٨٥% من الحسابات تحت الـ١٠٠ ألف دولار: ٧٨٢ ألف حساب فيها ١٤,٨ مليار دولار

 

ماهر سلامة

في أيلول 2025 بلغ عدد أصحاب الحسابات التي فيها أقل من 100 ألف دولار، نحو 782 ألفاً ومجموع ما فيها من ودائع بلغ 14.8 مليار دولار، وذلك بحسب أرقام رسمية وزّعت في الجلسات الثلاثة الأخيرة لمجلس الوزراء. وفي المقابل، هناك 145 ألف مودِع يملكون ما يقرب من 67.4 مليار دولار في حساباتهم التي يفوق ما فيها الـ100 ألف دولار. بحسب مشروع الحكومة للانتظام المالي واسترداد الودائع، سيدفع للجميع 100 ألف دولار، أي سيتم تسديد 14.8 مليار دولار مضافاً إليها بضعة مليارات أخرى غير مقدّرة بشكل دقيق بعد، إنما جرى التداول بأن كلفتها قد لا تزيد على 3 مليارات دولار.
وبحسب إحصاءات مصدرها مصرف لبنان وعرضت في جلسات الحكومة المخصّصة لدراسة مشروع القانون، فإن الغالبية الساحقة من عدد الودائع يقع تحت سقف الـ100 ألف دولار، فيما تتركّز الكتلة الأساسية من حجم الودائع لدى شريحة أصغر عدداً وأثقل وزناً مالياً. عملياً، نحو 84% من الحسابات لا تمثل سوى نحو سدس الكتلة الإجمالية، في حين أن 16% من الحسابات تحتفظ بأكثر من أربعة أخماسها. هكذا تتضّح خلفية القانون الذي أقرّته الحكومة، والهدف منه، إذ يظهر أنها تحاول إيجاد معالجة سريعة نسبياً لشريحة واسعة عددياً، مقابل ترحيل المشكلة الفعلية إلى شريحة أضيق عددياً، ولكنها مالياً الأكثر حساسية.
ومن بين المودعين الذين تتجاوز ودائعهم سقف الـ100 ألف دولار ولا تتجاوز المليون دولار، ثمة عدد كبير من المتقاعدين من القطاع العام ومن السلك العسكري وغيرهم.
مجموع حسابات هؤلاء يبلغ 36.3 مليار دولار. وهؤلاء راكموا ودائعهم على مدى عقود من الخدمة، وغالباً ما تمثّل هذه الأموال تعويض نهاية خدمتهم الذي كانوا يعتمدون عليه لإعالتهم بعد التقاعد، في ظل نظام لا فيه تغطية صحية ولا نظام شيخوخة. لكن الأهم والأخطر على الحكومة أن هذه الفئة ليست مبعثرة أو فردية، بل هي منظمة ضمن نقابات وروابط وجمعيات قادرة على التحرك الجماعي، وهذا الأمر سيشكّل تحدياً أمام الحكومة التي تعتبر أنها تخلّصت من جزء كبير من الضغط عبر «تسكير الحساب» مع العدد الأكبر من المودعين.
غير أن كلفة 14 مليار دولار لتسديد الـ100 ألف دولار لمن لديهم حسابات فيها أقل من 100 ألف دولار، ليست تفصيلاً بسيطاً. فهذا الرقم وحده يوازي، بل يتجاوز، حجم السيولة بالعملات الأجنبية المعلنة لدى مصرف لبنان. أي إن «ضمان» الودائع الصغيرة، الذي يُقدَّم سياسياً على أنه خطوة اجتماعية بديهية، يتطلّب سيولة بالدولار تفوق ما يملكه النظام النقدي فعلياً والبالغ حالياً 12 مليار دولار. فمن أين ستأتي هذه الدولارات، وبأي كلفة على الاقتصاد وعلى ما تبقى من أصول عامة، علماً أن المبلغ المطلوب تسديده في أول أربع سنوات قد يتجاوز الـ18 مليار دولار؟
من الواضح في الفجوة أن الأصول العامة ستتحمّل جزءاً ليس هيّناً من هذه الكلفة وهو ما يُحمّل الدولة عبئاً كبيراً، ويُسهم في محدودية قدرتها على القيام بدور في الاقتصاد بسبب تخصيص إيراداتها لهدف تسديد الودائع.
القانون يحاول الإجابة عبر تقسيم الودائع إلى شرائح زمنية وأدوات مختلفة. فالودائع التي لا تُجاوز المئة ألف دولار يُفترض تسديدها خلال مهلة قصيرة نسبياً، أي 4 سنوات، فيما تُعاد هيكلة ما تبقى من الودائع عبر آجال طويلة وأدوات مرتبطة بالأصول. ظاهرياً، يبدو هذا الترتيب منطقياً، لناحية حماية «الصغار» أولاً، وتأجيل «الكبار». لكن الواقع أكثر تعقيداً، لأن شريحة من هؤلاء «الكبار» ليست بالضرورة من كبار الرساميل أو أصحاب النفوذ المالي التقليدي.
فبينما قد تمرّ إعادة هيكلة ودائع كبار رجال الأعمال أو أصحاب الرساميل الكبيرة بهدوء نسبي، فإن المساس بودائع متقاعدين عسكريين وموظفين عموميين يفتح الباب أمام اعتراض منظّم وفعّال. هذه فئات تمتلك خبرة في الضغط، وشبكات تمثيل، وقدرة على تحويل اعتراضها إلى أزمة سياسية للحكومة. وعند هذه النقطة، يصبح الفصل النظري بين «صغار مودعين محميين» و«كبار مودعين مؤجَّلين» فصلاً هشّاً.
عملياً، الحكومة أمام اختبار لقدرتها على تأمين سيولة حقيقية لتنفيذ وعودها، وقدرتها في الوقت نفسه على إدارة تحديات اجتماعية ــ سياسية مع فئات منظَّمة ترى في القانون انتقاصاً من حقوقها.

المقاومة الفلسطينية بين البطولة في الميدان وغياب المشروع السياسي
خالد بركات
كاتب فلسطيني

أثبتت المقاومة الفلسطينية، خلال حرب الإبادة المستمرة، قدرتها العالية على الصمود والمبادرة، ونجحت في ترسيخ حضورها بوصفها الفاعل المتقدّم في مواجهة المشروع الصهيوني الاستعماري. غير أنّ هذه الحقيقة، على أهميتها، لا تُلغي أزمة جوهرية تعاني منها الحركة الوطنية الفلسطينية عموماً، وفي القلب منها المقاومة المسلحة على وجه الخصوص: غياب المشروع السياسي التحرري، وغياب الجبهة الوطنية القادرة على تحويل الفعل المقاوم إلى مسار تحرري سياسي واجتماعي شامل.
فلا يمكن لأي حركة تحرّر تواجه استعماراً استيطانياً إحلالياً أن تنتصر بالبطولة العسكرية وحدها، مهما بلغت تضحياتها، إن لم تكن هذه البطولة مسنودة برؤية فكرية وسياسية واضحة، وباستراتيجية وطنية يشارك الشعب في صياغتها، تُحدِّد الهدف، وتدير الصراع، وتمنع الالتفاف على الإنجازات.

غياب الجبهة الوطنية الموحدة بعد موت منظمة التحرير
لم تكن منظمة التحرير الفلسطينية، في لحظة تأسيسها، مجرد إطار تمثيلي شكلي، بل كانت جبهة وطنية جمعت مختلف الطبقات الاجتماعية وقوى الثورة في مواجهة الاستعمار الصهيوني. غير أنّ هذا الدور انتهى عام 1974 (تبنّي شعار الدولة بدل التحرير) ثم انتهى عملياً مع مسار أوسلو (1993) حيث جرى تفريغ المنظمة من مضمونها التحرري، وتحويلها إلى جسم منزوع الإرادة، خاضع لمنظومة السلطة والتزاماتها الأمنية.
اليوم، لم تعد منظمة التحرير تُشكّل جبهة وطنية، بل تحوّلت إلى «ختم» ويافطة سياسية تُستخدم لتوفير غطاء شكلي لقوى التنسيق الأمني، وشرعنة مسار سياسي منقطع كلياً عن مصالح الشعب الفلسطيني وتطلعاته التحررية. هذا الموت السياسي للمنظمة خلق فراغاً وطنياً خطيراً، يتمثّل في غياب جبهة وطنية قادرة على إدارة الصراع بوصفه صراع وجود، لا نزاعاً على سلطة وصلاحيات.
وفي ظل هذا الفراغ، تعمل قوى المقاومة دون إطار وطني موحِّد، ما يجعل فعلها، رغم بسالته، عرضة للتجزئة والاستنزاف، ويمنع تحويل الإنجازات الميدانية إلى رصيد سياسي تحرري متراكم. وهذا هو درس التاريخ على مدار قرن من الصراع؛ إذ لم تكن الأزمة في استعداد الشعب الفلسطيني للعطاء والتضحية، بل في قيادة سياسية كانت تأخذه، بعد كل ثورة وانتفاضة، إلى اتفاقيات وأوهام، وإلى حصار أشد وأرض أقل.

ارتباك قوى المقاومة أمام وهم «المصالحة» و«الوحدة الوطنية»
تُظهر قوى أساسية في المقاومة ارتباكاً سياسياً واضحاً في مقاربتها لمسألة ما يُسمّى «الوحدة الوطنية»، حيث يجري الخلط بين الوحدة على أساس برنامج ثوري تحرري واضح، وبين الشراكة مع قوى السلطة والتنسيق الأمني. هذا الخلط لا يُنتج وحدة، بل يخلق وهماً سياسياً يُكبّل المقاومة بدل أن يعزّزها، ويصبّ في مصلحة قوى مهزومة وطبقات باعت فلسطين من أجل تأمين امتيازاتها الطبقية.
إنّ السعي إلى وحدة مع قوى ثبت، بالوقائع، دورها الوظيفي في «ضبط الشارع الفلسطيني» وحماية أمن الاحتلال، لا يمكن أن يكون مدخلاً للتحرير، بل يعكس غياب الرؤية السياسية لدى بعض قوى المقاومة في تحديد طبيعة المرحلة، والعدو الرئيسي، وحدود التناقض.
وقد أدّى هذا الارتباك إلى القبول العملي بمعادلات تُبقي المقاومة في موقع الدفاع السياسي، وتمنح قوى فقدت شرعيتها الوطنية قدرةً على ابتزازها باسم «الشرعية» و«المصالحة الوطنية»، في حين تُفرَّغ هذه المفاهيم من مضمونها التحرري الحقيقي.

الضعف أمام التحالفات الإقليمية وحدودها
لا يمكن فصل أزمة المشروع السياسي للمقاومة عن علاقتها بتحالفاتها الإقليمية، وبخاصة مع قطر وتركيا ومصر. فهذه العلاقات، رغم ما توفّره من هوامش «دعم» أو حركة، تفرض في المقابل قيوداً سياسية واضحة، وتدفع المقاومة إلى مراعاة حسابات أنظمة لا تنظر إلى فلسطين من زاوية التحرير، بل من زاوية إدارة الصراع وتدويره.
إنّ الارتهان النسبي لهذه التحالفات، أو التعامل معها بوصفها بديلاً من العمق الشعبي العربي والإسلامي والأممي، يُضعف استقلالية القرار السياسي للمقاومة، ويحدّ من قدرتها على بلورة خطاب تحرري جذري، ويتناقض مع طبيعة الصراع المفتوح مع المشروع الصهيوني.
فالدول المذكورة، مهما اختلفت أدوارها، تظل حليفة لواشنطن، وتشترك في السعي إلى ضبط المقاومة لا إلى تفجير طاقاتها، وإلى الاحتواء لا إلى التحرير. وأي مشروع سياسي يتجاهل هذه الحقيقة سيبقى مشروعاً ناقصاً، قابلاً للالتفاف والتفريغ.

وهم «الدعم العربي» ودور النفط في تخريب الثورة الفلسطينية
تقول التجربة التاريخية الفلسطينية إن ما سُمّي طويلاً بـ«الدعم العربي الرسمي» لم يكن، في جوهره، سوى وصفة لتخريب الثورة الفلسطينية وإفساد بنيتها القيادية والسياسية، وقد استُخدم هذا «الدعم» أداةً للضبط والاحتواء، وربط القرار الوطني الفلسطيني بحسابات الأنظمة لا بمصالح التحرير.
لم يكن المال النفطي دعماً بريئاً، بل وسيلة لإعادة هندسة القيادة، وتشجيع البيروقراطية، وإضعاف الطابع الشعبي الكفاحي، وتحويل الثورة إلى جهاز يعتمد على التمويل الخارجي ويخضع لشروطه وسقوفه السياسية. هكذا انتقل الخطاب الفلسطيني من «الثورة» إلى «الدولة» إلى «السلطة» وصولاً إلى العدم.
ومع تراجع هذا «الدعم»، انتقلت هذه المهمة إلى ما يُسمّى «الدول المانحة» الأوروبية، وإلى «الدعم» الأميركي المباشر وغير المباشر، حيث جرى تقاسم وظيفي أوروبي–أميركي لربط التمويل بشروط سياسية وأمنية وقانونية، تهدف إلى نزع الطابع التحرري عن القضية الفلسطينية وتحويلها إلى «ملف إنساني-أمني» منزوع عن طبيعة الصراع وحقائقه.
وفي هذا السياق، جرى تفريع المؤسسات الوطنية، والسيطرة شبه الكاملة لما يُعرف بـ«المنظمات غير الحكومية»، التي لعبت دوراً محورياً في تفكيك البنية الوطنية الجامعة، واستبدال النضال السياسي من أجل الحقوق الوطنية إلى خطاب «حقوقي» و«مدني» لا صلة له بجوهر القضية.
وبالتوازي، تعرّض الفلسطينيون في الشتات لعملية مصادرة ممنهجة لدورهم التاريخي في المشروع الوطني. جرى تدجين سلاحهم، وتدمير اتحاداتهم النقابية والشعبية، وتحويلها إلى هياكل شكلية أو أطر خاضعة لشروط الدول المضيفة. واليوم تُنفَّذ هذه العملية علناً، عبر محاولات منع فلسطينيي الشتات من المشاركة في أي عملية تغيير أو إعادة بناء للمشروع التحرري. يُراد لهم أن يكونوا «جاليات» بلا دور سياسي، في حين أنّ الشتات كان ولا يزال العمود الفقري لأي مشروع تحرر فلسطيني.

خلاصة
إنّ على المقاومة الفلسطينية أن تُقدّم للشعب الفلسطيني، دون تردد، مشروعها السياسي الوطني الشامل، بوصفه استحقاقاً فرضته التضحيات والتحولات التي أحدثها «طوفان الأقصى». وليس مطلوباً منها العودة مرة أخرى إلى ما سُمّي بـ«المصالحة الفلسطينية»، بعد أن أثبتت التجربة أنّ هذا المسار لم يكن سوى آلية لإعادة إنتاج منظومة الفشل والتنسيق الأمني. فما جرى بعد السابع من أكتوبر قد جبّ ما قبله، وفتح مرحلة جديدة لا يمكن إدارتها بأدوات قديمة.
اليوم، نحن أمام شرعية ثورية جديدة، مدعومة بشرعية شعبية واسعة وغالبية فلسطينية حقيقية، رأت في المقاومة ممثلاً لإرادتها وكرامتها، في مقابل قوى تخلّت عن غزة وشعبها ومقاومتها الباسلة. وأخطر ما يمكن أن تواجهه المقاومة هو أن تظل متفرجة على هذه الألغام القاتلة وهي تزرع في العلن، وعلى مؤامرة هدفها تفريغ منجزات «طوفان الأقصى»، على يد واشنطن وتل أبيب وأنظمة التطبيع ومَن فقدوا ضميرهم وشرعيتهم الوطنية.
محمد بكري فنان أصيل لا يُشبه إلا نفسه
قاسم بكري

محمد بكري، زيتونة فلسطين، فنان أصيل لا يُشبه إلا نفسه. حمل قضايا شعبه المكلوم في صوته وملامحه وموهبته، وجعل من الفن ساحة للمقاومة والكرامة.
لم ينحنِ محمد بكري للتيارات، بل سار بعناد المؤمن بعدالة الكلمة وصدق الصورة، فصار رمزًا للفن الحرّ والملتزم.
حضوره إنساني عميق، وصموده الثقافي شهادة على أن الصوت الفلسطيني، حين يكون أصيلًا، لا يمكن إسكاتُه.
فن محمد بكري هو امتداد للهوية والوجع الفلسطينيين، وفي الوقت ذاته، هو فن يصرخ بالكرامة والصدق والإنسانية.
من خشبة المسرح إلى شاشة السينما، قدّم أعمالًا لا تجامل، بل تواجه، تكشف، وتحاور. مسرحه وسينماه ناطقان بالحق، وأفلامه توثيق حيّ لذاكرة شعب لم ينكسر.
تميّز محمد بكري بحضوره الكاريزمي، وباختياره لأدوار تحمل رسالة. لم يكن التمثيل عنده مجرد أداء، بل فعل مقاومة ومسار وعي.
في فيلم "جنين، جنين"، لم يقدّم مجرّد عمل فني، بل أطلق صرخة في وجه الرواية الإسرائيلية، ودفع ثمنًا باهظًا لأنه بقي وفيًّا لقضيته.
محمد بكري فنان يعرف أن الفن موقف، ولذلك ظلّ صوته عاليًا، متحدّيًا محاولات الإقصاء والتضييق، لأنه لم يُساوم يومًا على قضيته ولا على إنسانيته.
وفي لحظة الوداع، حين يطغى الحزن ويعلو الصمت، يأبى عديمو الإنسانية إلا أن ينعقوا كالغربان، ويبثوا سموم الحقد والكراهية.
فماذا يعني أن يشمت يمينيون متطرفون بموت إنسان بحجم محمد بكري؟
إنها ليست سوى شهادة جديدة على نُبل هذه القامة الإنسانية، وعلى كمّ القهر الذي سبّبه لهم صدقه، وعمق أثره.
الشماتة بالموت، أيًّا كان صاحبها، هي انحدار أخلاقي، وانسلاخ عن أبسط معاني الإنسانية.
فالموت ليس ساحة لتصفية الحسابات، ولا فرصة لإثبات الغلبة. إنه لحظة كاشفة، تُظهر معادن البشر: من يملك قلبًا، ومن فقد إنسانيته تمامًا.
الشماتة لا تعبّر عن قوة، بل عن خواء داخلي. فالموت، في جوهره، هو المصير الحتمي الذي لا يفرّق بين خصم وصديق.
والشماتة، مهما تزيّنت بالشعارات أو تسلّحت بالمواقف، تبقى قسوة عارية، لا تبرّرها قضية، ولا يغفرها منطق.
فليختر كلٌّ موقعه: بين من يترحّم على الراحلين رغم الخلاف، وبين من يفرح بالجنازات، ناسيًا أن له موعدًا لم يُعلن بعد.
وسيبقى محمد بكري شامخًا رغم أنوفكم وشماتتكم، لأنه ارتقى بفنه، وبكرامته، وبصدقه... إلى حيث لا تصل سهام الحقد ولا نباح الأحقاد.
الشماتة لا تنال من الراحل، بل تفضح الشامت.
وداعا محمد بكري.. وداعا زيتونة فلسطين...
المنخفض الجوي يفاقم المعاناة في غزة وسط شح الوقود
أعلنت بلدية غزة عن صعوبات كبيرة في التعامل مع المنخفض الجوي الحالي، في ظل انعدام تصريف مياه الأمطار نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي.
وأوضحت البلدية أن «عدم توفر كميات كافية من الوقود عرقل استجابة طواقمها لنداءات الاستغاثة الناتجة عن الأمطار الغزيرة»، مشيرة إلى أن العمل يتم بـ«أدوات بدائية».
وجددت البلدية مطالبتها بضرورة «إدخال البيوت المتنقلة ووسائل التدفئة لمواجهة الظروف القاسية».
وتسببت رياح قوية وأمطار غزيرة في غرق عدد من خيام النازحين وتطاير أخرى بمناطق متفرقة من القطاع، خاصة في خانيونس، ما فاقم معاناة عشرات آلاف العائلات الفلسطينية.
إضافة إلى تضرر أكثر من ربع مليون نازح من أصل نحو 1.5 مليون يعيشون، في خيام ومراكز إيواء بدائية، لا توفر الحد الأدنى من الحماية.
وكان قد انهار عدد من المباني السكنية المتضررة من قصف إسرائيلي سابق، خلال أشهر الإبادة، بفعل الأمطار والرياح. وفاقم غياب الوقود الأزمة، إذ عجزت العائلات عن تأمين أي وسيلة للتدفئة في ظل انخفاض درجات الحرارة ليلاً، الأمر الذي انعكس سلبًا على الأطفال، وسجّل وفاة عدد منهم.
ومنذ بدء تأثير المنخفضات الجوية على غزة، في كانون الأول الجاري، لقي 17 نازحًا بينهم 4 أطفال مصرعهم، فيما غرقت نحو 90% من مراكز إيواء النازحين الذين دمرت إسرائيل منازلهم.
المنخفض الجوي يحول الشوارع إلى فخاخ.. صعوبة التنقل معاناة يومية للغزيين
أحمد زقوت

مع هطول الأمطار الغزيرة المصاحبة للمنخفض الجوي الذي يضرب قطاع غزة منذ أيام، يجد المواطنون أنفسهم أمام واقع إنساني قاسٍ، تتفاقم فيه معاناة التنقل بين أحياء القطاع، وصولاً إلى الخدمات الأساسية مثل المستشفيات والمدارس والمحال التجارية.
يعكس هذا الواقع مأساة غزة جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي، الذي دمر البنى التحتية المتهالكة أصلاً، ما حول شوارع المدينة إلى برك من المياه والوحل، مختلطة أحيانًا بمياه الصرف الصحي، وزاد من معاناة المواطنين اليومية.
يغوص المواطنون والمشاة وسط الطين والوحل والمياه الملوثة، يتعثرون في الحفر العميقة والأنقاض المتناثرة، فيما يبقى الأطفال وكبار السن الأكثر عرضة للسقوط والانزلاق في أي لحظة. ويضطر البعض للركوب في عربات مكشوفة أو مقطورات تُجر بسيارات، مواجهةً الأمطار الغزيرة والبرد القارس والرياح العاتية مباشرة، وسط أكوام الركام والأنقاض التي تحاصرهم من كل جانب، مرسخةً حجم المأساة التي يعيشها أهالي غزة.
وأمس الأحد، توفي طفل وامرأة نتيجة المنخفض الجوي الحالي. ومنذ بداية هطول الأمطار هذا الشهر في غزة، بلغ عدد الضحايا 17 شخصًا، بينهم أربعة أطفال، فيما غرقت نحو 90% من مراكز إيواء النازحين التي دمّرت "إسرائيل" منازلهم سابقًا. كما تسبب المنخفض في انهيار مبانٍ تضررت من القصف "الإسرائيلي"، ما زاد من حجم الكارثة الإنسانية.

كابوس يومي
المواطن شادي القرم، نازح في أحد مخيمات الإيواء غرب غزة، يقول لـ "بوابة الهدف" إن التنقل في ظل المنخفض الجوي يشكل كابوسًا يوميًا لا يُحتمل"، مضيفًا أنّه "في كثير من الأحيان، أضطر للمشي لمسافات طويلة وسط مياه الأمطار والوحل والمستنقعات، حيث تغمرنا المياه أحيانًا ونتعثر في الحفر والأنقاض. وفي بعض الأحيان، أضطر للعودة إلى خيمتي لأن التنقل من مكان لآخر يصبح شبه مستحيل".
ويشير القرم إلى أنّ "كل يوم يمر يزداد الوضع سوءًا، فكل هطول للأمطار يضيف تحديات جديدة أمامنا، بين مياه الأمطار والمستنقعات والحفر التي تحاصرنا من كل جانب"، داعيًا إلى توفير دعم عاجل لتخفيف هذه المعاناة الإنسانية الكبيرة على السكان، خاصة الخيام التي تغرق في كل منخفض جوي، والتي تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة.
أما المواطنة تهاني أبو دية، فتوضح لـ "الهدف" أنّ ركوب وسائل المواصلات خلال المنخفض يشكل تحديًا هائلًا وخطرًا يوميًا، مبينةً أنّ السكان يضطرون لحمل أطفالهم ويمشون وسط السيول والطين ومياه الصرف الصحي التي تجري في الأحياء المدمرة والطرقات، تحت تهديد الانزلاق والسقوط المستمر.
وتضيف أبو دية أنّ "ركوب العربات المكشوفة التي تُجر بواسطة سيارات لا يوفر أي حماية للسكان، إذ تفتقر هذه الوسائل للسقف الذي يقيهم من الأمطار الغزيرة والبرد القارس، ولا حماية من الجوانب، ما يجعل الوصول إلى الأماكن الأساسية مثل المدارس والمستشفيات والمحلات التجارية أمراً بالغ الصعوبة ومليئًا بالمخاطر".
وتلفت إلى أنّ "الوضع أصبح يائسًا، وكل منخفض جوي يزيد من معاناتنا اليومية، ويحول التنقل إلى معركة مستمرة للبقاء على قيد الحياة، خصوصًا للأطفال وكبار السن الذين لا حول لهم ولا قوة وسط هذه الظروف القاسية"، مناشدةً الجهات المعنية والمجتمع الدولي بالعمل العاجل لإعادة إعمار الأحياء المدمرة، وتوفير وسائل مواصلات آمنة ومحمية للمواطنين، تقيهم من المخاطر اليومية أثناء التنقل.
مع دخول المنخفض، تتعطل الحياة شبه كليًا، ويصبح التنقل معاناة إضافية على الأزمات التي يواجهها الغزيون في توفير الطعام والشراب والمأوى. ويعيش السائقون، كجزء من النسيج الاجتماعي، نفس حياة المواطنين من المأساة.

طرقات وعرة 
السائق كارم العريني ينقل المواطنين بمركبته، التي تجر خلفها عربة مكشوفة، وهو يصف واقع الطرقات الصعبة وأحوال المواطنين المتضررين خلال المنخفض.
ويشير العريني في حديثه إلى "الهدف"، إلى أنّ المواطنين يعانون بشكل كبير عند استخدام المواصلات، إذ يضطرون للانتظار أكثر من نصف ساعة للحصول على ركوب، كما يستغرق الوصول إلى وجهتهم وقتًا طويلًا وقد يتأخرون عن مواعيدهم بسبب الطرقات المليئة بالحفر وبرك المياه.
ويؤكد أنّ مع اشتداد المطر يصبح تمييز الطرق مستحيلًا، وقد تنزلق السيارة أو تتعطل فجأة في منتصف الطريق، لنجد أنفسنا عالقين دون أي مساعدة، نتيجة الانهيار الكامل للبنية التحتية. مشددًا على أنّ السائقين يحاولون تقديم العون للمواطنين، لكنهم يواجهون صعوبات هائلة بسبب الشوارع المدمرة، الأعطال المتكررة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود وقطع الغيار.

انهيار البنية التحتية يفاقم الكارثة الإنسانية
وفي الإطار ذاته، يؤكد الناطق باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل تسجيل حالتي وفاة منذ بدء المنخفض، لطفل غرق في حفرة مياه وسيدة إثر سقوط جدار قرب ميناء غزة، لافتًا إلى أنّ مئات الخيام غرقت أو تطايرت بفعل الأمطار والرياح، مع ورود مئات المناشدات للتدخل في عشرات الحالات داخل مراكز الإيواء ومناطق متفرقة.
ويطالب بصل المنظمات الدولية بالتحرك العاجل لتوفير مواد البناء ومستلزمات الإيواء، بدلًا من الاكتفاء بالخيام غير الفعّالة، إذ تضرر منذ بداية المنخفضات هذا الشهر أكثر من ربع مليون نازح يعيشون في خيام ومراكز إيواء بدائية، وسط دمار واسع للبنية التحتية، ما فاقم معاناة سكان القطاع.
من جهته، قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني إن طقس الشتاء القاسي في قطاع غزة يفاقم معاناة مستمرة منذ أكثر من عامين جراء الحرب الإسرائيلية في القطاع، مضيفًا أنّ "السكان يعيشون في خيام بالية وغارقة بالمياه، وسط الأنقاض".
وأوضّح لازاريني في بيانه أنّ "المزيد من الأمطار يعني المزيد من البؤس واليأس والموت"، مشددًا على أنّ "مساعدات الإغاثة الحالية لا تصل بالكمية المطلوبة، ومؤكدًا أنّ "الأونروا بإمكانها مضاعفة جهود الإغاثة في حال السماح بتدفق المساعدات إلى القطاع المحاصر".
ويبقى سكان غزة يواجهون معاناة يومية مستمرة وسط ظروف قاسية، وسط حاجة ماسة لتدخل عاجل يخفف آثار المنخفض الجوي ويوفر الحماية الأساسية لهم.
غزة: وفاة طفل بردًا ووصول شهيد و3 إصابات للمستشفيات خلال 48 ساعة
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم الإثنين، وفاة طفل نتيجة البرد الشديد المصاحب للمنخفض الجوي العميق الذي يضرب البلاد.
وقالت الوزارة، في تصريحها، إنّ الطفل أركان فراس مصلح (شهران) توفي متأثرًا بالبرد القارس، لترتفع حصيلة الوفيات الناجمة عن البرد والمنخفض الجوي إلى 3 حالات.
كما أعلنت الوزارة عن وفاة مواطن جراء انهيار مبنى، ما يرفع عدد الضحايا الذين وصلوا إلى المستشفيات نتيجة انهيار المباني بفعل المنخفض الجوي إلى 17 حالة.
وفي تقريرها الإحصائي اليومي حول أعداد الشهداء والجرحى جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أفادت الوزارة بوصول شهيد واحد جرى انتشاله من تحت الأنقاض و3 إصابات إلى مستشفيات القطاع خلال الـ48 ساعة الماضية.
وأشارت إلى أنه منذ وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بلغ إجمالي الشهداء 414 شهيدًا، و1,145 إصابة، فيما بلغ عدد الشهداء الذين جرى انتشالهم 680 شهيدًا.
أما الحصيلة التراكمية منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023، فقد بلغت 71,266 شهيدًا، و171,222 إصابة.
وأكدت وزارة الصحة أن عددًا من الضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات، في ظل عجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة.
منظمة الجيل الجديد – مجد في مخيم برج البراجنة تختتم مؤتمراتها التنظيمية وتنتخب قيادة جديدة
أنجزت منظمة الجيل الجديد – مجد في مخيم برج البراجنة جنوب العاصمة اللبنانية بيروت مؤتمرها التنظيمي، في محطة تنظيمية، جرى خلالها تقييم المرحلة السابقة، ومناقشة سبل تطوير العمل الشبابي والطلابي، وانتخاب قيادة جديدة تقود مهام المرحلة المقبلة بروح المسؤولية والالتزام الوطني.
وحمل المؤتمر اسم شبل فلسطين *الرفيق الشهيد محمود أمجد حمادنة،* عضو منظمة مجد في الضفة الفلسطينية، الذي اغتالته قوات الاحتلال صباحًا أثناء توجهه إلى مدرسته، في جريمة جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال الأسود بحق الأطفال والطلبة الفلسطينيين.
وأكد المشاركون أن هذه المؤتمرات تشكّل استحقاقًا تنظيميًا يهدف إلى ضخ دم جديد في الأطر القيادية، وتمكين الشباب والطلبة من أخذ دورهم الطبيعي في صناعة القرار، بما يخدم هدفًا وطنيًا وطلابيًا واضحًا يتمثل في الدفاع عن حقوق شعبنا وطلابنا في لبنان، وتعزيز حضورهم ودورهم في مختلف الميادين، وخلال المؤتمر تم تكريم مدربي البرامج الكشفية والرياضية والفنية والتربوية : الرفيق مصطفى بلقيس، المدرب محمد عوض، المدربة ماريا بدوي والاستاذ محمد بلقيس.
طريق الذكاء الاصطناعي يمر عبر بياناتنا الشخصية
على مدى سنوات، شكّل استخدام الخدمات «المجانية» من غوغل وفايسبوك ومايكروسوفت وغيرها من عمالقة التكنولوجيا ثمناً يتمثل في تسليم البيانات الشخصية للمستخدمين، وفق تقرير مترجم عن موقع «وايرد» للكاتب مات بورغيس.
تحميل الحياة الرقمية إلى السحابة واستخدام التكنولوجيا المجانية يوفّر سهولة وراحة، لكنه يضع المعلومات الشخصية في أيدي شركات عملاقة غالباً ما تسعى إلى تحقيق الربح منها. اليوم، من المرجّح أن تطلب الموجة التالية من أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي وصولاً أوسع إلى البيانات أكثر من أي وقت مضى.
خلال العامين الماضيين، انتقلت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل «تشات جي بي تي» من OpenAI و«جيميناي» من غوغل، إلى ما هو أبعد من روبوتات الدردشة النصية البسيطة التي أُطلقت في البداية.
تتجه شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى بشكل متزايد إلى تطوير وكلاء و«مساعدين» يعدون بتنفيذ إجراءات وإنجاز مهام نيابةً عن المستخدم. المشكلة أن الاستفادة القصوى من هذه الأنظمة تتطلب منحها صلاحيات وصول إلى أنظمتك وبياناتك.
وإذا كان الجدل الأولي حول نماذج اللغة الكبيرة قد تمحور حول النسخ الصريح لمحتوى محمي بحقوق نشر على الإنترنت، فإن وصول وكلاء الذكاء الاصطناعي إلى بيانات الناس الشخصية مرشح لإطلاق سلسلة جديدة من الإشكاليات.
يقول الباحث الأول في معهد آدا لوفلايس، هاري فارمر، إن وكلاء الذكاء الاصطناعي يحتاجون، كي يعملوا بكامل قدراتهم ويصلوا إلى التطبيقات، إلى صلاحيات على مستوى نظام التشغيل للجهاز المستخدم. وقد أظهرت أبحاثه أن هؤلاء الوكلاء قد يشكّلون «تهديداً عميقاً» للأمن السيبراني والخصوصية.
ويضيف أن تخصيص عمل روبوتات الدردشة أو المساعدين ينطوي على مقايضات تتعلق بالبيانات، إذ تتطلب هذه الأنظمة قدراً كبيراً من المعلومات الشخصية كي تؤدي وظائفها.
لا يوجد تعريف صارم لوكيل الذكاء الاصطناعي، غير أنه يُفهم عادة بوصفه نظاماً توليدياً أو نموذج لغة كبيراً مُنح مستوى من الاستقلالية. في الوقت الراهن، تستطيع هذه الأنظمة، بما في ذلك متصفحات ويب تعمل بالذكاء الاصطناعي، التحكم بجهاز المستخدم، تصفح الإنترنت، حجز الرحلات، إجراء أبحاث، أو إضافة سلع إلى عربات التسوق، وبعضها ينفذ مهاماً تتضمن عشرات الخطوات المتتابعة.
ورغم أن وكلاء الذكاء الاصطناعي الحاليين يعانون من أخطاء متكررة وغالباً ما يفشلون في إتمام المهام الموكلة إليهم، تراهن شركات التكنولوجيا على أن هذه الأنظمة ستُحدث تحولاً جذرياً في وظائف ملايين الأشخاص مع ازدياد قدراتها.
ويبدو أن جوهر فائدتها مرتبط بالوصول إلى البيانات، فالنظام الذي يزوّد المستخدم بجدول ومهام يحتاج إلى الوصول إلى التقويم والرسائل والبريد الإلكتروني وغيرها.
تقدّم بعض المنتجات والميزات المتقدمة لمحة عن حجم الصلاحيات التي قد تُمنح لهذه الأنظمة. فبعض الوكلاء المخصصين للشركات قادرون على قراءة الشيفرات البرمجية والبريد الإلكتروني وقواعد البيانات ورسائل منصة «سلاك» والملفات المخزنة على «غوغل درايف» وغيرها.
كما يأخذ منتج «ريكول» من مايكروسوفت لقطات شاشة لسطح المكتب كل بضع ثوانٍ، ما يتيح البحث في كل ما فعله المستخدم على جهازه. كذلك طوّرت «تيندر» ميزة ذكاء اصطناعي تمسح الصور على الهاتف «لفهم أفضل» لاهتمامات المستخدمين وشخصياتهم.
تقول الأستاذة المشاركة في جامعة أكسفورد ومؤلفة متخصصة في قضايا الخصوصية، كاريسا فيليز، إن المستهلكين غالباً لا يملكون وسيلة حقيقية للتحقق من كيفية تعامل شركات الذكاء الاصطناعي مع بياناتهم. وتضيف: «هذه الشركات متساهلة جداً في استخدام البيانات، وقد أثبتت مراراً أنها لا تحترم الخصوصية».
لم يكن قطاع الذكاء الاصطناعي الحديث يوماً محترماً لحقوق البيانات. بعد الاختراقات في تعلم الآلة والتعلم العميق مطلع العقد الماضي، والتي أظهرت أن الأنظمة تحقق نتائج أفضل كلما تدربت على بيانات أكثر، تسارع السباق لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات.
سحبت شركات التعرف إلى الوجوه، مثل Clearview، ملايين الصور من الإنترنت. غوغل دفعت خمسة دولارات فقط مقابل مسح وجوه أشخاص، فيما استُخدمت، وفق مزاعم، صور لأطفال مستغلين ومقدمي تأشيرات وأشخاص متوفين لاختبار أنظمة حكومية رسمية.
بعد سنوات من سباق جمع البيانات، اتجهت شركات الذكاء الاصطناعي إلى مسح طبقات واسعة من الإنترنت ونسخ ملايين الكتب، في الغالب من دون إذن أو مقابل، بهدف تدريب نماذج اللغة الكبيرة والأنظمة التوليدية التي يجري اليوم تطويرها لتتحول إلى «وكلاء» مستقلين.
ومع تراجع ما يمكن استخلاصه من محتوى الويب العام، سادت لدى شركات كثيرة سياسة افتراضية تعتمد استخدام بيانات المستخدمين في التدريب، ليغدو الاعتراض أو الانسحاب إجراءً لاحقاً في آلية التعامل مع البيانات.
ورغم تطوير بعض الأنظمة التي تركز على الخصوصية ووجود إجراءات حماية معينة، فإن جزءاً كبيراً من معالجة بيانات الوكلاء يجري في السحابة، ما يفتح الباب أمام مخاطر عند انتقال البيانات بين الأنظمة.
حدّدت دراسة بتكليف من جهات تنظيم البيانات الأوروبية مجموعة من المخاطر، تشمل تسريب البيانات الحساسة أو إساءة استخدامها أو اعتراضها، وإمكانية إرسال معلومات حساسة إلى أنظمة خارجية من دون ضمانات، إضافة إلى تعارض ممارسات المعالجة مع قوانين الخصوصية.
تلفت فيليز إلى أن موافقة المستخدم لا تحل كل الإشكاليات، إذ قد لا يكون الآخرون الذين يتواصل معهم المستخدم قد أعطوا موافقتهم. فإذا امتلك النظام وصولاً إلى جهات الاتصال والبريد والتقويم، فإن أي تواصل مع شخص آخر يعني عملياً الوصول إلى بياناته أيضاً، وهو أمر قد يرفضه.
كما قد تهدد تصرفات الوكلاء ممارسات الأمن القائمة. فهجمات «حقن الأوامر»، التي تُمرر فيها تعليمات خبيثة إلى نموذج اللغة عبر النصوص التي يقرأها، قد تؤدي إلى تسريبات. ومنح الوكلاء وصولاً عميقاً إلى الأجهزة يجعل كل البيانات المخزنة عليها عرضة للخطر.
وفي تصريح سابق لـ«وايرد»، قالت رئيسة مؤسسة «سيغنال»، ميريديث ويتاكر، إن مستقبل «الاختراق الكامل وإلغاء الخصوصية» عبر وكلاء يعملون على مستوى نظام التشغيل لم يتحقق بعد، غير أنه يُدفع باتجاهه من دون إتاحة خيار الرفض للمطورين.
وأكدت أن وكلاء قادرين على الوصول إلى كل شيء على الجهاز يشكلون «تهديداً وجودياً» لتطبيق «سيغنال» وخصوصية التطبيقات، مطالبة بخيارات رفض واضحة للمطورين تمنع هذه الأنظمة من الوصول.
على مستوى الأفراد، يحذّر فارمر من أن كثيرين صاروا يتعاملون مع روبوتات الدردشة بشكل مكثف، وشاركوا معها كميات كبيرة من البيانات الحساسة، ما يميز هذه الأنظمة عن غيرها سابقاً. ويشدّد على ضرورة الحذر عند تبادل البيانات الشخصية مع هذه الأدوات، مشيراً إلى أن طريقة عملها التجارية اليوم قد تتغير في المستقبل.
النقب: قوات معززة من الشرطة الإسرائيلية تقتحم بلدة ترابين وتفرض "طوقا كاملا" عليها
اقتحمت قوات معززة من الشرطة الإسرائيلية قرية ترابين الصانع في منطقة النقب جنوبي البلاد لليوم الثالث على التوالي، وأعلنت فرض "طوق كامل" عليها؛ وذلك غداة اعتقالات واعتداءات وقعت بحق مواطنين بالتزامن مع اقتحام وزير الأمن القومي، المتطرف إيتمار بن غفير، للبلدة.
وقال فتحي الصانع وهو من سكان القرية لـ"عرب 48"، إن "ما يجري في البلدة يُعدّ استهزاءً بعقول الناس وقمعا منظما، إذ أن قوات كبيرة جدا من الشرطة اقتحمت البلدة منذ ساعات الصباح الأولى، مستخدمة الخيالة والطائرات والمركبات الخاصة، وبمشاركة مئات العناصر، في مشهد يهدف إلى التخويف والترهيب وقمع المواطنين داخل بيوتهم".
وأضاف أن "أسلوب الشرطة قائم على استعراض القوة لا على تطبيق القانون، إذ أن الاقتحامات طاولت الأحياء والمنازل من دون مبرر، وأن أي شخص كان موجودا في المكان تعرّض للاعتقال أو التفتيش، في سلوك يعكس العقلية المتعالية والعنصرية لبن غفير وشرطته".
ولفت الصانع إلى أن "هذه الممارسات ليست جديدة، نحن هنا منذ آلاف السنين، وبقينا رغم تعاقب العثمانيين والبريطانيين، وسنبقى، وبن غفير جاء وسيرحل، ونحن سنبقى".
كما وجّه الصانع انتقادات للنواب العرب، قائلا إن "النواب العرب لا يقدمون أي دعم حقيقي للمجتمع، ولا يظهرون في أوقات الشدّة، ولا يقدمون مساعدة فعلية، باستثناء الخطابات والشعارات خلال فترات الانتخابات، قبل أن يختفوا مجددا".
وختم حديثه بالقول إن "قوات الشرطة اقتحمت المنازل والدواوين والمساجد، ومنعت المصلين من المغادرة، وداهمت تجمعات الشبان، واعتدت عليهم بالضرب، وأجبرتهم على الوقوف على الجدران، كما قامت بتفتيش البيوت بطريقة عنيفة، شملت تكسير الممتلكات وإلحاق أضرار جسيمة بالمنازل".
وأعلن الجيش الإسرائيلي رفع حالة التأهب في قواعده العسكرية جنوبي البلاد، خشية وقوع مواجهات مع قواته إثر الأحداث التي شهدتها قرية ترابين الصانع؛ بحسب ما أورد موقع "واللا".
وتدعي الشرطة الإسرائيلية أن مشتبهين من ترابين الصانع قاموا بتنفيذ اعتداءات وإحراق وتخريب لعشرات المركبات في بلدات يهودية قريبة من المنطقة بينها "مشمار هنيغف" و"غفعات بار"، وأنها تحقق مع جهاز الأمن العام (الشاباك) في مزاعم وقوعها على "خلفية انتقامية" على اقتحام البلدة وتنفيذ اعتقالات فيها؛ فيما وصفت تقارير إسرائيلية ما جرى بأنها "اعتداء على خلفية قومية".
وأعلنت الشرطة أمس الأحد اعتقال 10 أشخاص في قرية ترابين الصانع، عقب اقتحام بن غفير ووقوع مناوشات تخللها رشق الأخير بالحجارة.
واشتبك عشرات من سكان القرية مع الشرطة، ورشقوا بن غفير بالحجارة، ليظهر وهو يسير مهرولا، فيما ردت قوات الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع عليهم.
هو أحد شعراء جيل الحرب اللبنانية: فادي أبو خليل... الاختفاء الأخير
أدهم الدمشقي

ثمّةَ مَن يعيشونَ أمواتاً، وثمّةَ من يرقدون وهم لا يزالون في قلب الحياة. لكن ماذا عن أولئك الذين علقوا بين غيابين؟ عن الذين انتحروا وجودياً، فتوقفت علاقتهم بالعالم من دون أن ينقطع نبضهم؟
ينتمي جيلنا إلى مرحلة لم تعرف فادي أبو خليل إلا أثراً شحيحاً، أو صورةً معلقةً في الذاكرة. يوم اختار اعتزاله الطوعي، كنا لا نزال في طور الطفولة، وكانت بيروت حينذاك تودّع صباها، ويجفُّ ضرعُها ترهلاً. وقبل أيام، أيقظنا خبر رحيله، إلا أن الحكاية لم تبدأ من هناك. كثيرون أرّخوا لغيبته منذ ربع قرن، كأنَّ ذاك الانكفاء لم يكن سوى تمرينٍ طويل على الرقاد الأخير.
هكذا بدا الشاعر والممثل فادي أبو خليل في خريفهِ الأخير، كائناً في المنطقة الرماديّة، لا هو في الحياة تماماً ولا خارجها، إلى أن جاء الرقاد ليطوي سيرةً كانت ـــ رغم العزلة ـــ مليئة بالأدوار والنصوص والقصائد.

البحث عن الغياب
حينَ تقرأُ شعرهُ، تلمسُ صدقَ ما رواهُ رفاقهُ، أنّهُ شاعر استثنائي، ممثل ومسرحيّ، لطيف الرفقة وعميق الحضور، قلق الجلسة، على عَجَل دائم، كأنّه في كل مرة ينهض ليغادر شيئاً أكبر من المقهى: ينهض ليغادر حياته نفسها.
قصائده القصيرة ومجموعاته الثلاث: «غيوم طويلة... إني أتذكّر»، و «لا شيء تقريباً»، و «فيديو» تشبه رسائل مستعجلة. شذرات تومض وتختفي. جمل حادّة، مباشرة، بلا بلاغة فائضة. كان فادي أبو خليل يحاول أن يحرّر القصيدة من فخامتها، وأن يكتب اليوميّ، العابر، المتكسّر، محاولاً التقاطَ اللحظة قبل أن تفلت منه.

ابنُ الحرب و... المقاهي أيضاً
وُلد فادي أبو خليل في الأشرفية، وتردّد طوال شبابه بين بيروتين: الشرقية والغربية. لم يكن يعبر خطّ التماس فقط، بل كان يعبر الخطوط داخل الذات نفسها.
كتب شعر الحرب، لكنه كتب حنيناً غريباً إليها أيضاً. كان يرى في زمن الحرب كثافةً وحرارةً لا يجدها في السلم، وربما لذلك ظلّ مرتبطاً بالمقاهي التي صاغت ذاكرته: «الويمبي» و «كافيه دو باري» والـ «مودكا». وحين تغيّرت المدينة وأقفلت أماكنه، بدا وكأنه فقد آخر خيط يصل بينه وبين العالم.
من يعرفه، يروي عنه هذا الدفق القلِق، وهذه الحاجة إلى الانسحاب. فجأةً، قبل نحو ربع قرن، توقّف عن الظهور. لم يعد إلى شارع الحمرا، ولا إلى المسرح، ولا إلى صداقاتٍ شكّلت حياته الثقافية. أغلق الباب خلفه، وترك صورةً واحدة تتكرّر: شاعرٌ يمارس اختفاءه بوصفهِ شكلاً آخر من أشكال الكتابة.

المسرح… ثم الصمت
عرفه الجمهور في مسرحية «العائلة طوط» لجوزيف بونصّار مطلع الثمانينيات، ثم في «بوب كورن» و «راديو وشعر وحديث» و «سوق سودا حبيبي ما تنسى». كما شارك في أفلام ومسلسلات لبنانية أبرزها فيلم «خلص» للمخرج الراحل برهان علويّة.
ومع ذلك، ظلّ يحاول أن يكون خارج الصورة، حتى وهو في قلبها. كأن المسرح نفسه كان تمريناً على الغياب.

سيرة يشبهها الصمت
ما الذي يبقى؟
يبقى السؤال:
هل نملك الحقَّ في أن نكتب عن شاعرٍ قرّر أن ينسحب من الكتابة ومن الناس؟
ربما نعم، إذا كان ما نريده ليس أن نُعرّف به، بل أن نعترف بما تركه في القلب واللغة.
فادي أبو خليل، الشّاعر والطفل الكبير المشاغب المتمرد كما وصفته صديقته منى غندور، هو أحد شعراء جيل الحرب الذين حاولوا أن يكتبوا بيروت وهي تتكسّر ثم تتبدّل. رحل فادي أخيراً. لكنه كان قد ودّعنا منذ زمن.
رحل… ولم يمت! فالموت حدٌّ واضح. أما فادي أبو خليل، فقد عاش طوال سنواته الأخيرة في منطقةٍ لا اسم لها: هناك حيث يختلط الغياب بالحضور، والشعر بالصمت، والانسحاب بالبحث عن خلاصٍ أخير.
ولعلّه الآن، للمفارقة، عاد مرئياً أكثر من أي وقت مضى!
ترامب - نتنياهو «بازار» الجبهات المفتوحة
يحيى دبوق

تأتي زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، للولايات المتحدة، ولقاؤه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وكبار مسؤولي إدارته، في ظلّ تفاوت واضح بين رؤيتَي الطرفَين لكيفية «حلّ» أزمات المنطقة، ومواجهة التحدّيات المحيطة بإسرائيل والمصالح الأميركية في الإقليم. فمن جهته، يفضّل ترامب الظهور بمظهر الزعيم الناجح الذي تمكّن - وفقاً لِما يردّده - من إنهاء عدّة حروب، حتى وإنْ جزئيّاً أو مؤقّتاً، في حين يرى نتنياهو أن مصلحته، ومصلحة كيانه، تكمنان في إبقاء الوضع على حاله: لا حرب شاملة تهدّد أمن إسرائيل، ولا تسويات حقيقية على الأرض، وذلك في انتظار متغيّرات تمكّنه لاحقاً من استئناف سعيه نحو «الانتصار الكامل» في غزة وخارجها.
الزيارة، من منظور نتنياهو، ليست بالضرورة فرصةً لتنسيق المواقف أو دفع ملفّات إلى الأمام، بل هي محاولة لإقناع ترامب بعدم الضغط عليه لتقديم «تنازلات» من شأنها فرملة مسار «الانتصارات الكاملة». فالمطلوب، من جانب نتنياهو، هو التريّث وتأجيل القرارات المصيرية، والتمسُّك، ولو مؤقّتاً، بالوضع الراهن، وإنْ كان رئيس حكومة الاحتلال مستعدّاً، تحت الضغط، لتقديم تنازلات شكلية، هي في الواقع سمة ثابتة في مواقفه منذ بدء الحرب على قطاع غزة؛ وعلى أساسها يمكن فهم ما يُعلن من «نجاحات» عقب الزيارة، وما سيُترك في الغرف المُغلقة من مواقف متعارضة أو متباينة.
وعلى أي حال، صار واضحاً أن «المرحلة الثانية» من خطّة وقف الحرب في غزة - التي تُعدّ من أبرز ملفّات الزيارة -، تتحوّل تدريجيّاً من مرحلة «طموحة»، كما أُعلن عنها في البداية، إلى مرحلة مليئة بالثغرات التي ستؤدّي إلى إفراغها من جوهرها: فلا قوات دولية جاهزة أو قادرة على فرض سيطرة فعلية على القطاع؛ ولا آلية معتدّاً بها وقابلة للتنفيذ لـ»نزع سلاح حماس» أو منع إعادة تسليحها؛ ولا إعادة إعمار حقيقية كون هذا المشروع مرفوضاً إسرائيليّاً باعتباره يهدّد الخطة الاستراتيجية غير الخافية، المتمثّلة في إنهاء غزة ككيان، وكوجود فلسطيني.
وفي هذا الوقت، تتراجع مواقف الإدارة الأميركية، وتتقلّص طموحاتها يوماً بعد آخر، في حين يبدو أنها لم تَعُد تمتلك الرغبة - ولا القدرة الفعلية ربما - على فرض إرادتها، خصوصاً على الطرف الإسرائيلي، الذي يصرّ على اعتبار أيّ تدخل أمني أو سياسي خارج إشرافه، «خطّاً أحمر». ولذا، فإن المُرجّح ما بعد الزيارة هو استمرار الكلام عن «التقدّم»، لكن من دون التزامات قابلة للتنفيذ.
على أن أهمّ ما في اللقاء، يكاد يتجاوز غزة تماماً، إلى ساحات المواجهة القريبة والبعيدة، وهي لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن؛ علماً أن هذه كلّها ملفّات منفصلة ومشتركة في آن واحد، وهي تهدّد، وإنْ بدرجات متفاوتة، مصالح أميركا وإسرائيل معاً. ومع تصاعد التهديدات المتبادلة بين تل أبيب وطهران، يبرز الملف الإيراني كأداة مساومة حاسمة؛ فالرئيس الأميركي، وعلى رغم تشدّده الظاهر تجاه إيران، لا يرغب في شنّ حرب شاملة تربك حساباته الإقليمية وغير الإقليمية، في حين أن إسرائيل لا تستطيع تجديد الحرب من دون غطاء وربما انخراط أميركي فيها.
ولهذا، ربّما يكون ترامب قدّم لنتنياهو «ضمانات شفهية» بالتصعيد غير العسكري أو بموجة عقوبات جديدة، وذلك في مقابل موافقة الأخير على خطوات شكلية في غزة. وهكذا، تستطيع القيادة الإسرائيلية إظهار الصلابة لجمهورها اليميني، وتجدّد الولايات المتحدة الدعم لحليفتها، بينما تُدار الأمور في الخلفية بآلية واحدة: التهديد من دون التنفيذ، والردّ من دون التصعيد.
أمّا في الساحات الساخنة الأخرى خارج غزة، فلا توجد مساومات، بل مجرّد ضغوط متوازية وحسابات منفصلة. فعلى رغم محاولات تظهير الزيارة على أنها «صفقة شاملة» تُدار عبر مقايضات محسوبة (غزة مقابل إيران، لبنان مقابل سوريا)، فإن واقع الحال أقرب إلى تداخل ضغوط متوازية، لا إلى تبادل ومقايضات. فكلّ ساحة من الساحات لها خصوصيتها وظروفها وعواملها، وليست مجرّد ورقة يقدّمها نتنياهو أو ترامب، في غرفة مُغلقة.
ففي غزة، القرار مرهون بقدرة «حماس» والفلسطينيين على الصمود، ومدى استعداد مصر وقطر لدفع بدائل واقعية من الحركة، وليس فقط برغبة الولايات المتحدة في التهدئة، أو إسرائيل في الانتصار الكامل، وإلّا لَما كان الوضع انتظر أكثر من عامين، من دون تحقيق نتائج جذرية. وفي إيران، يدار التصعيد بمعزل عن غزة، ذلك أن برنامج طهران النووي يتقدّم وفق جدوله الخاص، فيما برنامجها للصواريخ الباليستية والمُسيّرات لا ينتظر قراراً يأتي من فلوريدا. أمّا الضربة الاستباقية، إنْ حصلت، فستتقرّر بناءً على معطيات استخبارية تتعلّق بـ»التهديد» الإيراني، لا على «ثمن» تدفعه واشنطن مقابل تنازل إسرائيلي في غزة.
وفي لبنان، لا يزال التوازن على حاله، على رغم هشاشته، فيما الحلول الاجتثاثية، سواء العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية، تبدو قاصرة عن تحقيق المطلب المشترك بين أميركا وإسرائيل، بغضّ النظر عمّا يُتفق عليه في فلوريدا. وفي خصوص سوريا، ربما يصار إلى وضع سقوف متّفق عليها تتيح لواشنطن الاستمرار في الرهان على أحمد الشرع ونظامه الهشّ الجديد، ولتل أبيب انتظار الفوضى التي تترقّبها. وفي اليمن، فإن عمليّات «أنصار الله» تُدار بحسابات يمنية محلية وعقائدية، ولا تُموَّل أو تُوجّه من طهران، في حين يبدو أن هناك تبايناً كبيراً بين الجانبَين في الموقف من هذه الجبهة. أمّا الساحة العراقية، فمليئة بالتحدّيات التي لا يمكن معالجتها عبر الحلول «التبادلية» بين الساحات.
في المحصّلة، ترى إسرائيل في التصعيد - حتى لو كان «مسقوفاً» - وسيلة فعّالة لإحباط مبادرات لا تريدها، كالتطبيع مع سوريا من دون ضمانات صارمة حول بقاء النظام ومصيره. كما تستخدم ذلك لمنع «مرحلة ثانية» في غزة قد تفتح الباب أمام عودة «حماس» كطرف لا يُستغنى عنه في أيّ ترتيب مقبل. أمّا الولايات المتحدة، فترى في الهدوء، ولو كان هشّاً ومؤقّتاً، وفي تأجيل الاستحقاقات المصيرية، فرصةً لشراء الوقت، وتصدير «إنجازات» يمكن استثمارها لتحقيق مصالحها، بما يشمل المصالح الشخصية لسياسيّيها.
على هذا، يمكن القول، إن زيارة نتنياهو لفلوريدا «مفصلية»، إنما لجهة كونها تجسّد التوازن الهشّ بين التصعيد والتسويف والتسوية، وهي مفارقة كبيرة جداً. وفي حين سيظلّ السؤال: إلى أيّ مدى نجح الطرفان في تأجيل ما لا يريدان فعله؟، ستُعلّق الأنظار على زيارة أخرى قادمة، ستوصف بأنها «أكثر مفصلية» ليتجدّد الرهان عليها وانتظار النتائج منها.

ترامب يشترط نزع سلاح «حماس» ويهدّد إيران
في ظلّ مساعٍ متسارعة لإعادة ترتيب الأولويات الإسرائيلية - الأميركية، عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء أمس، لقاءه المفصلي مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. وطغت على اللقاء تصريحات ترامب بشأن غزة وإيران، إضافة إلى العلاقات التركية ــ الإسرائيلية، وملف العفو المحتمل عن نتنياهو. وشدّد ترامب على أنّ «نزع سلاح حركة حماس» شرط أساسي لإتمام أي اتفاق نهائي بشأن قطاع غزة، معرباً عن أمله في «الوصول سريعاً إلى المرحلة الثانية». وأعلن أنه سيناقش مع نتنياهو خمسة ملفات كبرى، على رأسها غزة، مؤكّداً أنّ «إعادة إعمار القطاع ستبدأ قريباً».
وفي المقابل، صعّد ترامب لهجته تجاه إيران، محذّراً من أنه «إذا استمرّت (الأخيرة) في برنامجها الصاروخي، فإنه يؤيّد الهجوم» عليها، وإذا واصلت برنامجها النووي، فإنّ «الهجوم يجب أن يكون فورياً». وأشار إلى أنه «سمع أنّ إيران ترغب في التوصل إلى اتفاق»، معتبراً ذلك «أكثر حكمة من إعادة بناء القدرات النووية».
وفي المقابل، نقلت «القناة 15» الإسرائيلية أنّ نتنياهو يسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية في أثناء اللقاء، تتيح له «إقناع شركائه بالمضي قدماً في المرحلة الثانية»، في حين أكّدت «القناة 12» أنّ إسرائيل ستحصل «على كل ما أرادت تقريباً، من غزة إلى إيران». غير أنّ هذه الأجواء لم تُخفِ وجود تباينات، إذ أفادت «القناة 12» بوجود فجوات بين مستشاري ترامب ونتنياهو، مبيّنةً أنّ المستشارين الأميركيين طالبوا بـ«تحسين الأوضاع في الضفة الغربية، خشية انهيار السلطة الفلسطينية، بما يشمل إعادة تحويل أموال المقاصة، ووقف اعتداءات المستوطنين، وتقييد البناء الاستيطاني».
وكانت كشفت «القناة 13» العبرية أنّ نتنياهو، أجرى عشية مغادرته تل أبيب، نقاشاً هاتفياً عاجلاً مع قادة المنظومة الأمنية، أبلغهم خلاله بأنه «سيضطر في نقاط معيّنة إلى تقديم تنازلات»، نتيجة الضغط الأميركي. وأضافت القناة أنّ نتنياهو تطرّق إلى مسألة فتح معبر رفح أيضاً، معتبراً أنّ «من الأفضل التوجّه إلى لقاء ترامب بقرار مسبق في هذا الشأن». وفي السياق نفسه، أفادت «هيئة البثّ الإسرائيلية» بأنّ «القيادة السياسية وجّهت الجيش بوقف بعض العمليات العسكرية حتى عودة نتنياهو من الولايات المتحدة».
وفي المقابل، نقلت مراسلة قناة «كان» العبرية عن ترامب، تأكيده أنّ الولايات المتحدة تريد «البدء بإعادة إعمار غزة أولاً، أو بالتوازي مع نزع سلاح حماس»، واصفاً فكرة مشاركة تركيا في هذا المسار بأنها «جيدة»، مع تأكيده أنه سيستمع إلى موقف نتنياهو. كما تطرّق ترامب إلى مسألة «العفو» عن نتنياهو، مشيراً إلى أنّ الرئيس الإسرائيلي أبلغه بأنّ «العفو قادم»، معتبراً أنّ عدم الإقدام عليه «سيكون أمراً صعباً للغاية»، واصفاً نتنياهو بأنه «رجل قوي». لكن ديوان الرئيس الإسرائيلي نفى حصول أي اتصال مباشر بين هرتسوغ وترامب، موضحاً أنّ «التواصل اقتصر على استفسار من ممثّل عن الإدارة الأميركية، تلقّى الردّ نفسه الذي قُدِّم للرأي العام الإسرائيلي».
الضفة: اعتقال عشرات الفلسطينيين بينهم صحافية وأسرى محررون
شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر الثلاثاء، حملة اقتحامات واسعة في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، تخللتها مداهمة وتفتيش منازل فلسطينيين، وأسفرت عن اعتقال عشرات الأشخاص، بينهم صحفية وأسرى محررون، إضافة إلى اعتقال ثلاثة متضامنين أجانب في قرية المغير.
وقال نادي الأسير إن قوات الاحتلال اعتقلت الصحافية والأسيرة المحررة أشواق عوض بعد اقتحام وتفتيش منزل عائلتها في بلدة بيت أمر شمالي الخليل. كما أعادت اعتقال الأسير المحرر محمد يوسف وراسنة ووالده يوسف عقب دهم منزليهما في بلدة الشيوخ شمالي شرق الخليل.
وفي شمال الضفة، اعتقلت قوات الاحتلال المسعف مراد سمارة بعد اقتحام منزله في بلدة بروقين غرب سلفيت، والعبث بمحتوياته. كما اعتقلت الشاب أدهم الياباني إثر مداهمة منزل عائلته في مخيم الجلزون شمال رام الله، واعتقلت الشاب أحمد عبد الباسط عابد بعد اقتحام منزله في بلدة رنتيس غرب المدينة.
وشنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في قرية المزرعة الغربية شمال غربي رام الله، حيث احتجزت العشرات واعتقلت الشبان مراد لدادوة ومحمود طعمة ومؤمن عمار شريتح بعد دهم منازلهم. وفي السياق، داهمت قوات خاصة إسرائيلية مخيم الأمعري جنوبي البيرة واقتحمت منزلًا داخله، دون الإبلاغ عن اعتقالات حتى اللحظة.
وامتدت الاقتحامات إلى قرية بدو، حيث داهمت قوات الاحتلال قرية بدرس غرب رام الله، بالتزامن مع اقتحام بلدات وقرى أبو شخيدم وكوبر وسنجل شمالي المدينة.
كما طالت الاقتحامات عزبة شوفة جنوب شرق طولكرم، وميثلون جنوب جنين، ومخيم الفارعة جنوب طوباس، وعوريف جنوب نابلس، وتقوع جنوب شرق بيت لحم. وداهمت قوات الاحتلال منزل الأسير كمال القواسمي وعبثت بمحتوياته دون تسجيل اعتقالات.
وفي الخليل، اقتحمت قوات الاحتلال عدة منازل في بلدة الشيوخ، بالتزامن مع مداهمة مخيم العروب شمال المدينة وإطلاق قنابل صوت داخل المخيم، في إطار تصعيد متواصل لعمليات الاقتحام والاعتقال في الضفة الغربية.
الخروقات الإسرائيلية تتواصل في غزة وترامب يؤكد قرب بدء إعادة الإعمار
يواصل الجيش الإسرائيلي منذ 10 تشرين الأول/أكتوبر 2025، ارتكاب خروقات يومية لاتفاقية وقف إطلاق النار في قطاع غزة، شملت غارات جوية وبرية وبحرية، نسف منازل وممتلكات مدنية، وإطلاق نار على النازحين.
وشنت الطائرات الإسرائيلية سلسلة غارات عنيفة استهدفت المناطق الشرقية لمخيم المغازي للاجئين وسط القطاع، بالإضافة إلى مناطق شمالي وشرقي غزة، كما قصفت جنوب شرق مدينة بيت لاهيا شمال القطاع، وشرقي خانيونس جنوبه.
ورافق ذلك قصف مدفعي من الآليات الإسرائيلية على مدينة رفح، شمالها وجنوبها، إضافة إلى إطلاق نار باتجاه منازل الفلسطينيين شمال رفح.
وشهدت آخر 24 ساعة استمرار الغارات الجوية شمال ووسط غزة، مع إطلاق مدفعي ونيران من الآليات العسكرية، في ظل تكثيف التطورات السياسية والميدانية والإنسانية، وسط جهود إقليمية ودولية للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي سياق متصل، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إن إعمار غزة سيبدأ قريبًا، واصفًا القطاع بأنه "مكان صعب" نتيجة الدمار الكبير.
جاء ذلك خلال لقاءه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في منتجع مارآلاغو بفلوريدا، حيث أكد ترامب أنه سيناقش مشاركة قوات تركية ضمن قوة الاستقرار الدولية المقترحة في غزة.
وكرر ترامب ضرورة نزع سلاح حركة حماس لضمان دخول المرحلة الثانية من اتفاق غزة، مؤكدا أنه سيتم بدء إعادة الإعمار بسرعة رغم الصعوبات، قائلا: "بدأنا بالفعل بعض الإجراءات، ونتطلع لإعادة إعمار غزة سريعا جدا".
البنتاغون يمنح بوينغ عقدا بـ8.6 مليارات دولار لتزويد إسرائيل بطائرات إف-15
أعلنت وزارة الحرب الأميركية (البنتاغون) أن شركة بوينغ حصلت على عقد بقيمة 8.6 مليارات دولار ضمن برنامج طائرات إف-15 المخصص لإسرائيل، وذلك عقب لقاء جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو في ولاية فلوريدا مساء الاثنين.
وأوضح البنتاغون أن العقد يشمل تصميم ودمج وتجهيز واختبار وإنتاج وتسليم 25 طائرة جديدة من طراز إف-15 آي إيه لسلاح الجو الإسرائيلي، مع خيار لشراء 25 طائرة إضافية من الطراز نفسه.
ويأتي الاتفاق في إطار برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية الذي تعتمد عليه واشنطن في تزويد حلفائها بالسلاح.
وأشار البيان إلى أن تنفيذ الأعمال سيتم في منشآت بوينغ بمدينة سانت لويس بولاية ميزوري، على أن يكتمل البرنامج بحلول 31 كانون الأول/ ديسمبر 2035.
وأكد البنتاغون أن الولايات المتحدة تواصل كونها أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، باعتبارها أحد أقرب حلفائها في الشرق الأوسط.
ويعد هذا العقد من أكبر الصفقات العسكرية الأميركية المقدمة لإسرائيل، ويعكس توجه واشنطن لتعزيز القدرات العسكرية لحليفتها، رغم تصاعد المعارضة داخل الرأي العام الأميركي لاستمرار الدعم العسكري في ظل الحرب الجارية على قطاع غزة.
وجاء الإعلان بالتزامن مع احتجاجات واسعة نظمها مناصرون للفلسطينيين ومناهضون للحرب في عدة مدن أميركية، طالبوا بوقف الدعم العسكري لإسرائيل، وهي مطالب لم تستجب لها إدارتا الرئيس الحالي دونالد ترامب والرئيس السابق جو بايدن.
ترامب يلوّح مجددًا بـ"فتح أبواب الجحيم" في غزة ويهدد إيران بتصعيد أكبر
صعّد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لهجته تجاه حركة حماس وإيران، ولوّح مجددا بـ"فتح أبواب الجحيم" إذا لم تنزع حماس سلاحها "خلال وقت قصير"، محذرًا في الوقت ذاته من رد "أقوى من السابق" إذا واصلت طهران إعادة بناء قدراتها النووية، وذلك في ختام لقائه مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في منتجع مارالاغو بولاية فلوريدا.
وقال ترامب، في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع، إن "أيامًا مفصلية" قد تكون قريبة، مضيفًا: "ربما ستكون هناك مفاجآت خلال اليومين القادمين". وقال إن عدم نزع سلاح حماس "سيكون أمرًا مروّعًا بالنسبة لها"، مشددًا على أنه "لن يكون ممكنًا حينها إلقاء اللوم على إسرائيل".
وجدّد ترامب تهديداته المباشرة، قائلًا: "إذا لم تنزع حماس سلاحها خلال وقت قصير، ستُفتح أبواب الجحيم"، ملوحا بأن "الدول التي ضمنتها ستتدخل لمحوها" على حد تعبيره.
وتطرّق ترامب مجددًا إلى مسألة تهجير سكان قطاع غزة، معتبرًا أن "الهجرة ستحدث إذا توفرت الظروف". وقال: "لطالما قلت إنهم إذا أُتيحت لهم الفرصة سيهاجرون"، مشيرًا إلى استطلاعات رأي قال إنها تُظهر أن "أكثر من نصف سكان غزة سيغادرون القطاع إذا سُمح لهم بذلك"، مضيفًا: "أعتقد أن النسبة قد تكون أعلى من ذلك".
وأقرّ ترامب بوجود تباينات مع نتنياهو بشأن الضفة الغربية، لكنه قال: "لا أستطيع القول إننا متفقون بنسبة 100%، لكننا سنصل إلى تفاهمات". وأضاف: "لا أريد الخوض في هذا الآن، لكنه سيفعل الشيء الصحيح، أنا أعرفه".
أما في ما يخص سورية، فأشار ترامب إلى وجود "تفاهمات" مع نتنياهو، مشيرًا إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع "شخص قوي تحتاجه سورية في هذه المرحلة". وقال: "كانت لدينا مشكلة مع داعش، وهو ساعدنا، وآمل أن تسير الأمور بشكل جيد بين سورية وإدارتي".
كما شدد على أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي وصفه بأنه صديق قريب، "قدّم مساعدة كبيرة في التعامل مع الفوضى في سورية"، مضيفًا: "إردوغان يستحق التقدير، وبيبي يعرف ذلك"؛ وعن إمكانية بيع مقاتلات "إف 35" لتركيا، قال: "نحن نفكّر في ذلك، نتنياهو سيكون على ما يرام مع الأمر، لن يستخدموها ضدهم".
من جانبه، أجاب نتنياهو عن السؤال المتعلق بالشأن السوري مدفوعا من ترامب، وقال نتنياهو إن إسرائيل تسعى إلى "حدود آمنة وهادئة مع سورية"، مشددًا على ضرورة إقامة "منطقة آمنة خالية من الإرهاب والهجمات"، وضمان "أمن الدروز والمسيحيين وسائر الأقليات".
وفي الشأن الإيراني، عاد ترامب إلى التهديد المباشر، وقال: "إيران ربما تتصرف بشكل سيئ، وهم يعرفون ما ستكون العواقب، وقد تكون أقوى من المرة السابقة". وأضاف: "منحتهم فرصة، قلت لهم: أبرموا اتفاقًا، لم يصدقوني. آمل أن يصدقوني الآن".
وأكد أنه "يدعم المفاوضات مع طهران"، كما فعل قبل الحرب الأخيرة في حزيران/ يونيو الماضي، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الولايات المتحدة "لا تريد إهدار الوقود على قاذفات B2"، في إشارة إلى خيار الضربة العسكرية إذا استمر البرنامج النووي الإيراني.
وخلال اللقاء مع نتنياهو، وفي إطار مداخلة هاتفية من قبل وزير التعليم الإسرائيلي، يوآف كيش، أبلغ نتنياهو ترامب بقرار منحه "جائزة إسرائيل"، تقديرًا لما وصفوه بـ"مساهمته الخاصة للشعب اليهودي".
وكان ترامب قد أدلى، قبل انعقاد الاجتماع المغلق، بتصريحات خلال استقباله نتنياهو، قال فيها إن إدارته "تسعى للانتقال سريعًا إلى المرحلة الثانية من الخطة المتعلقة بقطاع غزة"، مؤكدًا أن نزع سلاح حماس سيكون في صلب المباحثات. كما أشار إلى بحث إمكانية مشاركة تركيا في قوة دولية بغزة، قائلًا: "إذا كان ذلك جيدًا فهو جيد، لكن الأمر يعتمد إلى حد كبير على بيبي".
كما أعلن ترامب أن "إعادة إعمار غزة ستبدأ قريبًا"، دون تقديم تفاصيل حول الآليات أو الإطار الزمني، وفي ما يتعلق بالملف الإيراني، صعّد ترامب لهجته، وقال: "أسمع أن إيران تحاول إعادة بناء مواقعها النووية، وإذا كانوا يفعلون ذلك فسنضربهم مرة أخرى"، مؤكدًا أن الرد الأميركي سيكون سريعًا في حال واصلت طهران تطوير قدراتها النووية أو الصاروخية.
وفي سياق العلاقة الشخصية والسياسية مع نتنياهو، قال ترامب ردًا على أسئلة الصحافيين حول طبيعة هذه العلاقة: "لا أعتقد أن علاقتنا يمكن أن تكون أفضل مما هي عليه الآن. هو بطل حرب، وأعتقد أنه يستحق عفوًا". وأضاف لاحقًا: "أعتقد أن نتنياهو سيحصل على عفو. تحدثت مع الرئيس، وقال لي إن الأمر في الطريق"، في إشارة غير مباشرة إلى الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، من دون أن يُسجَّل حتى الآن أي إعلان رسمي عن اتصال هاتفي بين الطرفين.
وخلال ظهوره إلى جانب نتنياهو، قال ترامب إن الولايات المتحدة وإسرائيل "تفعلان كل ما في وسعهما لإعادة جثة آخر أسير إلى البيت"، في إشارة إلى جثة الأسير الإسرائيلي ران غفيلي المحتجزة في قطاع غزة، مضيفًا أن هذا الملف يحتل أولوية في المباحثات الجارية، دون ربطه مباشرة بالانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة.
من جانبه، نفى ديوان الرئاسة الإسرائيلية إجراء أي اتصال هاتفي بين هرتسوغ وبين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ تقديم طلب العفو، وذلك ردًا على أسئلة صحافية أثيرت في هذا الشأن.
وأوضح المكتب أنه "لم تُجرَ أي محادثة بين الرئيس هرتسوغ والرئيس ترامب منذ تقديم طلب العفو"، مشيرًا إلى أنه قبل عدة أسابيع جرت محادثة بين هرتسوغ ومندوب عن ترامب، توجّه بالاستفسار بشأن رسالة الرئيس الأميركي.
وأضاف البيان أن الرئيس هرتسوغ "قدّم خلال تلك المحادثة شرحًا حول المرحلة التي يمر بها طلب العفو، وأوضح أن اتخاذ القرار سيتم وفق الإجراءات المعمول بها"، مؤكدًا أن هذا التوضيح نُقل إلى مندوب ترامب "تمامًا كما أوضح الرئيس هرتسوغ ذلك للرأي العام في إسرائيل".





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire