المتحف الفلسطيني... «غزّة الباقية» في كل مكان

 

أحمد مفيد

يفوز «المتحف الفلسطيني» بجائزة الممارسات المتحفية لعام 2025 عن معرض «غزّة الباقية»، في تتويج لدور استثنائي يُعيد تعريف المتحف كمساحة للبقاء والمقاومة. وسط الإبادة وتدمير البنية الثقافية، حوّل المتحف عجز الوصول الجغرافي إلى حضور عالمي، جامعاً الأرشيف والذاكرة والفن في مواجهة المحو
فاز «المتحف الفلسطيني» في بيرزيت – فلسطين (مؤسسة غير حكومية) بجائزة الممارسات المتحفية المتميزة لعام 2025، التي تمنحها «اللجنة الدولية للمتاحف والمجموعات الفنية الحديثة» (CIMAM)، عن معرضه «غزّة الباقية». أشادت اللجنة بقدرة المتحف على إعادة تعريف دور المتاحف كمساحات للبقاء والمقاومة، ولعبه دوراً حيوياً في تأكيد التراث الثقافي والذاكرة الجماعية. وقد نجح المتحف، عبر عمله في ظل ظروف قاسية، في مواكبة الأحداث الكارثية التي يمر بها قطاع غزّة على صعيد الفن والممارسات المتحفية.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وتحديداً بعد ثلاثة أسابيع من بدء الإبادة الجماعية على قطاع غزّة، استجاب المتحف الفلسطيني بسرعة لتدمير البنية التحتية الثقافية فيها، حيث دُمّر متحفان (متحف رفح ومتحف القرارة) ومعرضان فنيان (محترف شبابيك للفن المعاصر، غاليري التقاء) وأرشيفات عدة (منها أرشيف بلدية غزة الذي تأسّس من نهايات القرن التاسع عشر وأرشيفات الجامعات) ومواقع تراثية، واستشهد عشرات العاملين في الحقل الثقافي.
قدّم المتحف قاعة عرضه الرئيسية امتداداً لمواقع غزّة التي قُصفت، مُطلقاً معرض «هذا ليس معرضاً»، وهو معرض جماعي للفنانين الذين أبدعوا تحت الحصار.
جمع المتحف أكثر من 330 عملاً فنياً لأكثر من 130 فناناً غزياً من منازل خاصة وجامعات ومؤسسات في جميع أنحاء فلسطين، بالشراكة مع أكثر من 60 جهة. من بين الفنانين المشاركين، استشهد ستة فنانين وهم: الفنان القدير فتحي غبن، وهبة زقوت، وشهد نافذ، ومحمد سامي، وضرغام قريقع، والصحافي فؤاد أو خماش. سُوّيت استوديوهاتهم وبيوتهم بالأرض، وفي كثير من الحالات، تُعدّ هذه الأعمال المعروضة الدليل الوحيد الباقي على وجودهم.
بالتوازي مع هذه المجموعة الطارئة، أنشأ المتحف معرض «غزّة الباقية»، وهو معرض أونلاين قابل للتحميل يضم 44 لوحة لسرد القصص، و33 لوحة فنية فلسطينية، و66 صورة أرشيفية، بالإضافة إلى رموز الاستجابة السريعة (QR Codes) التي تربط بمقاطع فيديو وبودكاست. تحوّل هذه الممارسة المبتكرة الاستجابة للأزمات إلى إدارة ثقافية مستدامة عبر إتاحة الوصول إليها للجميع عبر التوزيع المفتوح المصدر. انطلق مشروع «غزّة تبقى القصة» في أيلول (سبتمبر) 2024، وحقق 245 معرضاً في 48 دولة، (عُرض في «الجامعة الأميركية في بيروت» وكذلك في «جامعة القديس يوسف» في بيروت).
باستحضار حياة أهل قطاع غزّة قبل حرب الإبادة، ومواجهة التضليل الإعلامي، يسعى المعرض إلى تزويد الجمهور العالمي بمعلومات ومرجعيات ومصادر تضع غزّة في سياقها الفلسطيني والعالمي عبر التاريخ. يتناول المعرض الحرب الحالية في سياق الحروب السابقة والاستعمار الممتد منذ أكثر من 100 عام، كما يتناول الأبعاد الثقافية والفن والحياة اليومية والزراعة والموسيقى والتضامن العالمي كموضوع داخل المعرض يشكل قصة «غزّة الباقية».
كيف يمكن لمتحفٍ لا يمكن لجمهوره الوصول إليه أن يفوز بجائزة الممارسات المتحفية المتميزة؟ بفعل العنف التاريخي الذي تعرّض له الشعب الفلسطيني وتشتته في أنحاء الأرض، وكذلك بفعل التقسيم الجغرافي الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي بين الضفة الغربية وقطاع غزّة والداخل المحتل، لم تُجاوز نسبة القادرين على الوصول إلى المتحف الفلسطيني 10 في المئة من الشعب الفلسطيني. حتى هذه النسبة الضئيلة، ومع تزايد الحواجز داخل الضفة الغربية، باتت غير قادرة على الوصول إلى المتحف.
مع بداية حرب الإبادة على قطاع غزّة، أغلق المتحف أبوابه أمام الزوار لفترة بفعل صدمة الحرب والقيود على الحركة التي يفرضها الاحتلال. في المقابل، كثّف العمل على إنشاء ممارسات متحفية رقمية تمكّن الشعب الفلسطيني والعربي من الوصول إلى المواد الأرشيفية إلكترونياً من دون الحاجة إلى التواجد داخل المتحف.
أمام هذا الواقع، أعاد المتحف تعريف دوره بوصفه مصدراً معرفياً متاحاً للجميع، لا وجهةً مشروطة بالوصول الجغرافي. وكان معرض «غزّة الباقية» أولى ثمرات هذا العمل.
إضافة إلى ذلك، شكّل أرشيف المتحف الفلسطيني الرقمي (متاح أونلاين يضم أكثر من 350 ألف وثيقة) تفاعلاً لافتاً في الاستخدام والاطّلاع يتجاوز العشرين ضعفاً، من مؤسسات ثقافية وأفراد حول العالم.
السيادة الرقمية جزء من «الأمن القومي»: «إخوان التكنولوجيا»... هل يُفلت العالم من قبضتهم؟
علي عواد

من المفهوم أن يصف بعضهم التكنولوجيا بأنّها آخر ما تبقّى للبشرية من عالم السحر، فهي أحد أهمّ مسارات الارتقاء المادي التي يسلكها الإنسان لفهم العالم والإفادة من موارده وبناء عمارة المعرفة في الوعي البشري. وهي، بالتوازي، أداة يمكن توظيفها للهيمنة ومختلف أشكال الشرّ والاستغلال.
عبر التاريخ، سعى معظم الذين وصلوا إلى تكنولوجيا متفوّقة أو اكتشفوها أو طوّروها قبل غيرهم، إلى استثمارها في توسيع رقعتهم الجغرافية وتعزيز مواردهم وتثبيت سلطتهم وفرض أفكارهم.
لذلك، ما نشهده اليوم من هيمنة شركات التكنولوجيا الأميركية على معظم مفاصل العالم الرقمي بكلّ انعكاساته ليس حدثاً طارئاً في السياق التاريخي. وفي عالم صار مدمجاً بالرقمنة الأميركية في غالبية جوانبه، ومع إدارة أميركية متحالفة مع «إخوان التكنولوجيا» (تسمية تُستخدم للإشارة إلى مجموعة رجال وادي السيليكون الذين يشكّلون دائرة النفوذ الأكبر في صناعة التكنولوجيا والبيانات والذكاء الاصطناعي: بيتر ثيل، جيف بيزوس، إيلون ماسك، مارك زاكربيرغ وغيرهم.)، يحضر السؤال الكبير: هل يمكن للشعوب والحكومات أن تتحرّر من هذه القبضة؟
يمكن تقسيم التكنولوجيا الرقمية إلى جزأين: برمجيات وأجهزة. في الأجهزة، تمسك الولايات المتحدة بمفاتيح التصنيع المتقدّم عبر الشركات التي تتحكّم بالشرائح الإلكترونية، ومعها سلاسل الإمداد التي تمتد من مصانع تايوان وكوريا الجنوبية وصولاً إلى المختبرات البحثية في كاليفورنيا.
وفي البرمجيات، تسيطر الشركات الأميركية على الأنظمة الأساسية التي تُبنى فوقها حياة البشر اليومية: أنظمة التشغيل (ويندوز، ماكنتوش، آي أو أس...)، تطبيقات التواصل الاجتماعي، محركات البحث، خدمات الحوسبة السحابية، وأنظمة الذكاء الاصطناعي.
هذه الهيمنة المزدوجة، أجهزة وبرمجيات، جعلت أيّ محاولة للتحرّر الرقمي مسألةً معقّدة. فالمجتمعات التي تتخيّل أنّها تستطيع بناء استقلال رقمي عبر تطوير «تطبيقات محليّة» أو «منصّات وطنية»، غالباً ما تكتشف أنّ بنيتها التحتية مرتبطة حتى العظم بشركات أميركية تتحكم بالمعايير، والتوزيع، والبرمجيات المغلقة، وحتى بطريقة الاتصال نفسها.
الأهمّ من ذلك أنّ الولايات المتحدة حوّلت التكنولوجيا إلى أداة جيوسياسية: التحكم بالمعالجات، ومنع التصدير، وإدراج الشركات على لوائح العقوبات، كلّها أدوات تهدف إلى بسط النفوذ العالمي عبر بوابة التكنولوجيا.
اللافت أنّ إدارة ترامب الحالية ــــ نتيجة حلفها مع أقطاب وادي السيليكون ـــ تدفع بهذا المنطق إلى أقصاه: سباق محتدم مع الصين لحسم مستقبل الذكاء الاصطناعي، وضغوط على الشركات الأميركية لتوجيه تطوير النماذج بما يتوافق مع «القيم الأميركية»، وتوسيع النفوذ الرقمي إلى أقصى مدى ممكن.
ضمن هذا المشهد، يصبح سؤال التحرّر أصعب. فالدول التي تحاول بناء نماذج ذكاء اصطناعي محلية تصطدم بندرة المعالجات، ونقص الكفاءات، وغياب بنية البيانات. فما الذي يمكن فعله؟

المصدر المفتوح
الحقيقة أنّ العالم الرقمي حلّ هذه المشكلة منذ منتصف القرن الماضي عبر ما يُسمى «المصدر المفتوح». تخيّلوا أن تشتروا سيارة يمكنكم قيادتها، غير أنّه لا يُسمح لأحد بفتح غطاء المحرّك، فلا يستطيع السائق تغيير نوع الزيت، أو معرفة نوع المحرّك وكيف يعمل، أو حتى تعديل نظام امتصاص الصدمات. هذا المشهد يعبّر عمّا يحدث في عالم البرمجيات.
صُنعت البرامج والتطبيقات التي يستخدمها الناس حول العالم عبر كتابة أسطر برمجية وضعها مبرمجون أو شركات، ويجري التعامل معها عبر الواجهة فقط: أزرار، خانات للكتابة، قوائم وغيرها. غير أنّه لا يمكن لأيّ مستخدم أو مبرمج الاطلاع على الشيفرة التي بُني عليها البرنامج، أو تعديلها، أو فهم كيفية عمله من الداخل.
بدأت فكرة النظام المفتوح في خمسينيات القرن الماضي، عندما طلب بعض المبرمجين والباحثين إجابة عن سؤال بسيط: لماذا تُعامل البرمجيات على أنّها أسرار صناعية مغلقة فيما هي نتاج معرفة إنسانية مشتركة؟ ظهرت هذه الفكرة داخل الجامعات والمختبرات البحثية حيث كان المبرمجون يتبادلون سطور البرمجة بحرّية، ويعدّلون عليها، ويطوّرونها مع بعضهم. من هنا تأسّس مفهوم «البرمجيات الحرة»، وتطوّر لاحقاً إلى ما نعرفه اليوم باسم «المصدر المفتوح».
أساس المصدر المفتوح مبدأ واضح: «الشيفرة ملكٌ لمن يستخدمها». بدلاً من التعامل مع البرنامج مثل سيارة لا يمكن فتح غطائها، يمنح النظام المفتوح حقّ رؤية الأسطر البرمجية، وفهم بنيتها، وتعديلها بما يلائم حاجات المجتمع أو المؤسسة أو حتى الفرد.
يتحوّل المستخدم إلى مشارك فعليّ في تطوير الأداة، ويصبح البرنامج دائم التطور بفعل مشاركة آلاف العقول حول العالم.

بدائل برمجية مفتوحة المصدر
في مجال البرمجيات، تتوافر بدائل مفتوحة المصدر لكلّ شيء تقريباً. بدلاً من نظام التشغيل «ويندوز» التابع لشركة «مايكروسوفت»، يمكن تنصيب نظام «لينكس»، وهناك مئات التوزيعات المبنية عليه التي تناسب مختلف الأذواق والحاجات.
وبالنسبة إلى برامج «الأوفيس»، يتوافر «ليبر أوفيس»، وبدلاً من تطبيقات شركة «أدوبي» مثل فوتوشوب وبريمير وغيرها، يمكن استخدام «غِيمب» و«دافنشي ريزولف». حتى ألعاب الفيديو المصمّمة للعمل على «ويندوز» تعمل غالبيتها على «لينكس». والجدير ذكره أنّ نسبة لا يستهان بها من مراكز البيانات حول العالم تستخدم «لينكس» في الخوادم والحوسبة السحابية نظراً إلى استقراره الشديد.

الأجهزة
في مجال الأجهزة، يظهر المصدر المفتوح بصورة مختلفة لكنه يحافظ على الفكرة نفسها: إتاحة التصميمات والمكوّنات للجميع. هناك مبادرات تعمل على تصنيع حواسيب وهواتف تعتمد معايير مفتوحة تمنح المستخدم قدرةً أكبر على فهم الجهاز وصيانته وتطويره. ويتقدّم هذا المسار بخطى بطيئة لأنّ الثقل الحقيقيّ في عالم الأجهزة يتمثل اليوم في دخول الصين على خطّ منافسة الولايات المتحدة.
صناعة الشرائح عملية بالغة التعقيد جزّأتها الولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي بين حلفائها. تُطوّر التصاميم داخل المختبرات الأميركية، والماكينة التي تُستخدم في تصنيع الشرائح تُنتجها شركة ASML الهولندية، والتجميع الفعلي يجري في تايوان، والمكوّنات تأتي من دول متعددة أبرزها اليابان والصين وأوكرانيا.
صنعت هذه المعادلة شبكة مترابطة تُعدّ واحدة من أدقّ سلاسل الإمداد الصناعية في العالم. تتحرك الصين داخل هذه الشبكة عبر بناء منظومتها الخاصة لتقليل الاعتماد على الخارج. توسّع الشركات الصينية استثماراتها في تصميم الشرائح، وتعمل على تطوير معدات إنتاج بديلة، وتدعم مصانع محلية قادرة على الوصول إلى تقنيات تصنيع أصغر حجماً.
ويترافق ذلك مع دعم حكوميّ هائل يهدف إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي في القطاعات الحساسة مثل الذكاء الاصطناعي والاتصالات والحوسبة الفائقة. يتّخذ هذا المسار بُعده الجيوسياسيّ لأنّ التحكم بصناعة الشرائح يعني التحكم بقاعدة القوة التكنولوجية العالمية.
الدول التي تنتج الشرائح تملك قدرة أكبر على حماية بنيتها الرقمية، وإطلاق منتجاتها الصناعية، واستقلال قرارها التقني. يمكن اليوم بناء حواسيب وخوادم ومراكز بيانات من أجهزة صينية بالكامل، وفوقها تثبيت البرمجيات المفتوحة المصدر، وهو أمر لم يكن ممكناً قبل سنوات قليلة. صحيح أنّ مستوى التكنولوجيا لن يكون مماثلاً لمثيلاته الأميركية، إلا أنّه قريب جداً منها، ما يعني أنّ الهوّة فعلياً ليست كبيرة.
هذا التطوّر يفتح الباب أمام دول كثيرة ترغب في استقلال تقني أوسع، ويمنح الصين قدرةً أكبر على تقديم بدائل جاهزة تمنح المستخدم مرونة في العتاد والبرمجيات، وتُضعف احتكار الشركات الأميركية لسلسلة الإمداد الرقمية.

ابتعاد عالمي عن التكنولوجيا الأميركية
يشير تقرير «التكنولوجيا السيادية، عالم متشظٍّ» الصادر عن Bain & Company إلى أنّ العالم يدخل مرحلة ما بعد العولمة، إذ تتحوّل التكنولوجيا من محرّك للنموّ الاقتصادي إلى أداة جيوسياسية تعيد تشكيل موازين القوى الدولية.
يرى التقرير أنّ الدول تتجه بسرعة نحو بناء قدرة «سيادية» في الذكاء الاصطناعي والشرائح الإلكترونية بهدف تحصين نفسها من هيمنة الدول التكنولوجية الكبرى.
وتوضح الدراسة أنّ السيادة الرقمية أصبحت جزءاً من «الأمن القومي» ووسيلة لحماية الدول من إمكانية استخدام الولايات المتحدة أو الصين أدواتهما التكنولوجية بمنزلة سلاح سياسيّ أو اقتصاديّ.
إلى ذلك، يكشف تقرير «وورلد أوف أوبن سورس أوروبا 2025»، الصادر عن مؤسسة «لينكس فاونديشن أوروبا»، إلى أنّ القارّة بدأت فعلياً نقل بنيتها الرقمية نحو البرمجيات المفتوحة المصدر بوصفها ركناً أساسياً من مشروع «السيادة الرقمية».
شمل التقرير عيّنة من 316 مشاركاً من شركات تقنية (39 في المئة) ومؤسسات صناعية (42 في المئة) وجهات أكاديمية وحكومية (19 في المئة)، وتُظهر نتائجه أنّ استخدام المصادر المفتوحة أصبح واسعاً داخل أوروبا. تشير الأرقام إلى أنّ 14 في المئة من المؤسسات صارت «نشطة جداً» في المساهمة بالمشاريع المفتوحة، و28 في المئة مساهمة بدرجة متوسطة، فيما تعتمد 30 في المئة على المصدر المفتوح في عملياتها اليومية.
ويطرح التقرير إنشاء صندوق سيادة تكنولوجية أوروبي لتجميع الاستثمارات وتوجيهها نحو مشاريع مفتوحة المصدر، في خطوة تهدف إلى تعزيز قدرة القارّة على «التحرّر من مركزية التكنولوجيا الأميركية».
أجساد مبتورة وأحلام محطّمة: حصار الاحتلال يضاعف المأساة في غزة
هداية محمد التتر

تعرّض أكثر من 42 ألف شخص في قطاع غزة لإصابات غيّرت مجرى حياتهم، إثر الاستهداف المباشر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة منذ أكثر من عامين، من بينهم 6000 شخص تعرّضوا لإصابات بتر في الأطراف، وسط انعدام شبه كامل لمستلزمات الأطراف الصناعية والتأهيل الطبي.
وعبّر داوود عيد (19 عاماً) عن حزنه الشديد على الوضع الصحي الذي وصل إليه إثر إصابته التي حرمته من السير على قدميه، وقال لـ«الأخبار»: «في الخامس والعشرين من آب 2025 توجهتُ لتفقد منزلنا الذي استهدفه جيش الاحتلال الإسرائيلي علّني أجد فيه ما يسد احتياجاتنا من ملابس وأغطية».
وأضاف: «أثناء محاولتي استخراج بعض الفراش من بين الركام، وإذ بانفجار يهزّ المكان، تبيّن أنّه كان من مخلفات الاحتلال الإسرائيلي، ما أدّى إلى استشهاد ابن عمي على الفور بينما فقدتُ إحدى الأرجل في المكان، بينما بُترت الأخرى بعد خمسة أيام من محاولات الأطباء الحفاظ عليها».
ويواجه الشاب داوود صعوبات جمّة في حياته إثر الإصابة وفقدان أقدامه، «فقد أثّرت بشكل كبير في حياتي النفسية والاجتماعية والمستقبلية»، وقال: «قبل حرب الإبادة كنت أدرس الثانوية العامة وكان حلمي أن أكمل دراستي خارج البلاد، بينما الآن أصبح حلمي أن أجد العلاج المناسب لصحتي وتركيب طرف صناعي».
وناشد الشاب داوود «العالم، أن ينظروا إليّ بعين الرأفة والرحمة ويساعدوني في السفر وإكمال العلاج كي آخذ حقي في العيش مثل أي شاب يكمل دراسته ويواصل حياته بعزة وكرامة».
وفي مركز الأطراف الصناعية التابع لبلدية غزة، حضر الأربعيني أبو محمد كي يسجّل في المركز علّه يحظى بفرصة تركيب طرف صناعي أو الحصول على عربة كهربائية أو متحركة يتمكن عبرها السير في شوارع غزة المدمرة.
وبصوت يمتزج بالحزن والألم، قال أبو محمد وهو يشير إلى ركبتيه اللتين يتكئ عليهما: «أنا أتألم بشكل كبير ومتواصل لأنني أمشي على ركبتي بعدما بُترت أطرافي من أسفل الركبة، رغم أنّ المشي عليهما يؤذيهما ويؤخر في علاجهما»، مشيراً إلى أنّ معاناته لا تتوقف عند الأطراف، «ما بلاقي مسكنات أو أي علاج مهدئ للآلام نتيجة الجروح والإصابات التي في جسدي»، وطالب المؤسسات الدولية بالعمل على فتح المعابر وتسهيل خروجه للعلاج «حتى أتمكن من العودة إلى أطفالي وإعالتهم بدلاً من أن أصبح عالة عليهم».

أرقام وإحصائيات
في السياق، قالت منظمة الصحة العالمية، في بيانٍ، إنّ نحو 42,000 شخص في قطاع غزة يعانون من إصابات غيّرت مجرى حياتهم بسبب حرب الإبادة الجماعية.
وأوضحت المنظمة أنّ ربع تلك الإصابات حدث بين الأطفال والذين يقدَّر عددهم بـ21 ألف طفل، بينما بلغ عدد النساء ما يقرب من 2500 امرأة أثرت الإصابة في حياتهن إلى الأبد.
وأشارت إلى أنّه بالإضافة إلى آلاف حالات الإصابة بالبتر، تنتشر إصابات شديدة أخرى، بما فيها إصابات الذراعين والساقين، وإصابات الحبل الشوكي، وإصابات الدماغ، والحروق الكبرى، ما يزيد الحاجة إلى خدمات جراحية متخصصة وإعادة التأهيل، ويؤثر بعمق في المرضى وعائلاتهم في جميع أنحاء قطاع غزة.
ولفتت المنظمة إلى أنّ عدداً من إصابات الوجه والعين المعقدة تنتشر بين المصابين، خاصةً بين المرضى المُدرجين للإخلاء الطبي خارج غزة، و«هي حالات غالباً ما تؤدي إلى تشوه وإعاقة ووصم اجتماعي».
بدورها، أكّدت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أنّ أوضاعاً صادمة تعصف بالجرحى المبتوري الأطراف في قطاع غزة، مشيرةً إلى أن 6000 حالة بتر بحاجة إلى برامج تأهيل عاجلة طويلة الأمد، 25% منهم من الأطفال الذين سيواجهون إعاقات دائمة في سن مبكر.
وأوضحت الوزارة، في تصريحٍ صحافي، أنّ عدد المعاقين في القطاع قبل الحرب كان يقدر بـ55 ألف معاق، 53% منهم ذكور و18% أطفال، مستدركةً: «نسبة الإعاقة ارتفعت بعد الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث أضيفت أكثر من 7 آلاف إعاقة جديدة، من بينها 6 آلاف حالة بتر».
ولفتت الوزارة إلى أنّ «1200 حالة من ذوي الإعاقة بحاجة إلى التحويل للعلاج في الخارج، لكن الاحتلال الإسرائيلي بمنعه فتح المعابر يمنع هؤلاء من العلاج ويقضي على أملهم في الحياة».
من جانبه، قال المتحدث باسم بلدية غزة، حسني مهنا، إنّ ما يزيد على 3000 حالة بتر سُجلت لدى مركز الأطراف الصناعية الذي تشرف عليه بلدية غزة، «تعاملنا مع أكثر من 1700 حالة خلال العامين الماضيين رغم نقص الموارد والمواد الخام».
وأشار المتحدث باسم بلدية غزة إلى أنّ المركز يعاني نقص المعدات اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية، «ما أدّى إلى التأخر في تزويد آلاف المصابين الذين يسعون إلى تركيب طرف صناعي علّهم يستعيدون شيئاً من حياتهم في ظل واقع مؤلم ودمار كبير في البنية التحتية».
وطالب مهنا المؤسسات الدولية والمعنية بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي وإدخال الأطراف الصناعية والمواد الخام اللازمة لصناعتها حتى يتمكن المصابون من العيش بكرامة كغيرهم من الناس.
«دوّار الشمس» منوّر بالأطفال
يقدم «مسرح الدمى اللبناني» بالتعاون مع جمعية «خيال» عروض موسم 2025-2026 بدءاً من الشهر الجاري حتى شباط (فبراير) المقبل على خشبة مسرح «دوّار الشمس». يُقدَّم البرنامج كل يوم سبت عند الرابعة بعد الظهر، مع باقة من الأعمال المخصّصة للصغار والعائلات تجمع بين الخيال والحكايات الشعبية والفنون البصرية. يفتتح البرنامج السبت 13 كانون الأول (ديسمبر) بعرض «ألف وردة ووردة» يليه «شو صار بكفرمنخار؟» في 20 منه، ثم «كلّه من الزيبق» في 27.
أما كانون الثاني (يناير) فيشهد خمسة عروض جديدة، تبدأ بـ«بيتك يا سِتّي» في 3 كانون الثاني، و«شتي يا دنيا صيصان» في 10 منه، ثم «فراس العطّاس» في 24 منه، ويُختتم الشهر بـ«كراكيب» في 31 كانون الثاني. ويقدّم شهر شباط (فبراير) عرضين: «يلا ينام مرجان» في 7 شباط، و«يا قمر ضوي عالناس» في 14 شباط، ليُختتم البرنامج الشتوي بخليط من القصص الغنائية والرمزية الموجّهة للأطفال.

* عروض «مسرح الدمى اللبناني»: من 19 كانون الأول (ديسمبر) حتى 14 شباط (فبراير) – الساعة الرابعة عصراً – مسرح «دوّار الشمس» (الطيونة). للاستعلام: 71/997959
«حماس» تُواصل العمل بنظام «الطوارئ» | نهاية أبو شباب: اليوم التالي ليس للعملاء
غزة | قُتل أمس، ياسر أبو شباب، أحد أبرز المتعاونين مع العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، في حادثة أثارت جدلاً واسعاً حول ملابساتها وخلفياتها، فيما وُصفت من قبل مصادر أمنية وعشائرية بأنها «نهاية طبيعية» لرجل احترف العمالة ومهّد الطريق لإنشاء ميليشيا محلية مرتبطة بالاحتلال، تحت مُسمى «القوات الشعبية». أبو شباب، الذي برز اسمه في السنوات الأخيرة بوصفه رأس حربة في مشروع الاحتلال لتكوين ميليشيات مسلّحة «بديلة»، بدأ مسيرته بسرقة المساعدات الإنسانية، قبل أن يتحوّل إلى وكيل ميداني للعدو في تنفيذ مهمات أمنية وعسكرية، كان من أبرزها تأمين ما سمّته إسرائيل «المناطق الآمنة» في شرقي رفح، ضمن مشروع «رفح الخضراء»، الهادف إلى فصل تلك المنطقة عن محيطها، وتحويلها إلى نموذج لحكم بديل لـ«حماس».
وفيما تحدّثت روايات أولية عن اغتياله من قبل مجهولين، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية بأن أبو شباب قُتل متأثّراً بجروحه بعد تعرّضه «لضرب مُبرّح خلال شجار داخلي بين عناصر عصابته»، وذلك على خلفية «صراعات متصاعدة حول حجم الارتباط بالأجهزة الإسرائيلية». إلا أن مصادر عشائرية أكّدت أن قتله تمّ على أيدي اثنين من أبناء قبيلته، «الترابين»، في اشتباك قبلي في شرقي رفح، في حين ذكرت مصادر أمنية إسرائيلية أخرى أن «أبو شباب قُتل في عملية اغتيال متعمّدة ومُخطّط لها مُسبقاً».
وعلى أي حال، أكّدت أوساط أمنية إسرائيلية أن مقتل أبو شباب «يشكّل ضربة قوية للمشروع الإسرائيلي الرامي إلى خلق سلطة ميدانية بديلة في غزة، تقوم على تشكيلات مسلّحة محلية موالية»، في إطار ما يُسمى «خطة اليوم التالي»، كما يعزّز في الوقت نفسه حضور «حماس» كسلطة فعلية في القطاع. وفي ظلّ فراغ قيادي وتضارب في الأنباء حول مستقبل الميليشيا، كشفت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن نائبَي أبو شباب، غسان الدهيني (المسؤول عن البنية العسكرية) وحميد الصوفي (المسؤول عن الجهاز المدني)، مرشّحان لتسلّم قيادتها بعد مقتل زعيمها، علماً أن الدهيني أُصيب أيضاً خلال أحداث أمس، حيث جرى نقله بمروحية إلى مستشفى «برزيلاي» في عسقلان المحتلة.
وبمعزل عن ما انتشر في غزة من روايات متضاربة حول ملابسات مقتل أبو شباب، إلا أن ما لم يكن موضع خلاف، هو مشاعر الارتياح العارم التي عبّر عنها الغزّيون وقوى المقاومة في القطاع، والذين رأوا في مقتله «نهاية متوقّعة لكل عميل وخائن». ولم يتأخّر تعليق «الهيئة العليا لشؤون العشائر» في القطاع، التي رأت أن نهاية أبو شباب تعبّر عن «طبيعة المصير المحتوم لكل من اختار العمالة طريقاً، وفضّل الوقوف في صف الاحتلال على الانتماء إلى شعبه وقضيته». وأكّدت الهيئة أن «الاحتلال لا يمنح الأمان حتى لأدواته، وأن من يتورّط في التواطؤ لا مكان له بين أبناء الشعب الفلسطيني».
وفي تل أبيب، لم تُخفِ القنوات العبرية تبرّمها من مقتل رجل كان «يُعوّل عليه» في تثبيت نموذج «المنطقة الآمنة» في رفح، إذ اعتبر مراسل قناة «كان» للشؤون العسكرية، أليئور ليفي، أن الاغتيال «يؤكّد أن حماس لا تزال راسخة ولن تتراجع»، فيما نقلت «القناة 12» العبرية تعليقاً من جهاز «رادع» التابع لأمن «حماس» على مقتل أبو شباب، جاء فيه: «قلنا لك، إسرائيل لن تحميك».

«أمن المقاومة» لا يغفل
بدورها، لا تزال المقاومة تحاول استيعاب الواقع الميداني الطارئ في قطاع غزة، ولا سيما في ضوء مواصلة العدو الإسرائيلي ترميم «بنك أهدافه» وتنفيذ عمليات انقضاض متفرّقة. وفي هذا السياق، دفعت عمليات الاستهداف الإسرائيلية التي طاولت كوادر في المقاومة، إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات والتدابير المشدّدة، بهدف إبقاء حالة التأهب قائمة لدى المقاومين، وضمان استمرار القيادة في الالتزام بـ«تدابير الحماية والسرية». وبعض عمليات الاستهداف الأخيرة تلك، كانت على يد العدو مباشرة، ومن خلال اختطافات وتصفيات تنفّذها عصابات محلية تعمل لحسابه.
وفي حديث إلى «الأخبار»، أكّد مصدر قيادي في أمن المقاومة، أن الأخيرة «أحبطت خلال الفترات الماضية عدداً من المحاولات التي سعت من خلالها عصابات الاحتلال إلى اختطاف كوادر محدّدة، وقد نجحت الأجهزة الأمنية في الإيقاع بالمنفّذين، والسيطرة على أدواتهم، وكشف خيوط مرتبطة باغتيال أحد القادة الميدانيين على يد عملاء الاحتلال». وكشف المصدر أن الجهد الأمني تزامن مع إنجاز ميداني بارز، تمثّل في الوصول إلى عناصر ومفاصل أساسية في الشبكات المرتبطة بهذه العصابات، التي تتركّز في المناطق المُصنّفة بـ«الحمراء» و«الصفراء»، الخاضعة لحماية أمنية مباشرة من الاحتلال، إذ تمكّنت المقاومة، بحسب المصدر، من «تحييد هذه المفاصل، وإلقاء القبض على عدد من المتورّطين، فيما سلّم آخرون أنفسهم عبر وساطات عائلية وجهات اجتماعية، من بينهم نحو 100 شخص كانوا يعملون بشكل مباشر ضمن تلك الشبكات».
وفي سياق متصل، كشف أمن المقاومة، عبر منصّاته، عن خيوط عملية اغتيال الشيخ محمد أبو مصطفى، القيادي في حركة «المجاهدين»، والتي نُفّذت خلال الشهر الفائت، في منطقة المواصي في محافظة خانيونس. وبيّنت نتائج تحقيقات المقاومة أن «عميلاً ينتمي إلى عصابة يقودها المدعو حسام الأسطل، هو من نفّذ العملية، التي هدفت إلى تصفية الشيخ أبو مصطفى، المسؤول عن ملف تأمين أسرى الاحتلال لدى كتائب المجاهدين». وأوضح مصدر في أمن المقاومة أن هذه العملية تعبّر عن نمط «الاغتيال الصامت» الذي يعتمده العدو، من خلال «تجنيد عملاء ومرتزقة محليين لتنفيذ عمليات استهداف مركّزة تطاول شخصيات قيادية، ولا سيما أولئك المكلّفين بملفات حساسة كملف الأسرى».

حالة طوارئ
وعلى المستوى التنظيمي، لا تزال حركة «حماس» تعمل حتى اللحظة وفق محدّدات «حالة الطوارئ»، وضمن إطار «المجلس القيادي» الذي يترأّسه محمد درويش، من دون أي خطوات انتقالية جديدة تتعلق بإدارة المشهد الداخلي والتنظيمي للحركة. وترى الحركة أن «المعطيات والظروف الراهنة في قطاع غزة تفرض استمرار العمل وفق آليات الطوارئ، من دون اللجوء إلى ملء المواقع الثمانية التي شغرت عقب اغتيال عدد من قيادات المكتب السياسي». وبحسب أوساط «حماس»، فإن قيادة المكتب السياسي للحركة هي من يتولّى إدارة الملفات السياسية، وقد «رفضت بشكل قاطع إجراء أي تعيينات إدارية مرتبطة بالمواقع الحكومية في غزة»، التي بقيت شاغرة منذ اغتيال المهندس عصام الدعاليس، رئيس «لجنة العمل الحكومي». وأشارت المعلومات إلى أن «الجهات الحكومية في غزة تقتصر مهامها على تقديم الخدمات الإنسانية، من دون أي صلاحيات مالية أو سياسية»، لافتة إلى أن «جميع أشكال الضرائب والرسوم - بما فيها ضريبة الدخل والقيمة المضافة والجمارك والرسوم الجمركية - متوقّفة تماماً». كما أكّد مصدر مطّلع، لـ«الأخبار»، أن «الحكومة في غزة لا علاقة لها بإدخال الشاحنات أو فرض رسوم على دخول البضائع»، وأن «المجال فُتح أمام المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية لإدخال المساعدات بحرّية»، إضافة إلى «السماح للتجار بإدخال السلع بهدف كسر سياسة التجويع، ومنع الاحتكار، وتوفير احتياجات السوق المحلي».
من لم تُقعِده الحرب أقعدتْه تبعاتها: 30 ألف معوّق في غزة
يوسف فارس

غزة | قلبت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة البناء المجتمعي للغزيين، وصنعت من المصابين ذوي الإعاقة الحركية طبقةً اجتماعية جديدة كليّاً. فهؤلاء، الذين شكّلوا طوال السنوات الماضية أقلية تحظى بما تحتاج إليه من خصوصية ورعاية وإعادة تأهيل مستمرة، باتوا اليوم شريحةً واسعة بعد عامين من الحرب طبّقت في خلالهما إسرائيل نسقاً عدوانياً غير مسبوق. ووفقاً لإحصائيات وزارة الصحة، فإن عدد ذوي الإعاقة الحركية تجاوز الـ6000 من أصل نحو مئتَي ألف جريح. وتراوِح إصابات هؤلاء بين فقدان طرف علوي أو سفلي، وفقدان الرؤية في إحدى العينين، والتعطّل النسبي في وظائف الأعضاء الحركية، والشلل النصفي أو الكلي.
ويفيد ظريف الغرة، وهو مسؤول «شبكة الأجسام الممثّلة للإعاقة» في القطاع، إلى أن عدد المصابين الذين أسهمت الحرب في تغيير نسق حياتهم الطبيعي، وأصبحوا بحاجة إلى مساعدة من الغير، وصل إلى 30 ألف شخص. على أن هذا الرقم يظلّ مرشّحاً للارتفاع سريعاً؛ إذ بحسب رئيس بلدية غزة، يحيى السراج، فإن مزيداً من المصابين ينضمون يومياً إلى قائمة مبتوري الأطراف بسبب تدهور مستوى الرعاية الطبية وعدم توفّر المتطلّبات الفنية والطبية اللازمة لإنقاذ أطرافهم من البتر. نموذج من ذلك ما تعرّض له محمود مطر، وهو طبيب عمل شهوراً في «مستشفى الإندونيسي» شمال القطاع، من إصابة بليغة تركّز ضررها في كلتا قدميه، إذ منذ بداية الحرب وحتى لحظة تمكّنه من السفر للعلاج، خاض رحلة شاقّة انتهت ببتر الطرفين. يقول الرجل، في حديثه إلى «الأخبار»، «أُصبت جراء قصف استهدف البيت الذي كنت أبيت فيه. نُقلت إلى مستشفى الإندونيسي، وأمضيت هناك ليلتين في انتظار دوري لإجراء عملية تركيب مثبت بلاتين لإنقاذ ساقيَّ. وخلال الانتظار، حاصر جيش الاحتلال المستشفى، ثم نُقلت في ظروف صعبة إلى المستشفى الأوروبي جنوب مدينة غزة، حيث انفلتت في الطريق الوعرة أسياخ البلاتين من عظامي». ويضيف: «حين وصلت إلى جنوب القطاع، كان عليّ أن أوقّع على ورقة أقبل فيها بتر قدميَِّ، نظراً إلى أن حالتهما وصلت إلى مرحلة التعفّن ولم تعد الدماء تصل إليهما».
ويلفت مطر إلى أنه خضع لأكثر من 50 عملية جراحية في غزّة والخارج، لكن «حتى اللحظة لم أستطع التعافي واستخدام الأطراف الصناعية»، مضيفاً أن «تقييم الأطباء أنه كان من الممكن إنقاذ ساقي لو توفّرت العناية الطبية المطلوبة». ويتابع: «أنا والآلاف أمثالي، بُتِرت أطرافنا لأن لا متّسع للعلاج في المستشفيات التي تزدحم بعشرات الآلاف من الحالات الخطيرة، فكان البتر أسرع الحلول لإنقاذ الحياة».
على باب مركز الأطراف الصناعية في مدينة غزة، يتجمّع العشرات من مبتوري الأطراف؛ من أطفال لم تتجاوز أعمارهم السنوات العشر، إلى شبان وفتيات يتكئون على العكاكيز. ووسط هذا المشهد، كان أسامة الغندور، وهو شاب فقد كلتا ساقيه، يحبو على الأرض نحو بوابة المركز. يقول الغندور الذي تعرّض لإصابة بليغة أقعدته عن الحركة والقدرة على العمل وكسب الرزق: «فقدت ساقيَّ الاثنتين في استهداف أثناء محاولتي إنقاذ أحد المصابين في حيّ الشجاعية. اليوم جئت إلى مركز الأطراف على أمل أن أحصل على كرسي متحرك أو سيارة كهربائية أتنقّل بها». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»: «أنا محتاج أطلع أشتغل لأني أعيل سبعة أبناء، وبدي أكسب رزقي بكرامة. في المركز أخبرونا إنو ما في إلي علاج هان في غزّة؛ تركيب قدمين بحاجة إلى خبرات وسفر إلى الخارج».
على أن حالة الغندور تتشابه مع مئات الحالات التي تعجز الإمكانات المتوفرة في مركز الأطراف التابع لبلدية غزة عن تلبيتها. وفي هذا الإطار، يوضح الناطق باسم البلدية، حسني مهنا، أن المركز تعرّض خلال عامَي الحرب لضغط غير مسبوق، إذ تلقّى طلبات تركيب أطراف صناعية لـ1700 مصاب، فيما قدّم الخدمة منذ تأسيسه قبل 49 عاماً لـ 1600 حالة فقط.
وإذ يعكس ما تقدّم تحوّل حالات البتر، التي كانت نادرة في المجتمع، إلى ظاهرة واسعة تحتاج إلى متطلّبات وإمكانات فنية ولوجستية وطبية، يقول مهنا إن «إسرائيل تمنع إدخال المواد والأجهزة المساعدة اللازمة لتأهيل المصابين»، لافتاً إلى «(أننا) في المركز نقدّم خدمة «تفصيل» الأطراف الصناعية السفلية، وليس بوسعنا التعاطي مع مبتوري الأطراف العلوية. وحتى الذي نستطيع تقديمه، تَحول المقدرات المحدودة والنقص الحاد في المواد الخام دون توفيره لجميع الجرحى».
غير أن العقبات التي تواجهها هذه الشريحة تتجاوز الحصول على طرف صناعي أو رعاية آنية؛ إذ يوضح محمد حميد، الذي فقد ساقه في الأشهر الأولى للحرب، أن العيش في مدينة غزة وسط الدمار الهائل بات «مهمة شبه مستحيلة على الأصحّاء، فالشوارع مُدمّرة لا يستطيع الأسوياء المشي فيها، والمنازل مُهدّمة، ولا وسائل نقل مُتاحة، فكيف بأصحاب الإعاقات الحركية؟». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «في السابق، كانت المراكز الحكومية وحتى المحالّ التجارية مُهيّأة للمعوّقين حركيّاً، أمّا في الوقت الحالي فكل شيء مُدمّر. أنا وأمثالي، تتجاوز مشكلتنا الحصول على طرف صناعي أو كرسي متحرك، إلى مستوى أكثر تعقيداً، كل شيء نعيشه يومياً صعب وشاقّ، لا نستطيع قضاء أدنى حاجاتنا من دون مساعدة وتدخّل من العائلة».
إسرائيل تردُّ بالغارات... وعون وسلام يُصِرَّان: بري شاركنا اختيارَ كرم | الخطة – 2 : نقل القوات الدولية لمحاصرة لبنان شرقاً وشمالاً
مرّة جديدة، تعيد إسرائيل تذكير الجميع بحقيقة موقفها من كل الحوارات السياسية. فبعدما أقدمت السلطة في لبنان على تنازل كبير، من خلال الدخول في مفاوضات مباشرة ذات طابع سياسي، جاء الرّد الإسرائيلي على شكل تصعيد عسكري، تجاوز نشر المُسيّرات فوق مناطق كثيرة من البقاع والجنوب وبيروت، إلى إرسال إنذارات إلى سكان قرى محرونة وجباع وبرعشيت والمجادل الجنوبية، قبل أن تقوم الطائرات بالإغارة على منازل مدنية فيها. في هذا الوقت، واصلت قواته المنتشرة على الحدود قصفها المدفعي لمناطق حدودية، وإعاقة عمل موظفين من «مؤسسة كهرباء لبنان» في الجنوب.
أمّا في بيروت، فبينما كان الرؤساء الثلاثة يهتمّون أمس بتوضيح ما اعتبروه «المهمة المحدّدة» للسفير سيمون كرم في لجنة الـ«ميكانيزم»، كان هناك جهد لإبعاد النقاش عن أمر أكثر خطورة، سوف يكون عنواناً للبحث في الفترة المقبلة، وسوف تكون انطلاقته اليوم مع وصول وفد مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، من دمشق، والذي ستنضم إليه المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس الموجودة حالياً في لبنان.
ومن المُفترض أن يقوم الوفد برفقة سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بزيارة للجنوب، وتفقّد الأوضاع على الأرض، خصوصاً في المناطق الحدودية، مع الإشارة إلى أن قيادة الجيش اللبناني عرضت أن تُقدِّم برنامجاً هدفه إظهار ما قام به لبنان من جانبه لتنفيذ القرار 1701.
وعلمت «الأخبار» أن النقاش الفعلي، انتقل إلى مرحلة عزل لبنان بصورة أمنية وعسكرية تامّة، وأن المشروع لا يتعلق بتوفير ضمانات أمنية على الحدود الجنوبية لوقف اعتداءات إسرائيل، بل في كيفية إيجاد مخرج سياسي وعملاني، للإبقاء على القوات الدولية التي تنتهي مهامها في الصيف المقبل، من خلال تكليفها بمهمة جديدة، وهي الإشراف على كامل الحدود اللبنانية مع سوريا براً وبحراً، مع الإبقاء على مراقبين عند الحدود الجنوبية.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن المشروع تقوده فرنسا بصورة جدّية، وهي ما بدأته الموفدة الرئاسية الفرنسية إلى لبنان، آن كلير لوجاندر، في زيارتها الأخيرة للبنان، والتي تبيّن أنها تستهدف بصورة رئيسية عرض «خدمات فرنسا» لإنجاز حوار لبناني – سوري برعاية فرنسية من أجل ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين.
لكن تبيّن، أن الحديث يدور عمّا هو أبعد، إذ إن الفرنسيين على وجه الخصوص، وكذلك أطرافٌ أوروبية أخرى، يريدون بقاء قواتهم في لبنان، وهم يحتاجون إلى غطاء دولي، ولو من الناحية السياسية، مع استعداد «الاتحاد الأوروبي» لتوفير تمويل لعمل هذه القوات. أمّا الأساس، فهو إقناع لبنان بأنه يحتاج إلى مثل هذه القوات لأجل المساعدة على ضبط الحدود البرية مع فلسطين المحتلة وسوريا على حدّ سواء.
وتضيف المعلومات، أن إسرائيل التي لا تريد بقاء القوات الدولية في الجنوب، تُظهِر تجاوباً محصوراً في دور لبريطانيا دون غيرها من الدول، على قاعدة توسيع عمل الجانب البريطاني في بناء أبراج المراقبة على طول الحدود البرية للبنان جنوباً وشرقاً وشمالاً. وهو أمر بدأ العمل به، وقد حصلت لقاءات في بيروت وعلى الأرض في البقاع من أجل تحديد نقاط جديدة لهذه الأبراج. ويصرُّ الإسرائيليون على حصر الأمر في الجانب البريطاني، كون التنسيق بين الجانبين كبيراً، وأن إسرائيل تريد ضمانة بأن لا يتم توجيه هذه الأبراج نحو الجنوب، بل أن تبقى مُركَّزة على الجانب الشمالي من الحدود.
وبحسب المعلومات، فإن الأميركيين، قد يوافقون على انتشار القوة الدولية الجديدة على الحدود مع سوريا، مع تخصيص فرقة مراقبين بعدد لا يتجاوز المئة عنصر، على أن تختار أميركا وإسرائيل هوية الدول التي ينتمون إليها، وتكون لهم مراكز عمل في الجنوب، وفق نفس المبدأ الذي تعمل تحته قوة «الأندوف» في الجولان السوري المحتل.
واللافت، أن في لبنان حماسة كبيرة للأمر، خصوصاً من جانب رئيس الحكومة نواف سلام، الذي أشار إلى الأمر في جلسة مجلس الوزراء أمس، علماً أن سلام، كان قد اطّلع من نائبه الوزير طارق متري على نتائج زيارته لسوريا، وحصيلة بحثه مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني في مسألة ترسيم الحدود.
وعلم سلام أن القيادة السورية أبلغت متري صراحة أنها لا تجد الوقت مناسباً للبحث في ترسيم القسم الخاص بمزارع شبعا المحتلة، وأن دمشق لا تجد حاجة إلى أن تكون هناك وساطة فرنسية بين سوريا ولبنان لإنجاز ترسيم الحدود البرية.
وعلمت «الأخبار» من مصدر سوري رسمي أن دمشق «لديها كل الوثائق التي تحتاج إليها لأجل ترسيم الحدود البرية مع لبنان، وأن الأمر يحتاج إلى جهد لأن الحديث لا يتعلق بمناطق غير مأهولة، بل كون أي ترسيم ستكون له موجبات على آلاف المواطنين اللبنانيين والسوريين الذين يعيشون في مناطق متداخلة بين البلدين منذ عشرات السنين، وأن البتّ في الأمر يحتاج إلى ترتيبات خاصة».
وقال المصدر السوري إن دمشق «تفضّل أن لا يتورط لبنان في استقدام المزيد من القوات الأجنبية إلى أراضيه، وإن وجود مثل هؤلاء العناصر على الحدود مع سوريا قد تكون له انعكاسات سلبية على الجميع».
وسأل المصدر السوري عن موقف حزب الله من هذه الخطوة، قائلاً: «نعرف مثلكم، أن الهدف الفعلي لمثل هذا الانتشار، هو التضييق أكثر على حزب الله، وأن سوريا لن تكون أمام مشكلة، حتى في حالة معالجة ملف التهريب على الحدود، لكنّ هناك مشكلة جدّية ستبرز مع حزب الله سياسياً وأمنياً وستكون هناك مشكلة أخرى ذات بعد اجتماعي واقتصادي مع سكان المناطق الشمالية، خصوصاً في عكار».

عون وسلام: بري يعرف بتسمية كرم
إلى ذلك، تواصل الاهتمام أمس بقرار لبنان تكليف السفير السابق سيمون كرم بترؤّس وفد لبنان إلى المفاوضات القائمة مع إسرائيل عبر لجنة الـ«ميكانيزم».
وفيما أصرّت المصادر القريبة من الرئيس نبيه بري على نفي معرفته بقرار تسمية كرم، وأنه كان فقط في أجواء قرار إضافة موظف مدني له دور تقني إلى اللجنة، تعمّد الرئيس جوزيف عون في جلسة الحكومة أمس، القول إن قرار تسمية كرم كان بالتنسيق مع بري وسلام. وأشار عون أمام الوزراء إلى أن التشاور لم يقتصر على فكرة إضافة المندوب المدني، بل على اختيار السفير كرم نفسه. وبرّر عون الخطوة بأن لكرم تجربته في المفاوضات مع إسرائيل، على إثْر مؤتمر مدريد، في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
عون الذي أبلغ أحد زواره، أمس، أنه لم يتشاور مع حزب الله في القرار، قال أمام الحكومة، إنه «لن تكون هناك أي تنازلات عن سيادة لبنان في أي اتفاق مع إسرائيل».
ورأى عون أنه «ليس هناك من خيار آخر سوى التفاوض». وكان لافتاً أن عون تحدّث عن سلام، حينما قال إن رئيس الحكومة «أعطى توجيهات إلى السفير كرم بأنه مُكلّف بالتفاوض الأمني فقط، أي العمل على وقف الاعتداءات الإسرائيلية والانسحاب من النقاط المحتلة وترسيم الحدود وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين فقط، دون أي مهمة أخرى».
أمّا سلام، فعبّر أمام زواره عن استغرابه من محاولة بري التنصّل من مشاركته في تسمية كرم. وقال إن الأمر لا يتم بصورة سرية، ورئيس الجمهورية يتولّى التنسيق مع رئيس مجلس النواب ومع الجميع، مضيفاً أن رفضه عقد اجتماع رئاسي ثلاثي حول الأمر يتعلق بموقفه المبدئي الرافض لإقرار أي إطار يتجاوز اتفاق الطائف.
لكن ذلك لا يعني أن التشاور يجب أن لا يحصل. ونقل زوار سلام عنه أن بري شارك في القرار ليس بصفته رئيساً لمجلس النواب، بل بما يمثّله سياسياً، معتبراً أنه ليس هناك من حاجة إلى التشاور مع الأحزاب الأخرى في الأمر، قاصداً حزب الله، لأن لديه من يمثّله في الحكومة. وكرّر سلام أن لبنان «لا يريد مفاوضات تستهدف التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، بل اعتماد الآليات التي تسحب من إسرائيل الذرائع لتجنيب لبنان حرباً جديدة».
وبحسب زوار سلام، قال رئيس الحكومة إنه اطّلع شخصياً على الجهود الكبيرة التي يقوم بها الجيش في منطقة جنوب الليطاني، ولكن في حال لم تبادر إسرائيل إلى الانسحاب ووقف الاعتداءات وإطلاق الأسرى، فإن الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة حصر السلاح قد يصبح صعباً.
المانحون لا يريدون مساعدة الجنوبيين!
ندى أيوب

في ظلّ الموت اليومي الذي يشهده جنوب لبنان بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة منذ عام، يُلحَظ الغياب شبه التام عنه، لهيئات الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة العاملة في المجال الإنساني. وهذه تُبرِّر أمام موظفيها ولمن يستفسر حول عدم مساعدتها لأهالي الجنوب، بأن التواجد في تلك المناطق فيه مخاطر عالية على طاقم العمل.
مع العلم أن المنظمات الأممية لديها خطوط مفتوحة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، إذ تتواصل معه عبر مكتب تنسيق الأمم المتحدة في بيروت، الذي يُنسِّق مع مكاتب المنظمة الدولية في دول أخرى، والتي تتواصل بدورها مباشرةً مع إسرائيل، لإبلاغ جيشها عن تواجد طواقم العمل الإغاثية في أماكن مُصنَّفة خطرة في لبنان، وتأمين سلامة العاملين فيها.
عدا عن ذلك، يوجد في الجنوب إلى جانب الشرائح المُعرَّضة للاستهداف اليومي، عشرات آلاف الجنوبيين النازحين عن بلداتهم الحدودية، بسبب الدمار فيها، وقيام العدو بمنعهم من العودة إليها. وهي شرائح يفترض أن تكون مستهدفة ببرامج الاستجابة الأممية، مع الإشارة إلى أنهم يتواجدون في مدن مثل النبطية وصور والمناطق المحيطة، ولا يسكنون في مناطق حدودية خطرة.
هكذا أغلب مشاريع الاستجابة الإنسانية، لا تطال الجنوبيين والبقاعيين وسكان الضاحية الجنوبية لبيروت، بهدف تدفيع بيئة المقاومة ثمن خياراتها السياسية. مع العلم أن المعايير الدولية للاستجابة الإنسانية في الأزمات والحروب، تضع هذه الفئة اليوم في أعلى قائمة من يتوجب مساعدتهم.
في المقابل، يُلاحَظ أن زوار هيئات الأمم المتحدة، من ممثلي جهات مانحة يزورون لبنان، يتم اصطحابهم إلى مناطق جنوبية خارج دائرة الاستهداف الإسرائيلي.
هذه القرارات ذات البعد السياسي الواضح، لم تبدأ اليوم، فالمعلومات تشير إلى «اشتراط جهات مانحة على بعض الجمعيات التي استلمت مساعدات بعد وقف إطلاق النار (كانت قد طلبتها أثناء الحرب لتقديمها للنازحين)، ألّا يتم توزيعها على العائلات التي تركت أماكن النزوح وعادت إلى الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، بل توزيعها في مناطق عمل الجمعيات (مثلاً في الجبل أو بيروت... إلخ)».
كذلك، تُفيد بعض الجميعات أنه أثناء الحرب، طُلب منها مشاركة بيانات العائلات النازحة التي تّقدِّم لها المساعدة، في إطار تنفيذها مشاريع مُعيّنة. وحدثَ أن دقّقت منظمات وجهات مُموِّلة في ما إذا كان هناك أصحاب جمعيات وعاملون وناشطون فيها شاركوا في تشييع السيد حسن نصرالله. وبعض الجمعيات وُجِّه إليها أسئلة من نوع: «في حال طلب مساعدتكم أفراد أو عائلات تنتمي إلى حزب الله، كيف تتصرّفون؟».
نتنياهو يعيّن سكرتيره العسكري مديراً لـ«الموساد»
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليوم، تعيين سكرتيره العسكري، اللواء رومان غوفمان، الذي لا يتمتع بخبرة في مجال الاستخبارات، مديراً لجهاز «الموساد».
ومن المقرّر أن يخلف غوفمان، على رأس جهاز الاستخبارات الخارجية، ديفيد برنياع، الذي تنتهي ولايته الممتدة خمس سنوات في حزيران 2026.
وغوفمان من مواليد 1976 في بيلاروس، ووصل وهو في سنّ الرابعة عشرة إلى إسرائيل حيث بدأ مسيرته العسكرية في العام 1995 والتحق بسلاح المدرعات، وعيّن في مكتب نتنياهو في نيسان 2024.
تعرّض غوفمان لإصابة، خلال المعارك في جنوب إسرائيل إبان عملية «طوفان الأقصى»، في السابع من تشرين الأول 2023، حين كان قائداً لمركز تدريب المشاة.
ودرس في المدرسة التلمودية لمستوطنة عيلي في شمال الضفة الغربية المحتلة والتي تعد من أبرز المعاهد التعليمية للصهيونية الدينية.
وللمرة الثانية خلال الأشهر الأخيرة، يعّين نتنياهو في مركز أمني حسّاس مسؤولاً قريباً من توجهاته القومية، بعدما أوكل قيادة جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) إلى ديفيد زيني.
وكما المدير الجديد لـ«الشاباك»، الذي يتولى منصبه منذ تشرين الأول، لم يسبق لغوفمان أن عمل في الجهاز الذي أوكلت إليه قيادته. إلاّ أن تسميته لم تُقابل بالاعتراض الواسع ذاته الذي واجهه تعيين زيني.
ومن الأصوات القليلة المنتقدة رئيس تحرير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أوري مسغاف، الذي اعتبر أنّ غوفمان «غير مؤهل لقيادة الموساد» بسبب انعدام خبرته في مجال الاستخبارات، معتبراً أنّ ما أوصله إلى هذا المنصب هو «ولاؤه» لنتنياهو، كما كان الحال مع زيني.
تدهور غير مسبوق في ظروف الأسرى... واستشهاد 3 داخل سجون الاحتلال
أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، استشهاد 3 أسرى من غزة، خلال الفترة الماضية، في سجون الاحتلال ومعسكراته.
وأوردت الهيئة، في بيان، أسماء الشهداء وهم: تيسير سعيد العبد صبابه (60 عاماً)، وخميس شكري مرعي عاشور (44 عاماً)، وخليل أحمد خليل هنية (35 عاماً).
وأوضحت الهيئة والنادي، أنّ عائلة الأسير صبابه أُبلغت رسمياً من قبل مؤسسة «هموكيد» عبر رد من جيش الاحتلال، فيما تلقت الهيئة والنادي ردّين من جيش الاحتلال باستشهاد الأسيرين خميس عاشور وخليل هنية.
وبحسب الردود، فقد استُشهد الأسير صبابة في 31/12/2024 بعد شهرين من اعتقاله، والأسير خميس عاشور في 8/2/2024 بعد يوم واحد من اعتقاله، والأسير خليل هنية في 25/12/2024 بعد نحو عام من اعتقاله.
وأكد الجانبان أنّ الشهداء الثلاثة هم جزء من عشرات الأسرى والمعتقلين الذين استشهدوا منذ بدء حرب الإبادة في سجون الاحتلال، نتيجة جرائم التعذيب، والتجويع، والإهمال الطبي، والاعتداءات الجنسية، بالإضافة إلى الانتهاكات الممنهجة للحقوق الإنسانية.
كما لا يزال العديد من شهداء معتقلي غزة رهن الإخفاء القسري، إلى جانب العشرات الذين أُعدموا ميدانياً خلال الحرب.

تدهور غير مسبوق في ظروف الاعتقال
وفي السياق، أظهر تقرير جديد صادر عن هيئة الدفاع العام في إسرائيل، اليوم، تدهوراً غير مسبوق في ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين، منذ السابع من تشرين الأول 2023، وسط شهادات واسعة عن «جوع حاد» وفقدان كبير للوزن، وظروف احتجاز وُصفت بأنها «لا تصلح للمعيشة».
وبحسب التقرير، الذي استند إلى سلسلة زيارات أجراها مندوبو الهيئة الإسرائيلية لعدة سجون، خلال عامي 2023 و2024، فقد اعتمدت مصلحة السجون الإسرائيلية قائمة طعام منفصلة و«فقيرة للغاية» لهؤلاء الأسرى بعد اندلاع الحرب، ما أدى إلى «هزال شديد، وضعف جسدي واضح، وحالات إغماء متكررة».
وبيّن التقرير أن الاكتظاظ تفاقم بفعل الارتفاع الحاد في عدد المعتقلين، إذ يُحتجز 90% منهم في مساحة تقلّ عن ثلاثة أمتار مربعة للأسير الواحد، بينما نام آلاف الأسرى دون أي سرير.
وتشير المعطيات إلى أنّ الأسرى يُحتجزون 23 ساعة يومياً داخل زنازين مكتظة ومغلقة، ينام كثيرون منهم على فرشات موضوعة على الأرض، فيما تفتقر الزنازين إلى الإضاءة والتهوية وتُسجَّل فيها أوضاع صحية سيئة للغاية.
وذكر التقرير أن الأسرى لا يُسمح لهم بالاحتفاظ بأي مقتنيات شخصية، باستثناء نسخة من القرآن الكريم، في حين تُزوّدهم إدارة السجون بكميات محدودة من مواد النظافة الأساسية، مثل الصابون والمناشف وورق المراحيض.
ولفت تقرير الهيئة، التابعة لوزارة القضاء الإسرائيلية، إلى انتشار واسع لمرض «الجرَب» (سكابيس) في عدة أقسام، إلى درجة اتُّصفت بـ«الوبائية»، ما أدى إلى إصابة عدد كبير من الأسرى.

«حماس»: لفتح تحقيق دولي
إلى ذلك، اعتبرت حركة «حماس» أن الإعلان عن استشهاد ثلاثة أسرى داخل سجون الاحتلال »يمثل دليلاً جديداً على حجم الجرائم الممنهجة التي يرتكبها الاحتلال بحق أسرانا البواسل، ويؤكد على وحشية ما تقوم به إدارة السجون من تعذيب وإهمال طبي وسياسات تنكيل، في سياق سياسة قتل رسمية ومتعمدة تُمارس بعيدًا عن أي رقابة أو محاسبة دولية».
وأكدت الحركة، في بيان، «ضرورة التحرك العاجل لإلزام الاحتلال بالكشف الفوري عن مصير الأسرى المختفين قسرياً، وتسليم جثامين الشهداء المحتجزة، وضمان محاسبة مرتكبي هذه الجرائم الوحشية»، محذرة «من جريمة ما يتعرض له الأسرى من تعذيب ممنهج، وتجويع متعمد، وإهمال طبي قاتل، واعتداءات جسدية وجنسية، فضلًا عن سياسات التنكيل والحرمان والإذلال، والاحتجاز في ظروف تمس بإنسانيتهم وكرامتهم».
ودعت «حماس» الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية إلى «ممارسة مسؤلياتها وفتح تحقيق دولي في جرائم الاحتلال بحق الأسرى، بما في ذلك حالات الإعدام الميداني والتعذيب التي أودت بحياة العشرات داخل مراكز التحقيق والسجون، والضغط بكل السبل لوقف هذه الجرائم التي تضرب بعرض الحائط كافة الأعراف والقوانين».
مكتب الشهداء والأسرى بالشعبية يدين جريمة إعدام ثلاثة أسرى داخل سجون الاحتلال
دان مكتب الشهداء والأسرى والجرحى في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بأشد العبارات إعدام ثلاثة أسرى داخل سجون الاحتلال، وهم: الشهيد تيسير سعيد العبد صبابه (60 عامًا)، وخميس شكري مرعي عاشور (44 عامًا)، وخليل أحمد خليل هنية (35 عامًا).
وأشار المكتب إلى أن استشهاد المعتقلين جاء في ظروف تعكس استمرار سياسة الإهمال والقمع الممنهجة بحق الأسيرات والأسرى.
واعتبر المكتب أن هذه الجريمة الجديدة تضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات التي يتعرّض لها الأسرى يومياً، في ظل غياب أي رقابة دولية حقيقية، محملاً سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استشهاد الأسرى الثلاثة,
وطالب البيان بتشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق الفوري في ملابسات ما جرى، وضمان حماية الأسرى وحقوقهم الإنسانية وفق القوانين والاتفاقيات الدولية، مشدداً أن عمليات قتل الاسرى ما هو إلا تنفيذ لقانون الاعدام حتى بدون محاكمات، وهذا يعد انتهاكاً صارخاً للانسانية وللمواثيق الدولية.
وختم مكتب الشهداء والاسرى والجرحى في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالتأكيد على أنّ قضية الأسرى ستبقى في الصدارة، وأنّ الشعب الفلسطيني سيواصل الدفاع عن حقوق أسراه حتى نيلهم الحرية والكرامة.
8 شهداء و16 إصابة خلال يوم واحد
 أعلنت وزارة الصحة في غزة أن مستشفيات القطاع استقبلت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية ثمانية شهداء وستة عشر مصابًا نتيجة استمرار الاعتداءات "الإسرائيلي".
وأفادت الوزارة بأن حصيلة الضحايا منذ بدء وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر 2025 ارتفعت إلى 366 شهيدًا و938 إصابة، إضافة إلى 619 حالة انتشال من تحت الأنقاض.
وأشارت إلى أن إجمالي ضحايا العدوان "الإسرائيلي" المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 بلغ 70,125 شهيدًا و171,015 إصابة، مؤكدة أن الأعداد قابلة للارتفاع في ظل صعوبة وصول الطواقم الطبية إلى المناطق المتضررة.
«الحوار المُستدام» ومسار الإجهاز على المقاومة
وليد شرارة

الهدف الرئيسي الإسرائيلي - الأميركي في لبنان هو اجتثاث المقاومة وليس مجرد نزع سلاحها. يمكننا حتى القول إن نزع سلاحها هو ضرورة للإجهاز عليها تماماً وتصفية قادتها وأعضائها. لا يستقيم مشروع «إسرائيل الإمبراطورية» كما أسماها روجير كوهين، أحد كتاب أعمدة «نيويورك تايمز»، أو «النظام الشرق أوسطي الإسرائيلي»، وفقاً لتعبير عاموس يادلين، الرئيس الأسبق للمخابرات العسكرية الصهيونية، في مقاله في «فورين أفيرز»، مع بقاء الحزب الذي مثل نقلة نوعية في تاريخ حركات مقاومة الاحتلال الصهيوني والهيمنة الأميركية على صعيد الإقليم العربي الإسلامي، وبات نموذجاً يُحتذَى في فلسطين والعراق واليمن، وربما في سوريا غداً.
عملية إعادة صياغة البيئة الاستراتيجية الإقليمية التي يحاول الكيان الصهيوني القيام بها، عبر الإبادة والتطهير العرقي والتدمير الشامل واحتلال أراض إضافية وإنشاء مناطق عازلة جديدة لا تكتمل إلا بالقضاء على فكرة المقاومة في أذهان الشعوب، ومن يُجسّدها اليوم على أرض الواقع. إذا قيض لهذه العملية النجاح، سيصبح المشرق العربي محمية خاضعة لإسرائيل و لإملاءاتها على المستويات السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية.
فالسيطرة العسكرية والاستراتيجية، كما علمتنا التجارب الاستعمارية، وتاريخ العلاقات الدولية، هي المرتكز الأساسي لجميع أشكال السيطرة الأخرى في شتى المجالات.
لكن هذه السيطرة تستند، بين ما تستند إليه، إلى سردية أيديولوجية تسعى إلى تغليف حقيقة مراميها وتسويغها، وإسباغ طابع أخلاقي -حضاري عليها مثل «نشر الديمقراطية» أو «محاربة الإرهاب والتطرف» أو «مكافحة المخدرات» أو «ترسيخ دعائم السلام والاستقرار».
تتولى الولايات المتحدة راهناً ترويج هذه السردية بالنسبة إلى لبنان كما اتضح من بيان سفارتها حول آخر اجتماع للجنة الـ«ميكانيزم» في الناقورة بمشاركة «موظفَين مدنيَين» لبناني وإسرائيلي، للمرة الأولى.
قبل التوقف عند ما تضمنه بيان السفارة الأميركية، لا بد من الإشارة إلى استئناف إسرائيل لغاراتها على الجنوب اللبناني في اليوم التالي للاجتماع المذكور، ما يشي بأننا أمام مسار تفاوضي تحت النار، يلجأ خلاله الطرف الإسرائيلي وحده إلى الأداة العسكرية لفرض شروطه على الطرف اللبناني، بتواطؤ كامل من بقية الأطراف المشاركة فيه.
وكان بيان السفارة الأميركية حول هذا المسار قد أكد أن «جميع الجهات رحّبت بالمشاركة الإضافية لمدنيين باعتبارها خطوة مهمة نحو ضمان أن يكون عمل الميكانيزم مرتكزاً على حوار مدني مستدام بالإضافة إلى الحوار العسكري». يحتل مفهوم «الحوار المستدام» موقعاً مركزياً في المنظومة المفهومية، والأصح الترسانة المفهومية، للديبلوماسية الأميركية، عند مقاربتها لما تعتبره نزاعات مستعصية على الحل، وعملها على بلورة آليات تسمح بإنتاج الظروف الملائمة لتذليل العقبات التي تمنع التوصل إلى تسويات لها.
وظيفة الحوار المستدام أولاً هو خلق مثل هذه الظروف، وأهمها بناء الثقة والصلات المباشرة بين المفاوضين، ليتمكنوا مع مرور الزمن - ومن هنا مصطلح «المستدام»، من استطلاع أفكار ومقاربات جديدة، تتيح التغلب على الموانع والعقبات التي تعترض طريق الحلول.
تعود أبوة هذا المفهوم لهارولد سوندرز، الديبلوماسي الأميركي المخضرم الذي بقي مساعداً لشؤون الشرق الأوسط لوزراء خارجية أميركيين متتالين في عهد أربعة إدارات متعاقبة، من إدارة جون كينيدي إلى إدارة جيمي كارتر، مروراً بإدارتي ليندون جونسون وريتشارد نيكسون، ولعب دوراً حاسماً في الديبلوماسية المكوكية التي أفضت إلى اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني.
وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون، فإنه من ابتكر مفاهيم من نوع «مسار السلام» و«ديبلوماسية الخطوة خطوة» و«بناء الثقة»، وليس هنري كيسنجر الذي استخدمها بشكل مستمر، بحسب مقال على موقع «جمعية الدراسات الديبلوماسية والتدريب»، (ADST)، بعنوان «هارولد سوندرز: صانع السلام الأصلي»، وصف فيه هذا الأخير باعتباره أحد رواد التفكير الديبلوماسي والرجل الذي تمكن بفضل نموذجه للـ«حوار المستدام» من تعبيد الطريق للتسوية في الشرق الأوسط.
تنبغي الإشارة أيضاً أن سوندرز، بعد تقاعده، قد أسس «المعهد الدولي للحوار المستدام»، وعمل مع مساعدته رندة سليم، في تنظيم جولات من الحوار بين ديبلوماسيين أميركيين وأوروبيين سابقين، وممثلين عن حركات إسلامية سنية وشيعية، أو شخصيات مقربة من قياداتها، في الفترة التي تلت غزو العراق في عام 2003، في مسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة تتأسس عليها تفاهمات مستقبلية محتملة بين هذه الحركات و«الغرب».
أياً كانت نوايا الحكم اللبناني، فإن الاجتماع الأخير للجنة الـ«ميكانيزم» مثَّل، من منظور أميركي، وإسرائيلي وفقاً لنتنياهو، خطوة أولى في مسار تفاوضي تحت النار، غايته الفعلية كما أسلفنا ليس نزع سلاح المقاومة، ولا التوصل الآن إلى تسوية سياسية، بل المساهمة في خلق سياق مؤاتٍ لضربها والإجهاز عليها تماماً. والله من وراء القصد.
اتصال يثير الذعر بشأن القياديّ الأسير مروان البرغوثي: "أضلاعه وأصابعه كُسرت وبُتر جزء من أذنه"
ذكرت هيئة الأسرى والمحرّرين، في بيان أصدرته اليوم الجمعة، أنّ "اتصالا هاتفيا من رقم إسرائيليّ، أثار حالة من الرعب لدى أسرة القائد مروان البرغوثي، والشعب الفلسطيني بأسره"، إذ أشار الاتصال إلى أنه تعرّض لتعذيب وحشيّ خلال "جولات متكرّرة من التعذيب والتنكيل".
وقالت الهيئة في بيان، إن "عائلة الأسير القائد مروان البرغوثي، استقبلت صباح اليوم الجمعة، اتصالًا هاتفيًا من رقم إسرائيلي، ادّعى المتصل أنه أسير محرَّر أُفرج عنه فجر اليوم من سجون الاحتلال، وأن حالة أبو القسام (الأسير مروان البرغوثي) صعبة وخطيرة جدًا".
وأضافت الهيئة "أنه وبعد المتابعة والتواصل، تبيّن أن المعلومات التي نُقلت للعائلة تتحدث عن اعتداء وحشي، تعرّض له أبو القسام على يد السجّانين، حيث ادّعى المتصل أن جزءًا من أذنه قد قُطع، وتعرّضت أضلاعه وأصابع يده وأسنانُه للكسر، وذلك خلال جولات متكررة من التعذيب والتنكيل".
وأشارت الهيئة إلى أن هذا الاتصال "شكّل حالة من الذعر لدى أسرة أبو القسام، ولدى الشعب الفلسطيني بأكمله، وقد جرت محاولة الاتصال بالرقم ذاته من دون جدوى".
وأكدت الهيئة أن "هناك حالات سابقة تم تسجيلها تتضمن تهديدًا وتخويفًا ومضايقات لعائلات الأسرى، مشدّدة على استمرار عملها المشترك والمكثف مع القيادة الفلسطينية والأصدقاء والمتضامنين الدوليين، للوقوف على حقيقة حالة أبو القسام، مع تحميل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عمّا يتعرض له الأسرى داخل السجون".

نادي الأسير يحذّر من "مخطّط خطير" يستهدف حياة الأسير مروان البرغوثي
وحذّر نادي الأسير، الجمعة، من "مخطّط خطير"، قال إنه يستهدف اغتيال القائد الفلسطيني الأسير مروان البرغوثي، داخل السجون الإسرائيلية.
وقال مدير عام النادي، أمجد النجار، في بيان، إن "تصعيد الاعتداءات على القائد مروان البرغوثي بالتزامن مع تحركات وشخصيات دولية تطالب بالإفراج الفوري عنه، يعكس توجّهات خطيرة لدى حكومة الاحتلال للتخلّص منه وهو رهن الاعتقال، في جريمة مركّبة وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني".
وطالب النجار وهو ناطق باسم نادي الأسير أيضا، الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ودول العالم الحرّ، بـ"التدخّل العاجل"، و"إيفاد لجنة أممية لزيارة القائد البرغوثي، والاطّلاع على وضعه داخل العزل، والضغط الفعلي للإفراج عنه وإنقاذ حياته قبل فوات الأوان".
وأضاف أن "حياة القائد مروان باتت في خطر حقيقي، في ظلّ السياسات الانتقامية التي تمارسها حكومة الاحتلال بحقه وبحق الأسرى الفلسطينيين عموما"، محمّلا إسرائيل المسؤولية الكاملة "عن أي مكروه قد يتعرّض له".

نجل الأسير البرغوثي: لم نتمكّن حتّى اللحظة من الوصول مرّة أُخرى لـ"الأسير المُحرَّر" الذي أبلغنا بوضع والدي
بدوره، قال قسّام البرغوثي، نجل القيادي الأسير في منشور عبر "فيسبوك": "لا زلنا نحاول الوصول مرة أخرى للأسير المحرَّر الذي تواصل معي صباحا، وحتى اللحظة لم نتمكن من ذلك".
وأضاف: "تواصلنا مع جميع الجهات الرسمية والقانونية الممكنة، لمساعدتنا في الوصول إلى أي معلومة، وحتى اللحظة لم نتمكن من ذلك أيضا.., أعتذر بتسببي بقلق الكثير من الأعزاء بسبب الانفعال بعد المكالمة التي وصلتنيز... أتمنى أن يكون والدي وكل الأسرى بخير، وهذا كل ما يهمنا".
يأتي ذلك فيما أظهر تقرير جديد صادر عن هيئة الدفاع العام في إسرائيل، أمس الخميس، تدهورًا غير مسبوق في ظروف اعتقال الأسرى الفلسطينيين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وسط شهادات واسعة عن "جوع حاد" وفقدان كبير للوزن، وظروف احتجاز وُصفت بأنها "لا تصلح للمعيشة".
وبحسب التقرير، الذي استند إلى سلسلة زيارات أجراها مندوبو الهيئة الإسرائيلية لعدة سجون خلال عامي 2023 و2024، فقد اعتمدت مصلحة السجون الإسرائيلية قائمة طعام منفصلة و"فقيرة للغاية" لهؤلاء الأسرى بعد اندلاع الحرب، ما أدى إلى "هزال شديد، وضعف جسدي واضح، وحالات إغماء متكررة".
كما أكّد التقرير أن الاكتظاظ تفاقم بفعل الارتفاع الحاد في عدد المعتقلين، إذ يُحتجز 90% منهم في مساحة تقلّ عن ثلاثة أمتار مربعة للأسير الواحد، بينما نام آلاف الأسرى دون أي سرير.

الرئاسة الفلسطينية: "إجراءات انتقامية خطيرة"
من جانبها، حذّرت الرئاسة الفلسطينية من "خطورة ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات خطيرة ووحشية، تمسّ كرامتهم الإنسانية، وتهدّد حياتهم بشكل مخالف وسافر للقوانين والمواثيق الدولية كافة، وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف الأربعة".
وأدانت الرئاسة الفلسطينية "بشكل خاصّ، ما يتعرض له القائد الأسير مروان البرغوثي... من اعتداءات متواصلة، وإجراءات انتقامية خطيرة، محمّلة الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة والمباشرة عن سلامته، وسلامة جميع الأسرى في سجون الاحتلال".
وأكدت أن "استمرار هذه الانتهاكات بحقّ الأسرى، يشكّل جريمة حرب مكتملة الأركان، تعكس سياسة إسرائيلية ممنهجة في التنكيل بالأسرى الفلسطينيين، في محاولة لكسر إرادتهم ومعاقبتهم جماعيا".
وطالبت "المجتمع الدولي، ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتحرّك الفوري والعاجل، لتحمّل مسؤولياتهم القانونية والإنسانية، والضغط على حكومة الاحتلال لوقف هذه الانتهاكات فورا، وضمان الحماية الدولية للأسرى".
وقبل شهرين، حثّ عرب البرغوثي، نجل القيادي والأسير مروان البرغوثي، الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على "اغتنام الفرصة" التي وفّرها اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والضغط على إسرائيل للإفراج عن والده.
وقبل ذلك بأيام، ناشدت زوجة الأسير، المعتقل في إسرائيل منذ العام 2002، الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التدخل لإطلاق سراحه.
وحكمت محكمة إسرائيلية على الأسير البرغوثي في حزيران/ يونيو 2004 بالسجن المؤبد، خمس مرات.
وأُصيب الأسير والقيادي الفلسطيني، مروان البرغوثي، بكسور في أضلاعه، جرّاء تعرضه لاعتداء بالضرب في سجون إسرائيل، منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، وفق ما أفاد مكتب إعلام الأسرى، وتقارير، في الخامس عشر من الشهر الجاري، فيما تفاخر وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرّف إيتمار بن غفير، بأن ظروف اعتقاله، قد "تغيرت جذريًا، خلال فترة ولايته".
وفي آب/ أغسطس الماضي، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي، المتطرّف إيتمار بن غفير زنزانة الأسير البرغوثي، وهدده بالقول "من يقتل أطفالنا أو نساءنا فسنمحوه، أنتم لن تنتصروا علينا"، وفق مقطع فيديو نُشر حينها.
ويُعدّ البرغوثي من أبرز الشخصيات التي تحظى بشعبية واسعة في فلسطين، ويقضي خمسة أحكام بالمؤبد في السجون الإسرائيلية، منذ 2002، بتهم تتعلق بـ"انتفاضة الأقصى"، التي اندلعت عام 2000.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire