الثقافة كـ«فعل مقاومة»: أقلامٌ لِهُوِيَّة فلسطين

 

زاهي وهبي

المعركة ليست على الأرض وحدها، بل هي معركة على الرواية، فمن يسيطر على الذاكرة يملك مفتاح المستقبل. بهذه العبارة يمكن أن نلخص جوهر الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل ضد الوجود الفلسطيني؛ فالحرب الدائرة في فلسطين أكثر تعقيداً من مجرد صراع على الأرض لأنها معركة وجودية تستهدف الذاكرة الجمعية والهوية الثقافية للشعب الفلسطيني.
وإذا كان الاحتلال يدرك أنّ طمس الهوية أشد فتكاً من طمس المعالم الجغرافية، فإن مثقفين كثر، أدركوا مبكراً أن الثقافة هي خندق المقاومة الأصيل، وأن الرواية أقوى من الرصاص في حرب البقاء. ولعل المعركة الثقافية تكتسب أهمية مضاعفة الآن، في ظل اختلال ميزان القوى لمصلحة المحتل، وصحوة شعوب العالم، ولا سيما جيل Z منهم، حيث يشكل الأدب والفن لغة إنسانية قادرة على تخطي الحدود والحواجز، ومخاطبة الوجدان والضمائر في كل مكان.

سرقة التراث وقمع الإبداع
لا تقتصر هجمات الاحتلال على المصادرة المادية فقط، بل تمتد إلى محاولة طمس الهوية الثقافية عبر محاور عدة:
- الاستيلاء المنظم على التراث: إذ انطلقت إسرائيل نحو احتلال الذاكرة الشعبية. فأطباق المائدة التي تختزل حكايات المكان، مثل «الملوخية» و«الزعتر» و«الكنافة»، والأزياء التقليدية المطرزة بتفاصيلها الدالة على المناطق والقرى الفلسطينية، باتت تُقدم للعالم على أنها جزء من «التراث الإسرائيلي» المزعوم. هذه السرقة ليست عشوائية، بل هي جزء من استراتيجية ممنهجة لتفريغ الفلسطيني من مكونات هويته.
- قمع الفعاليات الثقافية: تشهد الأراضي المحتلة، خصوصاً في المرحلة الراهنة، حملات ممنهجة ضد أي نشاط ثقافي يذكر بالهوية الفلسطينية. فالحفلات الموسيقية تُمنع، والمسارح تُقتحم، والأدوات الفنية تُحطم، وصولاً إلى اعتقال كل من يرتدي الكوفية الفلسطينية، التي تحولت من قطعة قماش إلى لافتة هوية وعلامة مقاومة.
- تهديد المقدسات والرمزيات: تتعرض مدينة القدس ومقدساتها، وعلى رأسها المسجد الأقصى، لحملات تهويد ممنهجة. فاقتحامات المستوطنين، وتخصيص الموازنات لها، ومحاولات فرض «التقسيم الزماني والمكاني» داخله، كلها تهدف إلى اقتلاع المدينة من هويتها العربية والإسلامية.

أصوات صنعت الوعي وصاغت الهوية
ليس جديداً القول بأهمية الثقافة وجدواها في معركة الوجود. ثمة أصوات مبدعة كثيرة أدركت هذا الأمر، وكرست أقلامها وريشاتها ونوتاتها في سبيل ترسيخ الهوية الوطنية، ولئن توقفنا في هذه الأسطر عند بعض الأسماء، فلا يغيب عنا أن القائمة طويلة، فيها الروائيون والرسّامون والنحاتون والموسيقيون والسينمائيون والمسرحيون ومعظم العاملين في حقلَي الأدب والفن، لا تتسع لها هذه العاجلة، لكننا نورد بعض الأسماء على سبيل المثال لا الحصر، وقد تجنبنا ذكر الأحياء منهم الآن بنية العودة إليهم في نصّ آخر:
- فدوى طوقان (1917-2003)، والتي بدأت شاعرة ذاتية تغرد من داخل قفص العائلة والتقاليد، لكن تحولها نحو شعر المقاومة كان تحولاً وجودياً، خاصة بعد نكسة 1967، حيث صارت «سنديانة فلسطين» و«شاعرة المقاومة الفلسطينية»؛ وتمازجت في نصوصها المأساة الفردية والجماعية، ومثلت سيرتها الذاتية في كتابي «رحلة صعبة» و«الرحلة الأصعب» هذا التمازج بين المعاناة الشخصية والمعاناة الوطنية، خصوصاً وأنها عاصرت نكبة عام 1948، ونكسة عام 1967، والانتفاضتين.
- غسان كنفاني (1936-1972) الذي جمع في سيرته ونصوصه بين السياسي والأدبي، ومثل النموذج الأكثر وضوحاً للمثقف العضوي الذي حوّل الأدب إلى سلاح مقاومة.
كان يؤمن بأنّ «الأديب الملتزم في مواقفه ورؤيته هو أدعى الناس للالتزام بالشرط الجمالي للإبداع». وأسهم بشكل فعّال في التأسيس لفكر تحرري متميز حيث تميزت كتاباته السياسية بروح نقدية أصيلة، محاولاً تطويع الفكر الماركسي ليتناسب مع الواقع الفلسطيني، معتبراً أن البُعد القومي المرتبط بالهوية أمر أساسي في حالة التحرر الفلسطيني.
- معين بسيسو (1926-1984)، الذي جعل الشعر سلاحاً في وجه القمع، وعاش تجربة قاسية مع السجون والتعذيب، وهو من قال: «شعرت بأن السوط قد رسم خريطة فلسطين على ظهري».
من داخل الزنزانة، كان يكتب: «علمتني الزنزانة السفر لمسافات بعيدة، وعلمتني أيضاً الكتابة لمسافات بعيدة». انحاز بسيسو في شعره للطبقات الكادحة في المخيمات، معتبراً إياها «خزان الثورة ورأسمالها الثوري والبشري».
- مثّل توفيق زياد (1929-1994) صوت الشعب الذي لا يموت وجسد الإرادة الشعبية، وتحول إلى ظاهرة شعرية ملتصقة بالجماهير، وصارت قصائده أناشيد ترددها الجماهير في المسيرات والمظاهرات. لم يكن شاعراً ينأى بنفسه عن الناس، بل كان صوته صدى لأصواتهم، يعبر عن آمالهم وآلامهم بلغة بسيطة عميقة.
قاد «إضراب يوم الأرض» عام 1976 بخطابه الملتهب، وكان أحد أهم الأصوات التي حافظت على الهوية العربية في الداخل. معبراً عن الإرادة الجماعية للشعب الفلسطيني في الصمود، كما في قصيدته الخالدة «بأسناني» التي أصبحت رمزاً للتحدي: «بأسناني، بأسناني سأحمي كل شبر من ثرى وطني، ولن أرضى بديلاً منه لو علقت من شريان شرياني».
- شكل سميح القاسم (1939-2014) مع رفيقَي دربه محمود درويش وتوفيق زياد، مثلثاً ثقافياً صامداً في وجه محاولات القمع والتهويد. تعرض للسجن والملاحقة والإقامة الجبرية، لكنه ظل منحازاً إلى قلمه وشعره، مؤمناً بأن الثقافة هي أقوى أسلحة المقاومة. تميزت قصائده بنبرة التحدي والثقة بالنصر، كما في قصيدته «تقدموا» التي يسخر فيها من آلة القمع: «تقدموا، كل سماء فوقكم جهنم، وكل أرض تحتكم جهنم، يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم».
- لم يكن محمود درويش (1941-2008) مجرد شاعر، بل كان صاحب مشروع ثقافي متكامل، إذ أسس مجلة «الكرمل» التي شكلت منبراً ثقافياً مهماً. واشتغل بشكل خاص على إبراز القضية الفلسطينية كقضية إنسانية، إذ استطاع عبر شعره تقديم قصائد تمس كل البشر الذين يعانون الظلم والشتات. وقد أثارت قصيدته «عابرون في كلام عابر» غضب قادة الاحتلال وسخطهم.
- مثل مريد البرغوثي (1944-2021) صوت الفلسطيني في المنفى بامتياز، وحوّل تجربته الشخصية مع التشرد والاغتراب إلى إبداع أدبي خالد. في سيرته الذاتية «رأيت رام الله» التي حازت جائزة نجيب محفوظ، استطاع أن يلتقط لحظة العودة إلى الوطن بعد ثلاثين عاماً من المنفى، محولاً الرحلة الشخصية إلى ملحمة جماعية تعبر عن مأساة شعب بأكمله. عبّر في شعره عن إيمان راسخ بأن المقاومة ليست فقط بالسلاح، بل بالكلمة والصمود والذاكرة.
- مثل ناجي العلي (1936-1987) نموذجاً فريداً للمقاوم بالرسم، واستطاع عبر شخصية «حنظلة» أن يخلق رمزاً للفلسطيني المعذب الذي يواجه الاحتلال بالصمت والتحدي. دفع العلي حياته ثمناً لرسوماته الشجاعة والعابرة للزمن عبر وعيه السياسي ونظرته الثاقبة، إذ لا تزال رسوماته تحاكي واقع الحال الراهن رغم مرور عقود على رسمه لها. اغتيل في لندن عام 1987، ما يؤكد أن الفن كان سلاحاً خطيراً في وجه المحتل.

أدب الالتزام والجمال معاً
تميز هؤلاء المبدعون بقدرتهم على الجمع بين الالتزام القومي والجمال الفني، فلم يقدموا خطاباً شعاراتياً مباشراً، بل مزجوا السياسي بالجمالي، مستخدمين الرمز والأسطورة والصورة الشعرية، ما منح أعمالهم قدرة على البقاء والتأثير. وقد استمدوا من التراث الفلسطيني والعربي والإنساني، واستلهموا من سيرة بني هلال، ومن الأساطير القديمة، ومن الحياة اليومية للفلاحين والبسطاء، مؤكدين على أن الهوية الفلسطينية هوية ضاربة في التاريخ.
وقد نجحوا في نقل القضية الفلسطينية إلى العالم عبر ترجمة أعمالهم إلى لغات متعددة، والمشاركة في المهرجانات الدولية، والتواصل مع مبدعين عالميين، كما فعل معين بسيسو مع شعراء مثل رفائيل ألبرتي وفيدريكو غارسيا لوركا.
واجه المثقفون الفلسطينيون تحدي التشتت الجغرافي بين الداخل والشتات، ما أدى إلى «نص متعدد المرجعيات، والمعايير، والأطر، والجودة الفنية، واللغة». لم يكن الأدب الفلسطيني في أرض واحدة، وبالتالي لم يواجه نفس التحديات. وفي مرحلة الثورة، رافقت عملية تشكيل الفضاء الثقافي الفلسطيني مشكلات أهمها «طغيان الطابع العاطفي/ الشعاراتي/ العسكري على حساب طابعها العقلاني/ السياسي/ الشعبي». وفي هذا السياق، «باتت الثقافة، بالنسبة إلى الفصائل، مجرد ملحق بها، للتبرير والتجميل، وليس للفحص والنقد والتدبير».
لم يكن للفلسطينيين، كشعب، «صحيفة يومية جامعة، ولا إذاعة أو قناة تلفزيونية أو مكتبة أو معرض أو مسرح، كما ولا مدرسة أو جامعة». وقد صعدت كوكبة الفلسطينيين المبدعين «بسبب مواهبها، وإبداعاتها، ومثابرتها على تحدي الواقع الذي ألمّ بشعبها، وعنادها في مواجهة عمليات الإنكار والتهميش».

سردية الحق والجمال
في مواجهة آلة الطمس هذه، أدرك الفلسطينيون أن الثقافة هي خندق المقاومة الأصيل. وأصبحت بالنسبة إليهم بوصلةً متعددة الاتجاهات:
- سلاح تثبيت الهوية: إن الحفاظ على التراث من أكلات وأزياء وأغانٍ هو بمنزلة شهادة ميلاد جماعية تؤكد «كنا نحن وسنبقى».
- وسيلة لنقل الرواية: العالم يشاهد عبر الشاشات. والفنانون والمبدعون الفلسطينيون يستخدمون الأدب والموسيقى والدراما لنقل معاناة شعبهم وعدالة قضيته.
-أداة للصمود اليومي: إن ارتداء الكوفية، أو ترديد أغنية وطنية، أو تعليم الرقصات الشعبية للأطفال، هي أفعال مقاومة يومية.
ليست فلسطين هي الحالة الوحيدة التي يحارب فيها المحتل الثقافة، فالتاريخ يخبرنا أن كل محتل يدرك أن طمس هوية الشعوب المحتلة هو الطريق الأقصر لتدجينها. ففي جنوب أفريقيا أيام الأبارتايد، حاربت السلطات ثقافة السود وموسيقاهم ولغاتهم. وفي الحقبة الاستعمارية المباشرة، عمل المستعمرون في بلدان مختلفة على محو اللغات المحلية وفرض ثقافتهم كأداة للهيمنة.

الحاجة إلى الأصوات الجديدة
تبقى الدروس المستفادة من تجربة فدوى طوقان، غسان كنفاني، معين بسيسو، محمود درويش، توفيق زياد، ناجي العلي وسميح القاسم ونظرائهم كثيرة، أهمها أن الثقافة سلاح لا ينضب، وأن المثقف الحقيقي هو من يظل صوتاً حراً مستقلاً حتى وإن عمل ضمن إطار المقاومة.
ونحن اليوم، نشهد صمتاً أو تواطؤاً من بعض النخب، ونسجل غياب صوت المثقفين عن مواكبة التحولات الهائلة التي تشهدها بلادنا، بل يصمت بعضهم حتى عن جريمة الإبادة في غزة والعدوان اليومي على لبنان، ما يدفع إلى الحديث عن ضرورة استلهام إرث هؤلاء المبدعين الملتزمين.
فكما واجهوا محاولات الطمس والاغتيال، يواجه المثقف الفلسطيني اليوم حرباً شاملة على الذاكرة أشد ضراوة. لكن إرث هؤلاء العمالقة يثبت أن الثقافة أقوى من الاحتلال، وأن الكلمة الحق لا تموت بموت كاتبها... وسوف تظل الثقافة الفلسطينية شاهداً على هوية الأرض وأصحابها، وتذكيراً للعالم بأن شعباً يحافظ على تراثه وفنه وأدبه هو شعب يرفض الاندثار، وسيظل يناضل حتى تحرير أرضه.
حتى أنت يا روزا لوكسمبورغ؟
نور الدين بالطيب

تونس | أعلن عدد من الكتاب التونسيين عن مقاطعة «مهرجان القراءة» الذي تنوي «منظمة روزا لوكسمبورغ» تنظيمه في تونس تحت محور «الأدب والهجرة» بين 5و 7 كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
جاء هذا الموقف على إثر تدوينة كتبها الشاعر والمترجم أشرف القرقني أعلن فيها عن انسحابه من المهرجان على خلفية منع المنظمة العاملين معها في الأردن وفلسطين التعبير عن مواقفهم ممّا يحدث في غزة من إبادة جماعية.
وكتب القرقني: «كنتُ قد نشرتُ صباح أمس إعلاناً عن مشاركتي في «مهرجان روزا لوكسمبورغ للقراءة». وقد كنتُ غافلاً للأسف عن موقف هذه المؤسّسة «اليساريّة» من الإبادة في غزّة. موقف بلغ منها مبلغ إخراس موظّفيها في الأردن وفلسطين ودول أخرى ومنعهم من الإعلان عن مواقفهم المبدئيّة المساندة للحقّ الفلسطينيّ.
موقفٌ لا يكتفي بـ«الحياد» إذا كان ثمّة حيادٌ، لكنّها الأزمنة القاتمة أو «رفع العصا من الوسط». وهو بالتّالي موقفٌ لا يتيح لي، أنا بصفتي الشّخصيّة وضمن قناعاتي المبدئيّة، أن أتعامل معها وأكون حاضراً في تظاهرة تنظّمها وتعلنها «انتصاراً للإنسان»، فيما الإنسان يمتحنُ اليوم رأساً في غزّة».
وأضاف: «أشكر الصّديق ناظم بن إبراهيم الذي نبّهني إلى هذا الأمر. وأعتذر من الأصدقاء في تونس الذين وافقتُ على دعوتهم أوّل الأمر جاهلاً بطبيعة المؤسّسة التي تسندهم.
لكن، ثمّة ما يعلو على مثل هذا ويتقدّمه. هذا الموقفُ يلزمني وحدي. لا أستطيع أن ألقي مداخلة عنوانها «الحياة في لسان آخر» في تظاهرة تنظّمها مؤسّسة ألمانيّة تتنكّر لذاك الشعار التّاريخيّ الذي صار ورقيّاً زائفاً: Nie Wieder! وتقفُ ضدّ الحياة وإنسانها الذي لا يتجزّأ».
هذا الموقف ساندته الروائية والجامعية البارزة آمنة الرميلي التي كانت من المشاركين في هذا المهرجان لتعلن انسحابها بعد موقف القرقني، مؤكدة أنّها كانت «تثق» في الخلفية اليسارية لهذه المنظمة.
كما انحاز عدد آخر لموقف القرقني مثل الروائية هند الزيادي، والناقد عمر حفيظ، والروائي والناشر وليد بن أحمد، والشعراء يوسف خديم الله، ومحمد صديق الرحموني ومحمد بوحوش وغيرهم.
يذكر أنّ «منظمة روزا لوكسمبورغ» دأبت منذ سقوط نظام بن علي في عام 2011 على تمويل عدد كبير من التظاهرات بالتعاون مع أحزاب ومنظمات في تونس.
جمعيات فلسطينية في أوروبا: بقاؤنا نقاوم هو نصف الانتصار والهزيمة في الاستسلام
أصدرت عدة جمعيات ومؤسسات فلسطينية في أوروبا بياناً أكدت فيه أن "بقاؤنا نقاوم هو نصف الانتصار، الهزيمة في الاستسلام"، مشيرة إلى أنه مع سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة تدخل حرب الإبادة الصهيونية ضد شعبنا مرحلة جديدة، سيعمل فيها العدو على استكمال تحقيق أهداف العدوان، التي لا تتوقف عند سحق المقاومة المسلحة في القطاع وتجفيف مواردها، بل تهدف إلى القضاء على إمكانية الحياة في القطاع واختزال ساكنيه في احتياجات الغذاء والدواء والمأوى الأولية، تمهيدًا لتحويل إخراجهم واستيعابهم إلى قضية إنسانية دولية، والتحول إلى ابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية،.

وأضافت الجمعيات أنّه تسعى في مآلاتها إلى تفكيك الكيان الجمعي الفلسطيني كله بالقضاء أولاً على حامله المركزي، أي فصائل المقاومة، والدفع بمن لم يرحل طوعا من فلسطين إلى العيش في معازل خاضعة تماما للإرادة والاحتياجات الإسرائيلية في كل التفاصيل، في حين تتولى دول الشتات إخراج التجمعات الفلسطينية فيها من نطاق المواجهة وحصر ما تبقى من وجودها المنظم في حالة تضامن في أحسن الأحوال. إن وقف إطلاق النار بصورته الحالية يخلص إسرائيل من عبء الحرب السياسي وتبعاتها في المجتمع الدولي بقبول وقف الحرب شكلا، مع استمرارها في مشروعها مضمونا وممارسة بغطاء سياسي دولي وعربي.

نص البيان كما ورد:
بيان صادر عن جمعيات ومؤسسات فلسطينية في أوروبا:
بقاؤنا نقاوم هو نصف الانتصار، الهزيمة في الاستسلام
 الجاليات الفلسطينية في أوروبا وأولويات المرحلة

مع سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة تدخل حرب الإبادة الصهيونية ضد شعبنا مرحلة جديدة، سيعمل فيها العدو على استكمال تحقيق أهداف العدوان، التي لا تتوقف عند سحق المقاومة المسلحة في القطاع وتجفيف مواردها، بل تهدف إلى القضاء على إمكانية الحياة في القطاع واختزال ساكنيه في احتياجات الغذاء والدواء والمأوى الأولية، تمهيدًا لتحويل إخراجهم واستيعابهم إلى قضية إنسانية دولية، والتحول إلى ابتلاع ما تبقى من الضفة الغربية، وتسعى في مآلاتها إلى تفكيك الكيان الجمعي الفلسطيني كله بالقضاء أولا على حامله المركزي، أي فصائل المقاومة، والدفع بمن لم يرحل طوعا من فلسطين إلى العيش في معازل خاضعة تماما للإرادة والاحتياجات الإسرائيلية في كل التفاصيل، في حين تتولى دول الشتات إخراج التجمعات الفلسطينية فيها من نطاق المواجهة وحصر ما تبقى من وجودها المنظم في حالة تضامن في أحسن الأحوال. إن وقف إطلاق النار بصورته الحالية يخلص إسرائيل من عبء الحرب السياسي وتبعاتها في المجتمع الدولي بقبول وقف الحرب شكلا، مع استمرارها في مشروعها مضمونا وممارسة بغطاء سياسي دولي وعربي.
على الجانب الفلسطيني يواجه الفلسطينيون في مختلف أماكن تواجدهم، وهم يدخلون هذه المرحلة، تحديات كبرى سيتطلب التعامل معها إعادة النظر في استراتيجيات وأساليب العمل، وفي الخطاب السياسي الرائج أيضا.

1. فقدان المركز: شكل قطاع غزة، رغم ما عاناه وسكانه، ما يمكن وصفه بعاصمة الحركة الوطنية الفلسطينية و ملاذها، باعتباره منطقة شبه محررة تسيطر عليها فصائل المقاومة المسلحة بحكم الأمر الواقع وبدون توقيع اتفاقيات سياسية أو أمنية مع العدو، بما سمح لكافة القوى الفلسطينية بالنشاط وشكلت مساحة عمل آمنة نسبيا ومركز إنتاج السياسات والخطاب الوطني الفلسطيني وأداة الفعل المقاوم، أي أن القطاع لعقدين من الزمن على الأقل تمكن من إعادة إنتاج غابة البنادق الفلسطينية التي فقدناها بخروج فصائل المقاومة من بيروت، فيما تشير المسارات الحالية انه سيكون لنهاية سلطة المقاومة فيه تبعات مشابهة لتبعات ذلك الخروج.

2. تزداد فداحة هذه الفجوة مع تجريف ما تبقى من مسار أوسلو حيث يقوم الشق الثاني من المشروع الوطني الفلسطيني ومركزه رام الله، وتآكل دور سلطته حتى في صفة شريك الاحتلال الأمني أو المدير المحلي لشؤون التجمعات الفلسطينية في الضفة المحتلة، وارتهانه للمانحين وانحسار خطابه إلى المطالبة الجوفاء بتطبيق الشرعية الدولية. يرافق ذلك سلوك سلطة رام الله الانتقامي تجاه قطاع غزة، غير العابئ لا بالمآلات السياسية ولا بمعاناة أهل القطاع الإنسانية، وجهدها الفاعل لمنع نشوء بدائل وطنية أو حتى إصلاح مؤسسات منظمة التحرير.

3. انكفاء قوى محور المقاومة في دول الطوق (سورية ولبنان) لم يحرم المقاومة الفلسطينية من إمكانيات التعويض عن الخسائر المادية فحسب، بل وأيضا من المظلة السياسية ومساحة الحركة للتعويض عن سقوط المركز. انتقال قيادات المقاومة الى أماكن أبعد عن الأرض المحتلة ودول الطوق (إيران، تركيا ) قد يؤدي بالتدريج الى إضعاف قواعدها وتهميشها سياسيا لصالح قوى أخرى أكثر استعدادا للتعاون مع منظومات الإخضاع الآتية.

4. تجريف القانون الدولي على يد إدارة ترمب وانخراط النظام الرسمي العربي السافر في مشروع التطبيع مع العدو وتصفية القضية الوطنية الفلسطينية أمّن لإسرائيل هامش حركة واسع للاستمرار في جرائمها بوتيرة غير مسبوقة.

5. في أوروبا والولايات المتحدة رسخت منظومة قانونية جرمت الفصائل الفلسطينية بوضع الفصائل الفلسطينية على قوائم الإرهاب، وتجاوز أثر هذا التجريم عمل الفصائل العلني والجوانب اللوجستية والمالية ليؤدي إلى إزاحات في الخطاب وأشكال التنظيم وأولويات العمل الفلسطيني لدى الجاليات المقيمة، وانقطاع أفرادها، وخاصة أبناء الجيل الثاني ، عن الحركة الوطنية وتاريخها ورموزها، وارتباطهم بخطاب التضامن الذي أصبح هو المعياري في بعض البلدان ، وهو من يتحكم بالخطاب الفلسطيني العام وليس العكس.

6. حركة الاحتجاج والتضامن العالمية أعادت بعض الحياة إلى البنى المنظمة في الشتات، ونشأت حالة ناشطية واسعة، إلا أن أطر التضامن هي ما ظلت سائدة في معظم الأحوال، في الحشد والتنظيم وكذلك في صناعة الخطاب وتحديد سقف المطالب وأساليب العمل، أما المؤسسات الفلسطينية فظلت تعمل في إطار رد الفعل ولم تتجاوز في معظم الأحوال مشاكلها المتراكمة من فترة ما قبل حرب غزة. الخطر الذي نواجهه الآن هو تراجع حالة التضامن الواسعة قبل أن نتمكن من إعادة بناء المؤسسات وتطوير عملها ورفدها بقواعد جديدة لتكون في مستوى تحديات المرحلة القادمة.

في هذا السياق لا يمكن أن نعتبر اعتراف دول غربية بدولة فلسطينية تعويضا من أي نوع على جرائم الإبادة، أو انتصارا للحق الفلسطيني بعد "انكشاف وجه إسرائيل الحقيقي" أو "صحوة الضمير"، أو ثمرة لصمود الفلسطينيين بل هو استمرار لعملية تجريف القضية الوطنية وتهميشها وتجريم فصائل المقاومة وعملية تجهيز للإطار السياسي الحامل لما سيأتي. إن هذا الاعتراف بدولة، مع انتفاء السيادة على الأرض، وبالشروط التي يضعها أو تضعها على نفسها القيادة الفلسطينية، ما هو إلا حبل نجاة لإنقاذ سلطة رام الله من الإفلاس السياسي التام وإسنادها بانتصار وهمي لأداء دورها المطلوب: أداة لخلق مرجعية فلسطينية لعملية التطبيع العربية مع إسرائيل وتفكيك ما تبقى من بنى الحركة الوطنية الفلسطينية.
بناء على ما سبق، فإن جدل النصر والهزيمة ليس مجدٍ سياسيا، بل هو في معظمه قائم بين أطراف لم تقم بالدور المتوقع منها في هذه المواجهة، ومضمونه الحقيقي إما إنكار الواقع وتجنب المسؤولية، أو تبرير الاستسلام أمام ما هو قادم.

وهنا نصل إلى القسم الثاني من هذا الطرح: ماذا يعني ذلك للتجمعات الفلسطينية في الشتات، ما هي المهمات المطروحة علينا اليوم؟

أولا: التزام ضد الهزيمة
إن المسار السياسي الذي اختارته أطراف المنظومة الاستعمارية المشاركة في حرب الابادة هو تصفية القضية الفلسطينية، أي أنها ستعمل أيضا على تقليص مساحات العمل الجدي الذي يعيق هذا المسار، سواء في القارة الأوروبية او في غيرها من دول العالم.
وحتى إمعان العدو في القتل والإبادة، واستعراضه اليومي لطقوس التنكيل بالغزيين نموذجاً لمصير الفلسطيني حين يتمرد، يهدف أيضا إلى سحق الشخصية التاريخية التي تشكلت حول إرادة القتال لدى الضحية التي نهضت وقاومت بل وحققت بعض الانتصارات على المنظومة الاستعمارية المسلحة، ثم إعادة تشكيل وعينا الجمعي بطريقة تختزل الفلسطيني وتؤبده في موقع الضحية المحض.
إن بقاء كياننا الجمعي مرتهن بالتزامنا تجاه الفعل ذاته، أي مقاومة منظومة الإبادة الاستعمارية والتمرد عليها، وهذا يعني بتصعيد وتوسيع أشكال هذا الالتزام تجاه كل فعل ضمن هذا المسار، وبسردية الحركة الوطنية الفلسطينية باعتبارها عقد الفلسطينيين الاجتماعي، وهذا ما يجب ان يعكسه عملنا هنا في الموقف والخطاب.

ثانيا: كيف نعوض غياب المركز؟
هناك حاجة لخلق بنى مؤسسية قادرة على حمل جزء من الأعباء التي كانت تحملها غزة بصفتها قاعدة العمل الفلسطيني في السنوات الاخيرة (وكذلك ما حملته بعض من مواقع العمل الفلسطيني في دول الطوق) في مجالات الإعلام والإنتاج الكتابي  والدعائي وحتى مراكز البحث والتفكير، وكذلك قاعدة لمنظومات تمثيلية لأطر فلسطينية نسوية ونقابية خارج نسق اوسلو المهيمن.
يكمن التحدي اليوم في خلق هذه البنى البديلة داخل الشرط القانوني الأوروبي المعادي، إلى جانب بنى الجاليات الفلسطينية الحالية المحكومة بالسقف السياسي الذي اختاره آباؤها المؤسسون في ظرف تاريخي مختلف، وما تعودت عليه من أساليب العمل والعلاقات والتخاطب، وتمحور عملها المؤسساتي في معظمه على محاصصة في سياق التمثيل داخل المؤسسة الفلسطينية الأكبر.

ثالثا: التضامن لا يعوّض عن الفعل الفلسطيني
على الرغم من أهمية حالة التضامن، إلا انها في الحقيقة لم تتمكن من وقف تدفق الأسلحة والذخائر والأموال إلى منظومة الإبادة، التي واصلت أيضا هطولها بانتظام على رؤوس الغزيين، وفي حين لم يتعرض جيش الاحتلال ومجتمعه الاستيطاني في فلسطين إلى أي نقص مادي حقيقي، مات آلاف من الغزيين جوعا، والاف أخرى في انتظار الدواء أو الطعام، وهنا تكمن خطورة الادعاءات والأوهام حول الانتصار الأخلاقي والدعائي على آلة الإبادة وقنابل الطائرات والمدافع، فما زال هذا الطريق طويلا.
لا يعني ذلك التخلي عن محاولات حشد التضامن والعمل في الشارع الأوروبي، ولكن إدراك حدود تأثيره هو أيضاً إدراك أن هذا التضامن بني أصلاً على صمود غزة وأهلها، أي على وجود فعل فلسطيني مقاوم بالأساس، وكذلك في جزء منه على نهر من دماء الفلسطينيين الذين قتلتهم الأسلحة الأمريكية والأوروبية، وعليه فإن التسويغ للانزياح من النضال الفلسطيني إلى مواقع التضامن مع هذا النضال باعتباره أداة مثالية لانتزاع الحقوق الوطنية، هو تخلي عن الفعل النضالي المنتج أصلا لهذا التضامن، أو اعتباره مهمة موكلة حصراً بضحايا الإبادة والواقعين تحت نيرانها المباشرة. 
تتطلب مهمة استعادة الخطاب من التضامن الأجنبي وحشد قواه حول الخطاب الوطني والأولويات الفلسطينية وإلزامه بها بناء جسم فلسطيني منظم وازن يعمل على صناعة خطاب مرجعي موحد، يمثل على الأقل مواقف المعسكر الرافض للاستسلام والمتمسك برفض التطبيع، والتمسك بمناهضة الصهيونية أساسا للتحالفات طويلة الأمد. ومن الممكن الوصول إلى ذلك ببناء ائتلاف أو شبكة من المؤسسات المستقلة عبر القارة الأوروبية تتفق في الخط السياسي العام وتعمل معا على صوغ ونشر موقف موحد في القضايا الاستراتيجية والمستجدات اليومية المشتركة.

رابعا: كيف نوفر غطاء سياسيا وقانونيا لممثلي الشعب الفلسطيني الحقيقيين؟
لقد قام أداؤنا السياسي والمجتمعي هنا على حقيقة أن من يمثل الشعب الفلسطيني فعلا هم قوى المقاومة في فلسطين، وأن دورنا هنا هو دور الأطراف في دعم المركز، وكذلك الدفاع عن حق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس وفضح جرائم الاحتلال الصهيوني. أما اليوم فإن قوى المقاومة تقع تحت ضغط الإبادة لحواضنها المباشرة في الأرض المحتلة وفي الجوار، ولملاحقة وتجريم وتجفيف للموارد في عدة دول، منها بلدان القارة الأوروبية.
إن هذا التجريم بالذات هو من سهل على العدو المضي في حربه ضد مقدرات شعبنا، بشيطنة الفعل الفلسطيني وشرعنة العدوان وتكميم الأفواه، وتعزيز الحصار المضروب على المركز، وهو ما يصعب التواصل بينه وبين الأطراف ويعقد العمل الفلسطيني على كل الأصعدة.
مواجهة هذا التجريم والتمسك بحق الفلسطينيين في الدفاع عن النفس يشكلان أرضية مهمة لخلق مساحات تصعيد ومواجهة مع المؤسسات الحاكمة ولحشد المجتمعات الفلسطينية وقوى التضامن حول خطاب الحركة الوطنية الفلسطينية ومن أجل تكوين أرضية مجتمعية وقانونية وسياسية للدفاع عن مكوناتها باعتبارها ممثل الفلسطينيين الحقيقي، وشطبها من قوائم الإرهاب الأوروبية.  
في هذا السياق هناك حاجة ملحة لتقوية وتوسعة هيئات الدعم القانوني على مستوى القارة الأوروبية، كما ينبغي تعزيز التضامن مع سجناء العمل الوطني الفلسطيني في أوروبا والتعامل مع قضاياهم في سياقها السياسي، أي مبدأ حق الفلسطينيين في مقاومة الصهيونية.

خامسا: دور الجاليات المجتمعي
تترافق الحملة على تصفية الكيان الفلسطيني الجمعي وذلك الانحياز السافر إلى دولة التوسع الاستعماري في منطقتنا مع تحولات مهمة في المجتمعات الأوروبية نفسها بنمو اليمين الشعبوي وهيمنة خطابه على الطيف السياسي في معظم البلدان، ونزعات الانعزالية الشوفينية والعسكرة والتوجهات السلطوية التي تطغى على خطاب وسياسات الاتحاد الأوروبي. في هذا السياق تتقاسم الجاليات الفلسطينية في الدول الأوروبية المصير مع المجتمعات المهاجرة، وخاصة المسلم منها، في ما يتعلق بالقوانين والممارسات العنصرية، بل إن بعض الدول قد بدأت تربط الاعتراف بالكيان الصهيوني في فلسطين بمتطلبات الاندماج اللازمة للحصول على الإقامة أو الجنسية في فيها.
هذا يجعل مقاومة العنصرية والإسلاموفوبيا واحدة من أولويات عمل الجاليات الفلسطينية ومدخلا للتواصل والعمل المشترك مع الجاليات الوافدة الأخرى، في حين تؤكد الأحداث التي تعصف بالمنطقة العربية مجددا ضرورة الاهتمام بالبعد العربي على أرضية وحدة النضال ضد واقع التبعية والاستعمار في المنطقة، عبر البحث عن مساحات حوار وفضاءات عمل مشتركة مع الجاليات العربية.

خلاصة
لا ينبغي ان توهمنا بعض التغيرات السطحية في السياسة الأوروبية أو النمو الذي شهدته حركة التضامن بأننا اليوم في موضع الحفاظ على مواقع متقدمة أو بصدد تعزيزها، بل نحن في سباق مع الوقت لإعادة تنظيم العمل الفلسطيني في القارة ليناسب التحديات الجديدة التي يواجهها الكل الفلسطيني، ويتطلب ذلك إعادة تنظيم صفوفنا، أي ترتيب مواردنا البشرية والمادية المحدودة، والعلاقات مع المؤسسات الفلسطينية والتضامنية الناشطة على أرضية المهام الكبرى المطروحة، تبعا للموقف منها، من أجل بناء شبكة عمل تخدم هذا الغرض بعيدا عن موضوعات التمثيل والتحاصص التقليدية في إطار باتت مرجعيته الأم معرضة للتصفية والإبادة.

المنتدى الفلسطيني- مدريد
نادي فلسطين العربي – فيينا
جمعية حنظلة- بلجيكا
نادي فلسطين- بلجيكا
النادي الفلسطيني- تركيا
١/١٢/٢٠٢٥
اقتصاد الضفة الغربية رهينة السياسات العقابية الإسرائيلية
انتهت مساء الأحد، 30 تشرين الثاني/نوفمبر، مدة الضمانات التي تقدّمها وزارة المالية الإسرائيلية لبنكي "هبوعليم" و"مركنتيل"، وهما القناة الأساسية لارتباط البنوك الفلسطينية العاملة في مناطق السلطة الفلسطينية بالنظام المالي الدولي. ومن المتوقع أن تمدّد وزارة المالية هذه الضمانات لمدة أسبوعين إضافيين قبل اتخاذ قرارها النهائي بشأن الاستمرار في توفيرها أو إلغائها.
تأتي هذه الضمانات بهدف حماية هذين البنكين من أي تبعات قد تنشأ جرّاء علاقتهما بالمصارف الفلسطينية، لا سيّما في ما يتعلق باتهامات "غسل الأموال" أو ما تسميه إسرائيل بـ"دعم الإرهاب"، خصوصًا في ما يرتبط بحسابات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. ومن دون هذه الضمانات، سيقوم البنكان الإسرائيليان بقطع علاقاتهما مع البنوك الفلسطينية، ما سيؤدي تلقائيًا إلى فصل البنوك الفلسطينية عن النظام المصرفي العالمي - وبالتالي عزل الاقتصاد الفلسطيني عن العالم فعليًا.
لا تستطيع البنوك الفلسطينية العاملة في مناطق السلطة الفلسطينية التواصل ماليًا مع العالم من دون المرور عبر البنوك الإسرائيلية، وذلك بموجب الاتفاقيات الاقتصادية والمالية الموقّعة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ونتيجة لذلك، تصبح هذه البنوك مرتهنة بالكامل لقرارات وموافقة الحكومة الإسرائيلية، وخاضعة لسياسات بنك إسرائيل ووزارة المالية الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل النظام المصرفي الفلسطيني معتمدًا كليًا على الإرادة السياسية والاقتصادية الإسرائيلية.
منذ تولّيه منصب وزير المالية، استغلّ بتسلئيل سموتريتش في عدة مناسبات اعتماد الجهاز المصرفي الفلسطيني على الضمانات التي تقدّمها وزارة المالية الإسرائيلية، ليهدّد بقطع ارتباط البنوك الفلسطينية بالنظام المصرفي العالمي، وبالتالي توجيه ضربة مباشرة للاقتصاد الفلسطيني قد تؤدي إلى انهياره.
وفي المرة الأخيرة التي استخدم فيها سموتريتش هذه الصلاحية كانت قبل نحو عام، حين تقرّر تمديد الضمانات لمدة سنة إضافية. وخلال هذه السنة، كان من المفترض أن تُنجز لجنة مهنية عملها بهدف إجبار البنوك الفلسطينية على الموافقة على تطبيق سياسات تمنع غسل الأموال و"تمويل الإرهاب"، أي الخضوع الكامل لشروط الرقابة الإسرائيلية.
موقف بنك إسرائيل يعارض وقف الضمانات للبنوك الإسرائيلية، ويؤيّد استمرار عمل البنوك الفلسطينية عبر قناة البنوك الإسرائيلية، وكذلك استمرار ارتباط السلطة الفلسطينية بالشيكل الإسرائيلي. هذا كان أيضًا موقف جهاز المخابرات العامة (الشاباك)، الذي حذّر من التداعيات الأمنية والاقتصادية لوقف الضمانات ومن انهيار الاقتصاد الفلسطيني. كما مارست الإدارة الأميركية ضغوطًا على الحكومة الإسرائيلية من أجل استمرار هذا الترتيب ومنع انهيار الاقتصاد الفلسطيني. وعلى ما يبدو، ستقوم الحكومة الإسرائيلية بتمديد الضمانات، ولو بشكل مؤقت، تجنّبًا لانهيار اقتصاد السلطة الفلسطينية.
إن ارتباط عمل وأداء البنوك الفلسطينية بقنوات البنوك الإسرائيلية، واعتماد الشيكل كعملة رسمية في مناطق السلطة الفلسطينية، يثقل كاهل الاقتصاد الفلسطيني ويعمّق تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي. غير أن هذه ليست الجوانب الوحيدة التي تتيح لإسرائيل التحكّم بالاقتصاد الفلسطيني؛ فإلى جانب ذلك، حدّدت اتفاقية باريس الاقتصادية إطارًا جمركيًا مشتركًا بين إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية، وربطت السوق الفلسطينية بالكامل بآليات إدخال السلع والمنتجات والخدمات عبر البوابة الإسرائيلية. كما جعلت سوق العمل الإسرائيلي السوقَ المركزي المتاح أمام القوى العاملة الفلسطينية. وفوق ذلك، يدفع المواطن الفلسطيني ضريبة قيمة مضافة مساوية لتلك المفروضة في إسرائيل، ما يرفع أسعار السلع والخدمات داخل الاقتصاد الفلسطيني ويزيد من العبء المالي على الأسر والقطاعات الاقتصادية المختلفة.
تحوّل هذه الشروطُ الاقتصادَ الفلسطيني إلى رهينة للسياسات الإسرائيلية، إذ تتحكّم إسرائيل بمستوى التطور والنمو، وبمعدلات البطالة والفقر، وبمستويات الدخل. وقد ظهر ذلك جليًا في العديد من المحطات منذ توقيع اتفاقية باريس الاقتصادية عام 1995، وبصورة أكثر حدّة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

اقتصاد الضفة الغربية بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023
بطبيعة الحال، فإن الحديث عن الاقتصاد الفلسطيني بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر ينصرف أساسًا إلى الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية، إذ دمّرت إسرائيل بشكل كامل الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة، ما يجعل تقييم الحالة الاقتصادية الفلسطينية محصورًا اليوم تقريبًا في الضفة الغربية وحدها.
وفقًا لبيانات أمانة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد — UNCTAD)، انكمش اقتصاد الضفة الغربية في عام 2024 بنسبة 17%، ما يعني انخفاضًا يقارب 18.8% في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. وقد محا هذا الانكماش 17 عامًا من التطوّر الاقتصادي، وأعاد الاقتصاد إلى مستويات عام 2014، وإلى مستويات عام 2008 فيما يتعلق بنصيب الفرد من الناتج المحلي.
ووفقًا لمعطيات معهد "ماس" (معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية)، شهد الربع الأول من عام 2024 - أي الأشهر الأولى للحرب على غزة - تراجعًا حادًا في الناتج المحلي الفلسطيني، إذ بلغ نحو 64% فقط من مستوى الناتج المحلي في الربع الثالث من عام 2023، أي قبل حرب الإبادة على غزة. وفي الربع الثاني من عام 2025، ارتفع الناتج المحلي قليلًا ليصل إلى نحو 70% من مستواه قبل الحرب. وبالمعدل العام، خسر الاقتصاد الفلسطيني قرابة ثلث ناتجه المحلي سنويًا منذ نهاية عام 2023، في ظل استمرار الحرب والإغلاق والقيود الاقتصادية الإسرائيلية.
وتعكس هذه الأرقام الضرر التراكمي الناجم عن العنف والقيود الأمنية التي تمارسها إسرائيل منذ سنوات طويلة. فبحسب المنظمة، لولا القيود المفروضة منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، لكان الاقتصاد الفلسطيني قد حقّق ناتجًا محليًا إجماليًا إضافيًا تراكميًا بقيمة 170.7 مليار دولار - وهو مبلغ يعادل 17 ضعفًا الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية في العام الماضي.

أسواق العمل
لم يتعافَ سوق العمل في الضفة الغربية من التداعيات السلبية التي لحقت به منذ بداية الحرب على غزة، والاقتحامات المتواصلة في الضفة، وإغلاق أسواق العمل في إسرائيل أمام العمال الفلسطينيين.
فقد بلغ معدل البطالة في الضفة الغربية في الربع الثالث من عام 2023 - أي قبل الحرب - نحو 13%. ثم ارتفع في الربع الرابع من العام ذاته، أي بعد الحرب، إلى 33.2%، وفي الربع الأول من عام 2024 ازدادت معدلات البطالة لتصل إلى 35.2%، قبل أن تتراجع في الربع الرابع من العام ذاته إلى 28.8%. وفي النصف الأول من عام 2025 تراوحت البطالة بين 29% و30%. وتشير هذه الأرقام إلى أن معدلات البطالة ما تزال مرتفعة جدًا، إذ تصل إلى نحو ثلث القوة العاملة في الضفة الغربية.
حتى نهاية العام الحالي، ما تزال الغالبية العظمى من العمال الفلسطينيين ممنوعين من دخول أسواق العمل في إسرائيل، ولا يعمل سوى عدد محدود منهم في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، خصوصًا في المناطق الصناعية. ووفقًا لمعطيات معهد "ماس"، ارتفع عدد العمال الفلسطينيين في المستوطنات من 27.3 ألف عامل في الربع الثاني من عام 2024 إلى نحو 39.1 ألف عامل في الربع الثاني من عام 2025 - أي ارتفاع بنسبة 40%.
وفي حين بلغت نسبة العمال الفلسطينيين الذين كانوا يعملون داخل إسرائيل في عامَي 2022 و2023 نحو 20% من مجمل القوة العاملة الفلسطينية، أي ما يقارب 160 ألف عامل، فقد تراجعت هذه النسبة منذ نهاية عام 2023 إلى نحو 5% فقط.
بين عامَي 2010 و2023 تضاعف عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل، فيما قفزت مداخيلهم من العمل هناك ستة أضعاف، من نحو 700 مليون دولار في عام 2011 إلى حوالي 4.3 مليارات دولار في عام 2022. وفي الوقت نفسه، كان متوسط الأجر الشهري للعامل الفلسطيني في إسرائيل يقارب ضعف متوسط أجر العامل في الضفة الغربية، ويفوق بأكثر من خمسة أضعاف متوسط الأجر في قطاع غزة.
منع دخول العمال الفلسطينيين إلى أسواق العمل الإسرائيلية يعني خسارة دخل بنحو 4 مليارات دولار للاقتصاد الفلسطيني في العام.

التعلّق بالسلع والمنتجات الإسرائيلية
حتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، كانت مناطق السلطة الفلسطينية ثاني أكبر سوق تصدير لإسرائيل بعد الولايات المتحدة. وكانت إسرائيل تزوّد نحو 75% من الواردات الفلسطينية، بينما وصلت نسبة الـ25% المتبقية تقريبًا بالكامل عبر الموانئ الجوية والبحرية الإسرائيلية.
وقد مال الميزان التجاري بشكل ثابت لمصلحة إسرائيل، إذ بلغ حجم التجارة بين الجانبين نحو 5 مليارات دولار سنويًا قبل الحرب، وهو مبلغ يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني.
وبذلك، فإن غالبية السلع والمنتجات المتوافرة في الأسواق الفلسطينية مصدرها الصناعات الإسرائيلية، أو أنها تدخل عبر الموانئ والبوابات الإسرائيلية. وبهذا لا تتحكّم إسرائيل فقط في حجم العمالة وفي الأوضاع المعيشية الفلسطينية، بل تتحكّم أيضًا في توفير السلع والمنتجات الاستهلاكية الأساسية داخل الأسواق الفلسطينية.

التحكّم في إيرادات السلطة الفلسطينية
يزداد الضرر الاقتصادي في الضفة الغربية حدّة نتيجة تحكّم إسرائيل في تحويل أموال المقاصة المستحقة للسلطة الفلسطينية، بما يشمل ضرائب الاستيراد وضريبة القيمة المضافة. وتستخدم إسرائيل أموال المقاصة كأداة عقاب سياسي واقتصادي للسلطة الفلسطينية وللفلسطينيين عمومًا؛ فامتناعها عن تحويل هذه الأموال يخلق أزمة خانقة في موازنة السلطة، ويؤدي إلى عجز مالي ونقص في السيولة يمنعان دفع أجور الموظفين والمستحقات المالية الأخرى.
وينعكس ذلك مباشرة على ارتفاع البطالة، وتراجع الدخل والاستهلاك في مناطق الضفة الغربية، مما يعمّق الأزمة الاقتصادية. وبذلك تتحكّم إسرائيل في كافة مفاصل الاقتصاد الفلسطيني:
- منع دخول العمال يؤدي إلى ارتفاع البطالة وتراجع الاستهلاك والدخل، وإلى انخفاض جباية الضرائب.
- احتجاز أموال المقاصة يزيد من حدّة الأزمة ويعمّق الانكماش الاقتصادي.
وفي المقابل، لا تملك السلطة الفلسطينية ولا القطاع الخاص الفلسطيني الأدوات اللازمة للتعامل مع هذا الوضع البنيوي، في ظل فقدان السيطرة على الموارد المالية الأساسية والاعتماد القسري على القرارات الإسرائيلية.
ارتفاع عدد جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال إلى 761
أعلنت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء عن ارتفاع عدد الجثامين المحتجزة لدى الاحتلال الإسرائيلي إلى 761 شهيدا، بينهم 74 طفلا، و89 أسيرا، و10 شهيدات.
يأتي هذا الارتفاع عقب استشهاد الشابين محمد رسلان محمود أسمر (18 عاما) من بيت ريما، ومهند طارق محمد زغير (17 عاما) من الخليل، واحتجاز جثمانيهما من قبل قوات الاحتلال صباح اليوم الثلاثاء.
وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد محمد أسمر برصاص الاحتلال شمال رام الله، بينما استشهد مهند زغير في مدينة الخليل، في حين أشار الدفاع المدني إلى تصفية منفذ عملية الدهس التي وقعت، أمس الإثنين، في حلحول بالخليل وإصابة مجندة إسرائيلية.
وتشير الحملة الوطنية إلى أن الاحتلال يواصل احتجاز الجثامين في ثلاجات ومقابر الأرقام بدعوى استخدامها كورقة تفاوض في ملف الأسرى الإسرائيليين، رغم زوال البند القانوني الذي يسمح بذلك بعد إعادة جميع الإسرائيليين من غزة.
وشددت الحملة على أن استمرار هذا الاحتجاز يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وكرامة العائلات الفلسطينية، داعيةً إلى الإفراج الفوري عن جميع الجثامين وتمكين العائلات من وداع أبنائها ودفنهم وفقا لتقاليدهم الدينية والوطنية، مع تفعيل بنك الـDNA لضمان التعرف على هوية كل جثمان واستعادة الرفات بطريقة إنسانية وقانونية.
في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قدمت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء ومعرفة مصير المفقودين طلبا رسميا إلى المستشار القضائي لحكومة الاحتلال، عبر محامي الحملة ومركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، للمطالبة بالإفراج الفوري عن جميع جثامين الشهداء المحتجزة.
وجاء هذا الطلب بعد زوال البند القانوني الذي استند إليه الاحتلال في قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية بشأن الاحتجاز، والذي كان مرتبطاً بوجود أسرى إسرائيليين في قطاع غزة.
وأوضحت الحملة أن جميع الجثامين المدرجة في القوائم المرفقة بالطلب كانت محتجزة بقرارات من المجلس الوزاري المصغر "الكابينيت" وبمصادقة المحكمة العليا الإسرائيلية، بزعم استخدامها كورقة تفاوض في ملف الأسرى الإسرائيليين.
ومع التوصل إلى تسوية وإعادة جميع الإسرائيليين من غزة، لم يعد هناك أي مبرر قانوني أو ذريعة لاستمرار احتجاز الجثامين الفلسطينية.
وأكدت الحملة أن استمرار هذا الاحتجاز يشكل جريمة مخالفة للقانون الدولي الإنساني، وتجاوزا حتى لقرارات المحكمة العليا الإسرائيلية التي سمحت بالاحتجاز فقط لغرض التبادل.
وأضافت أن إبقاء الجثامين في ثلاجات الاحتلال ومقابر الأرقام يعد انتهاكا صارخا لحقوق العائلات الفلسطينية وكرامة الشهداء.
وطالبت الحملة بالإفراج الفوري عن جميع الجثامين دون أي تأخير، وتمكين العائلات من وداع أبنائها ودفنهم وفقاً لتقاليدهم الدينية والوطنية.
كما دعت المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية للتحرك العاجل للضغط على سلطات الاحتلال لإنهاء هذه السياسة غير الأخلاقية التي تمثل شكلا من أشكال العقاب الجماعي.
وشددت الحملة على ضرورة أن تتم عملية تسليم الجثامين بطريقة تحفظ كرامة الشهداء الفلسطينيين، وأن يجري التسليم لكل جثمان محدد الهوية وبشكل لائق، بعيدا عن الممارسات المهينة التي رصدت في بعض عمليات التسليم السابقة في قطاع غزة خلال بدايات الحرب.
نقابة العمال العرب تطالب إسرائيل بصرف 515 مليون شيكل مستحقة للعمال الفلسطينيين
طالبت نقابة العمال العرب في مدينة الناصرة وزارة المالية ووزارة الداخلية الإسرائيلية بصرف مستحقات الإجازة المرضية لآلاف العمال الفلسطينيين الذين عملوا في الداخل قبل بداية الحرب على غزة، والبالغة نحو 515 مليون شيكل.
وأوضحت النقابة في رسالتها أن وزارة الداخلية، عبر قسم تشغيل العمال الأجانب، كانت تقتطع من أجور العمال الفلسطينيين نسبة 2.5% حتى نهاية عام 2019 كمخصصات للإجازة المرضية.
وبحسب البيانات، فقد تم صرف 11 مليون شيكل فقط كإجازات مرضية للعمال حتى نهاية 2019، فيما بقي الرصيد المتبقي في صندوق الوزارة دون صرف حتى السابع من أكتوبر 2023.
وأشار المستشار القانوني للنقابة، وهبة بدارنة، إلى أن وزارة المالية حولت جزءاً من هذه المستحقات، بقيمة 218 مليون شيكل، لتعويض أرباب العمل عن خسائر الحرب، بينما بقي الرصيد الأكبر في صندوق وزارة الداخلية كمستحقات للعمال الفلسطينيين.
وأضاف بدارنة أن الحكومة الإسرائيلية ووزارة المالية تخطط لتوزيع هذه الأموال على الوزارات والمؤسسات المختلفة، بما في ذلك اتحاد المزارعين، اتحاد الفلاحين، الهستدروت الإسرائيلية ومنظمة الهستدروت الوطنية، دون مراعاة حقوق العمال الفلسطينيين، واصفاً ذلك بمحاولة "تقاسم الكعكة" بين الجهات الإسرائيلية.
وأكد بدارنة أن نقابة العمال العرب ستتخذ إجراءات قانونية عاجلة إذا لم تتلق ردا من وزارتي الداخلية والمالية بشأن صرف هذه الأموال للعمال الفلسطينيين، التي هي حق أصيل لهم عن سنوات عملهم النظامي والقانوني لدى المشغلين الإسرائيليين.
يذكر أن نحو 75% من العمال الفلسطينيين في الداخل حتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 ، كانوا يعملون في قطاع البناء، و15% في الزراعة، و6% في الصناعة، و3% في قطاع الخدمات، فيما نسبة ضئيلة منهم عملت في مجال السياحة.
12 منظمة حقوقية إسرائيلية: الانتهاكات الإسرائيلية "الاستثنائية" في غزة والضفة أصبحت ممارسات يومية
أكد تقرير جديد وشامل صادر عن 12 منظمة حقوقية إسرائيلية، اليوم الثلاثاء، أن السنة الثانية من حرب الإبادة على غزة شهدت توسّعًا غير مسبوق في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، من حيث العمق والاتساع وشدة الأضرار.
وأشارت المنظمات إلى أنّها وثّقت، في العامين 2023 و2024، انتهاكات خطيرة، إلّا أن نتائج العام 2025 تكشف عن تدهور حاد بتضاعف عدد الشهداء تقريبًا، وأصبحت حالات التهجير شبه شاملة، وتحوّل الجوع إلى سبب لوفيات جماعية، كما أصبحت الانتهاكات التي كانت تُعتبر "استثنائية" في بداية الحرب جزءًا من الممارسة اليومية.
وقد أُعدّ التقرير من قبل المنصّة، وهو ائتلاف يضمّ المنظمات التالية: "بمكوم" – مخطّطون وحقوق الإنسان؛ مسلك؛ جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل؛ اللجنة الشعبية لمناهضة التعذيب في إسرائيل؛ "هموكيد" – مركز الدفاع عن الفرد؛ "يش دين"؛ مقاتلون من أجل السلام؛ "عير عميم"؛ عمق شبيه؛ أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل؛ نكسر الصمت؛ و"تورات تسيدك".
وتستند المنظمات في استنتاجاتها إلى ثلاثة تقارير سنوية متتالية (2023–2025)، تُظهر مجتمعةً تحوّلًا عميقًا في طبيعة الحرب وآليات السيطرة الإسرائيلية: تآكل الانضباط العسكري، تصاعد الخطاب الحكومي المتطرف، تشديد السياسات تجاه الفلسطينيين في غزة والضفة، وتصاعد الهجمات على أجهزة الرقابة القضائية والمدنية. وترى المنظمات أنّ هذه العوامل جعلت العام 2025 عامًا تحوّلت فيه أنماط الانتهاكات القصوى إلى ممارسات تشغيلية وسياسات ثابتة.
القتل والإصابات: بحلول أيار/مايو 2024، استشهد أكثر من 36 ألف فلسطيني في قطاع غزة. وبحلول تشرين الأول/أكتوبر 2025، ارتفع العدد إلى 67,173 شهيدا، بينهم أكثر من 20 ألف طفل وحوالي 10 آلاف امرأة، إضافة إلى نحو 10,000 جثة ما زالت تحت الأنقاض. كما تجاوز عدد الجرحى 170 ألفًا.
التهجير والدمار: في العام 2024، جرى تهجير أكثر من مليون فلسطيني داخل قطاع غزة. وفي العام 2025، ارتفع العدد إلى 1.9 مليون، أي نحو 90% من سكان القطاع، وكثيرون منهم هجّروا عدة مرات، مع انهيار أحياء كاملة وبنى تحتية حيوية من مياه وكهرباء وزراعة ومستشفيات.
الجوع والتجويع: بعد التحذير من أزمة جوع غير مسبوقة في العام 2024، تحوّلت الأزمة في العام 2025 إلى وفيات جماعية جراء سياسة التجويع الإسرائيلية. وسُجّل 13,000 طفل يعانون من سوء تغذية حاد في تموز/يوليو؛ وفي آب/أغسطس أعلنت الأمم المتحدة مجاعة كاملة؛ وبحلول تشرين الأول/أكتوبر توفي 461 شخصًا بسبب الجوع، بينهم 157 طفلًا.
الوفيات أثناء محاولة الحصول على الغذاء: هذه ظاهرة لم تُسجّل إطلاقًا في العام 2024، لكنها أصبحت مأساة يومية في العام 2025. 2,306 شهداء و16,929 جريحًا قرب مراكز توزيع الغذاء، نتيجة الفوضى وإطلاق القوات الإسرائيلي النار الحي. وأصبح مجرد محاولة الحصول على الطعام حدثًا يهدد الحياة.
استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية: بعد توثيق حالات متفرّقة في العام 2024، شهد العام 2025 عشرات الشهادات حول استخدام الجيش الإسرائيلي بشكل منهجي للفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال وكبار السن، كدروع بشرية داخل غزة، حيث احتُجز بعضهم مقيّدين ومعصوبي الأعين لأيام وأسابيع.
عنف المستوطنين وترحيل التجمعات البدوية في الضفة الغربية: بين عامي 2023 و2024، سُجّل نحو 1,200 اعتداء من قبل المستوطنين. وفي العام 2025 تصاعدت الأحداث إلى عمليات ترحيل واسعة. 44 تجمعًا رعويًا فلسطينيًا هُجّر بالكامل، و10 تجمّعات أُفرغت جزئيًا، ما مجموعه 2,932 شخصًا، بينهم 1,326 طفلًا.
الاعتقالات وظروف الاحتجاز: ارتفع عدد المعتقلين الإداريين في السجون الإسرائيلية من أكثر من 1,000 عام 2023 إلى 3,577 عام 2025، أي ثلاثة أضعاف المعدل الذي سبق الحرب. ويوثّق التقرير ما لا يقل عن 98 أسيرا استشهدوا أثناء الاحتجاز لدى السلطات الإسرائيلية، بسبب التعذيب ومنع العلاج الطبي وظروف الاحتجاز اللاإنسانية. وتؤكد المنظمات أنّ سوء المعاملة أصبح ممارسة ممنهجة في جميع أجهزة الأمن والسجون.
القدس الشرقية: تكشف التقارير عن تدهور متسارع منذ العام 2023، بسبب استخدام إسرائيل تسجيل الأراضي كأداة نزع ملكية، تشديد القيود على الحركة، تراجع الخدمات البلدية، ارتفاع نسب التسرب المدرسي، وتوسّع الاستيطان بوتيرة غير مسبوقة. ويمثل ذلك انتقالًا من التمييز المؤسسي إلى سياسة نزع ملكية نشطة ومتعمّقة، بلغت ذروتها في العام 2025.
الآثار ومواقع التراث: شهد العام 2025 تدهورًا حادًا في تعامل إسرائيل مع مواقع التراث الفلسطيني. ففي غزة، تضررت متاحف وأرشيفات ومبانٍ تاريخية ومواقع أثرية، بما في ذلك قصر الباشا، أرشيف بلدية غزة، متحف رفح، والموقع الأثري للميناء القديم. وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية، تحوّل النهج من مشاريع "حفظ" و"تطوير سياحي" إلى استخدام المواقع الأثرية كأدوات للسيطرة المكانية ونزع الملكية. فقد توسّعت سيطرة المستوطنين والسلطات الإسرائيلية على مواقع مثل سبسطيّة وقصور الحشمونائيم، وتسارعت إعلانات "الحدائق الوطنية"، وتقدّمت مشاريع تراثية ضخمة في محيط البلدة القديمة في القدس، مما عمّق السيطرة المكانية والسردية على حساب المجتمعات الفلسطينية والمعايير المهنية للحفاظ على التراث.
وأكدت المنظمات أنه "كشف العام 2025 واقعًا لم يكن من الممكن تخيّله: دولة تعمل بلا قيود، وتنتهك القانون الدولي بشكل منهجي، وتفكك القيم التي تدّعي الالتزام بها. استخدام التجويع كسلاح، مهاجمة المستشفيات، اختفاء متقلين، ترحيل التجمعات السكانية، والقتل الواسع للمدنيين ليست ‘إخفاقات’ بل سياسة. الانتهاكات التي كانت تُعرّف سابقًا كجرائم ضد الإنسانية تحدث اليوم بشكل يومي، دون مساءلة أو تحقيق. لا يمكن لإسرائيل الادعاء بالأخلاق أو الدفاع عن النفس بينما تهدم كل آلية قانونية وأخلاقية داخلية. ما لم يتم إنشاء آلية تحقيق مستقلة وفعالة، فإن هذا التدهور سيصبح غير قابل للعكس."
نتنياهو في واشنطن للمرّة الخامسة: الحرب لم تقُل كلمتها الأخيرة
حسين إبراهيم

يُعقد خلال الأسبوعين المقبلين، بحسب الصحافة الإسرائيلية، اجتماع بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، هو الخامس من نوعه منذ تولّي الأول السلطة قبل 10 أشهر. وجرى الترتيب للاجتماع الجديد خلال مكالمة هاتفية بين الرجلين، تمحورت حول سوريا - وفق بيان صادر عن مكتب نتنياهو -، وتُعدّ هي أيضاً واحدة من عشرات المكالمات التي تمّت بينهما خلال الفترة نفسها؛ علماً أن ترامب واكبها بمنشور على منصته «تروث سوشيال» يطلب فيه من مُحدّثه «عدم التدخّل في (مسار) تطوّر سوريا إلى دولة مزدهرة».

وإذا كان تطوُّر الأوضاع في الشرق الأوسط خلال تلك الفترة، قد يبرّر هذا الكم من الاجتماعات والاتصالات بين الرجلين، إلا أن طابع العجلة للدعوة الجديدة التي وجّهها ترامب إلى نتنياهو، لا تفسّره إلا احتمالات تدهور الوضع مع إيران وحلفائها في المنطقة في المرحلة المقبلة. ومن هنا، يصبح ما لم يتضمّنه البيان الإسرائيلي، أهمّ مما ورد فيه، ولا سيما في ظلّ التهديدات المتزايدة بين تل أبيب وطهران، وفي ظل سياسة الخداع التي مارسها الرجلان قبل حرب الـ 12 يوماً على إيران في حزيران الماضي.
من الواضح أن كلّ التحرّكات الدبلوماسية الأميركية الحالية في المنطقة تستهدف تطويق إيران، وإضعاف نفوذها أينما كان موجوداً، ولا سيما في المحيط المباشر لإسرائيل. ولذلك، فإن الضغط الأميركي الأقوى يمارَس، في هذه الأثناء، في ساحتين أكثر ممّا يُسلَّط في غيرهما - هما العراق ولبنان -، على أمل أن يؤدّي إلى تغييرات تُغني عن الحرب.

ما يريده ترامب، في الواقع، هو إحكام السيطرة على هذه المنطقة تماماً؛ وهذا له مدخل وحيد هو الضغط على إيران لإجبارها على التنازل، بما في ذلك من خلال الحرب التي تستهدفها مباشرة أو التي تستهدف حلفاءها، إذ تأمل واشنطن، من خلال تلك الأدوات، إفساح المجال أمام تغيير جوهري في ميزان القوى الإقليمي، وفق ترتيبات مختلفة ترعاها هي، وتتضمّن سوريا والسعودية وغيرهما من الدول العربية، بالإضافة إلى تركيا، على أن يكون محورها ترسيخ حكم الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع.

وإذا كانت الأطراف المذكورة لا تستطيع السير في أيّ مشروع من هذا النوع، من دون التوصّل إلى حلّ مقبول لديها لقطاع غزة، يُخرِج حركة «حماس» من الحكم - إنما بطريقة مختلفة، وببدائل مغايرة لتلك التي تريدها إسرائيل -، فإن حسابات نتنياهو تبدو في مكان آخر تماماً. فهو يريد أن يكون الأمر كلّه بيد إسرائيل، وبيده شخصياً، وذلك لاستكمال حروبه، وتحقيق الأهداف التوسّعية والأمنية التي وضعها لها، وهو ما يتطلّب، حتماً، المحافظة على التحالف الذي يشكّل الحكومة، أقلّه حتى الانتخابات المقبلة، التي يعتقد «بيبي» أن الوضع الحالي يضمن له الفوز فيها.

على أن المُتغيّر الكبير الذي تحصل في ظلّه زيارة نتنياهو، هو الهزّة السياسية الكبرى التي تسبّب بها طلبه من رئيس الدولة، إسحق هيرتسوغ، إصدار عفو عنه في قضايا الفساد التي يُحاكم فيها؛ وهو طلب كان ترامب نفسه تقدّم به خلال زيارته لإسرائيل في تشرين الأول الماضي، إذ سيكون لهذا التحوّل تأثير كبير على مسار الحروب الدائرة حالياً، كونه يضع نتنياهو في موقع أضعف لتنفيذ برنامجه الخاص، ويجعله قابلاً للمساومة أكثر من ذي قبل، ما يتيح للبرنامج الأميركي في شأن سوريا وغزة أن يتقدّم خطوة على برنامج نتنياهو وحكومته اليمينية.

أما الوضع مع إيران ولبنان والعراق، فهو أكثر غموضاً؛ فالأميركيون يلوّحون يومياً للبنانيين بالعصا الإسرائيلية، إذا لم يتمّ نزع سلاح «حزب الله»، وذلك كجزء من السعي لإضعاف طهران. وفي العراق، استدعى الأمر زيارة من المبعوث الخاص إلى سوريا، والمُكلّف بملف لبنان، توم برّاك، إلى بغداد لنقل تهديد بضربة إسرائيلية قد تتعرّض لها الأخيرة إذا تدخّلت الفصائل العراقية لمصلحة «حزب الله»، الذي تستعدّ إسرائيل، بحسب ما سُرّب عنه، لتوجيه ضربة وشيكة إليه. وبالإضافة إلى ما تقدّم، يعتقد دبلوماسي أوروبي نقَل تصريحاته موقع «واينت»، أن إسرائيل قد تشن حرباً جديدة على إيران، خلال الأشهر الـ12 المقبلة، وهي مدّة انتهاء ولاية نتنياهو، إذا لم تجرِ انتخابات مبكرة، وفي حال لم يطرأ أيّ جديد يحول دون ذلك في المفاوضات المتوقّفة حالياً بين واشنطن وطهران.
ضغوط أميركية «شكلية» على إسرائيل | نتنياهو لا يتراجع: نريد «منطقة عازلة»
عامر علي

على وقع التصعيد الإسرائيلي المستمرّ في الجنوب السوري، بما فيه الاعتداء على منطقة بيت جن على أطراف دمشق، والذي ذهب ضحيته 14 شهيداً وأُصيب آخرون، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تمسّكه بموقفه المعلن حول إقامة منطقة عازلة في الجنوب، بالإضافة إلى الاحتفاظ بالمناطق التي احتلّتها إسرائيل بعد سقوط النظام السابق، بما فيها قمة جبل الشيخ ومنابع المياه العذبة. وجاءت تصريحات نتنياهو بعد تداول تقارير في وسائل إعلام إسرائيلية عن وصول المفاوضات مع دمشق إلى طريق مسدود، لتكون بمثابة ردّ مباشر على الدعوة التي وجّهها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لـ«الحوار بين دمشق وتل أبيب».

وكان ترامب قال، في منشور له على منصته الخاصة «تروث سوشيال»، إنه يجب «أن تحافظ إسرائيل على حوار قوي وصادق مع سوريا»، معتبراً أن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، «يعمل بجدٍّ لضمان تحقيق النتائج الإيجابية»، مضيفاً أن «هذه الجهود تمثّل فرصة تاريخية لتعزيز علاقة طويلة ومزدهرة بين سوريا وإسرائيل». ولفت إلى أن «هذه الخطوة تأتي ضمن النجاحات التي تحقّقت من أجل بلوغ السلام في الشرق الأوسط»، معرباً عن رضى بلاده التام عن النتائج التي أُنجزت في سوريا. وبعد ساعات من منشوره، دعا الرئيس الأميركي، نتنياهو، خلال اتصال هاتفي بينهما، لزيارة البيت الأبيض في «المستقبل القريب».

وفي ردّه، قال نتنياهو، في أثناء زيارة لجنود جرحى، إن «ما نتوقّعه من سوريا هو، بالطبع، إنشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح من دمشق إلى المنطقة العازلة، بما في ذلك مداخل جبل الشيخ وقمة جبل الشيخ». وأضاف: «نحتفظ بهذه المناطق لضمان أمن مواطني إسرائيل، وهذا ما يلزمنا (...) عبر النية الحسنة وفهم هذه المبادئ، يُمكن التوصّل إلى اتفاق مع السوريين، لكننا سنتمسك بمبادئنا في جميع الأحوال»، حسبما نقلت عنه وكالة «رويترز».

وأتى ذلك في وقت ذكرت فيه وسائل إعلام أميركية أن مسؤولين في الإدارة الأميركية انتقدوا نهج نتنياهو في سوريا. ونقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين وصفهم بـ«الكبار»، قولهم إن واشنطن أعربت عن قلق متزايد من الغارات والهجمات التي تنفّذها إسرائيل داخل الأراضي السورية، محذّرة من أن هذه التحركات قد تُعرّض الاستقرار في سوريا لـ«الخطر»، وتُقوّض الجهود الجارية لدفع اتفاق أمني محتمل بين دمشق وتل أبيب. وأشار أحد المسؤولين إلى أن الولايات المتحدة تحاول إيصال رسالة «واضحة» إلى نتنياهو بوقف العمليات «التي ستقوده إلى تدمير نفسه سياسياً»، مضيفاً أن استمرار تلك العمليات «قد يحوّل الحكومة السورية الجديدة إلى خصم، ويُفشل فرصة دبلوماسية نادرة».

على أن الموقف الإسرائيلي بشأن فرض منطقة عازلة، لا يُعدّ أمراً طارئاً على ملف المفاوضات بين السلطات الانتقالية السورية وتل أبيب؛ إذ سبق أن وافقت إدارة الشرع على هذا الطرح خلال مفاوضات سابقة كان يُفترض أن تمهّد لتوقيع اتفاقية أمنية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي. وتضمّنت مسوّدة الاتفاقية التي تمّ تسريبها، حينها، ثلاثة مستويات أمنية في الجنوب السوري، تشمل منطقة عازلة وحظر طيران. غير أن الاتفاقية لم تُبرم آنذاك بسبب ما قيل إنّ إسرائيل أضافت بنداً يتيح فتح طريق إمداد في اتجاه السويداء، الأمر الذي رفضته دمشق. وعقب ذلك، أعلنت السلطات الانتقالية رغبتها في انسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلّتها بعد سقوط النظام، وهو ما ساهم بدوره في تعقيد المشهد، لتردّ إسرائيل عليه بمزيد من التصعيد في الجنوب، بالإضافة إلى زيارة أجراها نتنياهو لمناطق محتلة حديثاً، وتأكيد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تمسّكها بالبقاء في تلك المناطق، بما فيها قمة جبل الشيخ.
وفي موازاة هذه التطورات، زار المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، دمشق، حيث التقى الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني. وبينما لم يتسرّب الكثير عمّا تمّت مناقشته خلال اللقاء، ذكرت «وكالة الأنباء السورية» (سانا) أن برّاك بحث مع الشرع والشيباني المستجدات الأخيرة في المنطقة والقضايا ذات الاهتمام المشترك. ويلعب برّاك، الذي يشغل منصب سفير بلاده في تركيا، ويعمل على بناء تحالف تركي – خليجي في سوريا، دوراً بارزاً في إدارة الملف السوري وفق توجّهات البيت الأبيض الداعمة للسلطات الانتقالية، كما يلعب دوراً مماثلاً في تنظيم الحوار بين دمشق وتل أبيب.

وتأتي زيارة براك بعد يوم واحد من إعلان القيادة المركزية الأميركية «سنتكوم»، تنفيذ عملية مشتركة هي الأولى بعد انضمام السلطات الانتقالية إلى «التحالف الدولي ضد داعش». وذكرت «سنتكوم» أن العملية، التي نُفّذت بالتعاون مع وزارة الداخلية السورية جنوبي البلاد بين 24 و27 تشرين الثاني، استهدفت أكثر من 15 مستودع أسلحة تابعة لتنظيم «داعش»، معتبرة ذلك «خطوة مهمة» ضد محاولات التنظيم إعادة تنظيم صفوفه في المنطقة. وبالتوازي، أعلنت وزارة الداخلية السورية تنفيذ ثلاث عمليات أخرى في عفرين في ريف حلب واللاذقية وإدلب، قالت إنها استهدفت خلايا تابعة لـ«داعش».
فلسطين البوصلة
تحتضن «أكاديمية دار الثقافة» في مخيم مار الياس غداً جلسة فكرية بعنوان «فلسطين بوصلة الوعي العالمي».
يطرح اللقاء أسئلة عن كيف يُعيد الإرث التاريخي الفلسطيني تشكيل وعينا بالقضية الفلسطينية، وكيف يكتب الفلسطيني سرديته في الشتات.
يشارك في الندوة كلّ من الباحث حسين المولى والباحث عارف أبو خليل، في رحلة فكرية لقراءة جذور المقاومة وسرديات الشتات وتحولاتها.
ويتخلّل اللقاء عرض فيديو قصير للوحات فنية فلسطينية تُضيء على سردية الشتات، إلى جانب إضاءة على كتاب «الجريمة الكبرى: مسؤولية بريطانيا على احتلال فلسطين» للباحث حسين المولى، الذي يُعيد تفكيك محطات سياسية وتاريخية مفصلية في المشروع الاستعماري البريطاني.
يأتي الحدث ضمن برنامج أكاديمية دار الثقافة الرامي إلى فتح نقاشات عامة حول القضايا الفكرية والسياسية المرتبطة بفلسطين، وإلى تعزيز مساحات البحث في السرديات البديلة والمقاربات التاريخية الجديدة.

* «فلسطين بوصلة الوعي العالمي»: غداً الخميس - الساعة 12:30 ظهراً - «أكاديمية دار الثقافة» (مخيم مار الياس). للاستعلام:
cultureacademy@outlook.com
هيئة مقاومة الجدار والاستيطان: 2144 اعتداءً "إسرائيليًا" في الضفة خلال الشهر الماضي
قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير مؤيد شعبان إن قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين نفذوا ما مجموعه 2144 اعتداء خلال شهر تشرين الثاني الماضي، في استمرار لمسلسل الإرهاب المتواصل من دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وأراضيه وممتلكاته.
وأوضح شعبان، في تقرير الهيئة الشهري الذي صدر اليوم الأربعاء بعنوان "انتهاكات الاحتلال وإجراءات التوسع الاستعماري"، أن جيش الاحتلال نفذ 1523 اعتداء، فيما نفذ المستعمرون 621 اعتداء، وأن مجمل الاعتداءات تركزت في محافظات رام الله والبيرة بـ 360 اعتداء، و الخليل بـ 348 اعتداء، وبيت لحم بـ 342 اعتداء ونابلس بـ334 اعتداء.
وبين شعبان أن الاعتداءات تنوّعت بين الاعتداء الجسدي المباشر، واقتلاع الأشجار، وإحراق الحقول، ومنع قاطفي الزيتون من الوصول إلى أراضيهم، والاستيلاء على الممتلكات، وهدم المنازل والمنشآت الزراعية، في وقت تُغلق فيه قوات الاحتلال مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية بذريعة "الأمن"، بينما يجري تمكين المستعمرين من التوسع داخلها.
وقال إن هذه الانتهاكات المتصاعدة تؤكد أن ما يجري ليس حوادث متفرقة، بل منهجية منظّمة تهدف إلى تفريغ الأرض من أصحابها، وفرض نظام استعماري عنصري متكامل.

موجة اعتداءات إرهابية للمستعمرين واقتلاع 1986 شجرة
وبين شعبان أن اعتداءات المستعمرين التي بلغت 621 اعتداء، في واحدة من ذروات إرهاب المستعمرين التي استهدفت القرى والتجمعات البدوية الفلسطينية تركزت في محافظات: نابلس بواقع 133 اعتداء، والخليل بـ 112 اعتداء، ورام الله والبيرة بـ 93 اعتداء.
وأضاف أنه في ضوء ما ورد معطيات صارخة تخص الشهر المنصرم، تتضح صورة شاملة لحجم الانتهاكات الممنهجة التي تستهدف الإنسان والأرض والممتلكات في مختلف المحافظات الفلسطينية، مؤكداً أن الأرقام الواردة ليست مجرد إحصاءات جامدة، بل هي شواهد دامغة على سياسة تصعيدية تهدف إلى تقويض الوجود الفلسطيني عبر الاعتداءات العسكرية المباشرة، وتغوّل المستعمرين، وتدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية.
وقال إن أكثر من ألفي اعتداء في شهر واحد، إلى جانب مئات حالات الاعتقال، وتقييد الحركة، وحماية جيش الاحتلال للمستعمرين الإرهابيين، تكشف عن استراتيجية متعمدة لتفريغ الأرض من سكانها الأصليين وإحكام السيطرة عليها، وأن الاعتداءات على المزروعات التي طالت نحو ألفي شجرة بينها مئات أشجار الزيتون، تمثل ضربا للرمز الثقافي والاقتصادي الفلسطيني، فيما تعكس عمليات الهدم والاستيلاء محاولة لاقتلاع مصادر الرزق وتدمير مقومات الحياة اليومية.
وأكد شعبان أن هذه المعطيات تفرض على المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وقانونية عاجلة، ليس فقط في إدانة هذه السياسات، بل في اتخاذ خطوات عملية لوقفها ومساءلة مرتكبيها.
وبين أن الرسالة السياسية المستخلصة من هذا التقرير هي أن استمرار الصمت الدولي يشكل غطاءً لهذه الانتهاكات، وأن حماية الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة تتطلب إرادة سياسية جادة تترجم إلى قرارات ملزمة تضع حدا لسياسة العقاب الجماعي والاستيطان الاستعماري، وتفتح الطريق أمام العدالة والحرية.
 وأضاف شعبان أن المستعمرين نفذوا 485 عملية تخريب وسرقة لممتلكات فلسطينيين، طالت مساحات شاسعة من الأراضي، وكذلك تسببوا- بمساعدة جيش الاحتلال- باقتلاع وتخريب وتسميم 1986 شجرة منها 466 شجرة من أشجار الزيتون، في محافظات نابلس (1260 شجرة) شجرة، ورام الله والبيرة (381 شجرة) وسلفيت (135 شجرة) والخليل (100 شجرة) وقلقيلية (70 شجرة) وجنين (40 شجرة).

محاولة إقامة 19 بؤر استعمارية جديدة
وأشار شعبان إلى أن المستعمرين حاولوا إقامة 19 بؤرة استعمارية جديدة منذ مطلع تشرين الثاني الماضي غلب عليها الطابع الزراعي والرعوي، إذ حاولوا إقامة 5 بؤر استعمارية على أراضي محافظة نابلس، و3 بؤر في كل من الخليل و القدس ورام الله والبيرة، إضافة لبؤرتين في طوباس وبؤرة في قلقيلية.
 وأكد أن تصاعد عمليات محولة إقامة البؤر الاستعمارية في المرحلة الأخيرة لا يمكن له أن يكون إلا بتعليمات واضحة من المستوى السياسي في دولة الاحتلال بغرض فرض الوقائع على الأرض وفرض المزيد من تمزيق الجغرافية الفلسطينية، إذ يتولى المستعمرون مهمة إحداث تغيير على الأرض ثم يتولى المستوى الرسمي تحويل هذا التغيير إلى أمر واقع من خلال تشريعه وتثبيته وتحويله إلى موقع استعماري يحظى بكافة الخدمات.

الاستيلاء على 2800 دونم من أراضي المواطنين
وقال شعبان إن سلطات الاحتلال أصدرت في تشرين الثاني المنصرم جملة من الأوامر العسكرية استولت من خلالها على 2800 دونم من أراضي المواطنين، من خلال أوامر وضع اليد والاستملاك وتعديل حدود "أراضي الدولة".
وبين أن سلطات الاحتلال أصدرت عددا قياسياً من أوامر وضع اليد لأغراض عسكرية بلغت ما مجموعه 26 أمراً، استولت من خلالها على 1296 دونما، أدت للكشف عن نية الاحتلال إقامة 3 مناطق عازلة حول المستعمرات، من خلال 3 أوامر وضع يد حول مستعمرات "جفعات أساف" شمال رام الله والبيرة، و"حمدات" في محافظة طوباس و"أليعازر" في محافظة رام الله والبيرة، فيما كشفت 9 أوامر عسكرية أخرى متسلسلة عن نية الاحتلال شق طريق يقطع مساحات شاسعة من الأغوار يحيطه جدار (غير محددة طبيعته) ومناطق عازلة على امتداد 22 كيلو مترا في محافظة طوباس، إضافة إلى طرق أمنية ومواقع عسكرية أخرى.
وأضاف شعبان أن سلطات الاحتلال كشفت عن نيتها الاستيلاء على الموقع الأثري في سبسطية من خلال أمر استملاك عسكري حمل الرقم 2/25 يقضي بالاستيلاء على ما مجموعه 1473 دونماً من الموقع الأثري في أكبر عملية استيلاء أثري شهدتها الأراضي الفلسطينية، موضحا أن دولة الاحتلال ومن خلال ما يطلق عليه بـ"طاقم الخط الأزرق" قامت بتوسعة حدود مستعمرة "ألفيه منشة" المقامة على أراضي المواطنين شرق قلقيلية من خلال إضافة 31.8 دونم من أراضي المواطنين في المنطقة إلى الأراضي المستولى عليها في نطاق المستعمرة.

هدم 76 منشأة والإخطار بهدم 51 أخرى
وقال شعبان إن سلطات الاحتلال نفذت خلال شهر تشرين الثاني المنصرم 46 عملية هدم طالت 76 منشأة، بينها 20 منزلا مأهولا، ومنزلان غير مأهولين، و30 منشأة زراعية و23 مصدر رزق، تركزت في محافظات الخليل بـ 30 منشأة ومحافظة القدس بـ 15 منشأة ثم محافظة بيت لحم بهدم 11 منشأة.
وبيّن أن سلطات الاحتلال وزعت 51 إخطارا لهدم منشآت فلسطينية في مواصلة لمسلسل التضييق على البناء الفلسطيني والنمو الطبيعي للقرى والبلدات الفلسطينية التي تترجم هذه الأيام بكثافة كبيرة في عمليات الهدم، وأن الإخطارات تركزت في محافظة بيت لحم بـ 21 إخطارا و14 إخطارا في الخليل، و6 إخطارات في نابلس، و2 في طوباس، و1 في رام الله والبيرة.

دراسة 23 مخططا هيكليا للمستعمرات
وأضاف شعبان أن الجهات التخطيطية في دولة الاحتلال درست في تشرين الثاني ما مجموعه 23 مخططا هيكليا لصالح مستعمرات الضفة الغربية وداخل حدود بلدية الاحتلال في القدس، بواقع 19 مخططاً هيكلياً لمستعمرات الضفة و4 مخططات لصالح مستعمرات داخل حدود بلدية الاحتلال في القدس.
وأضاف أن هذه الجهات صادقت على 12 مخططا هيكليا لمستعمرات الضفة، وأودعت 7 مخططات أخرى للمصادقة اللاحقة، حيث أودعت من خلال ذلك 1409 وحدات وصادقت على بناء 353 وحدة استعمارية جديدة على مساحة تقدر بـ 1327 دونما، في حين صادقت بلدية الاحتلال في القدس على مخطط هيكلي يخص مستعمرات القدس، وأودعت للمصادقة اللاحقة 3 مخططات أخرى تخص مستعمرات داخل حدود بلدية الاحتلال في القدس، بواقع 687 وحدة استعمارية، على مساحة تقدر بـ 36.759 دونما من أراضي المواطنين.
وبين شعبان أن الخرائط المرفقة مع المخططات الهيكلية تشير إلى مصادقة الاحتلال على إقامة حي استعماري جديد يخص مستعمرة "نيجوهوت" المقامة على أراضي المواطنين في مدينة دورا في محافظة الخليل من خلال المصادقة على المخطط الهيكيلي الذي حمل الرقم יוש/ ב/ 1/ 521 والذي يهدف لبناء 158 وحدة استعمارية جديدة على مساحة 520 دونماً من أراضي المواطنين.
وقال إن الوثائق ذاتها كشفت عن إيداع الاحتلال لمخطط هيكلي آخر يهدف لإنشاء حي جديد يخص مستعمرة "كدوميم" المقامة شرق محافظة قلقيلية من خلال إيداع المخطط الهيكلي الذي يحمل الرقم יוש/ 17/ 113 ويهدف إلى بناء 1388 وحدة استعمارية جديدة على مساحة تصل إلى 239 دونما من أراضي قريتي جيت وكفر قدوم، ويقع الحي المشار إليه إلى الجنوب من الشارع المسمى "شارع 55".
الاحتلال يشن حملة اعتقالات واقتحامات واسعة في الضفة
واصلت قوات الاحتلال "الإسرائيلي"، اليوم الأربعاء، تنفيذ سلسلة من الاعتقالات والاقتحامات في محافظات متفرقة بالضفة الغربية، طالت مواطنين بينهم مسن وأسرى محررون، وسط اعتداءات وممارسات ميدانية رافقتها عمليات تفتيش وتحقيق مع الأهالي.

ففي محافظة بيت لحم، اعتقلت قوات الاحتلال ثلاثة مواطنين، هم: خضر الياس بلوط (60 عامًا) من مدينة بيت جالا غرب المحافظة، عيسى محمد الهريمي (26 عامًا) من منطقة أبو انجيم جنوب شرق المدينة، والأسير المحرر محمد إبراهيم عبيات من منطقة واد أبو فريحة شرقًا، وذلك عقب مداهمة منازلهم وتفتيشها.

وفي مدينة نابلس، شنّت قوات الاحتلال حملة اعتقالات فجر اليوم، طالت أربعة مواطنين عقب اقتحام عدة مناطق داخل المدينة. فقد اعتقلت سليم محمود جبريل من مخيم العين غرب المدينة، فيما طالت الاعتقالات كلًا من: معن العقاد، وساهر حمدان، وحسن عايد بكر منصور، بعد مداهمة منازلهم في حيي المخفية والاتحاد.

وفي جنين، اعتقلت قوات الاحتلال الشاب إبراهيم العمور من قرية عنزا جنوب المحافظة عقب مداهمة منزله فجر اليوم. وتواصل قوات الاحتلال عدوانها على بلدة قباتية لليوم الثالث على التوالي، حيث تنفذ حملات مداهمة واحتجاز للمواطنين والتحقيق معهم ميدانيًا.

وفي محافظة رام الله، اقتحمت قوات الاحتلال قرية المدية غرب المحافظة، وسيرت آلياتها العسكرية في شوارع القرية دون الإبلاغ عن اعتقالات أو اندلاع مواجهات.

أما في الخليل، اعتقلت قوات الاحتلال ثلاثة مواطنين واحتجزت العشرات خلال حملة اقتحامات واسعة شملت عدة مناطق. وشملت الاعتقالات المواطن معتز الجعبة من مدينة الخليل، وفادي موسى غنيمات، وقاسم علي القاضي من بلدة صوريف شمال غرب المحافظة، بعد مداهمة منازل المواطنين والتحقيق معهم ميدانيًا. كما اقتحمت قوات الاحتلال بلدتي دورا ويطا جنوب المحافظة، وفتشت منازل دون تسجيل اعتقالات.

وفي سياق متصل، أغلقت قوات الاحتلال حاجز الكونتينر العسكري شمال غرب بيت لحم، ما تسبب بأزمة مرورية خانقة على الطريق الواصل بين شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية عبر وادي النار.

على صعيد آخر، انسحبت قوات الاحتلال الليلة الماضية من مدينة طوباس وبلدة عقابا بعد يومين من العدوان والحصار. وخلال الاقتحام، حوّلت قوات الاحتلال عدة منازل إلى ثكنات عسكرية، بعد إجبار سكانها على المغادرة، وشنّت حملة تفتيش واسعة واحتجزت مواطنين وأخضعتهم لتحقيقات ميدانية، فيما أطلقت الطائرات الحربية النار في أجواء المحافظة بين الحين والآخر.
كما انتشرت آليات الاحتلال وقوات المشاة بشكل مكثف في الأحياء، تزامنًا مع فرض حظر تجول وإغلاق المداخل بالسواتر الترابية. يشار إلى أن هذه الاقتحامات جاءت بعد انسحاب سابق عقب عدوان استمر أربعة أيام متواصلة منذ فجر الأربعاء وحتى مساء السبت.
الجبهة الشعبية تشيد بتصاعد العمليات البطولية في الضفة وتؤكد أن الإرادة الفلسطينية أقوى من جبروت الاحتلال وحملاته العسكرية
أشادت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالتصاعد النوعي للعمليات البطولية في الضفة المحتلة والتي كان آخرها عمليتي الدهس في الخليل والطعن قرب رام الله، معتبرة إياها رداً طبيعياً، مشروعاً ومباشراً على جرائم الاحتلال وعمليات الإعدام التي يرتكبها جنوده، إضافةً إلى إرهاب عصابات المستوطنين.
وشددت الجبهة في تصريحٍ لها، أنّ هذه العمليات تُثبت أن المقاومة موجودة وحاضرة في الضفة، كما أن استمرارها بزخمٍ كبير رغم الحملات العسكرية الصهيونية الواسعة يؤكد أن الإرادة الفلسطينية أقوى من جبروت المحتل ويفضح محاولاته المستمرة لكسر شوكة شعبنا وإخماد جذوة المقاومة.
وحيت الجبهة بكل فخر واعتزاز الشهيدين البطلين منفذي العمليتين، وهما: الفتى الشهيد مهند طارق محمد الزغير (17 عاماً)، منفذ عملية الدهس البطولية، والشهيد محمد رسلان محمود أسمر (18 عاماً) من بلدة بيت ريما شمال غرب رام الله، منفذ عملية الطعن البطولية، مؤكدة أن دماء هؤلاء الأبطال ستظل تُضيء درب العودة والحرية.
كما أكدت الجبهة ثقتها بأن هذه العمليات هي الشرارة التي ستغذي المقاومة وتجعلها تتواصل وتتصاعد، حتى تصل إلى انفجارٍ شامل في وجه الاحتلال، مشددة على أنه لن يهدأ لشعبنا بال إلا بانتزاع حقوقه كاملة ودحر هذا الكيان الصهيوني الإجرامي.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire