغم من أنها لا تقع في داخل مناطق الخط الأصفر. خط الانسحاب أكذوبة يستخدمها جيش الاحتلال لإطلاق الرصاص على الأهالي الذين يعودون لتفقّد منازلهم. وتزعم بيانات الجيش دائماً أن المدنيين الذين يُقتلون يومياً، شكّلوا تهديداً لقواته المتحصّنة وراء السواتر الترابية والمواقع الحصينة».
ومساء أمس، أطلقت وسائط المدفعية نيرانها على سيارة كانت تقلّ نازحين عائدين إلى منازلهم في حي الزيتون. وأفاد جهاز الدفاع المدني بأن سيارة كانت تقلّ نحو 10 نازحين تعرّضت لقصف بقذائف من الدبابات، فيما بقي مصير الجرحى والمصابين مجهولاً. وفي مدينة خانيونس جنوبي القطاع، أطلقت طائرة مُسيّرة صاروخاً في اتجاه مواطنَين حاولا الوصول إلى منزلهما، زعم جيش الاحتلال في بيان أنهما يتبعان لـ»كتائب القسام»، وكانا في مهمة تفقّد لنفق قريب من تواجد قوات الجيش. ورفعت هذه الخروقات المتكرّرة، عدد الشهداء منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، قبل نحو أسبوع، إلى 28 شهيداً، فضلاً عن العشرات من المصابين.
وفي شمال القطاع، يتكرّر المشهد ذاته، حيث تسيطر طائرات «الكوادكابتر» بالنار على مساحات واسعة من مخيم جباليا وأحياء تل الزعتر والسكة والسلاطين والعطاطرة وكامل مدينة بيت حانون وبيت لاهيا. وهناك، تحصل بشكل يومي حوادث إطلاق نار وقذائف مدفعية في مدى يتجاوز خط الانسحاب المُفترض.
ويأتي ذلك في وقت تتخذ فيه حكومة الاحتلال من ملف جثامين الأسرى المفقودة ذريعة للتهديد اليومي بوقف المساعدات والتنصّل من الاتفاق، على الرغم من أن المقاومة بدأت بخطوات علنية للبحث عن جثمان أحد القتلى في مدينة خانيونس، بحضور منظّمة الصليب الأحمر ووسائل إعلام محلية ودولية.
وأعلنت المقاومة العثور على جثمان أحد الرهائن، الذي سُلّم منتصف ليل أول من أمس، في حين أكّدت حركة «حماس»، في تصريحات صحافية، أنها أبلغت الوسطاء بأن عملية البحث عن الرهائن في مدينة غزة ستستغرق وقتاً طويلاً، وذلك لأن العدوان الإسرائيلي تسبّب في دمار كبير غيّر ملامح المدينة وطمس أبنيتها. وقالت الحركة إن الوسطاء تفهّموا الظروف القائمة. ولكنّ قادة المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية واصلوا التلويح بالعودة إلى الحرب في حال لم تف «حماس» بالتزاماتها وفق بنود «خطة ترامب»، بما فيها إعادة الرهائن ونزع السلاح.
ويعني ذلك، أننا إزاء اتفاق هش مليء بثغرات قد تسمح بتفجيره في أي لحظة. وينعكس هذا المُعطى في تعاطي الأهالي في غزة، الذين لم يصدّقوا حتى اللحظة بأن الحرب انتهت إلى غير رجعة، إذ تشهد العودة إلى مدينة غزة تباطؤاً، دلّ عليه تقدير أعداد العائدين إلى المدينة خلال الأسبوع الماضي، بأقلّ من 400 ألف.
الهدنة لا تكبح بريتوريا: ماضون في معاقبة تل أبيب
محمد عبد الكريم أحمد

استبقت بريتوريا التوقّعات بتراجع الدعم الأفريقي للقضيّة الفلسطينية، بعد توقيع اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» في شرم الشيخ (13 الجاري)، بإعلان ترحيبها بمخرجات القمّة، وتأكيدها أن التطوّرات الجارية «لن تؤثّر على الدعوى المرفوعة من قِبلها ضدّ إسرائيل، في محكمة العدل الدولية».
غير أن انفراد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بمسار «الحلّ»، إلى جانب الدعم الدولي الذي حظيت به خطّته في شأن غزة، ألقيا بظلالهما على القارة الأفريقية، ورَفَعَا سقف توقّعات بعض دولها إزاء إمكان التوصّل إلى حلول تفاوضية مع الإدارة الأميركية، ولا سيما في ملفَّي التعرفات الجمركية، وتمديد العمل بـ»قانون الفرصة والنمو الأفريقي» (أغوا).
على أن تلك المعطيات لا تغيّر كثيراً من احتمالات استمرار الدعم الأفريقي للقضية الفلسطينية على المدى المنظور، خصوصاً في ظلّ الضرر الكبير الذي لحق بصورة الكيان - والذي تُبذل حالياً جهود إسرائيلية لإصلاحه -، وما واجهته إسرائيل من رفض شعبي صريح حتى في دولة مِن مِثل غانا (صاحبة العلاقات القوية مع إسرئيل)، وذلك خلال انعقاد إحدى الفاعليات السينمائية لعرض خمسة أفلام إسرائيلية، في النصف الثاني من الشهر الماضي، وبرعاية سفارة تل أبيب هناك.

بريتوريا تواصل الدعم
على رغم الغياب الأفريقي شبه التامّ عن حضور مراسم توقيع خطّة ترامب، كانت جنوب أفريقيا أبرز الغائبين، وذلك بالنظر إلى انخراطها القويّ في دعم القضية الفلسطينية، بعد أحداث السابع من أكتوبر، وقبلها؛ علماً أن غيابها يبدو بمثابة ترضية لترامب، ومن خلفه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على خلفية مواقفهما العدائية الصريحة تجاه جنوب أفريقيا، ورئيسها سيريل رامافوسا. وعلى رغم التهدئة، أكّدت بريتوريا أنها ستمضي قدماً في إجراءات القضيّة المرفوعة ضدّ إسرائيل وقادتها في شأن الإبادة في قطاع غزة، باعتبارها جرائم لا تسقط بالتقادم أو بالاعتذار.
وفي ملاحظاته، قال رامافوسا إن «القضية ستمضي قدماً، حتى تردّ إسرائيل على مرافعاتنا التي قدّمناها في المحكمة، بحلول كانون الثاني 2026»، مضيفاً: «فيما ترحّب بريتوريا بالمرحلة الأولى من السلام، بما في ذلك وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين، فإنه يجب في نهاية المطاف تحقيق العدالة الحقيقية للشعب الفلسطيني».
وعلى المنوال نفسه، جاء بيان وزارة العلاقات والتعاون الدولي، الذي أكّد «وجوب محاسبة المتّهمين بارتكاب جرائم حرب كأمر جوهري بغضّ النظر عن التطوّرات السياسية»، لافتاً إلى أن القضيّة المرفوعة ضدّ إسرائيل تسعى إلى «منع تجدُّد الانتهاكات وليس مجرّد وقفها مؤقتاً». ووفقاً للبيان، فإنه «لا يمكن الهدنة محو جرائم الحرب المُرتكبة خلال الصراع».
ويبدو ممّا تقدّم، أن موقف بريتوريا من القضيّة الفلسطينية، مبدئي، وقائم على رؤية شعبية تعبّر عنها حكومة «حزب المؤتمر الوطني»، وذلك على رغم الضغوط الداخلية من شريكها، «التحالف الديمقراطي»، وبعض المجموعات، لتبنّي مقاربة أكثر تحيّزاً لإسرائيل، فضلاً عن الضغوط الأميركية والأوروبية على بريتوريا، لثنيها عن مواقفها «الراديكالية» ضدّ تل أبيب وقادتها.

أفريقيا تتطلّع إلى تغيير سياسات ترامب
انتهز الرئيس الأوغندي، يوري موسيفني، فعاليات اجتماع وزراء خارجية «دول عدم الانحياز» الـ19، والتي عُقدت في كمبالا (انتهت أول من أمس) بحضور مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور، للتعبير الواضح عن التزام الحركة، برئاسة بلاده حالياً، «بتحقيق حلٍّ عادل وسلمي للقضيّة الفلسطينية»، مشيراً إلى أن «حلّ الدولتَين يظلّ الطريق الشرعي الوحيد نحو إنهاء الصراع»، فيما أبرز جهود الحركة الدبلوماسية، خصوصاً لجهة دعوتها المجتمع الدولي إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ودعم انضمامها إلى الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية.
ويظهر الإعلان المتقدّم، تعمُّق المواقف المبدئية الأفريقية تجاه القضيّة الفلسطينية، وإرادة البناء على ما تحقَّق بالفعل في السنوات الأخيرة من كشف لحقيقة الممارسات الإسرائيلية المنافية لمبادئ القانونَين الدولي والدولي الإنساني.
لكنّ انفراد ترامب بإخراج اتفاق غزة، على رغم دعمه المشهود لإسرائيل عسكريّاً وسياسيّاً، عزّز آمال عدد من الدول الأفريقية في إمكان إعادة نظر واشنطن في سياساتها المتشدّدة تجاه هذه الدول، خاصّة في مسألتَي الرسوم الجمركية، ومدّ العمل بـ»قانون الفرصة والنمو الأفريقي».
ووفقاً لتقارير نُشرت منتصف الشهر الجاري، فإن وقف الحرب في غزة من شأنه أن يعزّز بشكل مباشر علاقات إسرائيل العسكرية والأمنية مع عدد من الدول الأفريقية، بدعم أميركي مباشر. وأشارت التقارير إلى ريادة المغرب وكينيا هذا التوجّه، علماً أن الرباط تشتري أسلحة إسرائيلية منذ عام 2020، آخرها ما اشترته بداية العام الجاري من وحدات مدفعية من طراز «36 ATOMS 2000»، تصنّعها شركة «البيت سيسيتمز»، فضلاً عن تعميق نيروبي علاقاتها العسكرية مع تل أبيب، والتي تشمل الدعم والتدريب والمساعدات العسكرية المباشرة.
ولفت أحد هذه التقارير (PRISM) إلى دور الولايات المتحدة البارز في تعزيز علاقات التعاون العسكري بين إسرائيل ودول القارة الأفريقية، وفتح أسواق الأخيرة أمام شركات السلاح الإسرائيلية، «الأمر الذي يزيد المخاوف من الأنشطة العسكرية الأميركية في أفريقيا، ويربطها مباشرة بالإبادة الإسرائيلية في غزة»، كمجال للتدريب واختبار عدد من الأسلحة قبل تصديرها إلى الأسواق الأفريقية.
على أيّ حال، فإن اتفاق الهدنة الأخير، على رغم زخمه اللحظي، مثّل اختباراً للمواقف الأفريقية من القضيّة الفلسطينية، نجحت فيه دول القارة في طرح رؤية واقعية بقيادة بريتوريا وكمبالا، وتوجّس من «اليوم التالي» للهدنة، خلافاً للموقف العربي المحتفي بالهدنة كتسوية تاريخية ربّما ليس لها ما بعدها.
شوقي أبي شقرا: الراعي الصالح
محمد ناصر الدين

«حمّصي البنّ/ اقطفي الزيزفون وقمر الدين/ فكّي الغابة أساور أساور/ رشّي السكّر والبابونج/ على مريولك/ على الأرض/ على صينية الذهب/ فيشرق سنجاب/ يهرول يهرول يهرول رافعاً بنطلونه/ وتقع من السماء مسبحة».

يحضر الشاعر الراحل شوقي أبي شقرا (1935 ــ 2024*) بعد عام من غيابه في تكريم مميز من قبل «مؤسسة أنور سلمان الثقافية»‏ التي منحت صاحب «سنجاب يقع من البرج» جائزة تكريم الرواد الإبداعية.
وكانت ظروف الحرب الإسرائيلية الهمجية على لبنان العام الماضي أخّرت إعلان القرار، ثم فاجأت المنيّة الشاعر على إثر مضاعفات جلطة حادة في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2024.
في الإعلان عن الجائزة، كتبت المؤسسة على موقعها الإلكتروني «وإننا إذ نعلن اليوم منح الجائزة لروح الشاعر فلتأكيد أمر مستحق، وتقديراً لدوره في حركة الشعر العربي الحديث ولريادته في قصيدة النثر ولتاريخه الجليل في مواكبة حركات التجدد وتأسيسه للصفحات الثقافية في الصحافة اللبنانية. إنّ الموت لا يقف بين الإنسان والفن والإبداع والتاريخ بل ينهزم. لكل ذلك، تمنح المؤسسة جائزتها الأولى في تكريم الرواد والرائدات للشاعر شوقي أبي شقرا الذي رحل، ولكن روحه بقيت بيننا سارية، إذ لا يزال يحيا كل يوم في القصيدة العربية الحديثة».
إنه تكريم مستحق لشعرية شوقي أبي شقرا وترسيخ لطريقته التي سحرنا بها في كتابة الشعر في دواوينه كلها، من «أكياس الفقراء» و«ماء إلى حصان العائلة» و«لا تأخذ فتى الهيكل» و«حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة» و«يتبع الساحرة ويكسر السنابل راكضاً»، إلى غيرها من العناوين التي تحيلنا إلى ما يشبه الصور المتحركة الشعرية، وتمثل انعطافاته بعد كتابته قصائد موزونة في بداياته على غرار رفاقه في مجلة «شعر» أمثال يوسف الخال وعصام محفوظ وأدونيس.
لكنه سرعان ما أشاح بوجهه عن الوزن والبلاغة الحديثة والمعاني المألوفة في مدوّنة الشعر العربي القديم والحديث، ليشيد لنفسه مختبراً شعرياً خاصّاً أو غرفة سوداء في غاية الأصالة كما تقول مارغريت دوراس، يستلّ فيها مواده الأولية ـــ أي مفرداته ـــ من الريف اللبناني والقاموس الكنسي الشعبي، ويضيف إليها توابل شعرية ومنكهات من اللغة الفصحى. عبرها، خلق طفولةً مؤكدة متحررة من المعاني المألوفة، ومارقة على رقابة الأهل والشعر نفسه، وشغباً ينحو لتركيب الكلمات والأشياء بما يشبه ما يدور في عقل الطفل أمام أدواته، حين لا نفهم مقاصد اللعبة في منطقها وإنما في آثارها.
مختبر شوقي أبي شقرا الداخلي، كيمياؤه لا تخضع لعقل اللغة وعلم المعاني، بل لأمر ما يستبطنه الشاعر في داخله بين اللعب الطفولي والسحر السوريالي الريفي والفانتازيا الرعوية. وهو ما يجعل هذا الشعر طازجاً وغضّاً حتى بعد مرور أكثر من نصف قرن على كتابته، ولو زادت شحنته الغرائبية في أعماله الأخيرة كما في «عندنا الآهة والأغنية وجارنا المطرب الصدى» (دار نلسن ـــ 2021): «إذا جاءنا الموت بياقته والهندام الكاكي/ وخطف المخدة عليها والدي/ ودمعات بارودته سارقاً النزول/ على السجادة وهواجس الخيطان/ وخمس رصاصات هنّ أرامل/ ولا إقامة في بيت الغلاف/ ولا طلقة ستذهب وتهذّب اللص/ وتسقيه لحن الوروار».
تستحضر «مؤسسة أنور سلمان»‏ روح الشاعر في الاحتفال بتوزيع الجائزة في قاعة «وست هول»‏ في الجامعة الأميركية في بيروت في العشرين من الشهر الجاري، كما سيُعلن خلال الاحتفال عن إصدار كتاب غير منشور للشاعر الراحل شوقي أبي شقرا. وفي مناسبة منفصلة، تطلق «دار النهار»‏ (بيروت) كتاباً تذكاريّاً بعنوان: «شوقي أبي شقرا: مئة شهادة وشهادة في ذكرى الغياب الأولى». وقد ضمّنت غلافه جملة لأبي شقرا تختصر على القارئ الكثير لفهم رؤيته الشعرية: «أنا الراعي الصالح/ وقطيعي الضمّة والفتحة والكسرة».
«الأونروا» تبتزُّ اللاجئ الفلسطيني في هويته؟
إبراهيم مرعي
 متخصص في الشؤون الفلسطينية

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً واستدعت طرح عدد من التساؤلات، عدّلت الوكالة «الأونروا» في لبنان المناهج الدراسية في مدارسها، بما يتجاوز الاعتبارات التعليمية، إلى ما يمسّ الهوية الفلسطينية نفسها. إذ استبدلت كتيّباً دراسياً لطلاب الصف الأول الابتدائي، بكتيّب آخر مختلف تماماً من حيث المحتوى. والكتيّب المُستبدل كان يضمّ فصلاً عنوانه «أنا ووطني»، يحتوي على رموز فلسطينية أساسية، مثل: علم فلسطين ومفتاح العودة وصورة حنظلة.
«الأونروا» برّرت خطوتها بأنها تهدف إلى محاربة التعصب السياسي وضمان حيادية التعليم، ما يطرح إشكالية حقيقية تتعلق بمفهوم الحياد نفسه، لدى الوكالة. فالحياد لا يعني إلغاء الهوية الثقافية، بل الامتناع عن الانحياز السياسي في النزاعات. لذا، فإن محو الرموز الفلسطينية ليس حياداً، وإنما إلغاء لهوية شعب بأسره. فالتعليم لا يقتصر على نقل المعرفة، بل هو أداة لتشكيل وعي الأجيال وبناء شخصياتهم. ووفقاً لما ينص عليه إعلان حقوق الطفل (المادتين 29 و30)، يجب على التعليم أن يعزز فهم الطفل لثقافته وهويته. ومع إزالة هذه الرموز، تكون «الأونروا» قد حرمت الجيل الفلسطيني الجديد مما يربطه عاطفياً بوطنه المُحتَل، بما يُضعف ارتباطه بالقضية الفلسطينية، وبالتالي نضاله لأجلها.
هذه الخطوة تتناقض أيضاً مع قرار الأمم المتحدة الرقم 302، الذي أُنشئت «الأونروا» بموجبه في عام 1949. فالقرار يشدد على حفظ كرامة اللاجئ الفلسطيني وحماية هويته الثقافية. والخطوة تتعارض كذلك مع قرار حق العودة الرقم 194 الذي ينص على حق الفلسطينيين في العودة، ويؤكد على حفظ هويتهم. كل ذلك يجعل تحجج «الأونروا» بالحياد، غير ذي معنى، كون المس بما يتعلق الهوية، يتناقض مع الالتزامات القانونية الدولية.

التحديات المستقبلية: أسئلة مفتوحة
التعديلات التي أجرتها «الأونروا» تفتح باباً واسعاً أمام التساؤلات بشأن مستقبل القضية الفلسطينية على مختلف الأصعدة، ومنها: هل تسعى الوكالة إلى إعادة تعريف الفلسطينيين عبر محو الرموز الثقافية، وبالتالي تغيير تعريف اللاجئ الفلسطيني؟ كيف يمكن للجيل الفلسطيني الجديد أن يحافظ على هويته في ظل هذه المحاولات لتغيير ثقافته؟ هل هذه التعديلات جزء من مشروع سياسي أكبر؟ هل يتم استخدام هذه التعديلات في إطار صفقات سياسية إقليمية؟ وهل أصبحنا أمام معادلة «الثقافة مقابل التمويل»، في ما يشبه المعادلة التي فُرضت على العراق في تسعينيات القرن الماضي، أي «النفط مقابل الغذاء»؟

دعوة للتغيير والمحاسبة
على «الأونروا» أن تدرك أن الحفاظ على الهوية الفلسطينية ليس مجرد خيار، بل هو حق لا يُمَس. والشعب الفلسطيني لن يقبل أن يُمَسَّ في تاريخه أو هويته تحت أي مسمى. كما إن الحياد لا يعني إلغاء الهوية الثقافية، بل الاحترام الكامل لها.
إن المسؤولية الآن تقع على عاتق الوكالة لإعادة النظر في هذه التعديلات، واتخاذ موقف حاسم وشفاف في ما يتعلق بالحفاظ على ثقافة الشعب الفلسطيني وكرامته. وعلى الفلسطينيين أن يستمروا في المطالبة بالحفاظ على حقوقهم الثقافية والتعليمية، من دون مساومة أو تنازل.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire