وثّق تقرير منظمة «أطباء بلا حدود» تدهورًا حادًا في نظام الرعاية الصحية في غزة، بعد 22 شهرًا من الحرب المفتوحة على القطاع والحصار شبه الكامل منذ آذار 2023.
وأظهر أن 50 في المئة من المستشفيات خارج الخدمة، بينما تعمل المستشفيات المتبقية جزئيًا فقط. كما يعاني العاملون في المجال الطبي من نقص الغذاء والإمدادات الأساسية.
وأكد نائب المنسق الطبي للمنظمة، الدكتور محمد أبو مغيصيب، أن المستشفيات تشهد «موجة من المرضى غير مسبوقة»، منهم ضحايا الغارات الجوية وأشخاص يعانون من أمراض مزمنة لم يعد بالإمكان علاجهم.
كما أفاد بأن بعض عيادات «أطباء بلا حدود» «تغلق أبوابها عند الساعة 9:30 صباحًا»، بعد علاج أكثر من 200 شخص في بضع ساعات. وأضاف أن كثيرًا من المرضى يموتون قبل الوصول إلى المستشفيات، فيما يعاني آخرون لساعات في غرف الطوارئ والممرات المكتظة.
وأوضح أن الجروح التي يمكن علاجها في أي مكان آخر تتحول إلى «حكم بالإعدام»، مع حالات أطراف مبتورة، وجروح غائرة ملتهبة، وعظام محطمة، وشرايين ممزقة، في ظل نقص المسكنات، وأدوية التخدير، والمضادات الحيوية، وأجهزة تثبيت الكسور، والأدوات الجراحية.
وأشار التقرير إلى أن «المستشفيات تجاوزت طاقتها الاستيعابية»، حيث تعمل مرافق «أطباء بلا حدود» «بطاقة تزيد عن 100 في المئة»، بينما تصل بعض مستشفيات وزارة الصحة إلى 200 في المئة، بما فيها مستشفى الشفاء، مضيفاً أن «قوائم الانتظار الجراحية طويلة لدرجة أن بعض المرضى يموتون قبل إجراء عملياتهم».
وحذّر من أن التجويع يشكل تهديدًا إضافيًا، إذ «يعمل الأطباء على مدار الساعة ولا يتناولون سوى وجبة واحدة يوميًا، في حين يحصل المرضى المصابون بالحروق أو الكسور أو الجروح البالغة على وجبات صغيرة تفتقر للمغذيات»، ما يمنع التئام العظام ويزيد خطر العدوى.
وبحسب التقرير، هناك ما لا يقل عن 14,500 شخص بحاجة ماسة إلى الإجلاء الطبي، «لكن السلطات الإسرائيلية تمنع أو تؤخر هذه العمليات بشكل تعسفي».
وختم أبو مغيصيب: «من دون وقف فوري لإطلاق النار، ومن دون وصول الإغاثة الطبية والإنسانية بشكل مستدام، لن يتبقى شيء يمكن إنقاذه: لا المستشفيات ولا المرضى ولا المستقبل».
وأظهر أن 50 في المئة من المستشفيات خارج الخدمة، بينما تعمل المستشفيات المتبقية جزئيًا فقط. كما يعاني العاملون في المجال الطبي من نقص الغذاء والإمدادات الأساسية.
وأكد نائب المنسق الطبي للمنظمة، الدكتور محمد أبو مغيصيب، أن المستشفيات تشهد «موجة من المرضى غير مسبوقة»، منهم ضحايا الغارات الجوية وأشخاص يعانون من أمراض مزمنة لم يعد بالإمكان علاجهم.
كما أفاد بأن بعض عيادات «أطباء بلا حدود» «تغلق أبوابها عند الساعة 9:30 صباحًا»، بعد علاج أكثر من 200 شخص في بضع ساعات. وأضاف أن كثيرًا من المرضى يموتون قبل الوصول إلى المستشفيات، فيما يعاني آخرون لساعات في غرف الطوارئ والممرات المكتظة.
وأوضح أن الجروح التي يمكن علاجها في أي مكان آخر تتحول إلى «حكم بالإعدام»، مع حالات أطراف مبتورة، وجروح غائرة ملتهبة، وعظام محطمة، وشرايين ممزقة، في ظل نقص المسكنات، وأدوية التخدير، والمضادات الحيوية، وأجهزة تثبيت الكسور، والأدوات الجراحية.
وأشار التقرير إلى أن «المستشفيات تجاوزت طاقتها الاستيعابية»، حيث تعمل مرافق «أطباء بلا حدود» «بطاقة تزيد عن 100 في المئة»، بينما تصل بعض مستشفيات وزارة الصحة إلى 200 في المئة، بما فيها مستشفى الشفاء، مضيفاً أن «قوائم الانتظار الجراحية طويلة لدرجة أن بعض المرضى يموتون قبل إجراء عملياتهم».
وحذّر من أن التجويع يشكل تهديدًا إضافيًا، إذ «يعمل الأطباء على مدار الساعة ولا يتناولون سوى وجبة واحدة يوميًا، في حين يحصل المرضى المصابون بالحروق أو الكسور أو الجروح البالغة على وجبات صغيرة تفتقر للمغذيات»، ما يمنع التئام العظام ويزيد خطر العدوى.
وبحسب التقرير، هناك ما لا يقل عن 14,500 شخص بحاجة ماسة إلى الإجلاء الطبي، «لكن السلطات الإسرائيلية تمنع أو تؤخر هذه العمليات بشكل تعسفي».
وختم أبو مغيصيب: «من دون وقف فوري لإطلاق النار، ومن دون وصول الإغاثة الطبية والإنسانية بشكل مستدام، لن يتبقى شيء يمكن إنقاذه: لا المستشفيات ولا المرضى ولا المستقبل».
دفاعاً عن المقاومة ورفضاً للطائفية
تدعو هيئات طالبية وتنظيمات شبابية، من بينها «الاتحاد الطلابي العام»، و«جبهة فلسطين حرة»، و«البندقية»، والكتاب، إلى النزول إلى الشارع والمشاركة في مسيرة شعبية اليوم الثلاثاء، دفاعاً عن «حق الشعب في مقاومة الاحتلال ورفض الطائفية التي تحيط بخيار الكفاح المسلح وحق تقرير المصير».
تنطلق التظاهرة من أمام صيدلية «بسترس» في شارع الحمرا، خلف حديقة الصنائع، حيث شهد المكان أولى عمليات «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» (جمّول) عقب الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982.
وتستكمل المسيرة مروراً بساحة الشهيد خالد علوان، وصولاً إلى أمام سفارة السعودية، احتجاجاً على ما وصفه المنظمون بـ«تواطؤ الرياض كسائر الدول العربية على أهل غزة، ودورها الجيوسياسي في لبنان المتقاطع مع المصالح الأميركية».
* تظاهرة دعماً لغزة: اليوم الثلاثاء - الساعة السادسة والنصف مساءً- صيدلية «بسترس» (الحمرا).
تدعو هيئات طالبية وتنظيمات شبابية، من بينها «الاتحاد الطلابي العام»، و«جبهة فلسطين حرة»، و«البندقية»، والكتاب، إلى النزول إلى الشارع والمشاركة في مسيرة شعبية اليوم الثلاثاء، دفاعاً عن «حق الشعب في مقاومة الاحتلال ورفض الطائفية التي تحيط بخيار الكفاح المسلح وحق تقرير المصير».
تنطلق التظاهرة من أمام صيدلية «بسترس» في شارع الحمرا، خلف حديقة الصنائع، حيث شهد المكان أولى عمليات «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» (جمّول) عقب الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982.
وتستكمل المسيرة مروراً بساحة الشهيد خالد علوان، وصولاً إلى أمام سفارة السعودية، احتجاجاً على ما وصفه المنظمون بـ«تواطؤ الرياض كسائر الدول العربية على أهل غزة، ودورها الجيوسياسي في لبنان المتقاطع مع المصالح الأميركية».
* تظاهرة دعماً لغزة: اليوم الثلاثاء - الساعة السادسة والنصف مساءً- صيدلية «بسترس» (الحمرا).
صنعاء تلوّح بتصعيد مفتوح ضد العدو
رشيد الحداد
صنعاء | لوّحت حكومة صنعاء بردٍّ عسكري مفتوح على إسرائيل، بعد العدوان الذي طاول محطة كهرباء حزيز في العاصمة وأدّى إلى خروجها جزئياً عن الخدمة. وكانت ردّت القوات المسلحة اليمنية، أوّلياً، على ذلك العدوان، باستهداف مطار بن غورون في تل أبيب بصاروخ باليستي فرط صوتي من طراز «فلسطين 2»، وفقاً للمتحدّث باسْمها، العميد يحيى سريع.
وجاء ذلك بعدما أعلن جيش الاحتلال، فجر أمس، تنفيذ قواته البحرية عدواناً جديداً استهدف بنى تحتية خاصة بالطاقة في صنعاء، مشيراً إلى استخدامه في العملية صاروخين أُطلقا من بارجة تابعة له.
وعن الردّ الصاروخي اليمني، قالت وسائل إعلام عبرية إنّ جيش الاحتلال أغلق المجال الجوي بعد رصده صاروخاً باليستياً قادماً من اليمن، في حين أظهرت مشاهد فيديو تناقلها مستوطنون هواة، حالة رعب واسعة داخل مطار بن غوريون، بالإضافة إلى تفعيل صافرات الإنذار في مناطق واسعة من فلسطين المحتلة.
وعلى إثر ذلك، توقّعت مصادر عسكرية في صنعاء، في تصريحات إلى «الأخبار»، تنفيذ عمليات مكثّفة جوية وبحرّية قد تطاول مصدر الهجوم الاسرائيلي الأخير، بالإشارة الى استهداف بوارج العدو في منطقة إيلات، فيما أكّد رئيس حكومة صنعاء، أحمد الرهوي، في تعليق له على العدوان، أنّ استهداف البنى التحتية والأعيان المدنية لن يؤثّر على عمليات الإسناد اليمني لقطاع غزة. ووجّهت وزارة الخارجية، بدورها، رسالة احتجاج إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن اعتبرت فيها أنّ «العدوان الإسرائيلي الأخير سيدفع نحو مزيد من التصعيد البحري في البحر الأحمر، ويجعل الردّ اليمني مفتوحاً بكافة الخيارات التي قد تشمل تداعياتها المجتمع الدولي بأسره».
ووصف مراقبون، من جهتهم، الهجوم الإسرائيلي على محطة الكهرباء التي لا تتجاوز طاقتها التوليدية 50 ميغاوات، بأنه عملية استعراضية لا أكثر لحفظ ماء الوجه في ظلّ استمرار الضربات اليمنية على الكيان، مشيرين إلى اعتراف العدو بتعرّضه لنحو 70ضربة صاروخية في 5 أشهر، بواقع صاروخ كل 48 ساعة.
مع ذلك، توعّد وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، مجدّداً بتدفيع «الحوثيين» ثمناً مضاعفاً، محاولاً تصوير العدوان على محطة الكهرباء على أنه فرض «حصار بحري وجوّي» على صنعاء.
الحَراك الإسرائيلي على مفترق طرق: نحو انتظام سياسي بوجه نتنياهو؟
يحيى دبوق
شهدت إسرائيل، أمس، حراكاً احتجاجياً واسعاً، شلّ حركة الطرق جزئياً، وأوقف نشاط عشرات المؤسسات، في دلالة على الغضب المتصاعد من إخفاق الحكومة في استرجاع الأسرى من قطاع غزة، بعد ما يقرب من عامين من الحرب. على أنه ما يزال من غير الواضح بعد ما إذا كانت تلك الاحتجاجات واسعة النطاق كافية لفرض تغيير في مسار حكومة لديها مشروع تتمسك به بقوة، ولا تبدي أي استعداد للتراجع عنه بسهولة.
وشهدت التحركات، هذه المرة، حضوراً وازناً، شمل الآلاف من المشاركين في تل أبيب والقدس وحيفا وبئر السبع، وتخلّلها إغلاق طرق رئيسية. كما حظيت بدعم واسع من القطاع الخاص، بعدما أغلقت الجامعات أبوابها أو سهلت الالتحاق بالفاعليات الاحتجاجية على اختلافها، في ممارسات انسحبت أيضاً على عدد من النقابات العمالية والمطاعم والبلديات.
وعلى هذا النحو، مثّل «يوم الغضب» أحد أكبر التعبيرات الجماعية عن الرفض الداخلي لسياسات الحكومة في ملف الأسرى، فيما تبقى قدرته على إحداث تغيير فعلي مشروطة بجملة من العوامل التي لم تتحقق بعد، وعلى رأسها استمرارية الحراك وتوسع قاعدته لتشمل قطاعات جديدة، خصوصاً الجيش والاقتصاد والنقابات الكبرى، جنباً إلى جنب بروز قوة سياسية قادرة على توجيهه.
ولعلّ من أبرز العوامل التي تقوّض قدرة الشارع على فرض تغيير في مسار حكومة الاحتلال، هو كون الائتلاف الحاكم لا يكترث بإرضاء الجمهور، بقدر تمسكه بتطبيق أجندة أيديولوجية محددة، ما يدفعه إلى العمل من أجل الحد من الحركات الاعتراضية أو إنهائها. كما إن الحكومة الحالية، التي تشعر بتهديد متزايد لوجودها، تشعر أن تراجعها في هذه اللحظة بالذات، سيعدّ نوعاً من «التنازل تحت الضغط» الذي سيمهّد لانهيارها لاحقاً، وهو ما يجعلها مستعدة لدفع الأثمان الباهظة على اختلافها، بدءاً من تفاقم الانقسام الداخلي وتصاعد الاتهامات بالتسبب في قتل الأسرى، وصولاً إلى الإدانات الدولية المتصاعدة، وفقدان الشرعية تدريجياً، في الداخل والخارج على حدّ سواء.
ومن هنا، لم تردّ حكومة بنيامين نتنياهو على الاحتجاجات بإطلاق دعوة إلى التفاوض، بل ركّزت، في المقابل، على شيطنة التحركات وتجريمها؛ إذ رأى وزير المالية، بتسئيل سموتريتش أن الحركة الاعتراضية «فشلت»، نظراً إلى أن «عدداً صغيراً من الإسرائيليين لبوا الدعوات» إليها، واصفاً المحتجين بـ«الخونة». واعتبر سموتريتش أن «المحتجين يقوّضون الأسرى، ويعملون لصالح حماس»، فيما اتهمهم وزراء آخرون بإثارة «الفوضى وإحراق الدولة ومساعدة العدو».
خيارات مفتوحة
بناءً على كلّ ما تقدّم، يقدّر مراقبون أن ما يحصل في الداخل الإسرائيلي اليوم لا يقاس بحجمه، بل بما سيليه؛ إذ إنه في حال انضمت قطاعات جديدة إلى الاحتجاجات، من مثل الجنرالات المتقاعدين ونقابات العمال الكبرى أو «الهستدروت» والشركات الكبرى، فقد يولّد ذلك ضغطاً حقيقياً، يُجبر الحكومة على التفاوض. أما إذا تراجعت الاحتجاجات بعد اليوم، وانتهى الزخم، فستُقرأ كحدث عابر، بل قد تأتي حتى بنتائج عكسية تدفع الحكومة إلى تعزيز العمل على تنفيذ أجندتها، على ضوء استنتاجها أن الأثمان التي تدفعها ما تزال مقبولة.
وإلى الآن، لا تقف خلف الاحتجاجات قوى سياسية معارضة منظمة، ما يخلق نوعاً من الفراغ السياسي في أوساطها؛ إذ إنّ بني غانتس ويائير لابيد بعيدان من الإمساك بزمام الأمور، وكل منهما يرفض منح الآخر حق القيادة. كما يُسجل غياب أي خطة بديلة، أو طرح إستراتيجي للحرب وللمرحلة التي ستليها.
وعليه، ما يزال الحراك الاحتجاجي أقرب إلى تعبير عن رفض مبنيّ على قضية الأسرى حصراً، من كونه يحمل مشروعاً سياسياً. على أن ما تقدّم لا يعني أن الاحتجاجات غير فاعلة، بل هي تعتمد على ما سيليها، وما إذا كانت ستشكل مقدّمة لحراك مختلف عن سوابقه.
المفاوضات غطاءً للتصعيد: العدو يتحضّر لاجتياح غزة
يوسف فارس
غزة | يمارس جيش الاحتلال، ومن خلفه منظومة الدعاية الإسرائيلية، منذ أسبوعين، أعلى مستويات الحرب النفسية تجاه سكان مدينة غزة وشمالها، وذلك عبر الإغراق في التفاصيل الدقيقة والخطوات التفصيلية لعملية احتلال المدينة. ففي الأيام الثلاثة الماضية، نشر ضباط وقادة في جيش الاحتلال، بشكل رسمي، تصريحات عدّة ذات صلة بخطط احتلال المدينة، آخرها تمثّلَ بالإعلان عن البدء في إدخال كميات كبيرة من الخيام والبنى التحتية عبر معبر كرم أبو سالم، لإقامة مخيمات إنسانية لإخلاء سكان غزة وشمال القطاع إليها.
ووفقاً لما نشره الإعلام العبري، فإنّ المنطقة التي جرى إعدادها لاستقبال مليون نازح من شمال وادي غزة، هي جنوب محور «موراغ»، أي مدينة رفح المحاصرة بمحورَي «موراغ» و«فلادلفيا»، وهي مساحة محاصرة تنشط فيها مجموعات «أبو شباب» العميلة. أيضاً، قالت مصادر عبرية إنّ رئيس الأركان، إيال زامير، وافق على الخطط التفصيلية لاحتلال المدينة، وإنه من المتوقّع أن يُطلع وزير الجيش، يسرائيل كاتس، عليها قبل عرضها على كابينت الحرب في نهاية الأسبوع للحصول على الموافقة النهائية.
وفي السياق، نشرت صحيفة «ريشت كان» تقريراً للصحافي سليمان مسودة، ذكر فيه أنّ رئيس الأركان شارك في نقاش مع مسؤولين في «هيئة شؤون الأسرى» لمحاولة تقليل الأخطار التي يمكن أن تلحق بالأسرى الذين تحتفظ بهم المقاومة في مدينة غزة. ولأجل هذا، يُعقد يوم دراسي للضباط الميدانيين برتبة عقيد فما فوق، من الذين تتوقّع مشاركتهم في عملية احتلال المدينة.
وشارك الصحافي الإسرائيلي معلومات تفصيلية أخرى عن خطّة إخلاء سكان غزة التي ستُعرض على الأميركيين، وتتضمّن عدة مراحل عملياتية تبدأ بالجهد الإنساني المتمثّل ببناء مجمّعات إنسانية جنوب القطاع، تشمل بنى تحتية أساسية وخياماً وماء وعيادات طبية، ثم تنتقل إلى إخلاء واسع للسكان بعد أسبوعين على الأقل، لتنطلق عقب ذلك المناورة البرّية وعملية تطويق المدينة مع الاستمرار في إخلاء السكان. وفي وقت لاحق، تبدأ العملية البرية باحتلال مدينة غزة تدريجياً بموازاة ضربات جوّية مكثّفة، مع توقّع أن يتواصل الهجوم لأربعة أشهر.
ويقول مسودة في تصريح آخر، إنّ مصدراً سياسياً أخبره بأنّ إسرائيل نقلت رسالة تهديد إلى الوسطاء ليمرّروها إلى حركة «حماس»، مفادها أنه إذا لم تعد الحركة إلى طاولة المفاوضات، فإنّ المرحلة الأولى من عملية احتلال غزة ستبدأ في وقت قريب. هذا التناقض يضع الغزّيين في حالة من الإنهاك النفسي، لا سيّما أنهم شاهدوا خلال 22 شهراً من الحرب، كيف تتحوّل التهديدات والخطط المعلنة والمضمرة إلى وقائع على الأرض، خصوصاً بعد حصار شمال غزة قبيل هدنة كانون 2025، حيث يُعتبر حصار مخيم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون في شمال غزة، وما تخلّله من مجازر ارتكبها جيش العدو هناك بحق الأهالي الذين رفضوا النزوح، واحدة من أبشع التجارب.
وإذ يستذكر الأهالي حكايات الشهداء الذين أكلت جثامينهم الكلاب الضالّة، والضحايا الذين قضوا بعدما حوصروا لأسابيع تحت الركام من دون أن يستطيع أحد إنقاذهم، فإنّ كل تلك الجرائم تحضر الآن في قرار النزوح من عدمه، علماً أنّ الناس باتوا يفضّلون كل أنواع العذابات التي عاشوها في الحرب على النزوح، خصوصاً أنهم لم يتجاوزوا بعد ويلات التجربة التي أمضوها على مدى 15 شهراً في جنوب القطاع. ورغم أنّ أكثرهم عادوا ونزحوا داخلياً في غرب مدينة غزة بعد عملية «مركبات جدعون»، فإنهم الآن أقرب ما يكونون إلى الأحياء التي هُجّروا منها.
ويقول أبو محمد سامي، لـ«الأخبار»، إنّ «النزوح قطعة من العذاب، وموت بطيء. أنا مهجّر من حي الشجاعية، وبيتي مدمّر، لكنني بالقرب من الشجاعية أشعر بالأنس. أكثر الناس ليس لديهم من أموال للنزوح. فالنزوح ليس عذاب الطريق فقط. يجب أن تبدأ من الصفر بتأسيس مكان يؤويك. وفي جنوب القطاع كلّه لا يوجد متر مربع واحد خالٍ. أنا أفضّل الموت على النزوح».
وعلى المستوى السياسي، تجتمع فصائل المقاومة الفلسطينية في القاهرة، حيث علمت «الأخبار» من مصادر فصائلية أنّ الوسطاء عرضوا المطالب والاشتراطات الإسرائيلية لوقف الحرب، وهي نزع سلاح المقاومة وإبعاد القيادات العسكرية والسياسية وتسليم جميع الأسرى الأحياء والأموات، مع احتفاظ جيش الاحتلال بـ25% من مساحة القطاع والسيطرة الأمنية المستدامة عليه وتشكيل حكومة ليست من «حماس» ولا من «فتح» تقبل بالعيش بسلام مع إسرائيل. ووفقاً لمصادر «حمساوية» تحدّثت معها «الأخبار»، فإنّ رئيس وفد الحركة، خليل الحية، قال إنّ الحركة تشترط وجود مسار سياسي ودولة فلسطينية للقبول بإلقاء السلاح.
بالنتيجة، وبالاستناد إلى تجربة 22 شهراً من الحرب، تتعامل إسرائيل مع جولات التفاوض، على أنها غطاء للعمل العسكري الميداني؛ إذ لم يسبق أن نُفّذت عملية كبرى تُحدث ضجّة في الرأي العام الدولي وتنتهك فيها إسرائيل القوانين الدولية والإنسانية، من دون وجود مسار تفاوضي يأخذ حصّة من التركيز الإخباري ويوفّر غطاءً للجريمة.
انزعاج مصري من محاولات خليجية لتفريق الفلسطينيين
القاهرة | عشية زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى، للجانب المصري من معبر رفح، اليوم، بهدف تفقّد عملية إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، شهدت القاهرة لقاءات مكثّفة بينه وبين المسؤولين المصريين المعنيّين بملف المفاوضات، وهو ما تراه القاهرة استكمالاً لمسار النقاشات التي أجريت مع وفد حركة «حماس» الأسبوع الماضي، بحسب مصادر دبلوماسية تحدّثت إلى «الأخبار». وتركّزت المباحثات على الترتيبات المرتبطة بـ«اليوم التالي»، وسط تمسّك رام الله بمواقف «متحفّظة»، ترى القاهرة أن «تجاوز بعضها ضروري للوصول إلى نقاط تلاقٍ تخدم القضية الفلسطينية وتمنع المحاولات الإسرائيلية لمنع إقامة الدولة الفلسطينية».
وفي الاستقبال الرسمي لمصطفى، كرّر رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، مواقف بلاده «الداعمة لوحدة الأراضي الفلسطينية تحت قيادة السلطة»، في حين أثنى الأول على ما سمّاه «الموقف المصري الصلب والمعارض للتهجير»، والذي «لولاه لما كنا نتحدث اليوم عن القضية الفلسطينية»، في ما عُدّ نوعاً من المغازلة للجانب المصري.
وجاءت تصريحات مصطفى بعد وقت قصير من إصدار الخارجية المصرية بياناً جديداً حول مخططات تهجير الفلسطينيين، جدّدت فيه رفضها أي مشروع تهجير، سواء كان قسرياً أو «طوعياً». وأكّد البيان أن القاهرة لن تسمح بتمرير مثل هذه المخططات، فيما تضمّن إشارة لافتة إلى اتصالات أجرتها مصر مع دول طُرحت كوجهات محتملة للمهجّرين، أبرزها جنوب السودان، التي نفت رسمياً أي استعداد لاستقبال الفلسطينيين.
وشدّد البيان المصري على أن أي مشاركة في هذه المخططات ستُعدّ «جريمة حرب وتطهيراً عرقياً يخالف القانون الدولي، ويمثّل خرقاً واضحاً لاتفاقيات جنيف الأربع»، داعياً الدول «المحبة للسلام» إلى النأي بنفسها عن التورط في هذه المشاريع، محذّراً من عواقب سياسية وقانونية قد تطاول الأطراف المشاركة.
وتزامن صدور البيان مع تقارير لوكالات وصحف أميركية عن محاولات إسرائيلية لاستطلاع مواقف دول من مثل ليبيا وأرض الصومال وسوريا وغيرها في شأن استقبال أهالي غزة. وفي السياق، تشير المصادر إلى أن «ردود هذه العواصم جاءت رافضة»، وهو ما تعتبره القاهرة «سنداً إضافياً للموقف المصري المتمسّك بأن بقاء الفلسطينيين في غزة أمر مهم ليس فقط لإقامة الدولة الفلسطينية ولكن لضمان تأمين الحدود المصرية».
في موازاة ذلك، حذّرت مصادر مصرية من الانجرار وراء محاولات أطراف عربية، بينها الرياض وأبو ظبي، لإبراز خلافات بين «حماس» والفصائل في شأن مستقبل غزة. وأكّدت المصادر أن الخلافات «غير موجودة»، وأن هذه المساعي تصبّ في خانة «تعميق الانقسام»، لافتة إلى أن «القاهرة طالبت الدوحة بالتدخل لإقناع البلدين بتعديل مواقفهما لجهة تقريب وجهات النظر وليس تفريقها».
تضارب حول نتائج لقاءات القاهرة: فرص الصفقة الجزئية لم تَمت
انعقد في القاهرة، أمس، لقاء جمع رئيس جهاز «المخابرات العامة» المصرية، حسن رشاد، وقادة وممثّلين عن الفصائل الفلسطينية. وحضر اللقاء رئيس حركة «حماس» في غزة، خليل الحية، ووفد من قيادة الحركة، والأمين العام لـ»الجهاد الإسلامي» زياد النخالة، ونائب الأمين العام لـ»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» جميل مزهر، والأمين العام لـ»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» طلال ناجي، إضافة إلى ممثّل عن القيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان، وهو سمير المشهراوي.
وهدف اللقاء إلى «البحث الجدّي في وقف الحرب والعدوان على الشعب الفلسطيني». وبحسب مصادر اطّلعت على مجرياته، فقد قدّم الجانب المصري خلاله «ورقة قريبة من تلك التي كان قد رفضها الإسرائيلي سابقاً»، في حين وعد قادة الفصائل بـ»دراستها» والردّ عليها قريباً.
ويأتي هذا فيما من المتوقّع أن يُعقد اليوم، في القاهرة، لقاء آخر مع رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن، ومدير المخابرات المصرية، لـ»التباحث في الموقف الإسرائيلي تجاه الورقة المصرية الجديدة». ويجيء تكثيف هذه التحركات في وقت أفادت فيه مصادر مطّلعة، «الأخبار»، بأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أوصل رسالة إلى الوسطاء، خلال الأيام الماضية، بأن هنالك «فرصة أخيرة» لعقد اتفاق قبل توسيع العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وبدعم من واشنطن، وأن على حركة «حماس» تقديم «تنازلات» كبيرة، وعلى رأسها «تفكيك سلاحها».
وعلى المقلب الإسرائيلي، نشر موقع «واينت» تحديثاً أمس، يفيد بأن الوسطاء المصريين والقطريين نقلوا إلى تل أبيب، خلال الساعات الأخيرة، وجود تغيّر في موقف «حماس». فبعد نحو ثلاثة أسابيع على انفجار المفاوضات في الدوحة، أبدت الحركة استعداداً للبحث في «صفقة تبادل جزئية»، الأمر الذي دفع القاهرة والدوحة إلى اقتراح العودة إلى المفاوضات.
وأثار هذا التطور نقاشاً داخلياً في تل أبيب حول كيفية التعامل مع الموقف الجديد لـ«حماس»، حيث اعتبر فريق من المسؤولين الإسرائيليين أن الحركة «ربما تناور مجدداً لخداع إسرائيل وكسب الوقت بغية تعطيل المخططات العسكرية لاقتحام مدينة غزة»، مذكّرين بسوابق مماثلة خلال جولات تفاوض سابقة. ونُقل عن مصدر في الحكومة قوله ساخراً إن «حماس أصابتها برودة في الأقدام، وفجأة تتحدث عن صفقة جزئية. لقد شاهدنا هذا الفيلم مراراً».
وفي المقابل، يرى أعضاء آخرون في فريق التفاوض الإسرائيلي أنه «لا يجوز رفض بحث صفقة جزئية يمكن أن تؤدي إلى إنقاذ أرواح نحو عشرة مختطفين». وشدّد هؤلاء على أنّ اعتماد مبدأ «الكل أو لا شيء»، لا ينسجم مع إلحاح قضية إنقاذ الرهائن، فيما أيّد رئيس «مجلس الأمن القومي»، تساحي هنغبي، «إعطاء فرصة لمثل هذه الصفقة إذا كان من شأنها إنقاذ أرواح»، بحسب تقرير «واينت».
لكنّ الخلافات ظهرت أيضاً على المستويات العليا في القيادة الإسرائيلية؛ ففيما يميل هنغبي وآخرون إلى منح فرصة لمفاوضات الصفقة الجزئية، كان رئيس «الموساد»، دادي برنياع، قد أبلغ رئيس وزراء قطر، قبل أيام قليلة، بصفته مبعوثاً من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بأن «الصفقة الجزئية باتت خارج الطاولة». أمّا نتنياهو نفسه فتجنّب الرد على أسئلة الصحافيين حول هذا الأمر في مؤتمر صحافي عقده الأسبوع الفائت.
وبحسب «واينت»، فإن وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، الذي يقود فريق التفاوض منذ نحو ستة أشهر، يعارض بدوره الصفقة الجزئية، ملمّحاً إلى أن «الولايات المتحدة تضع خطة شاملة لإنهاء الحرب وتتوقع اتفاقاً واسعاً يشمل جميع المختطفين». مع ذلك، كان وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، قد أبدى مخاوفه، خلال جلسات «الكابينت» الأخيرة، من أن نتنياهو يسعى فعلياً لصفقة جزئية، معتبراً أن «هذا ما يخطّط له».
وبالعودة إلى موقف «حماس»، أشارت مصادر «واينت» إلى أن «الحركة تراجعت عن قبول المبادرة المصرية للصفقة الشاملة، التي تضمّنت شروطاً قاسية كتفكيك السلاح، والإقصاء عن حكم غزة، وهو ما دفعها إلى طرح خيار الصفقة الجزئية»، في حين ذكرت هيئة البث الإسرائيلية «كان» أن «حماس» تجري نقاشات مع مصر في شأن استئناف المفاوضات، لكن «فرص تحقيق اختراق في القاهرة تبدو ضئيلة بسبب تركيبة الوفد». وبحسب «كان»، فإن ترؤس خليل الحيّة وفد الحركة، وبقاء القيادي البارز فيها محمد درويش في الدوحة، يعنيان أن «أي قرار جوهري لن يُتخذ في القاهرة، بل سيتطلب حضور درويش».
وفي المقابل، اتهم القيادي في حركة «حماس»، أسامة حمدان، إسرائيل بالتراجع حتى عن أفكار اقترحتها واشنطن، كانت تل أبيب قد أبدت قبولها بها سابقاً. ووصف حمدان، في تصريحات إعلامية، جولات التفاوض الأخيرة، بأنّها مجرد «محاولة لتغذية الأوهام وكسب الوقت»، معتبراً أن إسرائيل غير معنيّة بوقف إطلاق النار، وأن الإدارة الأميركية «عاجزة وغير راغبة في التحرك الجدّي».
سالي روني من عقر دار بريطانيا: أساند Palestine Action!
علي سرور
في خطوة مهمّة تواكب الغضب الثقافي في أوروبا ضد السياسات المنحازة لإسرائيل، أعلنت الروائية الأيرلندية، سالي روني، أنّها ستواصل دعمها لحركة Palestine Action، حتى بعدما جرى حظرها وتصنيفها منظمة إرهابية بموجب «قانون الإرهاب» البريطاني.
«سأظل أساند فلسطين»
أشارت روني، صاحبة الرواية الشهيرة «أناس عاديون»، في مقال نشرته صحيفة «آيرش تايمز»، أنّها تعتبر نفسها ملزمةً «أخلاقياً وإنسانياً» بالوقوف إلى جانب أكثر من 500 محتج اعتُقلوا الأسبوع الماضي في ساحة البرلمان بلندن، بعد رفعهم شعارات تندّد بالإبادة في غزة وتؤكد التضامن مع Palestine Action.
وأكدت الكاتبة البالغة 34 عاماً أنّها ستستخدم عوائد أعمالها المنشورة، بما في ذلك إيرادات نسخها المقتبسة عن «هيئة الإذاعة البريطانية» (BBC)، لتمويل أنشطة تهدف إلى مواجهة ما وصفته بـ«الإبادة الجماعية»، مضيفة «إن كان القانون البريطاني يعتبرني داعمة للإرهاب بسبب ذلك، فليكن».
كما اتّهمت روني الحكومة البريطانية بحرمان مواطنيها من أبسط حقوقهم وحرياتهم «فقط من أجل حماية علاقتها مع إسرائيل»، محذّرةً من تداعيات خطيرة على الحياة الثقافية والفكرية في المملكة المتحدة، مشيرة إلى أنّ عدداً من الكتّاب والشعراء، بينهم الشاعرة أليس أوزوالد الحائزة جائزة «تي إس إليوت»، تعرّضوا للاعتقال بسبب مواقفهم المناهضة للحرب في غزة.
تضييق متصاعد وقمع ثقافي
أثار قرار حظر Palestine Action جدلاً واسعاً، خصوصاً أنّ نصف المعتقلين الذين يواجهون الآن محاكمات قد تغيّر حياتهم هم من كبار السن، بحسب بيانات شرطة لندن. وفي مقابل الأصوات الثقافية الرافضة، دافعت وزيرة الداخلية البريطانية، يفيت كوبر، عن القرار، زاعمة أنّ المجموعة لا تقتصر على الاحتجاج السلمي وأنّ معلومات استخبارية كشفت خططاً لهجمات مستقبلية.
من جهتها، أكّدت روني، التي سبق أن رفضت ترجمة إحدى رواياتها إلى العبرية عبر ناشر إسرائيلي عام 2021 التزاماً بمبدأ المقاطعة، أنّها ستواصل استخدام منصتها الأدبية لمناصرة القضية الفلسطينية، معتبرة أنّ «الكتابة فعل مقاومة أيضاً».
تأتي هذه المواقف في وقت يواجه فيه المشهد الثقافي البريطاني اختباراً غير مسبوق، إذ يرى كثيرون أنّ تصنيف حركة تضامنية مع الفلسطينيين كمنظمة إرهابية يمثل سابقة خطيرة في خنق حرية التعبير، فيما تتواصل جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة التي أسفرت، وفق أرقام موثوقة من الأمم المتحدة، عن استشهاد أكثر من 61 ألف فلسطيني منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على غزة إلى أكثر من 62 ألف شهيد
أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم الاثنين، ارتفاع حصيلة الشهداء في القطاع إلى 62,004، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الصهيوني في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأضافت الصحة ، أنّ حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 156,230، منذ بدء العدوان، في حين لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة.
وأشارت إلى أنه وصل مستشفيات قطاع غزة 6 شهيداء، و344 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية.
كما أوضحت الصحة، أنّ حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 آذار/ مارس الماضي بعد خرق الاحتلال اتفاق وقف إطلاق النار بلغت 10,460 شهيدًا، و44,189 إصابة.
ولفتت إلى أنّ حصيلة ما وصل للمستشفيات من شهداء المساعدات خلال 24 ساعة الماضية 27 شهيدًا، و281 إصابة، ليرتفع إجمالي شهداء لقمة العيش ممن وصلوا المستشفيات إلى 1,965 شهداء وأكثر من 14,701 إصابة.
وأفادت وزارة الصحة بأن مستشفيات قطاع غزة سجّلت خلال الساعات الـ24 الماضية 5 حالات وفاة، بينهم طفلان، نتيجة المجاعة وسوء التغذية، وبذلك يرتفع العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 263 شهيدًا، من بينهم 112 طفلاً.
المقاومة تسحب ذرائع اجتياح غزة: موافقة «حمساوية» على مقترح الهدنة
أعلنت حركة «حماس»، مساء أمس، موافقتها على المقترح الأخير لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك في بيان مقتضب، أكّدت فيه أنها، إلى جانب باقي الفصائل الفلسطينية، «أبلغت ردّها الإيجابي إلى الوسيطين المصري والقطري». وجاء هذا الإعلان الرسمي بعد تداول معلومات عن موافقة أوّلية من جانب الحركة على مقترح قدّمه الوسطاء، يتضمّن وقفاً مؤقّتاً لإطلاق النار وصفقة تبادل أسرى، إلى جانب ترتيبات إنسانية وسياسية.
كما أتت الموافقة الفلسطينية في أعقاب اجتماع موسّع عُقد قبل يومين في القاهرة، وجمع قادة عدد من فصائل المقاومة، من بينها «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وشارك فيه «تيار دحلان» أيضاً، ومن الجانب المصري رئيس جهاز «المخابرات العامة»، حسن رشاد. وانضمّ، أمس، إلى تلك الاجتماعات، كل من رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن - الذي وصل إلى القاهرة في وقت سابق - والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ما رفع مستوى الضغوط للدّفع بعجلة المفاوضات.
كذلك، انضمّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى «حفلة» الضغط المتجدّد على المقاومة، بمهاجمته «حماس» ودعوته إلى«تدميرها» سريعاً، كشرط لعودة الأسرى. وذكّر ترامب بدوره السابق في إبرام صفقات مشابهة، محيلاً بكلامه هذا إلى التكتيك الذي اتّبعه في فتح باب الاتفاق أمام الحركة، في الوقت نفسه الذي يهدّدها فيه. وعلى مدى اليومين الماضيين، كثّف الوسطاء ضغوطهم على قيادة «حماس» وبقية الفصائل؛ ووفق مصادر قريبة من الوفود الموجودة في القاهرة، فقد تمّ إبلاغ الحركة بشكل مباشر بأنّ «التردّد لم يعد مقبولاً»، وأنّ المطلوب «ردّ سريع وواضح»، وهو ما أظهرت الحركة إيجابية حياله، مسلّمةً ردّها خلال ساعات.
وتوضح مصادر مطّلعة على مسار المفاوضات ومسوّدة المقترح الجديد، أنّ العرض الذي وافقت عليه «حماس»، يشمل وقفاً لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، وانسحاباً إسرائيلياً من أجزاء من غزة على مرحلتين (انسحاب حتى 1000 متر من الشمال والشرق)، وإطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين أحياء، و18 جثة، مقابل الإفراج عن 140 أسيراً فلسطينياً محكومين بالمؤبّد، و60 آخرين بأحكام تتجاوز 15 عاماً، إضافة إلى الإفراج عن جميع النساء والقاصرين من الأسرى الفلسطينيين، ودخول مساعدات إنسانية واسعة عبر «الأمم المتحدة» و«الهلال الأحمر».
كما تضمّن المقترح بدء مفاوضات لإنهاء الحرب فور دخول الهدنة حيّز التنفيذ، وبحث إمكانية تشكيل «إدارة مؤقّتة» في غزة، في وقت طرحت فيه أطراف عربية ودولية إمكانية نشر «قوات دولية أو عربية»، وهي فكرة تواجه رفضاً قاطعاً من القاهرة.
وفي هذا السياق، كشف مصدر مصري مطّلع، لـ«الأخبار»، أنّ «القاهرة لا ترى في طروحات إرسال قوات أجنبية أو عربية إلى غزة سوى محاولة لفرض أمر واقع يمسّ نفوذها في الملف الفلسطيني»، مشيراً إلى أنّ «مصر، مدعومة من قطر، تضغط في اتجاه تشكيل لجنة «إسناد مجتمعي» بإشراف السلطة الفلسطينية، لتولّي إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب». وبحسب المصدر، فإنّ «رئيس وزراء السلطة، محمد مصطفى، سيعمل على إعلان تشكيل اللجنة المطلوبة خلال الأيام المقبلة، في استجابة للضغوط المصرية».
وعلى المقلب الإسرائيلي، نقلت «القناة 12» عن مصدر دبلوماسي قوله إنّ ردّ «حماس يتطابق بنسبة 98% مع مقترح ويتكوف، الذي وافقت عليه إسرائيل في وقت سابق». وأشارت مصادر سياسية وأمنيّة إسرائيلية، بدورها، إلى أنّه «لا توجد فجوات كبيرة بين المقترح الحالي وردّ حماس»، في حين ألمحت «القناة 13» إلى أنّ مصر طلبت من وفد الحركة البقاء في القاهرة «في انتظار ردّ الحكومة الإسرائيلية».
كذلك، أوردت «القناة 12» أنّ وزير الشؤون الإستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية، رون ديرمر، أجرى مشاورات مع المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، والوسطاء القطريين، في شأن ردّ «حماس»، في حين أكّدت «هيئة البث الإسرائيلية» أنّ تل أبيب أُبلغت بأنّ «حماس لا تنوي فرض شروط إضافية من شأنها تعطيل المسار التفاوضي».
إلا أنه ليس واضحاً بعد ما سيكون عليه موقف رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو؛ إذ نقلت «القناة 12» عن مصدر سياسي إسرائيلي إشارته إلى أنّ «حماس أبدت مرونة، وإن كان نتنياهو معنيّاً بصفقة جزئية فيمكن المضي فيها»، فيما شدّد مصدر أمني على «ضرورة استنفاد مسار المفاوضات بعد أن أبدت حماس مرونة».
وكشفت «القناة 13»، بدورها، أنّ نتنياهو «سيناقش ردّ حماس رغم تصريحاته السابقة بأنه لن يناقش صفقة جزئية»، في حين نقلت «هيئة البث الإسرائيلية» عن مصدر مطّلع تأكيده أنّ «محادثات الأيام الأخيرة في شأن التوصّل إلى صفقة جزئية جرت بموافقة نتنياهو»، ونقلت عن مقرّبين من الأخير قولهم «إنه لا يستبعد صفقة جزئية لكن بشروط».
لكن في المقابل، استنفرت على الفور جوقة «اليمين المتطرّف» في تل أبيب، وتقدّمها الوزيران بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير. وأعلن هذان رفضهما «صفقة جزئية»، وطالبا بـ«استمرار القتال حتى الحسم»، وعدم منح «حماس» فرصة إعادة ترتيب صفوفها.
ووصف سموتريتش الصفقة المعروضة بأنها «تنازل عن نصف الأسرى»، وهدّد بإسقاط الحكومة إن مضى نتنياهو فيها. أمّا بن غفير، فاعتبر أي وقف للحرب «كارثة لأجيال»، وفرصة ضائعة لـ«فرض الاستسلام على حماس». أمّا «هيئة عائلات الأسرى» فطالبت نتنياهو بـ«بدء مفاوضات فورية ومتّصلة للإفراج عن جميع الأسرى»، محذّرة من تبديد فرصة جديدة قد تفضي إلى صفقة حقيقية.
اليونيفل في عامها الأخير: هل يصبح الجنوب منطقة إسرائيلية عازلة؟
فراس الشوفي
بدأت ليل أمس، النقاشات في نيويورك حول مهام قوات بعثات حفظ السلام الدولية المتبقّية في العالم. ومن أسخن الملفات التي بين يدي الدول، مهمة قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفل)، على أن يصدر القرار بخصوص البعثة خلال أسبوع.
تختلف نقاشات نيويورك حول «اليونيفيل» هذا العام جذرياً عن النقاشات التي طبعت الـ 47 عاماً الماضية، والتي تشكّل عمر مهمة القوات الأممية في لبنان، منذ دخولها لمراقبة انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد اجتياح العام 1978 والإشراف على تطبيق القرار 425.
إذ إنّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف تمويل الأمم المتحدة والضغط الإسرائيلي - الأميركي غير المسبوق لإنهاء عمل البعثة، والانقسام العمودي داخل مجلس الأمن والتباين داخل المعسكر الفرنسي - الأميركي - البريطاني، بالإضافة إلى سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ونتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان والأجواء الداخلية اللبنانية، كلها عناصر تجعل من استمرار مهمة الـ«يونيفل» بصيغتها الحالية أمراً شبه مستحيل.
يوم الجمعة الماضي، تولّت فرنسا بصفتها «حاملة القلم» في مجلس الأمن، تسويق مشروع قرار التمديد للقوة الدولية، بداية على الدول الدائمي العضوية، ثم على باقي أعضاء المجلس الحاليين لهذه الدورة. لم يبدّل الفرنسيون كثيراً في الصيغة القديمة للمشروع، إلّا لناحية توضيح حريّة الحركة للـ«يونيفل» لغوياً، في مسعى فرنسي لتخفيف الضغوط الأميركية والإسرائيلية، واستغلال الظروف الحالية لناحية قبول حزب الله بإخلاء منطقة جنوب الليطاني من الأسلحة.
إلّا أنّ هذه «المغريات» الفرنسية - الأوروبية، في ظلّ رغبة الأوروبيين، خصوصاً الفرنسيين والإيطاليين والإسبان والألمان باستمرار وجودهم العسكري في جنوب لبنان، لم تعُد تقنع الإسرائيليين الذين يبيّتون لردّ الصاع صاعين للـ«يونيفل» بعد رفضها الخروج من الجنوب في أثناء العدوان الأخير، وسعي إسرائيل إلى دفع نشاط الأمم المتحدة بعيداً عن أي من عملياتها العسكرية سواء في فلسطين أو في لبنان. وكذلك لن تغيّر شيئاً في التوجّه الأميركي الحالي لضرب الأمم المتحدة وإضعاف دورها ومؤسساتها واستهداف موظفيها، لا سيّما مع قرار وقف التمويل للمنظمة وأنشطتها، ومن ضمنها مهام الـ«يونيفل» التي يساهم الأميركيون بنحو 27% من موازنتها السنوية.
وبينما كان الموفد الأميركي إلى سوريا السفير في أنقرة توم برّاك والدبلوماسية الأميركية مورغان أورتاغوس في بيروت يستمعان إلى الموقف اللبناني المشدّد على دور الـ«يونيفل» في جنوب لبنان أمس، كشفت وسائل إعلام أميركية أنّ وزير الخارجية الأميركي مايك روبيو وافق على خطة لإنهاء عمل هذه القوة، وأنّ إدارة ترامب تعتبر الإنفاق عليها غير ذات جدوى، في مقابل الموقف الأوروبي الذي لا يزال يصرّ على أهميّة وجود الـ«يونيفل» في الجنوب.
وكانت وكالة «أسوشييتد برس» ذكرت في وقت سابق أنّ روبيو وقّع على خطة تهدف إلى تقليص عديد هذه القوة تمهيداً لإنهاء وجودها خلال الأشهر الستة المقبلة.
أكثر المتفائلين، يتوقّع أن يتمكّن الفرنسيون والدول الأعضاء الأخرى، من التوافق مع الأميركيين على تمديد المهمة لعام جديد آخر، لكنه سيكون العام الأخير. إذ إنّ الولايات المتحدة باستطاعتها التدخّل بشكل أكبر لمنع التمديد بشكل نهائي للقوة الدولية وإنهاء مهمّتها بشكل فوري، إلا أنّ الوصول إلى اتفاق على صيغة التمديد لعام واحد أخير بات الأكثر ترجيحاً، ويتقدّم الاحتمالات الأخرى، لكن طبعاً من دون الدعم المالي الأميركي.
الحديث عن استبدال الدعم الأميركي أو الحصول من الأميركيين على أموال للأمم المتحدة بطريقة مختلفة، يبدو شديد التعقيد. فجزء من الأموال التي جرى اقتطاعها من الموازنة الأميركية وكانت مخصّصة لتمويل الأمم المتحدة، تم وضعها بتصرف ترامب لصرفها في مهام دُولية، وآخر ما سيقوم به ترامب هو مساعدة الـ«يونيفل» التي ترفضها إسرائيل. فضلاًَ عن أنّ قيام الأوروبيين أو الصينيين بالتعويض عن الدعم المالي الأميركي لمهمّة القوة، عملية غير بسيطة وترتبط بمساهمات الدول الأعضاء وموازناتها وتحتاج إلى إجراءات إدارية واسعة، ما يجعلها احتمالاً غير ممكن أو شديد التعقيد ويحتاج إلى وقت وتوافق.
هذا يعني، عملياً، أنّ الـ«يونيفل» لن يكون لديها خيار بعد صدور قرار تجديد المهمّة، والموافقة على مشروع الموازنة المالية الأميركية في الكونغرس الخريف المقبل، إلّا البدء بتخفيض عديد القوة الحالية من العسكريين والمدنيين، الأجانب واللبنانيين بنسبٍ تتراوح بين 25 و35% في مختلف الوحدات والمهام. وسيشمل الاقتطاع التخلّي عن نسب معيّنة من كل التشكيلات العسكرية والكتائب العسكرية الموجودة والمناصب المدنية المخصّصة للأجانب قد تصل إلى 35%، وعدم تعيين موظفين في مناصب شاغرة أو ستشغر قريباً. بينما من المرجّح أن يتمّ العمل على إنهاء عقود 25% من الموظفين اللبنانيين في البعثة.
هذه التغييرات، تطرح تساؤلات واسعة عن طبيعة المهام التي ستقوم الـ«يونيفل» بتغييرها للتماشي مع تخفيض الموازنة والعديد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السلوك الإسرائيلي المتوقّع مستقبلاً ودور الجيش في الجنوب ومصير الملفات التقنية التي كانت تتولّاها هذه القوة طوال 50 عاماً، لناحية مراقبة الخروقات الإسرائيلية والإشراف على التفاهمات الحدودية غير المباشرة.
فالمهمة الأساسية للـ«يونيفل» هي دعم الجيش اللبناني، تمهيداً لتولّيه المسؤولية الكاملة، فكيف سيتمكّن الجيش من تخصيص عشرة آلاف جندي إضافي من الآن وحتى العام المقبل لنشرهم في الجنوب مكان القوة الدُّولية ومن أين سيأتي بالتمويل اللازم؟
كما أنّ ذلك سيضع الجيش في مواجهة مباشرة وجهاً لوجه مع جيش الاحتلال، من دون أي حضور دُولي، ومن دون الأسلحة المناسبة. أمّا السلوك الإسرائيلي المتوقّع، بعيداً عن تطمينات برّاك التي أثبتت مرات في ملفات لبنان وسورية أنها ساذجة وغير حقيقية، فيمكن استقراؤه من العدوان اليومي المستمر على لبنان جوّاً وبحراً وبرّاً، والتوسّع في نقطة جديدة في كفركلا تضاف إلى النقاط الخمس السابقة، ومنطقة عازلة متاخمة لمزارع شبعا أعلن عنها قبل أيام، واستمرار سياسة الاغتيالات والحملات الجوّية في لبنان، وكذلك الأمر في الجنوب السوري، الذي يتعرّض إلى عملية قضم يومية ممنهجة، من سفوح جبل الشيخ الشمالية قرب دمشق إلى حوض اليرموك في جنوب غرب درعا.
وفيما ينتظر اللبنانيون نتائج زيارة برّاك وأورتاغوس إلى فلسطين المحتلة اليوم، تُظهر كل المؤشرات السياسية والعسكرية في إسرائيل استمرار الضغط العسكري الإسرائيلي على مختلف الجبهات البرّية المحيطة خلال الأعوام المقبلة، في مسعى إلى تشكيل مناطق عازلة تسمح بإبعاد الأخطار نهائياً عن محيط إسرائيل.
فضلاً عن السيطرة على جغرافيا إستراتيجية حيوية وغنية بالموارد باستغلال ظروف الفوضى والهشاشة في دول الطوق، واستخدام الخرافات التوراتية التي عبّر عنها رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحلم إسرائيل الكبرى في مقابلة تلفزيونية قبل أيام. لذا، فإنّ إسرائيل الساعية للمناطق العازلة، لن يكون في صالحها بعد اليوم وجود أي قوة عسكرية في لبنان، حتى ولو كانت للأمم المتحّدة، وقد سبق أن اختصر برّاك الدور المرسوم للجيش اللبناني كـ«قوة حفظ سلام» في وجه التوسّع العدواني الإسرائيلي.
من «هزاتي» إلى غزّة: المدينة تلفظ غزاتها
يوسف فارس
غزة | تتجاوز حسابات الغزيين إزاء التهديدات الإسرائيلية باحتلال مدينة غزة، ما تعنيه عملية كهذه من دمار مادي وخراب عمراني خبروهما جيداً في كل منطقة دخلت إليها دبابات العدو. فالمدينة في وعيهم الجمعي، أكبر من العمران، فهي ما تبقّى من إرث حضاري يربط الأهالي بالمكان، وهي إرث تاريخي ضاربة جذوره في أعماق التاريخ الإنساني.
«هزاتي» أو «غادرز»، وفق ما سماها الغزاة المتعاقبون منذ أسّسها الكنعانيون في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، بقيت حتى اليوم حيّة وشاهدة على انكسار الغزاة ورحيل عصورهم المتتابعة: الفراعنة، والرومان، والبيزنطيون، والآشوريون، والعثمانيون، والإنكليز، وكل العابرين في تاريخ المدينة، الذين تركوا إرثاً حضارياً وتاريخياً، وتركوا توقيعاً على جدار الزمن، أثبت شيئاً واحداً، أن غزة تبقى لأهلها مهما عصفت بها الخطوب وحاصرتها الكوارث.
تتربّع المدينة على مساحة 56 كيلومتراً مربعاً، ووصل تعداد سكانها قبل الإبادة الجماعية إلى 677 ألف نسمة، وتتألف من عدة أحياء تاريخية وحديثة، هي الدرج، والزيتون، والتفاح، والشجاعية، والصبرة، والرمال، وتل الهوا، والنصر، والشيخ رضوان، والشيخ عجلين، وإلى الغرب منها مخيم الشاطئ للاجئين.
وخلال حرب الإبادة المستمرة منذ 22 شهراً، توغّلت الدبابات الإسرائيلية لأول مرة في مدينة غزة، في حي الرمال، في مطلع تشرين الثاني 2023، إذ حاصرت الآليات مستشفى «الشفاء» وهدمت مبنى المجلس التشريعي الفلسطيني ووصلت إلى حي الدرج في ساحة غزة، ثم تعرّضت المدينة في شهر آذار 2024 لعملية برية مفاجئة حاصر فيها جيش الاحتلال مستشفى «الشفاء» لمدة 18 يوماً، وارتكب مجازر بشعة بحق النازحين فيها.
أهل مدينة غزة يعتبرون نزوحهم عنها «خروجاً للروح من الجسد»
ومنذ بداية الحرب، توغّلت الدبابات الإسرائيلية في أحياء المدينة كافة، فيما سجّلت الأحياء الشرقية، وتحديداً الشجاعية، والزيتون، والتفاح، رقماً قياسياً في عدد العمليات البرية التي تعرّضت لها غزة؛ إذ اقتحم جيش العدو حي الزيتون 7 مرات، وحي الشجاعية 4 مرات، وحي التفاح 3 مرات، لتنتهي عملية «مركبات جدعون» الأخيرة بتدمير كلي للأحياء الثلاثة وتشريد نحو 400 ألف من سكانها، رفضوا إخلاء المدينة إلى جنوب القطاع.
وتتركّز في الأحياء الغربية للمدينة، وتحديداً الرمال، والدرج، والشيخ رضوان، ومخيم الشاطئ، أكبر نسبة من النازحين؛ إذ تقدّر الإحصائيات وجود نحو مليون نازح في غزة، يهدّد جيش الاحتلال بإخلائهم إلى الجنوب في حال بدأت عملية احتلال المدينة والسيطرة عليها.
ولسكان غزة ذكريات صعبة مع النزوح، وهم الذين خبروا تجربة التهجير التي استمرت منذ بداية الحرب وحتى هدنة 19 كانون الثاني 2025. ولذا، يتكرّر على ألسنتهم وصف النزوح بأنه «خروج للروح من الجسد»، وفق ما قاله الحاج محمد عطا، مضيفاً أن «المشكلة ليست فقط في معاناة النزوح وعذابه، بل في أننا نشعر بأننا سنودع مدينة غزة إلى الأبد. هذا العدو يدمّر كل مكان يصل إليه، وقد جرّبناه في الزيتون، والشجاعية، والتفاح، وجباليا البلد، ومخيم جباليا، وبيت لاهيا، وبيت حانون، ورفح، وخانيونس.
فقدنا ثلثي قطاع غزة، ونخشى أن نفقد المدينة. غزة هي تاريخنا وهويتنا وحضارتنا. والله نخاف عليها أكثر مما نخاف على أولادنا وأحفادنا».
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، انطلقت دعوات إلى وقف الحرب وحماية المدينة من الدمار والنزوح مجدّداً. وكتب الصحافي خالد طعيمة على صفحته في «فيسبوك»: «اتركوا وداعاتكم قبل أن تودّعكم الحياة. ودّعوا غزة كما لو كانت آخر مرة ترونها.
وانثروا أرواحكم في كل زقاق لتبقى المدينة شاهدة عليكم. ودّعوا مدينتكم بلغاتكم ولهجاتكم وأحلامكم الصغيرة، وتشبّثوا بالحياة حتى آخر نسمة من صدوركم. غنّوا أغنياتكم، وارفعوا أصواتكم حتى يسمع الركام صداه، وحتى تشهد الجدران المهدّمة أن أصحابها لم يصمتوا. ودّعوا هذا العالم الذي ارتضى الظلم، بالصمت، واصرخوا في وجه المحتل أنّكم ما زلتم تحبون الحياة، وإذا حان الأجل فنحن أهلها».
«مبتدئون من جديد»: جيش العدوّ يستجدي الخدمة العسكرية!
يحيى دبوق
في خطوة استثنائية غير مسبوقة، لها دلالاتها المرتبطة بأزمة التجنيد في إسرائيل، أَطلق جيش الاحتلال عملية سمّاها «مبتدئون من جديد»، تستهدف ما يصل إلى 15 ألفاً من المتخلّفين عن الخدمة الإلزامية، من جميع الشرائح الاجتماعية، ومعظمهم من غير «الحريديم».
وليست هذه الخطوة مجرّد حملة تجنيد إضافية، بل هي عمليّاً إعلان حال طوارئ من داخل المؤسسة العسكرية، التي لا تخفي حقيقة معاناتها نقصاً حادّاً في الجنود، وتضخماً في المهامّ الموكلة إليها وتجاوز قدراتها.
ووفقاً لما أعلنه الجيش، فإن العفو عن التهرّب من الخدمة، مشروط بمهلة حُدّدت بأيام (حتى يوم الخميس المقبل)، تمثّل «الفرصة الأخيرة» للمتهرّبين. ويشير ما تقدّم إلى أن النقص في العديد ليس استشرافيّاً، بل ملموس، وهو يُلزم الجيش باتخاذ إجراءات سريعة لسدّ النقص غير الاعتيادي. ومع ترغيب المتهرّبين بالعفو، و»باستقبالهم بذراعين مفتوحتَين، ومحو ملفاتهم الإجرامية بشكل كامل»، تشير مصادر في الجيش إلى أن مَن يتخلّف، ولا يسجّل نفسه خلال الأيام المقبلة، سيصار إلى اعتقاله، وتفعيل العقوبات المنصوص عليها في قانون التجنيد ضدّه. ويعني ذلك أن الترهيب يرافق الترغيب، بهدف واحد: الإسراع في ملء النقص في زمن الحرب، بعدما بات التهرّب ظاهرة فاقعة.
لكن، لماذا الآن تحديداً؟ لأن الحرب في غزة لا تجد نهاية لها. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، يشنّ الجيش حرباً متواصلة على القطاع، فيما خاض مواجهةً دامت أكثر من شهرين على الجبهة اللبنانية، ومن ثمّ مواجهة واسعة مع إيران، فضلاً عن استنفار وحداته ومقاتليه على الجبهة السورية ضمن عمليات دفاع وتوغّل دورية، وحفاظه على انتشار واسع على الحدود اللبنانية، خشية تصعيد لا يمكن استبعاده. وبنتيجة كل ذلك، بات الجيش الذي يعتمد على التجنيد الإلزامي والاحتياط، يعيش حالياً أصعب فتراته منذ إنشاء إسرائيل، والتي تجلّيها الحقائق التالية:
- آلاف القتلى والجرحى والمعوّقين؛
- مئات الآلاف من جنود الاحتياط، تمّ تجنيدهم لأكثر من 10 أشهر؛
- مؤسسات مدنية وأهلية تتهاوى بسبب النقص في مشغّليها وعمالها وموظفيها؛
- ازدياد متواصل في عدد المتخلّفين عن الخدمة العسكرية، والذي تحوّل إلى ظاهرة، على الرغم من استمرار القتال على أكثر من جبهة؛
- تقدير الجيش أن عدد المتخلّفين سيصل إلى عشرات الآلاف خلال سنة ونصف سنة فقط، وهو رقم كارثي في دولة صغيرة نسبياً، تعتمد على جيش احتياطي كبير جداً، وليس نظاميّاً.
وبحسب تقديرات الجيش، فإن أرقام المتهرّبين من الخدمة تهدّد قدرة إسرائيل على الصمود في حرب متعدّدة الجبهات، خصوصاً أن التهرّب من التجنيد أو رفضه، تحوّل من «استثناء» إلى ظاهرة اجتماعية متغلغلة جداً لدى ما يقرب من خُمس الإسرائيليين، وهو عدد كبير جداً.
أيضاً، لم يَعُد التهرّب «عيباً» أو فعلاً شائناً يُعمل على إخفائه، بل بات علنيّاً، وتُساق له مبرّراته الدينية والعقائدية، والتي تنعكس في تظاهرات ضخمة وحرق أوراق الاستدعاء إلى الخدمة الإلزامية، وشعارات من مثل «نموت ولا نتجنّد».
مع ذلك، وهنا المفارقة، فإن الجيش لا يستهدف من هذا الإجراء، «الحريديم»، بل الفئة التي تلتزم عادةً بالخدمة الإلزامية ولا تتهرّب منها، ما يعني أن ظاهرة الرفض تنامت وتوسّعت لتتجاوز «الحريديم»، الرافضين تقليديّاً للتجنيد. وتُظهر معطيات الجيش، أن العملية الجديدة تشمل «شباناً وشابات من الطبقات المتوسطة والفقيرة، ممّن يتخلّفون عن الخدمة في زمن الحرب»، في حين كشفت مصادر في المؤسسة العسكرية عن خطّة تجنيد تستهدف «الشباب اليهودي في الشتات»، خصوصاً في الولايات المتحدة وفرنسا، ممن تُراوِح أعمارهم بين 18 و25 عاماً، بهدف حثّهم على القدوم إلى إسرائيل والانضمام إلى الجيش. وتشير التقديرات الأولية إلى أن القابلية التجنيدية في الشتات تصل إلى أكثر من 10 آلاف شاب سنويّاً، وهو رقم يفوق ما يُمكن تجنيدُه من المتخلّفين داخل إسرائيل.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة «إبداعية» وتبحث عن حلول «خلّاقة»، فإنها تُظهر عجز الجيش عن إصلاح الخلل داخليّاً، إلى درجة أنه بدأ التفكير في حلول خارج الحدود، وهو ما يثير شكوكاً في مستقبل «دولة» باتت تعتمد على متطوّعين أيديولوجيين من الخارج، بينما يتهرّب «مواطنوها» من الخدمة.
في الوقت نفسه، جدّد الجيش عروضه لـ»الحريديم»، لدفعهم إلى الالتحاق بالخدمة ضمن ظروف خاصة بهم: وحدات منفصلة غير متداخلة مع تلك العسكرية الاعتيادية، وطعام حلال وفقاً للشريعة اليهودية، وبيئة خالية من «الثقافات المارقة غير المتديّنة»، وكذلك لباس خاص لا يخالف الشريعة، وغيرها الكثير؛ ما يعني أن إسرائيل باتت تقترب من فكرة دولة بجيوش متعدّدة، وفقاً للشرائح الاجتماعية فيها، وأن الجيش بات هو الذي يتكيّف مع أهواء رافضي الخدمة.
والأهمّ، أن الخطوة المُشار إليها، بتشعّباتها، تُعدّ إعلان حال طوارئ من داخل الجيش، يمكن ربطه خصوصاً بالقرارات المتصلة بالحرب، وتحديداً قرار احتلال مدينة غزة الذي رفضه الجيش ابتداءً، وإنْ رضخ لإرادة المؤسسة السياسية لاحقاً. بتعبير آخر، يطلق الجيش «نداء استغاثة» إلى السياسيين، ضمن إجراءات أخرى يعمد إليها للتأثير في القرارات المطلوب منه تنفيذها، والتي يراها مبنيّة على أجندات أيديولوجية ومصالح شخصية.
أكبر مؤتمر جماهيري في مسار الحراك العالمي ضد إسرائيل: ستبقى «غزة بوصلة» الأحرار
تحت شعار «غزة هي البوصلة» تستعد مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان الأميركية لاحتضان أكبر مؤتمر جماهيري من أجل فلسطين بين 29 و31 أغسطس (آب) الحالي، في حدث يُتوقع أن يشكل محطة مفصلية في مسار الحراك العالمي المناصر للقضية الفلسطينية.
توقيت المؤتمر
يأتي انعقاد المؤتمر في لحظة مصيرية وغير مسبوقة من عمر النضال الفلسطيني. بينما تستشرس آلة الإبادة الصهيونية في غزة بمجازرها المتواصلة، وتتسارع مشاريع التطهير العرقي في الضفة الغربية، يتكشّف الانهيار الكامل للمنظومة الدولية، ويتعمّق التواطؤ الرسمي العربي والخذلان الشعبي المخزي. في المقابل، تشهد الساحة الأوروبية والأميركية انقلاباً واضحاً في السردية، إذ باتت الرواية الفلسطينية أكثر حضوراً وتأثيراً، فيما تمرّ الصهيونية بأزمة عميقة في قلب جغرافيتها التاريخية في الغرب.
هذا التحول يُعزى إلى الجهد المتصاعد للحراك العالمي خلال الأشهر العشرين الماضية، مدفوعاً بمشاهد الجرائم اليومية التي هزّت الضمير الإنساني.
في هذا السياق، يقام المؤتمر الجماهيري الثاني كاستجابة مباشرة لمحاولات الترهيب والتجريم التي تقودها الصهيونية والإدارة الأميركية. فالولايات المتحدة لا تكتفي بتورطها العسكري والسياسي في حرب الإبادة ضد غزة، بل تواصل أيضاً استهداف الناشطين والمؤسسات التضامنية عبر الاعتقالات والحملات الأمنية. ومن هنا، يحمل المؤتمر رسالة واضحة: النضال من أجل فلسطين لن يُكسر مهما كانت الظروف.
النسخة الجديدة
النسخة الأولى من المؤتمر عُقدت في أيار (مايو) العام الماضي، بمشاركة قرابة 3500 ناشط وممثل عن منظمات شبابية وشعبية من مختلف الولايات، وأسفرت عن تأسيس إطار تنسيقي أطلق فعاليات فلسطينية مشتركة على مستوى أميركا. هذا النجاح، إلى جانب الحملة العالمية ضد شركة «ميرسك»، وضع المؤتمر على الخريطة الدولية كإحدى أبرز محطات التضامن مع فلسطين، ومهّد لانعقاد نسخة هذا العام بزخمٍ أكبر.
سيكون برنامج هذا العام أكثر شمولاً، إذ يتضمن كلمات لقيادات فلسطينية وناشطين من الداخل والشتات، إلى جانب جلسات حوارية وورشات عمل عملية حول الحملات الجارية والمشاريع المقبلة لدعم غزة ومناهضة الاستعمار الصهيوني.
كما يتخلله برنامج ثقافي واسع يعكس التراث الفلسطيني، بهدف ربط الأجيال الجديدة بجذورها وتعزيز الذاكرة الجماعية. ومن المتوقع أن يتجاوز عدد المشاركين هذه المرة سقف النسخة الماضية، بحضور جماهيري أكبر من مختلف الولايات الأميركية ووفود تضامنية دولية، ليغدو المؤتمر إحدى أضخم الفعاليات العالمية المكرسة لفلسطين.
انعقاد المؤتمر الجماهيري الثاني من أجل فلسطين هو بمثابة دعوة مفتوحة لكل أحرار العالم: لكل من يرفض الإبادة، ويقف ضد الاحتلال، ويؤمن بالعدالة والحرية. من ديترويت، سيرتفع الصوت موحداً ليؤكد أنّ فلسطين ستبقى حاضرة في الوجدان، وأن دماء الشهداء لن تذهب هدراً، وأن النضال سيستمر حتى التحرير والعودة.
نصفهم في غزة... 383 عامل إغاثة لدى «الأمم المتحدة» قتلوا خلال 2024
أعلنت الأمم المتحدة أن 383 عامل إغاثة قتلوا في العام 2024، نصفهم تقريباً في قطاع غزة، معتبرة أن هذا المعدل القياسي يشكل «إدانة مخزية» يجب أن تؤدي لوضع حد «للإفلات من العقاب».
وأوضحت المنظمة الدولية لمناسبة «اليوم العالمي للعمل الإنساني»، أن حصيلة 2024 زادت بنسبة 31% عن العام السابق، مشيرة إلى أن ذلك «يعود الى الصراع المتواصل في غزة حيث قُتل 181 عاملاً إنسانياً، وفي السودان حيث فقد 60 شخصاً حياتهم».
وأشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في بيان إلى أن «العنف ازداد ضد عمال الإغاثة في 21 دولة في عام 2024 مقارنة بالعام السابق، والجهات الحكومية كانت هي الأكثر مسؤولية».
ورأى أن «الرقم القياسي الجديد الصادم الذي بلغ 383 عامل إغاثة قُتلوا في عام 2024 يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار لحماية جميع المدنيين في النزاعات والأزمات، ولإنهاء الإفلات من العقاب».
وإضافة إلى الحصيلة القياسية للقتلى في 2024، أفاد المكتب «بإصابة 308 من العاملين في المجال الإنساني، واختطاف 125 واعتقال 45 آخرين في نفس العام».
وأشار بيان «أوتشا» إلى أن غالبية القتلى من عمال الإغاثة كانوا من الموظفين المحليين، وتمت مهاجمتهم أثناء تأدية وظيفتهم أو تواجدهم في منازلهم.
وأفاد بأن الأشهر الأولى منذ سنة 2025 «لم تظهر أي مؤشر على تراجع هذا الاتجاه المقلق» في التعرض لعمال الإغاثة. وبحسب أرقام المنظمة الدولية، قتل 265 عامل إغاثة في العالم حتى 14 آب.
من جهتها، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنها دققت بأكثر من 800 اعتداء على الخدمات الصحية في 16 منطقة حتى الآن هذه السنة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1110 عمال في المجال الصحي ومرضى، وإصابة المئات.
وشددت على أن «كل اعتداء يلحق أذى مديداً، ويحرم مجتمعات بكاملها من العناية المنقذة للحياة وهي في أمسّ الحاجة إليها، ويهدد مقدمي الرعاية الصحية ويضعف أنظمة صحية منهكة».
وتحيي الأمم المتحدة اليوم العالمي للعمل الإنساني في 19 آب من كل عام، في ذكرى مقتل 22 شخصاً من العاملين في مجال الإغاثة بينهم الممثل الخاص للأمين العام للمنظمة سيرجيو فييرا دي ميلو، في هجوم على فندق القناة في بغداد عام 2003.
باسم «نفيه هبشان»... إسرائيليون يحاولون إقامة بؤرة استيطانية جديدة في سوريا
أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي «أحبط» محاولة إقامة بؤرة استيطانية في سوريا، بعدما عبر أشخاص السياج لإقامة مستوطنة جديدة.
وبحسب قناة «i24news» الإسرائيلية، فقد عبرت مجموعة من العائلات القادمة من مستوطنات الضفة الغربية الحدود نحو سوريا مقابل مستوطنة «ألون هبشان» التي أُقيمت في الجولان المحتل عام 1981، بهدف إقامة مستوطنة جديدة باسم «نفيه هبشان».
وأضافت القناة أن قوة من الفرقة 210 في جيش الاحتلال هرعت إلى الموقع بعد بلاغ في المنطقة، وأخرجت المتسللين من المكان، ثم جرى تحويلهم إلى التحقيق لدى الشرطة. وكان المنظمون يعتزمون البقاء هناك فترة طويلة مع أطفالهم.
وأكد المنظمون الذين يطلقون على أنفسهم اسم «روّاد هبشان» (باشان هو الاسم التوراتي للجولان السوري المحتل) أن الخطوة نُفّذت كمبادرة خاصة ومن دون أي دعم خارجي.
وقال المستوطنون إنّه «من الممكن أن تتوفر في المستقبل فرصة للحصول على دعم لعملية الاستيطان في منطقة هبشان».
وجاء في بيان لجيش الاحتلال حول الحادثة: «في وقت سابق اليوم تلقينا بلاغاً عن عدة مركبات بداخلها مواطنون إسرائيليون اجتازوا السياج الحدودي إلى داخل الأراضي السورية (...) قوات الجيش التي كانت في النقطة أعادت المواطنين بعد وقت قصير بأمان إلى داخل إسرائيل، واستُدعوا للتحقيق».
وتأتي هذه الحادثة في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاته داخل الأراضي السورية، وكان آخرها التوغّل في ريف القنيطرة، حيث أطلق الجنود الرصاص على دراجات نارية وفتّشوا المنازل.
رشيد الحداد
صنعاء | لوّحت حكومة صنعاء بردٍّ عسكري مفتوح على إسرائيل، بعد العدوان الذي طاول محطة كهرباء حزيز في العاصمة وأدّى إلى خروجها جزئياً عن الخدمة. وكانت ردّت القوات المسلحة اليمنية، أوّلياً، على ذلك العدوان، باستهداف مطار بن غورون في تل أبيب بصاروخ باليستي فرط صوتي من طراز «فلسطين 2»، وفقاً للمتحدّث باسْمها، العميد يحيى سريع.
وجاء ذلك بعدما أعلن جيش الاحتلال، فجر أمس، تنفيذ قواته البحرية عدواناً جديداً استهدف بنى تحتية خاصة بالطاقة في صنعاء، مشيراً إلى استخدامه في العملية صاروخين أُطلقا من بارجة تابعة له.
وعن الردّ الصاروخي اليمني، قالت وسائل إعلام عبرية إنّ جيش الاحتلال أغلق المجال الجوي بعد رصده صاروخاً باليستياً قادماً من اليمن، في حين أظهرت مشاهد فيديو تناقلها مستوطنون هواة، حالة رعب واسعة داخل مطار بن غوريون، بالإضافة إلى تفعيل صافرات الإنذار في مناطق واسعة من فلسطين المحتلة.
وعلى إثر ذلك، توقّعت مصادر عسكرية في صنعاء، في تصريحات إلى «الأخبار»، تنفيذ عمليات مكثّفة جوية وبحرّية قد تطاول مصدر الهجوم الاسرائيلي الأخير، بالإشارة الى استهداف بوارج العدو في منطقة إيلات، فيما أكّد رئيس حكومة صنعاء، أحمد الرهوي، في تعليق له على العدوان، أنّ استهداف البنى التحتية والأعيان المدنية لن يؤثّر على عمليات الإسناد اليمني لقطاع غزة. ووجّهت وزارة الخارجية، بدورها، رسالة احتجاج إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن اعتبرت فيها أنّ «العدوان الإسرائيلي الأخير سيدفع نحو مزيد من التصعيد البحري في البحر الأحمر، ويجعل الردّ اليمني مفتوحاً بكافة الخيارات التي قد تشمل تداعياتها المجتمع الدولي بأسره».
ووصف مراقبون، من جهتهم، الهجوم الإسرائيلي على محطة الكهرباء التي لا تتجاوز طاقتها التوليدية 50 ميغاوات، بأنه عملية استعراضية لا أكثر لحفظ ماء الوجه في ظلّ استمرار الضربات اليمنية على الكيان، مشيرين إلى اعتراف العدو بتعرّضه لنحو 70ضربة صاروخية في 5 أشهر، بواقع صاروخ كل 48 ساعة.
مع ذلك، توعّد وزير الحرب الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، مجدّداً بتدفيع «الحوثيين» ثمناً مضاعفاً، محاولاً تصوير العدوان على محطة الكهرباء على أنه فرض «حصار بحري وجوّي» على صنعاء.
الحَراك الإسرائيلي على مفترق طرق: نحو انتظام سياسي بوجه نتنياهو؟
يحيى دبوق
شهدت إسرائيل، أمس، حراكاً احتجاجياً واسعاً، شلّ حركة الطرق جزئياً، وأوقف نشاط عشرات المؤسسات، في دلالة على الغضب المتصاعد من إخفاق الحكومة في استرجاع الأسرى من قطاع غزة، بعد ما يقرب من عامين من الحرب. على أنه ما يزال من غير الواضح بعد ما إذا كانت تلك الاحتجاجات واسعة النطاق كافية لفرض تغيير في مسار حكومة لديها مشروع تتمسك به بقوة، ولا تبدي أي استعداد للتراجع عنه بسهولة.
وشهدت التحركات، هذه المرة، حضوراً وازناً، شمل الآلاف من المشاركين في تل أبيب والقدس وحيفا وبئر السبع، وتخلّلها إغلاق طرق رئيسية. كما حظيت بدعم واسع من القطاع الخاص، بعدما أغلقت الجامعات أبوابها أو سهلت الالتحاق بالفاعليات الاحتجاجية على اختلافها، في ممارسات انسحبت أيضاً على عدد من النقابات العمالية والمطاعم والبلديات.
وعلى هذا النحو، مثّل «يوم الغضب» أحد أكبر التعبيرات الجماعية عن الرفض الداخلي لسياسات الحكومة في ملف الأسرى، فيما تبقى قدرته على إحداث تغيير فعلي مشروطة بجملة من العوامل التي لم تتحقق بعد، وعلى رأسها استمرارية الحراك وتوسع قاعدته لتشمل قطاعات جديدة، خصوصاً الجيش والاقتصاد والنقابات الكبرى، جنباً إلى جنب بروز قوة سياسية قادرة على توجيهه.
ولعلّ من أبرز العوامل التي تقوّض قدرة الشارع على فرض تغيير في مسار حكومة الاحتلال، هو كون الائتلاف الحاكم لا يكترث بإرضاء الجمهور، بقدر تمسكه بتطبيق أجندة أيديولوجية محددة، ما يدفعه إلى العمل من أجل الحد من الحركات الاعتراضية أو إنهائها. كما إن الحكومة الحالية، التي تشعر بتهديد متزايد لوجودها، تشعر أن تراجعها في هذه اللحظة بالذات، سيعدّ نوعاً من «التنازل تحت الضغط» الذي سيمهّد لانهيارها لاحقاً، وهو ما يجعلها مستعدة لدفع الأثمان الباهظة على اختلافها، بدءاً من تفاقم الانقسام الداخلي وتصاعد الاتهامات بالتسبب في قتل الأسرى، وصولاً إلى الإدانات الدولية المتصاعدة، وفقدان الشرعية تدريجياً، في الداخل والخارج على حدّ سواء.
ومن هنا، لم تردّ حكومة بنيامين نتنياهو على الاحتجاجات بإطلاق دعوة إلى التفاوض، بل ركّزت، في المقابل، على شيطنة التحركات وتجريمها؛ إذ رأى وزير المالية، بتسئيل سموتريتش أن الحركة الاعتراضية «فشلت»، نظراً إلى أن «عدداً صغيراً من الإسرائيليين لبوا الدعوات» إليها، واصفاً المحتجين بـ«الخونة». واعتبر سموتريتش أن «المحتجين يقوّضون الأسرى، ويعملون لصالح حماس»، فيما اتهمهم وزراء آخرون بإثارة «الفوضى وإحراق الدولة ومساعدة العدو».
خيارات مفتوحة
بناءً على كلّ ما تقدّم، يقدّر مراقبون أن ما يحصل في الداخل الإسرائيلي اليوم لا يقاس بحجمه، بل بما سيليه؛ إذ إنه في حال انضمت قطاعات جديدة إلى الاحتجاجات، من مثل الجنرالات المتقاعدين ونقابات العمال الكبرى أو «الهستدروت» والشركات الكبرى، فقد يولّد ذلك ضغطاً حقيقياً، يُجبر الحكومة على التفاوض. أما إذا تراجعت الاحتجاجات بعد اليوم، وانتهى الزخم، فستُقرأ كحدث عابر، بل قد تأتي حتى بنتائج عكسية تدفع الحكومة إلى تعزيز العمل على تنفيذ أجندتها، على ضوء استنتاجها أن الأثمان التي تدفعها ما تزال مقبولة.
وإلى الآن، لا تقف خلف الاحتجاجات قوى سياسية معارضة منظمة، ما يخلق نوعاً من الفراغ السياسي في أوساطها؛ إذ إنّ بني غانتس ويائير لابيد بعيدان من الإمساك بزمام الأمور، وكل منهما يرفض منح الآخر حق القيادة. كما يُسجل غياب أي خطة بديلة، أو طرح إستراتيجي للحرب وللمرحلة التي ستليها.
وعليه، ما يزال الحراك الاحتجاجي أقرب إلى تعبير عن رفض مبنيّ على قضية الأسرى حصراً، من كونه يحمل مشروعاً سياسياً. على أن ما تقدّم لا يعني أن الاحتجاجات غير فاعلة، بل هي تعتمد على ما سيليها، وما إذا كانت ستشكل مقدّمة لحراك مختلف عن سوابقه.
المفاوضات غطاءً للتصعيد: العدو يتحضّر لاجتياح غزة
يوسف فارس
غزة | يمارس جيش الاحتلال، ومن خلفه منظومة الدعاية الإسرائيلية، منذ أسبوعين، أعلى مستويات الحرب النفسية تجاه سكان مدينة غزة وشمالها، وذلك عبر الإغراق في التفاصيل الدقيقة والخطوات التفصيلية لعملية احتلال المدينة. ففي الأيام الثلاثة الماضية، نشر ضباط وقادة في جيش الاحتلال، بشكل رسمي، تصريحات عدّة ذات صلة بخطط احتلال المدينة، آخرها تمثّلَ بالإعلان عن البدء في إدخال كميات كبيرة من الخيام والبنى التحتية عبر معبر كرم أبو سالم، لإقامة مخيمات إنسانية لإخلاء سكان غزة وشمال القطاع إليها.
ووفقاً لما نشره الإعلام العبري، فإنّ المنطقة التي جرى إعدادها لاستقبال مليون نازح من شمال وادي غزة، هي جنوب محور «موراغ»، أي مدينة رفح المحاصرة بمحورَي «موراغ» و«فلادلفيا»، وهي مساحة محاصرة تنشط فيها مجموعات «أبو شباب» العميلة. أيضاً، قالت مصادر عبرية إنّ رئيس الأركان، إيال زامير، وافق على الخطط التفصيلية لاحتلال المدينة، وإنه من المتوقّع أن يُطلع وزير الجيش، يسرائيل كاتس، عليها قبل عرضها على كابينت الحرب في نهاية الأسبوع للحصول على الموافقة النهائية.
وفي السياق، نشرت صحيفة «ريشت كان» تقريراً للصحافي سليمان مسودة، ذكر فيه أنّ رئيس الأركان شارك في نقاش مع مسؤولين في «هيئة شؤون الأسرى» لمحاولة تقليل الأخطار التي يمكن أن تلحق بالأسرى الذين تحتفظ بهم المقاومة في مدينة غزة. ولأجل هذا، يُعقد يوم دراسي للضباط الميدانيين برتبة عقيد فما فوق، من الذين تتوقّع مشاركتهم في عملية احتلال المدينة.
وشارك الصحافي الإسرائيلي معلومات تفصيلية أخرى عن خطّة إخلاء سكان غزة التي ستُعرض على الأميركيين، وتتضمّن عدة مراحل عملياتية تبدأ بالجهد الإنساني المتمثّل ببناء مجمّعات إنسانية جنوب القطاع، تشمل بنى تحتية أساسية وخياماً وماء وعيادات طبية، ثم تنتقل إلى إخلاء واسع للسكان بعد أسبوعين على الأقل، لتنطلق عقب ذلك المناورة البرّية وعملية تطويق المدينة مع الاستمرار في إخلاء السكان. وفي وقت لاحق، تبدأ العملية البرية باحتلال مدينة غزة تدريجياً بموازاة ضربات جوّية مكثّفة، مع توقّع أن يتواصل الهجوم لأربعة أشهر.
ويقول مسودة في تصريح آخر، إنّ مصدراً سياسياً أخبره بأنّ إسرائيل نقلت رسالة تهديد إلى الوسطاء ليمرّروها إلى حركة «حماس»، مفادها أنه إذا لم تعد الحركة إلى طاولة المفاوضات، فإنّ المرحلة الأولى من عملية احتلال غزة ستبدأ في وقت قريب. هذا التناقض يضع الغزّيين في حالة من الإنهاك النفسي، لا سيّما أنهم شاهدوا خلال 22 شهراً من الحرب، كيف تتحوّل التهديدات والخطط المعلنة والمضمرة إلى وقائع على الأرض، خصوصاً بعد حصار شمال غزة قبيل هدنة كانون 2025، حيث يُعتبر حصار مخيم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون في شمال غزة، وما تخلّله من مجازر ارتكبها جيش العدو هناك بحق الأهالي الذين رفضوا النزوح، واحدة من أبشع التجارب.
وإذ يستذكر الأهالي حكايات الشهداء الذين أكلت جثامينهم الكلاب الضالّة، والضحايا الذين قضوا بعدما حوصروا لأسابيع تحت الركام من دون أن يستطيع أحد إنقاذهم، فإنّ كل تلك الجرائم تحضر الآن في قرار النزوح من عدمه، علماً أنّ الناس باتوا يفضّلون كل أنواع العذابات التي عاشوها في الحرب على النزوح، خصوصاً أنهم لم يتجاوزوا بعد ويلات التجربة التي أمضوها على مدى 15 شهراً في جنوب القطاع. ورغم أنّ أكثرهم عادوا ونزحوا داخلياً في غرب مدينة غزة بعد عملية «مركبات جدعون»، فإنهم الآن أقرب ما يكونون إلى الأحياء التي هُجّروا منها.
ويقول أبو محمد سامي، لـ«الأخبار»، إنّ «النزوح قطعة من العذاب، وموت بطيء. أنا مهجّر من حي الشجاعية، وبيتي مدمّر، لكنني بالقرب من الشجاعية أشعر بالأنس. أكثر الناس ليس لديهم من أموال للنزوح. فالنزوح ليس عذاب الطريق فقط. يجب أن تبدأ من الصفر بتأسيس مكان يؤويك. وفي جنوب القطاع كلّه لا يوجد متر مربع واحد خالٍ. أنا أفضّل الموت على النزوح».
وعلى المستوى السياسي، تجتمع فصائل المقاومة الفلسطينية في القاهرة، حيث علمت «الأخبار» من مصادر فصائلية أنّ الوسطاء عرضوا المطالب والاشتراطات الإسرائيلية لوقف الحرب، وهي نزع سلاح المقاومة وإبعاد القيادات العسكرية والسياسية وتسليم جميع الأسرى الأحياء والأموات، مع احتفاظ جيش الاحتلال بـ25% من مساحة القطاع والسيطرة الأمنية المستدامة عليه وتشكيل حكومة ليست من «حماس» ولا من «فتح» تقبل بالعيش بسلام مع إسرائيل. ووفقاً لمصادر «حمساوية» تحدّثت معها «الأخبار»، فإنّ رئيس وفد الحركة، خليل الحية، قال إنّ الحركة تشترط وجود مسار سياسي ودولة فلسطينية للقبول بإلقاء السلاح.
بالنتيجة، وبالاستناد إلى تجربة 22 شهراً من الحرب، تتعامل إسرائيل مع جولات التفاوض، على أنها غطاء للعمل العسكري الميداني؛ إذ لم يسبق أن نُفّذت عملية كبرى تُحدث ضجّة في الرأي العام الدولي وتنتهك فيها إسرائيل القوانين الدولية والإنسانية، من دون وجود مسار تفاوضي يأخذ حصّة من التركيز الإخباري ويوفّر غطاءً للجريمة.
انزعاج مصري من محاولات خليجية لتفريق الفلسطينيين
القاهرة | عشية زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد مصطفى، للجانب المصري من معبر رفح، اليوم، بهدف تفقّد عملية إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، شهدت القاهرة لقاءات مكثّفة بينه وبين المسؤولين المصريين المعنيّين بملف المفاوضات، وهو ما تراه القاهرة استكمالاً لمسار النقاشات التي أجريت مع وفد حركة «حماس» الأسبوع الماضي، بحسب مصادر دبلوماسية تحدّثت إلى «الأخبار». وتركّزت المباحثات على الترتيبات المرتبطة بـ«اليوم التالي»، وسط تمسّك رام الله بمواقف «متحفّظة»، ترى القاهرة أن «تجاوز بعضها ضروري للوصول إلى نقاط تلاقٍ تخدم القضية الفلسطينية وتمنع المحاولات الإسرائيلية لمنع إقامة الدولة الفلسطينية».
وفي الاستقبال الرسمي لمصطفى، كرّر رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، مواقف بلاده «الداعمة لوحدة الأراضي الفلسطينية تحت قيادة السلطة»، في حين أثنى الأول على ما سمّاه «الموقف المصري الصلب والمعارض للتهجير»، والذي «لولاه لما كنا نتحدث اليوم عن القضية الفلسطينية»، في ما عُدّ نوعاً من المغازلة للجانب المصري.
وجاءت تصريحات مصطفى بعد وقت قصير من إصدار الخارجية المصرية بياناً جديداً حول مخططات تهجير الفلسطينيين، جدّدت فيه رفضها أي مشروع تهجير، سواء كان قسرياً أو «طوعياً». وأكّد البيان أن القاهرة لن تسمح بتمرير مثل هذه المخططات، فيما تضمّن إشارة لافتة إلى اتصالات أجرتها مصر مع دول طُرحت كوجهات محتملة للمهجّرين، أبرزها جنوب السودان، التي نفت رسمياً أي استعداد لاستقبال الفلسطينيين.
وشدّد البيان المصري على أن أي مشاركة في هذه المخططات ستُعدّ «جريمة حرب وتطهيراً عرقياً يخالف القانون الدولي، ويمثّل خرقاً واضحاً لاتفاقيات جنيف الأربع»، داعياً الدول «المحبة للسلام» إلى النأي بنفسها عن التورط في هذه المشاريع، محذّراً من عواقب سياسية وقانونية قد تطاول الأطراف المشاركة.
وتزامن صدور البيان مع تقارير لوكالات وصحف أميركية عن محاولات إسرائيلية لاستطلاع مواقف دول من مثل ليبيا وأرض الصومال وسوريا وغيرها في شأن استقبال أهالي غزة. وفي السياق، تشير المصادر إلى أن «ردود هذه العواصم جاءت رافضة»، وهو ما تعتبره القاهرة «سنداً إضافياً للموقف المصري المتمسّك بأن بقاء الفلسطينيين في غزة أمر مهم ليس فقط لإقامة الدولة الفلسطينية ولكن لضمان تأمين الحدود المصرية».
في موازاة ذلك، حذّرت مصادر مصرية من الانجرار وراء محاولات أطراف عربية، بينها الرياض وأبو ظبي، لإبراز خلافات بين «حماس» والفصائل في شأن مستقبل غزة. وأكّدت المصادر أن الخلافات «غير موجودة»، وأن هذه المساعي تصبّ في خانة «تعميق الانقسام»، لافتة إلى أن «القاهرة طالبت الدوحة بالتدخل لإقناع البلدين بتعديل مواقفهما لجهة تقريب وجهات النظر وليس تفريقها».
تضارب حول نتائج لقاءات القاهرة: فرص الصفقة الجزئية لم تَمت
انعقد في القاهرة، أمس، لقاء جمع رئيس جهاز «المخابرات العامة» المصرية، حسن رشاد، وقادة وممثّلين عن الفصائل الفلسطينية. وحضر اللقاء رئيس حركة «حماس» في غزة، خليل الحية، ووفد من قيادة الحركة، والأمين العام لـ»الجهاد الإسلامي» زياد النخالة، ونائب الأمين العام لـ»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» جميل مزهر، والأمين العام لـ»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» طلال ناجي، إضافة إلى ممثّل عن القيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان، وهو سمير المشهراوي.
وهدف اللقاء إلى «البحث الجدّي في وقف الحرب والعدوان على الشعب الفلسطيني». وبحسب مصادر اطّلعت على مجرياته، فقد قدّم الجانب المصري خلاله «ورقة قريبة من تلك التي كان قد رفضها الإسرائيلي سابقاً»، في حين وعد قادة الفصائل بـ»دراستها» والردّ عليها قريباً.
ويأتي هذا فيما من المتوقّع أن يُعقد اليوم، في القاهرة، لقاء آخر مع رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن، ومدير المخابرات المصرية، لـ»التباحث في الموقف الإسرائيلي تجاه الورقة المصرية الجديدة». ويجيء تكثيف هذه التحركات في وقت أفادت فيه مصادر مطّلعة، «الأخبار»، بأن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أوصل رسالة إلى الوسطاء، خلال الأيام الماضية، بأن هنالك «فرصة أخيرة» لعقد اتفاق قبل توسيع العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وبدعم من واشنطن، وأن على حركة «حماس» تقديم «تنازلات» كبيرة، وعلى رأسها «تفكيك سلاحها».
وعلى المقلب الإسرائيلي، نشر موقع «واينت» تحديثاً أمس، يفيد بأن الوسطاء المصريين والقطريين نقلوا إلى تل أبيب، خلال الساعات الأخيرة، وجود تغيّر في موقف «حماس». فبعد نحو ثلاثة أسابيع على انفجار المفاوضات في الدوحة، أبدت الحركة استعداداً للبحث في «صفقة تبادل جزئية»، الأمر الذي دفع القاهرة والدوحة إلى اقتراح العودة إلى المفاوضات.
وأثار هذا التطور نقاشاً داخلياً في تل أبيب حول كيفية التعامل مع الموقف الجديد لـ«حماس»، حيث اعتبر فريق من المسؤولين الإسرائيليين أن الحركة «ربما تناور مجدداً لخداع إسرائيل وكسب الوقت بغية تعطيل المخططات العسكرية لاقتحام مدينة غزة»، مذكّرين بسوابق مماثلة خلال جولات تفاوض سابقة. ونُقل عن مصدر في الحكومة قوله ساخراً إن «حماس أصابتها برودة في الأقدام، وفجأة تتحدث عن صفقة جزئية. لقد شاهدنا هذا الفيلم مراراً».
وفي المقابل، يرى أعضاء آخرون في فريق التفاوض الإسرائيلي أنه «لا يجوز رفض بحث صفقة جزئية يمكن أن تؤدي إلى إنقاذ أرواح نحو عشرة مختطفين». وشدّد هؤلاء على أنّ اعتماد مبدأ «الكل أو لا شيء»، لا ينسجم مع إلحاح قضية إنقاذ الرهائن، فيما أيّد رئيس «مجلس الأمن القومي»، تساحي هنغبي، «إعطاء فرصة لمثل هذه الصفقة إذا كان من شأنها إنقاذ أرواح»، بحسب تقرير «واينت».
لكنّ الخلافات ظهرت أيضاً على المستويات العليا في القيادة الإسرائيلية؛ ففيما يميل هنغبي وآخرون إلى منح فرصة لمفاوضات الصفقة الجزئية، كان رئيس «الموساد»، دادي برنياع، قد أبلغ رئيس وزراء قطر، قبل أيام قليلة، بصفته مبعوثاً من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بأن «الصفقة الجزئية باتت خارج الطاولة». أمّا نتنياهو نفسه فتجنّب الرد على أسئلة الصحافيين حول هذا الأمر في مؤتمر صحافي عقده الأسبوع الفائت.
وبحسب «واينت»، فإن وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، الذي يقود فريق التفاوض منذ نحو ستة أشهر، يعارض بدوره الصفقة الجزئية، ملمّحاً إلى أن «الولايات المتحدة تضع خطة شاملة لإنهاء الحرب وتتوقع اتفاقاً واسعاً يشمل جميع المختطفين». مع ذلك، كان وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، قد أبدى مخاوفه، خلال جلسات «الكابينت» الأخيرة، من أن نتنياهو يسعى فعلياً لصفقة جزئية، معتبراً أن «هذا ما يخطّط له».
وبالعودة إلى موقف «حماس»، أشارت مصادر «واينت» إلى أن «الحركة تراجعت عن قبول المبادرة المصرية للصفقة الشاملة، التي تضمّنت شروطاً قاسية كتفكيك السلاح، والإقصاء عن حكم غزة، وهو ما دفعها إلى طرح خيار الصفقة الجزئية»، في حين ذكرت هيئة البث الإسرائيلية «كان» أن «حماس» تجري نقاشات مع مصر في شأن استئناف المفاوضات، لكن «فرص تحقيق اختراق في القاهرة تبدو ضئيلة بسبب تركيبة الوفد». وبحسب «كان»، فإن ترؤس خليل الحيّة وفد الحركة، وبقاء القيادي البارز فيها محمد درويش في الدوحة، يعنيان أن «أي قرار جوهري لن يُتخذ في القاهرة، بل سيتطلب حضور درويش».
وفي المقابل، اتهم القيادي في حركة «حماس»، أسامة حمدان، إسرائيل بالتراجع حتى عن أفكار اقترحتها واشنطن، كانت تل أبيب قد أبدت قبولها بها سابقاً. ووصف حمدان، في تصريحات إعلامية، جولات التفاوض الأخيرة، بأنّها مجرد «محاولة لتغذية الأوهام وكسب الوقت»، معتبراً أن إسرائيل غير معنيّة بوقف إطلاق النار، وأن الإدارة الأميركية «عاجزة وغير راغبة في التحرك الجدّي».
سالي روني من عقر دار بريطانيا: أساند Palestine Action!
علي سرور
في خطوة مهمّة تواكب الغضب الثقافي في أوروبا ضد السياسات المنحازة لإسرائيل، أعلنت الروائية الأيرلندية، سالي روني، أنّها ستواصل دعمها لحركة Palestine Action، حتى بعدما جرى حظرها وتصنيفها منظمة إرهابية بموجب «قانون الإرهاب» البريطاني.
«سأظل أساند فلسطين»
أشارت روني، صاحبة الرواية الشهيرة «أناس عاديون»، في مقال نشرته صحيفة «آيرش تايمز»، أنّها تعتبر نفسها ملزمةً «أخلاقياً وإنسانياً» بالوقوف إلى جانب أكثر من 500 محتج اعتُقلوا الأسبوع الماضي في ساحة البرلمان بلندن، بعد رفعهم شعارات تندّد بالإبادة في غزة وتؤكد التضامن مع Palestine Action.
وأكدت الكاتبة البالغة 34 عاماً أنّها ستستخدم عوائد أعمالها المنشورة، بما في ذلك إيرادات نسخها المقتبسة عن «هيئة الإذاعة البريطانية» (BBC)، لتمويل أنشطة تهدف إلى مواجهة ما وصفته بـ«الإبادة الجماعية»، مضيفة «إن كان القانون البريطاني يعتبرني داعمة للإرهاب بسبب ذلك، فليكن».
كما اتّهمت روني الحكومة البريطانية بحرمان مواطنيها من أبسط حقوقهم وحرياتهم «فقط من أجل حماية علاقتها مع إسرائيل»، محذّرةً من تداعيات خطيرة على الحياة الثقافية والفكرية في المملكة المتحدة، مشيرة إلى أنّ عدداً من الكتّاب والشعراء، بينهم الشاعرة أليس أوزوالد الحائزة جائزة «تي إس إليوت»، تعرّضوا للاعتقال بسبب مواقفهم المناهضة للحرب في غزة.
تضييق متصاعد وقمع ثقافي
أثار قرار حظر Palestine Action جدلاً واسعاً، خصوصاً أنّ نصف المعتقلين الذين يواجهون الآن محاكمات قد تغيّر حياتهم هم من كبار السن، بحسب بيانات شرطة لندن. وفي مقابل الأصوات الثقافية الرافضة، دافعت وزيرة الداخلية البريطانية، يفيت كوبر، عن القرار، زاعمة أنّ المجموعة لا تقتصر على الاحتجاج السلمي وأنّ معلومات استخبارية كشفت خططاً لهجمات مستقبلية.
من جهتها، أكّدت روني، التي سبق أن رفضت ترجمة إحدى رواياتها إلى العبرية عبر ناشر إسرائيلي عام 2021 التزاماً بمبدأ المقاطعة، أنّها ستواصل استخدام منصتها الأدبية لمناصرة القضية الفلسطينية، معتبرة أنّ «الكتابة فعل مقاومة أيضاً».
تأتي هذه المواقف في وقت يواجه فيه المشهد الثقافي البريطاني اختباراً غير مسبوق، إذ يرى كثيرون أنّ تصنيف حركة تضامنية مع الفلسطينيين كمنظمة إرهابية يمثل سابقة خطيرة في خنق حرية التعبير، فيما تتواصل جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة التي أسفرت، وفق أرقام موثوقة من الأمم المتحدة، عن استشهاد أكثر من 61 ألف فلسطيني منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على غزة إلى أكثر من 62 ألف شهيد
أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم الاثنين، ارتفاع حصيلة الشهداء في القطاع إلى 62,004، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الصهيوني في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأضافت الصحة ، أنّ حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 156,230، منذ بدء العدوان، في حين لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة.
وأشارت إلى أنه وصل مستشفيات قطاع غزة 6 شهيداء، و344 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية.
كما أوضحت الصحة، أنّ حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 آذار/ مارس الماضي بعد خرق الاحتلال اتفاق وقف إطلاق النار بلغت 10,460 شهيدًا، و44,189 إصابة.
ولفتت إلى أنّ حصيلة ما وصل للمستشفيات من شهداء المساعدات خلال 24 ساعة الماضية 27 شهيدًا، و281 إصابة، ليرتفع إجمالي شهداء لقمة العيش ممن وصلوا المستشفيات إلى 1,965 شهداء وأكثر من 14,701 إصابة.
وأفادت وزارة الصحة بأن مستشفيات قطاع غزة سجّلت خلال الساعات الـ24 الماضية 5 حالات وفاة، بينهم طفلان، نتيجة المجاعة وسوء التغذية، وبذلك يرتفع العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 263 شهيدًا، من بينهم 112 طفلاً.
المقاومة تسحب ذرائع اجتياح غزة: موافقة «حمساوية» على مقترح الهدنة
أعلنت حركة «حماس»، مساء أمس، موافقتها على المقترح الأخير لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك في بيان مقتضب، أكّدت فيه أنها، إلى جانب باقي الفصائل الفلسطينية، «أبلغت ردّها الإيجابي إلى الوسيطين المصري والقطري». وجاء هذا الإعلان الرسمي بعد تداول معلومات عن موافقة أوّلية من جانب الحركة على مقترح قدّمه الوسطاء، يتضمّن وقفاً مؤقّتاً لإطلاق النار وصفقة تبادل أسرى، إلى جانب ترتيبات إنسانية وسياسية.
كما أتت الموافقة الفلسطينية في أعقاب اجتماع موسّع عُقد قبل يومين في القاهرة، وجمع قادة عدد من فصائل المقاومة، من بينها «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وشارك فيه «تيار دحلان» أيضاً، ومن الجانب المصري رئيس جهاز «المخابرات العامة»، حسن رشاد. وانضمّ، أمس، إلى تلك الاجتماعات، كل من رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن - الذي وصل إلى القاهرة في وقت سابق - والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ما رفع مستوى الضغوط للدّفع بعجلة المفاوضات.
كذلك، انضمّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى «حفلة» الضغط المتجدّد على المقاومة، بمهاجمته «حماس» ودعوته إلى«تدميرها» سريعاً، كشرط لعودة الأسرى. وذكّر ترامب بدوره السابق في إبرام صفقات مشابهة، محيلاً بكلامه هذا إلى التكتيك الذي اتّبعه في فتح باب الاتفاق أمام الحركة، في الوقت نفسه الذي يهدّدها فيه. وعلى مدى اليومين الماضيين، كثّف الوسطاء ضغوطهم على قيادة «حماس» وبقية الفصائل؛ ووفق مصادر قريبة من الوفود الموجودة في القاهرة، فقد تمّ إبلاغ الحركة بشكل مباشر بأنّ «التردّد لم يعد مقبولاً»، وأنّ المطلوب «ردّ سريع وواضح»، وهو ما أظهرت الحركة إيجابية حياله، مسلّمةً ردّها خلال ساعات.
وتوضح مصادر مطّلعة على مسار المفاوضات ومسوّدة المقترح الجديد، أنّ العرض الذي وافقت عليه «حماس»، يشمل وقفاً لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، وانسحاباً إسرائيلياً من أجزاء من غزة على مرحلتين (انسحاب حتى 1000 متر من الشمال والشرق)، وإطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين أحياء، و18 جثة، مقابل الإفراج عن 140 أسيراً فلسطينياً محكومين بالمؤبّد، و60 آخرين بأحكام تتجاوز 15 عاماً، إضافة إلى الإفراج عن جميع النساء والقاصرين من الأسرى الفلسطينيين، ودخول مساعدات إنسانية واسعة عبر «الأمم المتحدة» و«الهلال الأحمر».
كما تضمّن المقترح بدء مفاوضات لإنهاء الحرب فور دخول الهدنة حيّز التنفيذ، وبحث إمكانية تشكيل «إدارة مؤقّتة» في غزة، في وقت طرحت فيه أطراف عربية ودولية إمكانية نشر «قوات دولية أو عربية»، وهي فكرة تواجه رفضاً قاطعاً من القاهرة.
وفي هذا السياق، كشف مصدر مصري مطّلع، لـ«الأخبار»، أنّ «القاهرة لا ترى في طروحات إرسال قوات أجنبية أو عربية إلى غزة سوى محاولة لفرض أمر واقع يمسّ نفوذها في الملف الفلسطيني»، مشيراً إلى أنّ «مصر، مدعومة من قطر، تضغط في اتجاه تشكيل لجنة «إسناد مجتمعي» بإشراف السلطة الفلسطينية، لتولّي إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب». وبحسب المصدر، فإنّ «رئيس وزراء السلطة، محمد مصطفى، سيعمل على إعلان تشكيل اللجنة المطلوبة خلال الأيام المقبلة، في استجابة للضغوط المصرية».
وعلى المقلب الإسرائيلي، نقلت «القناة 12» عن مصدر دبلوماسي قوله إنّ ردّ «حماس يتطابق بنسبة 98% مع مقترح ويتكوف، الذي وافقت عليه إسرائيل في وقت سابق». وأشارت مصادر سياسية وأمنيّة إسرائيلية، بدورها، إلى أنّه «لا توجد فجوات كبيرة بين المقترح الحالي وردّ حماس»، في حين ألمحت «القناة 13» إلى أنّ مصر طلبت من وفد الحركة البقاء في القاهرة «في انتظار ردّ الحكومة الإسرائيلية».
كذلك، أوردت «القناة 12» أنّ وزير الشؤون الإستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية، رون ديرمر، أجرى مشاورات مع المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، والوسطاء القطريين، في شأن ردّ «حماس»، في حين أكّدت «هيئة البث الإسرائيلية» أنّ تل أبيب أُبلغت بأنّ «حماس لا تنوي فرض شروط إضافية من شأنها تعطيل المسار التفاوضي».
إلا أنه ليس واضحاً بعد ما سيكون عليه موقف رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو؛ إذ نقلت «القناة 12» عن مصدر سياسي إسرائيلي إشارته إلى أنّ «حماس أبدت مرونة، وإن كان نتنياهو معنيّاً بصفقة جزئية فيمكن المضي فيها»، فيما شدّد مصدر أمني على «ضرورة استنفاد مسار المفاوضات بعد أن أبدت حماس مرونة».
وكشفت «القناة 13»، بدورها، أنّ نتنياهو «سيناقش ردّ حماس رغم تصريحاته السابقة بأنه لن يناقش صفقة جزئية»، في حين نقلت «هيئة البث الإسرائيلية» عن مصدر مطّلع تأكيده أنّ «محادثات الأيام الأخيرة في شأن التوصّل إلى صفقة جزئية جرت بموافقة نتنياهو»، ونقلت عن مقرّبين من الأخير قولهم «إنه لا يستبعد صفقة جزئية لكن بشروط».
لكن في المقابل، استنفرت على الفور جوقة «اليمين المتطرّف» في تل أبيب، وتقدّمها الوزيران بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير. وأعلن هذان رفضهما «صفقة جزئية»، وطالبا بـ«استمرار القتال حتى الحسم»، وعدم منح «حماس» فرصة إعادة ترتيب صفوفها.
ووصف سموتريتش الصفقة المعروضة بأنها «تنازل عن نصف الأسرى»، وهدّد بإسقاط الحكومة إن مضى نتنياهو فيها. أمّا بن غفير، فاعتبر أي وقف للحرب «كارثة لأجيال»، وفرصة ضائعة لـ«فرض الاستسلام على حماس». أمّا «هيئة عائلات الأسرى» فطالبت نتنياهو بـ«بدء مفاوضات فورية ومتّصلة للإفراج عن جميع الأسرى»، محذّرة من تبديد فرصة جديدة قد تفضي إلى صفقة حقيقية.
اليونيفل في عامها الأخير: هل يصبح الجنوب منطقة إسرائيلية عازلة؟
فراس الشوفي
بدأت ليل أمس، النقاشات في نيويورك حول مهام قوات بعثات حفظ السلام الدولية المتبقّية في العالم. ومن أسخن الملفات التي بين يدي الدول، مهمة قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفل)، على أن يصدر القرار بخصوص البعثة خلال أسبوع.
تختلف نقاشات نيويورك حول «اليونيفيل» هذا العام جذرياً عن النقاشات التي طبعت الـ 47 عاماً الماضية، والتي تشكّل عمر مهمة القوات الأممية في لبنان، منذ دخولها لمراقبة انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد اجتياح العام 1978 والإشراف على تطبيق القرار 425.
إذ إنّ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف تمويل الأمم المتحدة والضغط الإسرائيلي - الأميركي غير المسبوق لإنهاء عمل البعثة، والانقسام العمودي داخل مجلس الأمن والتباين داخل المعسكر الفرنسي - الأميركي - البريطاني، بالإضافة إلى سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد ونتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان والأجواء الداخلية اللبنانية، كلها عناصر تجعل من استمرار مهمة الـ«يونيفل» بصيغتها الحالية أمراً شبه مستحيل.
يوم الجمعة الماضي، تولّت فرنسا بصفتها «حاملة القلم» في مجلس الأمن، تسويق مشروع قرار التمديد للقوة الدولية، بداية على الدول الدائمي العضوية، ثم على باقي أعضاء المجلس الحاليين لهذه الدورة. لم يبدّل الفرنسيون كثيراً في الصيغة القديمة للمشروع، إلّا لناحية توضيح حريّة الحركة للـ«يونيفل» لغوياً، في مسعى فرنسي لتخفيف الضغوط الأميركية والإسرائيلية، واستغلال الظروف الحالية لناحية قبول حزب الله بإخلاء منطقة جنوب الليطاني من الأسلحة.
إلّا أنّ هذه «المغريات» الفرنسية - الأوروبية، في ظلّ رغبة الأوروبيين، خصوصاً الفرنسيين والإيطاليين والإسبان والألمان باستمرار وجودهم العسكري في جنوب لبنان، لم تعُد تقنع الإسرائيليين الذين يبيّتون لردّ الصاع صاعين للـ«يونيفل» بعد رفضها الخروج من الجنوب في أثناء العدوان الأخير، وسعي إسرائيل إلى دفع نشاط الأمم المتحدة بعيداً عن أي من عملياتها العسكرية سواء في فلسطين أو في لبنان. وكذلك لن تغيّر شيئاً في التوجّه الأميركي الحالي لضرب الأمم المتحدة وإضعاف دورها ومؤسساتها واستهداف موظفيها، لا سيّما مع قرار وقف التمويل للمنظمة وأنشطتها، ومن ضمنها مهام الـ«يونيفل» التي يساهم الأميركيون بنحو 27% من موازنتها السنوية.
وبينما كان الموفد الأميركي إلى سوريا السفير في أنقرة توم برّاك والدبلوماسية الأميركية مورغان أورتاغوس في بيروت يستمعان إلى الموقف اللبناني المشدّد على دور الـ«يونيفل» في جنوب لبنان أمس، كشفت وسائل إعلام أميركية أنّ وزير الخارجية الأميركي مايك روبيو وافق على خطة لإنهاء عمل هذه القوة، وأنّ إدارة ترامب تعتبر الإنفاق عليها غير ذات جدوى، في مقابل الموقف الأوروبي الذي لا يزال يصرّ على أهميّة وجود الـ«يونيفل» في الجنوب.
وكانت وكالة «أسوشييتد برس» ذكرت في وقت سابق أنّ روبيو وقّع على خطة تهدف إلى تقليص عديد هذه القوة تمهيداً لإنهاء وجودها خلال الأشهر الستة المقبلة.
أكثر المتفائلين، يتوقّع أن يتمكّن الفرنسيون والدول الأعضاء الأخرى، من التوافق مع الأميركيين على تمديد المهمة لعام جديد آخر، لكنه سيكون العام الأخير. إذ إنّ الولايات المتحدة باستطاعتها التدخّل بشكل أكبر لمنع التمديد بشكل نهائي للقوة الدولية وإنهاء مهمّتها بشكل فوري، إلا أنّ الوصول إلى اتفاق على صيغة التمديد لعام واحد أخير بات الأكثر ترجيحاً، ويتقدّم الاحتمالات الأخرى، لكن طبعاً من دون الدعم المالي الأميركي.
الحديث عن استبدال الدعم الأميركي أو الحصول من الأميركيين على أموال للأمم المتحدة بطريقة مختلفة، يبدو شديد التعقيد. فجزء من الأموال التي جرى اقتطاعها من الموازنة الأميركية وكانت مخصّصة لتمويل الأمم المتحدة، تم وضعها بتصرف ترامب لصرفها في مهام دُولية، وآخر ما سيقوم به ترامب هو مساعدة الـ«يونيفل» التي ترفضها إسرائيل. فضلاًَ عن أنّ قيام الأوروبيين أو الصينيين بالتعويض عن الدعم المالي الأميركي لمهمّة القوة، عملية غير بسيطة وترتبط بمساهمات الدول الأعضاء وموازناتها وتحتاج إلى إجراءات إدارية واسعة، ما يجعلها احتمالاً غير ممكن أو شديد التعقيد ويحتاج إلى وقت وتوافق.
هذا يعني، عملياً، أنّ الـ«يونيفل» لن يكون لديها خيار بعد صدور قرار تجديد المهمّة، والموافقة على مشروع الموازنة المالية الأميركية في الكونغرس الخريف المقبل، إلّا البدء بتخفيض عديد القوة الحالية من العسكريين والمدنيين، الأجانب واللبنانيين بنسبٍ تتراوح بين 25 و35% في مختلف الوحدات والمهام. وسيشمل الاقتطاع التخلّي عن نسب معيّنة من كل التشكيلات العسكرية والكتائب العسكرية الموجودة والمناصب المدنية المخصّصة للأجانب قد تصل إلى 35%، وعدم تعيين موظفين في مناصب شاغرة أو ستشغر قريباً. بينما من المرجّح أن يتمّ العمل على إنهاء عقود 25% من الموظفين اللبنانيين في البعثة.
هذه التغييرات، تطرح تساؤلات واسعة عن طبيعة المهام التي ستقوم الـ«يونيفل» بتغييرها للتماشي مع تخفيض الموازنة والعديد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السلوك الإسرائيلي المتوقّع مستقبلاً ودور الجيش في الجنوب ومصير الملفات التقنية التي كانت تتولّاها هذه القوة طوال 50 عاماً، لناحية مراقبة الخروقات الإسرائيلية والإشراف على التفاهمات الحدودية غير المباشرة.
فالمهمة الأساسية للـ«يونيفل» هي دعم الجيش اللبناني، تمهيداً لتولّيه المسؤولية الكاملة، فكيف سيتمكّن الجيش من تخصيص عشرة آلاف جندي إضافي من الآن وحتى العام المقبل لنشرهم في الجنوب مكان القوة الدُّولية ومن أين سيأتي بالتمويل اللازم؟
كما أنّ ذلك سيضع الجيش في مواجهة مباشرة وجهاً لوجه مع جيش الاحتلال، من دون أي حضور دُولي، ومن دون الأسلحة المناسبة. أمّا السلوك الإسرائيلي المتوقّع، بعيداً عن تطمينات برّاك التي أثبتت مرات في ملفات لبنان وسورية أنها ساذجة وغير حقيقية، فيمكن استقراؤه من العدوان اليومي المستمر على لبنان جوّاً وبحراً وبرّاً، والتوسّع في نقطة جديدة في كفركلا تضاف إلى النقاط الخمس السابقة، ومنطقة عازلة متاخمة لمزارع شبعا أعلن عنها قبل أيام، واستمرار سياسة الاغتيالات والحملات الجوّية في لبنان، وكذلك الأمر في الجنوب السوري، الذي يتعرّض إلى عملية قضم يومية ممنهجة، من سفوح جبل الشيخ الشمالية قرب دمشق إلى حوض اليرموك في جنوب غرب درعا.
وفيما ينتظر اللبنانيون نتائج زيارة برّاك وأورتاغوس إلى فلسطين المحتلة اليوم، تُظهر كل المؤشرات السياسية والعسكرية في إسرائيل استمرار الضغط العسكري الإسرائيلي على مختلف الجبهات البرّية المحيطة خلال الأعوام المقبلة، في مسعى إلى تشكيل مناطق عازلة تسمح بإبعاد الأخطار نهائياً عن محيط إسرائيل.
فضلاً عن السيطرة على جغرافيا إستراتيجية حيوية وغنية بالموارد باستغلال ظروف الفوضى والهشاشة في دول الطوق، واستخدام الخرافات التوراتية التي عبّر عنها رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحلم إسرائيل الكبرى في مقابلة تلفزيونية قبل أيام. لذا، فإنّ إسرائيل الساعية للمناطق العازلة، لن يكون في صالحها بعد اليوم وجود أي قوة عسكرية في لبنان، حتى ولو كانت للأمم المتحّدة، وقد سبق أن اختصر برّاك الدور المرسوم للجيش اللبناني كـ«قوة حفظ سلام» في وجه التوسّع العدواني الإسرائيلي.
من «هزاتي» إلى غزّة: المدينة تلفظ غزاتها
يوسف فارس
غزة | تتجاوز حسابات الغزيين إزاء التهديدات الإسرائيلية باحتلال مدينة غزة، ما تعنيه عملية كهذه من دمار مادي وخراب عمراني خبروهما جيداً في كل منطقة دخلت إليها دبابات العدو. فالمدينة في وعيهم الجمعي، أكبر من العمران، فهي ما تبقّى من إرث حضاري يربط الأهالي بالمكان، وهي إرث تاريخي ضاربة جذوره في أعماق التاريخ الإنساني.
«هزاتي» أو «غادرز»، وفق ما سماها الغزاة المتعاقبون منذ أسّسها الكنعانيون في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، بقيت حتى اليوم حيّة وشاهدة على انكسار الغزاة ورحيل عصورهم المتتابعة: الفراعنة، والرومان، والبيزنطيون، والآشوريون، والعثمانيون، والإنكليز، وكل العابرين في تاريخ المدينة، الذين تركوا إرثاً حضارياً وتاريخياً، وتركوا توقيعاً على جدار الزمن، أثبت شيئاً واحداً، أن غزة تبقى لأهلها مهما عصفت بها الخطوب وحاصرتها الكوارث.
تتربّع المدينة على مساحة 56 كيلومتراً مربعاً، ووصل تعداد سكانها قبل الإبادة الجماعية إلى 677 ألف نسمة، وتتألف من عدة أحياء تاريخية وحديثة، هي الدرج، والزيتون، والتفاح، والشجاعية، والصبرة، والرمال، وتل الهوا، والنصر، والشيخ رضوان، والشيخ عجلين، وإلى الغرب منها مخيم الشاطئ للاجئين.
وخلال حرب الإبادة المستمرة منذ 22 شهراً، توغّلت الدبابات الإسرائيلية لأول مرة في مدينة غزة، في حي الرمال، في مطلع تشرين الثاني 2023، إذ حاصرت الآليات مستشفى «الشفاء» وهدمت مبنى المجلس التشريعي الفلسطيني ووصلت إلى حي الدرج في ساحة غزة، ثم تعرّضت المدينة في شهر آذار 2024 لعملية برية مفاجئة حاصر فيها جيش الاحتلال مستشفى «الشفاء» لمدة 18 يوماً، وارتكب مجازر بشعة بحق النازحين فيها.
أهل مدينة غزة يعتبرون نزوحهم عنها «خروجاً للروح من الجسد»
ومنذ بداية الحرب، توغّلت الدبابات الإسرائيلية في أحياء المدينة كافة، فيما سجّلت الأحياء الشرقية، وتحديداً الشجاعية، والزيتون، والتفاح، رقماً قياسياً في عدد العمليات البرية التي تعرّضت لها غزة؛ إذ اقتحم جيش العدو حي الزيتون 7 مرات، وحي الشجاعية 4 مرات، وحي التفاح 3 مرات، لتنتهي عملية «مركبات جدعون» الأخيرة بتدمير كلي للأحياء الثلاثة وتشريد نحو 400 ألف من سكانها، رفضوا إخلاء المدينة إلى جنوب القطاع.
وتتركّز في الأحياء الغربية للمدينة، وتحديداً الرمال، والدرج، والشيخ رضوان، ومخيم الشاطئ، أكبر نسبة من النازحين؛ إذ تقدّر الإحصائيات وجود نحو مليون نازح في غزة، يهدّد جيش الاحتلال بإخلائهم إلى الجنوب في حال بدأت عملية احتلال المدينة والسيطرة عليها.
ولسكان غزة ذكريات صعبة مع النزوح، وهم الذين خبروا تجربة التهجير التي استمرت منذ بداية الحرب وحتى هدنة 19 كانون الثاني 2025. ولذا، يتكرّر على ألسنتهم وصف النزوح بأنه «خروج للروح من الجسد»، وفق ما قاله الحاج محمد عطا، مضيفاً أن «المشكلة ليست فقط في معاناة النزوح وعذابه، بل في أننا نشعر بأننا سنودع مدينة غزة إلى الأبد. هذا العدو يدمّر كل مكان يصل إليه، وقد جرّبناه في الزيتون، والشجاعية، والتفاح، وجباليا البلد، ومخيم جباليا، وبيت لاهيا، وبيت حانون، ورفح، وخانيونس.
فقدنا ثلثي قطاع غزة، ونخشى أن نفقد المدينة. غزة هي تاريخنا وهويتنا وحضارتنا. والله نخاف عليها أكثر مما نخاف على أولادنا وأحفادنا».
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، انطلقت دعوات إلى وقف الحرب وحماية المدينة من الدمار والنزوح مجدّداً. وكتب الصحافي خالد طعيمة على صفحته في «فيسبوك»: «اتركوا وداعاتكم قبل أن تودّعكم الحياة. ودّعوا غزة كما لو كانت آخر مرة ترونها.
وانثروا أرواحكم في كل زقاق لتبقى المدينة شاهدة عليكم. ودّعوا مدينتكم بلغاتكم ولهجاتكم وأحلامكم الصغيرة، وتشبّثوا بالحياة حتى آخر نسمة من صدوركم. غنّوا أغنياتكم، وارفعوا أصواتكم حتى يسمع الركام صداه، وحتى تشهد الجدران المهدّمة أن أصحابها لم يصمتوا. ودّعوا هذا العالم الذي ارتضى الظلم، بالصمت، واصرخوا في وجه المحتل أنّكم ما زلتم تحبون الحياة، وإذا حان الأجل فنحن أهلها».
«مبتدئون من جديد»: جيش العدوّ يستجدي الخدمة العسكرية!
يحيى دبوق
في خطوة استثنائية غير مسبوقة، لها دلالاتها المرتبطة بأزمة التجنيد في إسرائيل، أَطلق جيش الاحتلال عملية سمّاها «مبتدئون من جديد»، تستهدف ما يصل إلى 15 ألفاً من المتخلّفين عن الخدمة الإلزامية، من جميع الشرائح الاجتماعية، ومعظمهم من غير «الحريديم».
وليست هذه الخطوة مجرّد حملة تجنيد إضافية، بل هي عمليّاً إعلان حال طوارئ من داخل المؤسسة العسكرية، التي لا تخفي حقيقة معاناتها نقصاً حادّاً في الجنود، وتضخماً في المهامّ الموكلة إليها وتجاوز قدراتها.
ووفقاً لما أعلنه الجيش، فإن العفو عن التهرّب من الخدمة، مشروط بمهلة حُدّدت بأيام (حتى يوم الخميس المقبل)، تمثّل «الفرصة الأخيرة» للمتهرّبين. ويشير ما تقدّم إلى أن النقص في العديد ليس استشرافيّاً، بل ملموس، وهو يُلزم الجيش باتخاذ إجراءات سريعة لسدّ النقص غير الاعتيادي. ومع ترغيب المتهرّبين بالعفو، و»باستقبالهم بذراعين مفتوحتَين، ومحو ملفاتهم الإجرامية بشكل كامل»، تشير مصادر في الجيش إلى أن مَن يتخلّف، ولا يسجّل نفسه خلال الأيام المقبلة، سيصار إلى اعتقاله، وتفعيل العقوبات المنصوص عليها في قانون التجنيد ضدّه. ويعني ذلك أن الترهيب يرافق الترغيب، بهدف واحد: الإسراع في ملء النقص في زمن الحرب، بعدما بات التهرّب ظاهرة فاقعة.
لكن، لماذا الآن تحديداً؟ لأن الحرب في غزة لا تجد نهاية لها. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، يشنّ الجيش حرباً متواصلة على القطاع، فيما خاض مواجهةً دامت أكثر من شهرين على الجبهة اللبنانية، ومن ثمّ مواجهة واسعة مع إيران، فضلاً عن استنفار وحداته ومقاتليه على الجبهة السورية ضمن عمليات دفاع وتوغّل دورية، وحفاظه على انتشار واسع على الحدود اللبنانية، خشية تصعيد لا يمكن استبعاده. وبنتيجة كل ذلك، بات الجيش الذي يعتمد على التجنيد الإلزامي والاحتياط، يعيش حالياً أصعب فتراته منذ إنشاء إسرائيل، والتي تجلّيها الحقائق التالية:
- آلاف القتلى والجرحى والمعوّقين؛
- مئات الآلاف من جنود الاحتياط، تمّ تجنيدهم لأكثر من 10 أشهر؛
- مؤسسات مدنية وأهلية تتهاوى بسبب النقص في مشغّليها وعمالها وموظفيها؛
- ازدياد متواصل في عدد المتخلّفين عن الخدمة العسكرية، والذي تحوّل إلى ظاهرة، على الرغم من استمرار القتال على أكثر من جبهة؛
- تقدير الجيش أن عدد المتخلّفين سيصل إلى عشرات الآلاف خلال سنة ونصف سنة فقط، وهو رقم كارثي في دولة صغيرة نسبياً، تعتمد على جيش احتياطي كبير جداً، وليس نظاميّاً.
وبحسب تقديرات الجيش، فإن أرقام المتهرّبين من الخدمة تهدّد قدرة إسرائيل على الصمود في حرب متعدّدة الجبهات، خصوصاً أن التهرّب من التجنيد أو رفضه، تحوّل من «استثناء» إلى ظاهرة اجتماعية متغلغلة جداً لدى ما يقرب من خُمس الإسرائيليين، وهو عدد كبير جداً.
أيضاً، لم يَعُد التهرّب «عيباً» أو فعلاً شائناً يُعمل على إخفائه، بل بات علنيّاً، وتُساق له مبرّراته الدينية والعقائدية، والتي تنعكس في تظاهرات ضخمة وحرق أوراق الاستدعاء إلى الخدمة الإلزامية، وشعارات من مثل «نموت ولا نتجنّد».
مع ذلك، وهنا المفارقة، فإن الجيش لا يستهدف من هذا الإجراء، «الحريديم»، بل الفئة التي تلتزم عادةً بالخدمة الإلزامية ولا تتهرّب منها، ما يعني أن ظاهرة الرفض تنامت وتوسّعت لتتجاوز «الحريديم»، الرافضين تقليديّاً للتجنيد. وتُظهر معطيات الجيش، أن العملية الجديدة تشمل «شباناً وشابات من الطبقات المتوسطة والفقيرة، ممّن يتخلّفون عن الخدمة في زمن الحرب»، في حين كشفت مصادر في المؤسسة العسكرية عن خطّة تجنيد تستهدف «الشباب اليهودي في الشتات»، خصوصاً في الولايات المتحدة وفرنسا، ممن تُراوِح أعمارهم بين 18 و25 عاماً، بهدف حثّهم على القدوم إلى إسرائيل والانضمام إلى الجيش. وتشير التقديرات الأولية إلى أن القابلية التجنيدية في الشتات تصل إلى أكثر من 10 آلاف شاب سنويّاً، وهو رقم يفوق ما يُمكن تجنيدُه من المتخلّفين داخل إسرائيل.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة «إبداعية» وتبحث عن حلول «خلّاقة»، فإنها تُظهر عجز الجيش عن إصلاح الخلل داخليّاً، إلى درجة أنه بدأ التفكير في حلول خارج الحدود، وهو ما يثير شكوكاً في مستقبل «دولة» باتت تعتمد على متطوّعين أيديولوجيين من الخارج، بينما يتهرّب «مواطنوها» من الخدمة.
في الوقت نفسه، جدّد الجيش عروضه لـ»الحريديم»، لدفعهم إلى الالتحاق بالخدمة ضمن ظروف خاصة بهم: وحدات منفصلة غير متداخلة مع تلك العسكرية الاعتيادية، وطعام حلال وفقاً للشريعة اليهودية، وبيئة خالية من «الثقافات المارقة غير المتديّنة»، وكذلك لباس خاص لا يخالف الشريعة، وغيرها الكثير؛ ما يعني أن إسرائيل باتت تقترب من فكرة دولة بجيوش متعدّدة، وفقاً للشرائح الاجتماعية فيها، وأن الجيش بات هو الذي يتكيّف مع أهواء رافضي الخدمة.
والأهمّ، أن الخطوة المُشار إليها، بتشعّباتها، تُعدّ إعلان حال طوارئ من داخل الجيش، يمكن ربطه خصوصاً بالقرارات المتصلة بالحرب، وتحديداً قرار احتلال مدينة غزة الذي رفضه الجيش ابتداءً، وإنْ رضخ لإرادة المؤسسة السياسية لاحقاً. بتعبير آخر، يطلق الجيش «نداء استغاثة» إلى السياسيين، ضمن إجراءات أخرى يعمد إليها للتأثير في القرارات المطلوب منه تنفيذها، والتي يراها مبنيّة على أجندات أيديولوجية ومصالح شخصية.
أكبر مؤتمر جماهيري في مسار الحراك العالمي ضد إسرائيل: ستبقى «غزة بوصلة» الأحرار
تحت شعار «غزة هي البوصلة» تستعد مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان الأميركية لاحتضان أكبر مؤتمر جماهيري من أجل فلسطين بين 29 و31 أغسطس (آب) الحالي، في حدث يُتوقع أن يشكل محطة مفصلية في مسار الحراك العالمي المناصر للقضية الفلسطينية.
توقيت المؤتمر
يأتي انعقاد المؤتمر في لحظة مصيرية وغير مسبوقة من عمر النضال الفلسطيني. بينما تستشرس آلة الإبادة الصهيونية في غزة بمجازرها المتواصلة، وتتسارع مشاريع التطهير العرقي في الضفة الغربية، يتكشّف الانهيار الكامل للمنظومة الدولية، ويتعمّق التواطؤ الرسمي العربي والخذلان الشعبي المخزي. في المقابل، تشهد الساحة الأوروبية والأميركية انقلاباً واضحاً في السردية، إذ باتت الرواية الفلسطينية أكثر حضوراً وتأثيراً، فيما تمرّ الصهيونية بأزمة عميقة في قلب جغرافيتها التاريخية في الغرب.
هذا التحول يُعزى إلى الجهد المتصاعد للحراك العالمي خلال الأشهر العشرين الماضية، مدفوعاً بمشاهد الجرائم اليومية التي هزّت الضمير الإنساني.
في هذا السياق، يقام المؤتمر الجماهيري الثاني كاستجابة مباشرة لمحاولات الترهيب والتجريم التي تقودها الصهيونية والإدارة الأميركية. فالولايات المتحدة لا تكتفي بتورطها العسكري والسياسي في حرب الإبادة ضد غزة، بل تواصل أيضاً استهداف الناشطين والمؤسسات التضامنية عبر الاعتقالات والحملات الأمنية. ومن هنا، يحمل المؤتمر رسالة واضحة: النضال من أجل فلسطين لن يُكسر مهما كانت الظروف.
النسخة الجديدة
النسخة الأولى من المؤتمر عُقدت في أيار (مايو) العام الماضي، بمشاركة قرابة 3500 ناشط وممثل عن منظمات شبابية وشعبية من مختلف الولايات، وأسفرت عن تأسيس إطار تنسيقي أطلق فعاليات فلسطينية مشتركة على مستوى أميركا. هذا النجاح، إلى جانب الحملة العالمية ضد شركة «ميرسك»، وضع المؤتمر على الخريطة الدولية كإحدى أبرز محطات التضامن مع فلسطين، ومهّد لانعقاد نسخة هذا العام بزخمٍ أكبر.
سيكون برنامج هذا العام أكثر شمولاً، إذ يتضمن كلمات لقيادات فلسطينية وناشطين من الداخل والشتات، إلى جانب جلسات حوارية وورشات عمل عملية حول الحملات الجارية والمشاريع المقبلة لدعم غزة ومناهضة الاستعمار الصهيوني.
كما يتخلله برنامج ثقافي واسع يعكس التراث الفلسطيني، بهدف ربط الأجيال الجديدة بجذورها وتعزيز الذاكرة الجماعية. ومن المتوقع أن يتجاوز عدد المشاركين هذه المرة سقف النسخة الماضية، بحضور جماهيري أكبر من مختلف الولايات الأميركية ووفود تضامنية دولية، ليغدو المؤتمر إحدى أضخم الفعاليات العالمية المكرسة لفلسطين.
انعقاد المؤتمر الجماهيري الثاني من أجل فلسطين هو بمثابة دعوة مفتوحة لكل أحرار العالم: لكل من يرفض الإبادة، ويقف ضد الاحتلال، ويؤمن بالعدالة والحرية. من ديترويت، سيرتفع الصوت موحداً ليؤكد أنّ فلسطين ستبقى حاضرة في الوجدان، وأن دماء الشهداء لن تذهب هدراً، وأن النضال سيستمر حتى التحرير والعودة.
نصفهم في غزة... 383 عامل إغاثة لدى «الأمم المتحدة» قتلوا خلال 2024
أعلنت الأمم المتحدة أن 383 عامل إغاثة قتلوا في العام 2024، نصفهم تقريباً في قطاع غزة، معتبرة أن هذا المعدل القياسي يشكل «إدانة مخزية» يجب أن تؤدي لوضع حد «للإفلات من العقاب».
وأوضحت المنظمة الدولية لمناسبة «اليوم العالمي للعمل الإنساني»، أن حصيلة 2024 زادت بنسبة 31% عن العام السابق، مشيرة إلى أن ذلك «يعود الى الصراع المتواصل في غزة حيث قُتل 181 عاملاً إنسانياً، وفي السودان حيث فقد 60 شخصاً حياتهم».
وأشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في بيان إلى أن «العنف ازداد ضد عمال الإغاثة في 21 دولة في عام 2024 مقارنة بالعام السابق، والجهات الحكومية كانت هي الأكثر مسؤولية».
ورأى أن «الرقم القياسي الجديد الصادم الذي بلغ 383 عامل إغاثة قُتلوا في عام 2024 يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار لحماية جميع المدنيين في النزاعات والأزمات، ولإنهاء الإفلات من العقاب».
وإضافة إلى الحصيلة القياسية للقتلى في 2024، أفاد المكتب «بإصابة 308 من العاملين في المجال الإنساني، واختطاف 125 واعتقال 45 آخرين في نفس العام».
وأشار بيان «أوتشا» إلى أن غالبية القتلى من عمال الإغاثة كانوا من الموظفين المحليين، وتمت مهاجمتهم أثناء تأدية وظيفتهم أو تواجدهم في منازلهم.
وأفاد بأن الأشهر الأولى منذ سنة 2025 «لم تظهر أي مؤشر على تراجع هذا الاتجاه المقلق» في التعرض لعمال الإغاثة. وبحسب أرقام المنظمة الدولية، قتل 265 عامل إغاثة في العالم حتى 14 آب.
من جهتها، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنها دققت بأكثر من 800 اعتداء على الخدمات الصحية في 16 منطقة حتى الآن هذه السنة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1110 عمال في المجال الصحي ومرضى، وإصابة المئات.
وشددت على أن «كل اعتداء يلحق أذى مديداً، ويحرم مجتمعات بكاملها من العناية المنقذة للحياة وهي في أمسّ الحاجة إليها، ويهدد مقدمي الرعاية الصحية ويضعف أنظمة صحية منهكة».
وتحيي الأمم المتحدة اليوم العالمي للعمل الإنساني في 19 آب من كل عام، في ذكرى مقتل 22 شخصاً من العاملين في مجال الإغاثة بينهم الممثل الخاص للأمين العام للمنظمة سيرجيو فييرا دي ميلو، في هجوم على فندق القناة في بغداد عام 2003.
باسم «نفيه هبشان»... إسرائيليون يحاولون إقامة بؤرة استيطانية جديدة في سوريا
أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي «أحبط» محاولة إقامة بؤرة استيطانية في سوريا، بعدما عبر أشخاص السياج لإقامة مستوطنة جديدة.
وبحسب قناة «i24news» الإسرائيلية، فقد عبرت مجموعة من العائلات القادمة من مستوطنات الضفة الغربية الحدود نحو سوريا مقابل مستوطنة «ألون هبشان» التي أُقيمت في الجولان المحتل عام 1981، بهدف إقامة مستوطنة جديدة باسم «نفيه هبشان».
وأضافت القناة أن قوة من الفرقة 210 في جيش الاحتلال هرعت إلى الموقع بعد بلاغ في المنطقة، وأخرجت المتسللين من المكان، ثم جرى تحويلهم إلى التحقيق لدى الشرطة. وكان المنظمون يعتزمون البقاء هناك فترة طويلة مع أطفالهم.
وأكد المنظمون الذين يطلقون على أنفسهم اسم «روّاد هبشان» (باشان هو الاسم التوراتي للجولان السوري المحتل) أن الخطوة نُفّذت كمبادرة خاصة ومن دون أي دعم خارجي.
وقال المستوطنون إنّه «من الممكن أن تتوفر في المستقبل فرصة للحصول على دعم لعملية الاستيطان في منطقة هبشان».
وجاء في بيان لجيش الاحتلال حول الحادثة: «في وقت سابق اليوم تلقينا بلاغاً عن عدة مركبات بداخلها مواطنون إسرائيليون اجتازوا السياج الحدودي إلى داخل الأراضي السورية (...) قوات الجيش التي كانت في النقطة أعادت المواطنين بعد وقت قصير بأمان إلى داخل إسرائيل، واستُدعوا للتحقيق».
وتأتي هذه الحادثة في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاته داخل الأراضي السورية، وكان آخرها التوغّل في ريف القنيطرة، حيث أطلق الجنود الرصاص على دراجات نارية وفتّشوا المنازل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire