أعلنت الأمم المتحدة، اليوم، أنّ 1,769 فلسطينياً قُتلوا بنيران جيش الاحتلال، أثناء انتظارهم المساعدات في قطاع غزة، ودعت إلى فتح تحقيق عاجل لمحاسبة المسؤولين.
وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنه وثّق مقتل 1,769 شخصاً على الأقل من طالبي المساعدات منذ 27 أيار، معتبراً أن الهجمات الإسرائيلية على قوافل المساعدات «استهداف متعمد ومتكرر» ساهم بشكل كبير في تفاقم المجاعة بين المدنيين.
ودعت الأمم المتحدة، إسرائيل إلى «الوقف الفوري للهجمات على الذين يؤمّنون المساعدات» والامتثال لالتزاماتها الدولية لتسهيل إيصالها، مشددة على وجوب التحقيق العاجل والمستقل ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
وفي ذات السياق، أعلنت مصادر طبية في قطاع غزة، استشهاد 51 فلسطينياً، وإصابة 369 آخرين خلال 24 ساعة، جراء استمرار قصف جيش العدو الإسرائيلي. وأفادت «وكالة معاً» الفلسطينية، باستشهاد فلسطينيين سقطا في قصف على مبنى العيادات الخارجية بمستشفى شهداء الأقصى، فيما أبلغ مصدر في مستشفى الشفاء عن ستة شهداء ومصابين من طالبي المساعدات شمالي القطاع.
حصيلة العدوان المستمر
بحسب التقرير الإحصائي اليومي، بلغت حصيلة الشهداء منذ بدء العدوان في 7 تشرين الأول 2023، 61,827 شهيداً و155,275 جريحاً. ومنذ استئناف العدوان في 18 آذار 2025، سُجّل 10,300 شهيد و43,234 إصابة، وسط استمرار استهداف المدنيين ومناطق المساعدات.
«شهداء لقمة العيش» وضحايا المجاعة
إلى لك، وثّقت وزارة الصحة استشهاد 17 فلسطينياً وإصابة 250 آخرين خلال الساعات الماضية أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات، ليرتفع عدد «شهداء لقمة العيش» إلى 1,898 شهيداً وأكثر من 14,113 جريحاً. كما سُجلت وفاة طفلة جديدة جراء المجاعة وسوء التغذية، ليصل عدد ضحايا الجوع إلى 240، بينهم 107 أطفال.
تحركات عسكرية
أعلن جيش العدو أن قوات الفرقة 99 بدأت عملياتها في منطقة الزيتون على أطراف مدينة غزة، في وقت تواجه فيه المستشفيات أوضاعاً إنسانية وصحية حرجة، مع نقص حاد في الإمدادات الطبية وصعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة بفعل القصف والحصار.
وقال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنه وثّق مقتل 1,769 شخصاً على الأقل من طالبي المساعدات منذ 27 أيار، معتبراً أن الهجمات الإسرائيلية على قوافل المساعدات «استهداف متعمد ومتكرر» ساهم بشكل كبير في تفاقم المجاعة بين المدنيين.
ودعت الأمم المتحدة، إسرائيل إلى «الوقف الفوري للهجمات على الذين يؤمّنون المساعدات» والامتثال لالتزاماتها الدولية لتسهيل إيصالها، مشددة على وجوب التحقيق العاجل والمستقل ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
وفي ذات السياق، أعلنت مصادر طبية في قطاع غزة، استشهاد 51 فلسطينياً، وإصابة 369 آخرين خلال 24 ساعة، جراء استمرار قصف جيش العدو الإسرائيلي. وأفادت «وكالة معاً» الفلسطينية، باستشهاد فلسطينيين سقطا في قصف على مبنى العيادات الخارجية بمستشفى شهداء الأقصى، فيما أبلغ مصدر في مستشفى الشفاء عن ستة شهداء ومصابين من طالبي المساعدات شمالي القطاع.
حصيلة العدوان المستمر
بحسب التقرير الإحصائي اليومي، بلغت حصيلة الشهداء منذ بدء العدوان في 7 تشرين الأول 2023، 61,827 شهيداً و155,275 جريحاً. ومنذ استئناف العدوان في 18 آذار 2025، سُجّل 10,300 شهيد و43,234 إصابة، وسط استمرار استهداف المدنيين ومناطق المساعدات.
«شهداء لقمة العيش» وضحايا المجاعة
إلى لك، وثّقت وزارة الصحة استشهاد 17 فلسطينياً وإصابة 250 آخرين خلال الساعات الماضية أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات، ليرتفع عدد «شهداء لقمة العيش» إلى 1,898 شهيداً وأكثر من 14,113 جريحاً. كما سُجلت وفاة طفلة جديدة جراء المجاعة وسوء التغذية، ليصل عدد ضحايا الجوع إلى 240، بينهم 107 أطفال.
تحركات عسكرية
أعلن جيش العدو أن قوات الفرقة 99 بدأت عملياتها في منطقة الزيتون على أطراف مدينة غزة، في وقت تواجه فيه المستشفيات أوضاعاً إنسانية وصحية حرجة، مع نقص حاد في الإمدادات الطبية وصعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة بفعل القصف والحصار.
الإبادة تدخل يومها الـ680: أكثر من 61 ألف شهيد و155 ألف إصابة
تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي، مع دخول الإبادة يومها الـ680 على التوالي، بتنفيذ عمليات قصف جوي ومدفعي على أنحاء متفرقة من القطاع، وعلى وجه الخصوص، في مدينة غزة.
مصادر محلية أفادت، فجر اليوم، بأن قوات الاحتلال تقوم بنسف عدد كبير من منازل الأهالي في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، وسط استمرار تقارير إسرائيلية عن أن "الجيش يستعد لتنفيذ عملية عسكرية فيها وفق توجيهات القيادة السياسية"، وفي السياق ذاته كانت تقارير إسرائيلية تحدثت عن أن "قادة الجيش يعقدون، اليوم السبت، اجتماعًا في مقر قيادة المنطقة الجنوبية في بئر السبع بشأن العملية العسكرية في غزة"، على أن يلتحق بالاجتماع، الأحد، رئيس أركان الجيش، إيال زامير، "للتصديق على خطط احتلال مدينة غزة"، على حد قولها.
سياسيًا، على صلة بالجهود الدبلوماسية في مسألة وقف إطلاق النار في غزة، نقلت هيئة البث الإسرائيلية "كان 11"، مساء الجمعة، أن "الفريق المفاوض الإسرائيلي يعتقد أنه يجب قبول فرصة صفقة جزئية تؤدي إلى الإفراج عن عدد كبير من الأسرى في غزة، في حال طرحت على طاولة المفاوضات غير المباشرة مع حماس".
إلى ذلك، وعلى الرغم من تصريحاته، تناقلت تقارير إسرائيلية، أن مكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، "لا يستبعد قبول مقترح لصفقة جزئية" إذا عُرضت وكانت "تلبي مطالب إسرائيل".
يأتي ذلك وسط استمرار الارتفاع في حصيلة الشهداء والمصابين بعموم القطاع، حيث استشهد 51 شخصًا وأصيب 369 آخرون بنيران الاحتلال في غزة في آخر 24 ساعة، لترتفع بذلك حصيلة ضحايا حرب الإبادة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 61,827 شهيدًا و155,275 إصابة بينهم 1898 شهيدًا وأكثر من 14,113 إصابة من المجوّعين بعد استشهاد 17 شخصًا وإصابة 250 آخرين من منتظري المساعدات بنيران الاحتلال في آخر 24 ساعة.
حماس: نرفض إدراجنا في "القائمة السوداء" للأمم المتحدة واستبعاد الاحتلال وندعو لتحقيق دولي مستقل
أعربت حركة حماس عن رفضها القاطع وإدانتها الشديدة للتقرير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة في 14 آب/ أغسطس (أمس)، بشأن العنف الجنسي المتصل بالنزاعات المسلحة، والذي تضمن إدراج الحركة ضمن "القائمة السوداء" لمرتكبي الجرائم الجنسية، في خطوة باطلة قانونيا ومجافية للحقائق، وتندرج ضمن ازدواجية المعايير السياسية التي باتت تقوض مصداقية المنظومة الدولية؛ بحسب ما قالت في بيان لها مساء الجمعة.
وذكرت "إن هذا الإدراج يفتقر إلى أي أساس قانوني أو أدلة موثوقة، إذ لم يستند إلى تحقيقات ميدانية مستقلة ومحايدة، ولم يلتزم بمعايير الإثبات الدولية المعترف بها، بل اعتمد حصرا على روايات إسرائيلية مسيّسة ومفبركة بالكامل، دون إجراء أي تحقيق نزيه أو التواصل مع الضحايا المزعومين، وهو ما يشكل خرقا فاضحا للمبادئ المهنية المنصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".
وقالت حماس إنه "وفي المقابل، تم استبعاد قوات الاحتلال الإسرائيلي من الإدانة والإدراج في هذه القائمة، رغم توافر مئات الأدلة الموثقة في تقارير لجان تقصّي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية المستقلة، والمقررين الخاصين، والتي تثبت أن قوات الاحتلال ارتكبت انتهاكات ممنهجة للعنف الجنسي ضد المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك الاغتصاب وأشكال أخرى من الاعتداءات الجنسية، في سياق حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة".
وأشارت إلى أن "هذه الازدواجية الصارخة تمثل انحرافا خطيرا عن مبدأ المساواة أمام القانون الدولي، وتسييسا فجّا لآليات الأمم المتحدة، بما يهدد نزاهتها ويحوّلها إلى أداة لتبييض جرائم الاحتلال بدلا من مساءلته".
وذكرّت حماس، بأن "قرار مجلس الأمن رقم 1820 (2008) وقرار 2467 (2019) شددا على أن جميع مزاعم العنف الجنسي في النزاعات يجب أن تخضع لتحقيقات ميدانية مستقلة ومحايدة وفق معايير الإثبات الدولية المعترف بها، وهو ما لم يتم احترامه في حالة هذا الإدراج".
ودعت الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى مراجعة هذا القرار غير العادل وسحبه فورا من السجلات الرسمية، وفتح تحقيق دولي مستقل ومحايد بإشراف لجنة خبراء دوليين في جميع مزاعم العنف الجنسي المرتبطة بالصراع مع العدو الإسرائيلي، وملاحقة ومحاسبة قادة الاحتلال وقادة جيشه عن "كل جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي ضد أبناء شعبنا، وضد أسرانا في سجون ومعسكرات الاعتقال النازية، وتقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية التزاما بمبدأ عدم الإفلات من العقاب".
وأكدت حماس أن "تسييس العدالة الدولية وازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي الإنساني يقوض الثقة بمنظومة الأمم المتحدة، ويشجع الجناة الحقيقيين على مواصلة جرائمهم بلا رادع، ما يفاقم معاناة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال".
إسرائيل من العدوان إلى القضم البطيء: غزة تحت مجهر السيطرة
حسين صبرا
تعتمد تل أبيب سياسة القضم البطيء، منذ قيام دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، حيث تبدأ بخطوات «أمنية» أو «مؤقتة» سرعان ما تتحوّل إلى سيطرة دائمة. اليوم، تتجلى هذه السياسة في خطة إحكام السيطرة على مدينة غزة وإنشاء ميناء يخضع للسيادة الإسرائيلية، بما يمنح الاحتلال قدرة أكبر على التحكم بالممرات البحرية وخطوط التجارة في شرق المتوسط. هذا التوجه، الذي يتقاطع فيه البعد العسكري مع الطموح الاقتصادي، يهدف إلى إلغاء أي نافذة بحرية مستقلة للفلسطينيين وتحويل الميناء إلى أداة ضغط إقليمية. وما يُسوَّق على أنه «تحرير» أو «إجراء مؤقت»، ليس إلا حلقة جديدة في مسار توسعي يرسم خريطة سيطرة إسرائيلية أوسع، مستفيدة من الصمت الدولي.
بدأت المؤشرات العلنية للمخطط التوسعي داخل الأراضي الفلسطينية، مع إنشاء الرصيف البحري العائم على شواطئ القطاع، في السابع عشر من أيار عام ٢٠٢٤، والذي جرى تقديمه إعلامياً بصفته «ممرّاً إنسانياً» لتسهيل إدخال المساعدات. لكن التجارب التاريخية مع إسرائيل تثبت أن ما يُقدَّم كإجراء مؤقت أو محدود، يتحوّل تدريجياً إلى نقطة ارتكاز استراتيجية دائمة، فهل تعيد دولة الاحتلال بناء الرصيف على هيئة ميناء مع احتلال غزة؟
منذ أكثر من ستة عقود، حوّلت تل أبيب احتلالات موضعية إلى ضمّ فعلي، وتوسّعت في المستوطنات التي كانت تزعم معارضتها، حتى بات من المستحيل إزالتها. هذه القاعدة التاريخية تجعل من السذاجة تصديق أن السيطرة على مدينة غزة، إذا تحققت، ستكون إجراءً ظرفياً.
خطة الاحتلال الجديدة كما تكشفها التسريبات والتصريحات الرسمية، تبدأ بإحكام الطوق العسكري على مدينة غزة، مع إبقاء أجزاء من القطاع خارج السيطرة المباشرة. في الخطاب العلني، يحاول بنيامين نتنياهو إضفاء طابع «محدود» و«مؤقت» على العملية، مؤكداً أنها لا تهدف إلى احتلال غزة كاملة، بل «تحرير» المدينة من قبضة المقاومة، مع الإبقاء على سيطرة أمنية إسرائيلية شاملة ومنح إدارة مدنية لجهة أخرى.
لكن، كما أشارت صحيفة «هآرتس»، فإن هذا التوصيف يفتقر إلى المصداقية، إذ يتعارض مع سوابق الاحتلال ومع نهج الحكومات الإسرائيلية في تحويل الإجراءات المؤقتة إلى دائمة.
بين أهداف تل أبيب المعلنة ونواياها الخفية
إسرائيل، التي تُتقن استخدام الأمن ذريعةً للتوسع، ترى في ميناء غزة فرصة استراتيجية تتجاوز حدود القطاع. فمن الناحية الجيوسياسية، السيطرة على هذا المرفأ تمنح تل أبيب قدرة إضافية على التحكم بحركة البضائع والأشخاص، ليس فقط من غزة وإليها، بل في كامل الشريط البحري الجنوبي لفلسطين المحتلة.
الميناء الجديد، إذا أُنشئ وفق المخطط الإسرائيلي، سيكون جزءاً من شبكة موانئ تهيمن عليها تل أبيب على طول الساحل الفلسطيني، من حيفا وعسقلان شمالاً إلى أسدود و«الميناء العسكري» في عسقلان، وصولاً إلى أي منشأة بحرية في غزة. هذه الشبكة لا تعزز الاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل تمنحه أوراق ضغط قوية في التبادل التجاري الإقليمي، خاصة تجاه مصر والدول العربية المطلة على المتوسط.
ومن منظور أمني، ميناء غزة تحت السيطرة الإسرائيلية يعني إلغاء أي نافذة بحرية مستقلة للفلسطينيين، وتحويله إلى أداة مراقبة وتجسس وإحكام للحصار، بحيث تبقى جميع الواردات والصادرات خاضعة لسلطة الاحتلال، كما هو الحال في المعابر البرية. التجربة مع ميناء أسدود، الذي يخضع لرقابة عسكرية صارمة، تؤكد أن أي منفذ بحري تحت سيادة إسرائيلية يتحول إلى جزء من منظومة الأمن القومي لديها، يمنع أي نشاط لا يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية.
المفارقة أن نتنياهو يحاول التخفيف من وقع المشروع عبر لغة مطمئنة، كما لاحظت «هآرتس»، إذ يكرر أن العملية ليست احتلالاً، وأنها محدودة زمنياً، وستتوقف بعد «تحرير» المدينة واستعادة المحتجزين.
لكن هذه اللغة، التي تبدو موجهة إلى الداخل الإسرائيلي والضغوط الدولية، تتناقض مع الواقع الميداني ومع خبرة الفلسطينيين الطويلة مع الاحتلال. فكل عملية «حماية أمنية» انتهت تاريخياً بتوسيع دائرة السيطرة وتكريس الوقائع على الأرض.
قضم بطيء وتكريس الأمر الواقع
تاريخياً، لم تكن إسرائيل تنسحب إلا تحت ضغط هزيمة عسكرية أو صفقة دولية قاسية ومستحيلة، وحتى في هذه الحالات، كانت تحافظ على أدوات التأثير والسيطرة غير المباشرة.
من سيناء إلى جنوب لبنان، ومن الضفة الغربية إلى القدس، مارس الاحتلال سياسة القضم البطيء، بحيث تبدأ بخطوة «أمنية» أو «مؤقتة» ثم تتحول إلى أمر واقع مستدام، كما حال مزارع شبعا والقرى السبع في جنوب لبنان، وربما التلال الخمس المحتلة الآن.
في هذا الإطار، تبدو خطة السيطرة على مدينة غزة امتداداً طبيعياً لعقيدة الاحتلال التي تمزج بين الاستراتيجية العسكرية والهيمنة الاقتصادية.
الأخطر أن السيطرة على غزة وإقامة فيها ميناء، تمنح إسرائيل موقعاً متقدماً في أي مشاريع إقليمية للنقل البحري أو الطاقة في شرق المتوسط. فوجود ميناء خاضع لإدارتها في غزة يعني أنها ستكون قادرة على التأثير في خطوط الإمداد، وربما الانخراط مستقبلاً في مشاريع ربط بحري مع دول المنطقة، مستخدمة الميناء كمنصة تجارية وأمنية في آن واحد. وهذا يضعف قدرة الفلسطينيين على إقامة أي بنية تحتية بحرية مستقلة، ويحرمهم من مورد اقتصادي حيوي كان يمكن أن يسهم في فك الحصار.
إن مشروع الاحتلال في غزة، بما يتضمنه من تطويق عسكري للمدينة وإنشاء ميناء تحت السيطرة الإسرائيلية، ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من سياسات التوسع. وإذا كانت الرواية الرسمية الإسرائيلية تتحدث عن «إجراء مؤقت وتحرير وضمان أمني»، فإن الواقع يشير إلى نية واضحة لتحويل السيطرة إلى أمر واقع، مستفيدة من انشغال العالم بالحرب ومن الانقسام العربي والفلسطيني.
إن ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد معركة عسكرية، بل إعادة رسم لخريطة السيطرة على البحر والموانئ في فلسطين المحتلة.
وكما في كل التجارب السابقة، فإن الاحتلال لا يعرف معنى «المؤقت»، بل يحوّل كل مكسب ميداني إلى قاعدة انطلاق لمزيد من التوسع.
جيش العدو يستعد لاحتلال مدينة غزة
أفادت «هيئة البث الإسرائيلية» بأن جيش العدو يعتزم تسريع العملية العسكرية الرامية لاحتلال مدينة غزة، تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية.
من المقرر أن يعقد قادة الجيش، غداً، اجتماعاً في قيادة المنطقة الجنوبية لبحث سير العمليات العسكرية في غزة، على أن يزور رئيس الأركان، الأحد، مقر القيادة للتصديق على خطط احتلال المدينة.
وذكرت «هيئة البث الإسرائيلية» أن الخطة تتضمن إجراءات لتقليص احتمالات تعريض المخطوفين للخطر، وأن أسلوب تنفيذ العملية سيحدد حجم القوات التي سيتم استدعاؤها.
وأضافت أن الجيش «سيحاول قدر المستطاع تقليص استدعاء جنود الاحتياط للمشاركة في العملية».
وأعلن جيش العدو أن قوات الفرقة 99 بدأت عملياتها في منطقة الزيتون على أطراف مدينة غزة، في وقت تواجه فيه المستشفيات أوضاعاً إنسانية وصحية حرجة، مع نقص حاد في الإمدادات الطبية وصعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة بفعل القصف والحصار.
«حماس»: تهديد البرغوثي يعكس فاشية الاحتلال
رأت حركة «حماس» أنّ اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، لزنزانة الأسير مروان البرغوثي، وتهديده المباشر له، «يكشف فاشية الاحتلال وعداءه لكل القيم الإنسانية».
وشددت الحركة، في بيانٍ، على أنّ هذه الممارسات «لن تنال من عزيمة المناضل البرغوثي، بل ستزيده إصراراً على مواصلة نضاله المشروع من أجل حرية شعبه وكرامته».
وربطت الحركة بين هذا السلوك و«الجرائم المرتكبة في معتقل سديه تيمان»، حيث يتعرّض الأسرى، ومن بينهم أطباء وممرضون وصحافيون، لـ«انتهاكات مروعة تعكس حجم الوحشية التي يدير بها العدو ملف الأسرى الفلسطينيين».
ودعت «حماس» إلى «أوسع حالة تضامن وإسناد مع أسرانا الأبطال»، مطالبةً بتصعيد الضغط الشعبي لوقف الانتهاكات، كما ناشدت «الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية وأحرار العالم بالتحرك العاجل لحمايتهم، ومحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم».
السلطة الفلسطينية: إرهاب دولة منظم
في السياق نفسه، حمّلت وزارة الخارجية الفلسطينية حكومة العدو المسؤولية الكاملة عن حياة مروان البرغوثي وسائر الأسرى، واصفةً ما جرى بأنّه «استفزاز غير مسبوق» و«إرهاب دولة منظم»، وفق ما نقلت وكالة «وفا».
وأكدت الوزارة أنّها «ستتابع هذا التهديد بجدية» مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهيئات المختصة، داعيةً إلى تدخل دولي فوري يضمن حماية الأسرى و«تأمين الإفراج الفوري عنهم».
وكان بن غفير قد اقتحم، أمس، قسم العزل الانفرادي في سجن «ريمون»، حيث يحتجز مروان البرغوثي، ووجه إليه تهديداً مباشراً خلال زيارته الاستفزازية، وقال له: «من يعبث مع شعب إسرائيل سوف يمحى».
BBC... سقوط أخلاقي مدوٍّ
في لحظةٍ هزّت العالم ومجتمع الصحافة، طرح مراسل في «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي. بي. سي) واحداً من أكثر الأسئلة الصادمة أخلاقياً على الهواء مباشرة: «هناك مسألة التناسب. هل من المبرر قتل خمسة صحافيين عندما يكون المستهدف واحداً فقط؟».
معادلة القتل الرقميّة
الجملة بُثت أثناء تغطية الإذاعة لعملية اغتيال اسرائيل لخمسة صحافيين فلسطينيين من قناة «الجزيرة» في غزة. هكذا، وبقسوة عفوية ووحشية باردة، اختزلت «بي. بي. سي» خمسة صحافيين، مجموعة من البشر، إلى مجرد أرقام في دفتر خسائر «مقبولة».
لم تتعامل الإذاعة مع قتل الصحافيين باعتباره جريمة حرب أو انتهاكاً لحرية الصحافة، بل كقرار تكتيكي يمكن تقييمه عبر ميزان الربح والخسارة. الفرضية الضمنية هنا هي أن عدداً من القتلى من الصحافيين قد يكون «مبرراً» إذا اعتُبر الهدف العسكري مهماً بما يكفي.
ربما الأكثر إثارة للصدمة في السؤال هو الطابع الاعتيادي الذي طُرح به. طرح المذيع السؤال بنفس النبرة التي قد تُطرح بها أحوال الطقس أو حركة المرور.
الضحايا كإحصاءات
ما يجعل نهج الـ «بي. بي. سي» مقلقاً إلى هذا الحد هو الطريقة التي تجرّد الضحايا من كل أثر للإنسانية. هؤلاء لم يكونوا أرقاماً مجردة ولا أهدافاً عسكرية — كانوا صحافيين يعملون على الأرض، من بينهم أنس الشريف، المراسل المعروف في «الجزيرة»، الذي وثّق حياة الفلسطينيين في غزة. كل واحد من الخمسة كان له اسم، وزملاء يفتقدونه، وأُسر لن تراه مجدداً.
ومع ذلك، تحوّلوا في صياغة شبكة الإذاعة البريطانية إلى معادلة حسابية بسيطة: هل يُعتبر موت خمسة أشخاص أضراراً جانبية مقبولة من أجل هدف واحد مقصود؟ كأنّ حياتهم لا قيمة لها إلا بقدر علاقتها العددية بهدف عسكري.
حين تخون وسائل الإعلام نفسها
من خلال تأطير الوفيات كسؤال عن التناسب، تقبل الـ «بي. بي. سي» ضمناً أن الصحافيين يمكن أن يكونوا أهدافاً مشروعة للعمل العسكري، طالما أن الأرقام «تتوازن».
يمثل هذا النهج خيانة عميقة لمهنة الصحافة نفسها. فالمؤسسات الإخبارية تتحمل واجباً أساسياً في الدفاع عن حرية الصحافة وسلامة الصحافيين في كل مكان. بدلاً من ذلك، قدّمت «بي. بي. سي» غطاءً فكرياً للهجمات على الإعلاميين عبر الإيحاء بأنه في ظروف معينة قد يكون قتل الصحافيين «مبرراً»
تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي، مع دخول الإبادة يومها الـ680 على التوالي، بتنفيذ عمليات قصف جوي ومدفعي على أنحاء متفرقة من القطاع، وعلى وجه الخصوص، في مدينة غزة.
مصادر محلية أفادت، فجر اليوم، بأن قوات الاحتلال تقوم بنسف عدد كبير من منازل الأهالي في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، وسط استمرار تقارير إسرائيلية عن أن "الجيش يستعد لتنفيذ عملية عسكرية فيها وفق توجيهات القيادة السياسية"، وفي السياق ذاته كانت تقارير إسرائيلية تحدثت عن أن "قادة الجيش يعقدون، اليوم السبت، اجتماعًا في مقر قيادة المنطقة الجنوبية في بئر السبع بشأن العملية العسكرية في غزة"، على أن يلتحق بالاجتماع، الأحد، رئيس أركان الجيش، إيال زامير، "للتصديق على خطط احتلال مدينة غزة"، على حد قولها.
سياسيًا، على صلة بالجهود الدبلوماسية في مسألة وقف إطلاق النار في غزة، نقلت هيئة البث الإسرائيلية "كان 11"، مساء الجمعة، أن "الفريق المفاوض الإسرائيلي يعتقد أنه يجب قبول فرصة صفقة جزئية تؤدي إلى الإفراج عن عدد كبير من الأسرى في غزة، في حال طرحت على طاولة المفاوضات غير المباشرة مع حماس".
إلى ذلك، وعلى الرغم من تصريحاته، تناقلت تقارير إسرائيلية، أن مكتب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، "لا يستبعد قبول مقترح لصفقة جزئية" إذا عُرضت وكانت "تلبي مطالب إسرائيل".
يأتي ذلك وسط استمرار الارتفاع في حصيلة الشهداء والمصابين بعموم القطاع، حيث استشهد 51 شخصًا وأصيب 369 آخرون بنيران الاحتلال في غزة في آخر 24 ساعة، لترتفع بذلك حصيلة ضحايا حرب الإبادة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 61,827 شهيدًا و155,275 إصابة بينهم 1898 شهيدًا وأكثر من 14,113 إصابة من المجوّعين بعد استشهاد 17 شخصًا وإصابة 250 آخرين من منتظري المساعدات بنيران الاحتلال في آخر 24 ساعة.
حماس: نرفض إدراجنا في "القائمة السوداء" للأمم المتحدة واستبعاد الاحتلال وندعو لتحقيق دولي مستقل
أعربت حركة حماس عن رفضها القاطع وإدانتها الشديدة للتقرير الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة في 14 آب/ أغسطس (أمس)، بشأن العنف الجنسي المتصل بالنزاعات المسلحة، والذي تضمن إدراج الحركة ضمن "القائمة السوداء" لمرتكبي الجرائم الجنسية، في خطوة باطلة قانونيا ومجافية للحقائق، وتندرج ضمن ازدواجية المعايير السياسية التي باتت تقوض مصداقية المنظومة الدولية؛ بحسب ما قالت في بيان لها مساء الجمعة.
وذكرت "إن هذا الإدراج يفتقر إلى أي أساس قانوني أو أدلة موثوقة، إذ لم يستند إلى تحقيقات ميدانية مستقلة ومحايدة، ولم يلتزم بمعايير الإثبات الدولية المعترف بها، بل اعتمد حصرا على روايات إسرائيلية مسيّسة ومفبركة بالكامل، دون إجراء أي تحقيق نزيه أو التواصل مع الضحايا المزعومين، وهو ما يشكل خرقا فاضحا للمبادئ المهنية المنصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة".
وقالت حماس إنه "وفي المقابل، تم استبعاد قوات الاحتلال الإسرائيلي من الإدانة والإدراج في هذه القائمة، رغم توافر مئات الأدلة الموثقة في تقارير لجان تقصّي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية المستقلة، والمقررين الخاصين، والتي تثبت أن قوات الاحتلال ارتكبت انتهاكات ممنهجة للعنف الجنسي ضد المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك الاغتصاب وأشكال أخرى من الاعتداءات الجنسية، في سياق حرب الإبادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة".
وأشارت إلى أن "هذه الازدواجية الصارخة تمثل انحرافا خطيرا عن مبدأ المساواة أمام القانون الدولي، وتسييسا فجّا لآليات الأمم المتحدة، بما يهدد نزاهتها ويحوّلها إلى أداة لتبييض جرائم الاحتلال بدلا من مساءلته".
وذكرّت حماس، بأن "قرار مجلس الأمن رقم 1820 (2008) وقرار 2467 (2019) شددا على أن جميع مزاعم العنف الجنسي في النزاعات يجب أن تخضع لتحقيقات ميدانية مستقلة ومحايدة وفق معايير الإثبات الدولية المعترف بها، وهو ما لم يتم احترامه في حالة هذا الإدراج".
ودعت الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى مراجعة هذا القرار غير العادل وسحبه فورا من السجلات الرسمية، وفتح تحقيق دولي مستقل ومحايد بإشراف لجنة خبراء دوليين في جميع مزاعم العنف الجنسي المرتبطة بالصراع مع العدو الإسرائيلي، وملاحقة ومحاسبة قادة الاحتلال وقادة جيشه عن "كل جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي ضد أبناء شعبنا، وضد أسرانا في سجون ومعسكرات الاعتقال النازية، وتقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية التزاما بمبدأ عدم الإفلات من العقاب".
وأكدت حماس أن "تسييس العدالة الدولية وازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي الإنساني يقوض الثقة بمنظومة الأمم المتحدة، ويشجع الجناة الحقيقيين على مواصلة جرائمهم بلا رادع، ما يفاقم معاناة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال".
إسرائيل من العدوان إلى القضم البطيء: غزة تحت مجهر السيطرة
حسين صبرا
تعتمد تل أبيب سياسة القضم البطيء، منذ قيام دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، حيث تبدأ بخطوات «أمنية» أو «مؤقتة» سرعان ما تتحوّل إلى سيطرة دائمة. اليوم، تتجلى هذه السياسة في خطة إحكام السيطرة على مدينة غزة وإنشاء ميناء يخضع للسيادة الإسرائيلية، بما يمنح الاحتلال قدرة أكبر على التحكم بالممرات البحرية وخطوط التجارة في شرق المتوسط. هذا التوجه، الذي يتقاطع فيه البعد العسكري مع الطموح الاقتصادي، يهدف إلى إلغاء أي نافذة بحرية مستقلة للفلسطينيين وتحويل الميناء إلى أداة ضغط إقليمية. وما يُسوَّق على أنه «تحرير» أو «إجراء مؤقت»، ليس إلا حلقة جديدة في مسار توسعي يرسم خريطة سيطرة إسرائيلية أوسع، مستفيدة من الصمت الدولي.
بدأت المؤشرات العلنية للمخطط التوسعي داخل الأراضي الفلسطينية، مع إنشاء الرصيف البحري العائم على شواطئ القطاع، في السابع عشر من أيار عام ٢٠٢٤، والذي جرى تقديمه إعلامياً بصفته «ممرّاً إنسانياً» لتسهيل إدخال المساعدات. لكن التجارب التاريخية مع إسرائيل تثبت أن ما يُقدَّم كإجراء مؤقت أو محدود، يتحوّل تدريجياً إلى نقطة ارتكاز استراتيجية دائمة، فهل تعيد دولة الاحتلال بناء الرصيف على هيئة ميناء مع احتلال غزة؟
منذ أكثر من ستة عقود، حوّلت تل أبيب احتلالات موضعية إلى ضمّ فعلي، وتوسّعت في المستوطنات التي كانت تزعم معارضتها، حتى بات من المستحيل إزالتها. هذه القاعدة التاريخية تجعل من السذاجة تصديق أن السيطرة على مدينة غزة، إذا تحققت، ستكون إجراءً ظرفياً.
خطة الاحتلال الجديدة كما تكشفها التسريبات والتصريحات الرسمية، تبدأ بإحكام الطوق العسكري على مدينة غزة، مع إبقاء أجزاء من القطاع خارج السيطرة المباشرة. في الخطاب العلني، يحاول بنيامين نتنياهو إضفاء طابع «محدود» و«مؤقت» على العملية، مؤكداً أنها لا تهدف إلى احتلال غزة كاملة، بل «تحرير» المدينة من قبضة المقاومة، مع الإبقاء على سيطرة أمنية إسرائيلية شاملة ومنح إدارة مدنية لجهة أخرى.
لكن، كما أشارت صحيفة «هآرتس»، فإن هذا التوصيف يفتقر إلى المصداقية، إذ يتعارض مع سوابق الاحتلال ومع نهج الحكومات الإسرائيلية في تحويل الإجراءات المؤقتة إلى دائمة.
بين أهداف تل أبيب المعلنة ونواياها الخفية
إسرائيل، التي تُتقن استخدام الأمن ذريعةً للتوسع، ترى في ميناء غزة فرصة استراتيجية تتجاوز حدود القطاع. فمن الناحية الجيوسياسية، السيطرة على هذا المرفأ تمنح تل أبيب قدرة إضافية على التحكم بحركة البضائع والأشخاص، ليس فقط من غزة وإليها، بل في كامل الشريط البحري الجنوبي لفلسطين المحتلة.
الميناء الجديد، إذا أُنشئ وفق المخطط الإسرائيلي، سيكون جزءاً من شبكة موانئ تهيمن عليها تل أبيب على طول الساحل الفلسطيني، من حيفا وعسقلان شمالاً إلى أسدود و«الميناء العسكري» في عسقلان، وصولاً إلى أي منشأة بحرية في غزة. هذه الشبكة لا تعزز الاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل تمنحه أوراق ضغط قوية في التبادل التجاري الإقليمي، خاصة تجاه مصر والدول العربية المطلة على المتوسط.
ومن منظور أمني، ميناء غزة تحت السيطرة الإسرائيلية يعني إلغاء أي نافذة بحرية مستقلة للفلسطينيين، وتحويله إلى أداة مراقبة وتجسس وإحكام للحصار، بحيث تبقى جميع الواردات والصادرات خاضعة لسلطة الاحتلال، كما هو الحال في المعابر البرية. التجربة مع ميناء أسدود، الذي يخضع لرقابة عسكرية صارمة، تؤكد أن أي منفذ بحري تحت سيادة إسرائيلية يتحول إلى جزء من منظومة الأمن القومي لديها، يمنع أي نشاط لا يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية.
المفارقة أن نتنياهو يحاول التخفيف من وقع المشروع عبر لغة مطمئنة، كما لاحظت «هآرتس»، إذ يكرر أن العملية ليست احتلالاً، وأنها محدودة زمنياً، وستتوقف بعد «تحرير» المدينة واستعادة المحتجزين.
لكن هذه اللغة، التي تبدو موجهة إلى الداخل الإسرائيلي والضغوط الدولية، تتناقض مع الواقع الميداني ومع خبرة الفلسطينيين الطويلة مع الاحتلال. فكل عملية «حماية أمنية» انتهت تاريخياً بتوسيع دائرة السيطرة وتكريس الوقائع على الأرض.
قضم بطيء وتكريس الأمر الواقع
تاريخياً، لم تكن إسرائيل تنسحب إلا تحت ضغط هزيمة عسكرية أو صفقة دولية قاسية ومستحيلة، وحتى في هذه الحالات، كانت تحافظ على أدوات التأثير والسيطرة غير المباشرة.
من سيناء إلى جنوب لبنان، ومن الضفة الغربية إلى القدس، مارس الاحتلال سياسة القضم البطيء، بحيث تبدأ بخطوة «أمنية» أو «مؤقتة» ثم تتحول إلى أمر واقع مستدام، كما حال مزارع شبعا والقرى السبع في جنوب لبنان، وربما التلال الخمس المحتلة الآن.
في هذا الإطار، تبدو خطة السيطرة على مدينة غزة امتداداً طبيعياً لعقيدة الاحتلال التي تمزج بين الاستراتيجية العسكرية والهيمنة الاقتصادية.
الأخطر أن السيطرة على غزة وإقامة فيها ميناء، تمنح إسرائيل موقعاً متقدماً في أي مشاريع إقليمية للنقل البحري أو الطاقة في شرق المتوسط. فوجود ميناء خاضع لإدارتها في غزة يعني أنها ستكون قادرة على التأثير في خطوط الإمداد، وربما الانخراط مستقبلاً في مشاريع ربط بحري مع دول المنطقة، مستخدمة الميناء كمنصة تجارية وأمنية في آن واحد. وهذا يضعف قدرة الفلسطينيين على إقامة أي بنية تحتية بحرية مستقلة، ويحرمهم من مورد اقتصادي حيوي كان يمكن أن يسهم في فك الحصار.
إن مشروع الاحتلال في غزة، بما يتضمنه من تطويق عسكري للمدينة وإنشاء ميناء تحت السيطرة الإسرائيلية، ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة طويلة من سياسات التوسع. وإذا كانت الرواية الرسمية الإسرائيلية تتحدث عن «إجراء مؤقت وتحرير وضمان أمني»، فإن الواقع يشير إلى نية واضحة لتحويل السيطرة إلى أمر واقع، مستفيدة من انشغال العالم بالحرب ومن الانقسام العربي والفلسطيني.
إن ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد معركة عسكرية، بل إعادة رسم لخريطة السيطرة على البحر والموانئ في فلسطين المحتلة.
وكما في كل التجارب السابقة، فإن الاحتلال لا يعرف معنى «المؤقت»، بل يحوّل كل مكسب ميداني إلى قاعدة انطلاق لمزيد من التوسع.
جيش العدو يستعد لاحتلال مدينة غزة
أفادت «هيئة البث الإسرائيلية» بأن جيش العدو يعتزم تسريع العملية العسكرية الرامية لاحتلال مدينة غزة، تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية.
من المقرر أن يعقد قادة الجيش، غداً، اجتماعاً في قيادة المنطقة الجنوبية لبحث سير العمليات العسكرية في غزة، على أن يزور رئيس الأركان، الأحد، مقر القيادة للتصديق على خطط احتلال المدينة.
وذكرت «هيئة البث الإسرائيلية» أن الخطة تتضمن إجراءات لتقليص احتمالات تعريض المخطوفين للخطر، وأن أسلوب تنفيذ العملية سيحدد حجم القوات التي سيتم استدعاؤها.
وأضافت أن الجيش «سيحاول قدر المستطاع تقليص استدعاء جنود الاحتياط للمشاركة في العملية».
وأعلن جيش العدو أن قوات الفرقة 99 بدأت عملياتها في منطقة الزيتون على أطراف مدينة غزة، في وقت تواجه فيه المستشفيات أوضاعاً إنسانية وصحية حرجة، مع نقص حاد في الإمدادات الطبية وصعوبة الوصول إلى المناطق المنكوبة بفعل القصف والحصار.
«حماس»: تهديد البرغوثي يعكس فاشية الاحتلال
رأت حركة «حماس» أنّ اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، لزنزانة الأسير مروان البرغوثي، وتهديده المباشر له، «يكشف فاشية الاحتلال وعداءه لكل القيم الإنسانية».
وشددت الحركة، في بيانٍ، على أنّ هذه الممارسات «لن تنال من عزيمة المناضل البرغوثي، بل ستزيده إصراراً على مواصلة نضاله المشروع من أجل حرية شعبه وكرامته».
وربطت الحركة بين هذا السلوك و«الجرائم المرتكبة في معتقل سديه تيمان»، حيث يتعرّض الأسرى، ومن بينهم أطباء وممرضون وصحافيون، لـ«انتهاكات مروعة تعكس حجم الوحشية التي يدير بها العدو ملف الأسرى الفلسطينيين».
ودعت «حماس» إلى «أوسع حالة تضامن وإسناد مع أسرانا الأبطال»، مطالبةً بتصعيد الضغط الشعبي لوقف الانتهاكات، كما ناشدت «الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية وأحرار العالم بالتحرك العاجل لحمايتهم، ومحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم».
السلطة الفلسطينية: إرهاب دولة منظم
في السياق نفسه، حمّلت وزارة الخارجية الفلسطينية حكومة العدو المسؤولية الكاملة عن حياة مروان البرغوثي وسائر الأسرى، واصفةً ما جرى بأنّه «استفزاز غير مسبوق» و«إرهاب دولة منظم»، وفق ما نقلت وكالة «وفا».
وأكدت الوزارة أنّها «ستتابع هذا التهديد بجدية» مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والهيئات المختصة، داعيةً إلى تدخل دولي فوري يضمن حماية الأسرى و«تأمين الإفراج الفوري عنهم».
وكان بن غفير قد اقتحم، أمس، قسم العزل الانفرادي في سجن «ريمون»، حيث يحتجز مروان البرغوثي، ووجه إليه تهديداً مباشراً خلال زيارته الاستفزازية، وقال له: «من يعبث مع شعب إسرائيل سوف يمحى».
BBC... سقوط أخلاقي مدوٍّ
في لحظةٍ هزّت العالم ومجتمع الصحافة، طرح مراسل في «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي. بي. سي) واحداً من أكثر الأسئلة الصادمة أخلاقياً على الهواء مباشرة: «هناك مسألة التناسب. هل من المبرر قتل خمسة صحافيين عندما يكون المستهدف واحداً فقط؟».
معادلة القتل الرقميّة
الجملة بُثت أثناء تغطية الإذاعة لعملية اغتيال اسرائيل لخمسة صحافيين فلسطينيين من قناة «الجزيرة» في غزة. هكذا، وبقسوة عفوية ووحشية باردة، اختزلت «بي. بي. سي» خمسة صحافيين، مجموعة من البشر، إلى مجرد أرقام في دفتر خسائر «مقبولة».
لم تتعامل الإذاعة مع قتل الصحافيين باعتباره جريمة حرب أو انتهاكاً لحرية الصحافة، بل كقرار تكتيكي يمكن تقييمه عبر ميزان الربح والخسارة. الفرضية الضمنية هنا هي أن عدداً من القتلى من الصحافيين قد يكون «مبرراً» إذا اعتُبر الهدف العسكري مهماً بما يكفي.
ربما الأكثر إثارة للصدمة في السؤال هو الطابع الاعتيادي الذي طُرح به. طرح المذيع السؤال بنفس النبرة التي قد تُطرح بها أحوال الطقس أو حركة المرور.
الضحايا كإحصاءات
ما يجعل نهج الـ «بي. بي. سي» مقلقاً إلى هذا الحد هو الطريقة التي تجرّد الضحايا من كل أثر للإنسانية. هؤلاء لم يكونوا أرقاماً مجردة ولا أهدافاً عسكرية — كانوا صحافيين يعملون على الأرض، من بينهم أنس الشريف، المراسل المعروف في «الجزيرة»، الذي وثّق حياة الفلسطينيين في غزة. كل واحد من الخمسة كان له اسم، وزملاء يفتقدونه، وأُسر لن تراه مجدداً.
ومع ذلك، تحوّلوا في صياغة شبكة الإذاعة البريطانية إلى معادلة حسابية بسيطة: هل يُعتبر موت خمسة أشخاص أضراراً جانبية مقبولة من أجل هدف واحد مقصود؟ كأنّ حياتهم لا قيمة لها إلا بقدر علاقتها العددية بهدف عسكري.
حين تخون وسائل الإعلام نفسها
من خلال تأطير الوفيات كسؤال عن التناسب، تقبل الـ «بي. بي. سي» ضمناً أن الصحافيين يمكن أن يكونوا أهدافاً مشروعة للعمل العسكري، طالما أن الأرقام «تتوازن».
يمثل هذا النهج خيانة عميقة لمهنة الصحافة نفسها. فالمؤسسات الإخبارية تتحمل واجباً أساسياً في الدفاع عن حرية الصحافة وسلامة الصحافيين في كل مكان. بدلاً من ذلك، قدّمت «بي. بي. سي» غطاءً فكرياً للهجمات على الإعلاميين عبر الإيحاء بأنه في ظروف معينة قد يكون قتل الصحافيين «مبرراً»
غزة: التطهير بالتجويع
أيهم السهلي
كاتب فلسطيني
«يعمل الجيش الإسرائيلي في غزة بخمس فرق عسكرية، بقوة لا مثيل لها منذ بداية الحرب. لم نعد نتحدّث عن غارات ودخول وخروج، بل عن احتلال وتطهير وبقاء حتى القضاء على حماس». وأضاف: «وفي الطريق إلى تدمير حماس، ندمّر أيضاً ما تبقى من القطاع».
هكذا تحدّث وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، في معرض حديث له عن التجويع قبل أشهر، وهذا ما تفعله حكومته وجيشها، وهكذا ترى الغالبية في إسرائيل.
هناك من يبارك التجويع كسلاح مستخدم في المعركة، بغض النظر عن كونه يستخدم في مواجهة مدنيين في القطاع. وبغض النظر عن أن 20 ألف طفل نقلوا إلى المستشفيات لتلقي العلاج من سوء التغذية الحاد بين نيسان وتموز الماضيين، بحسب تقرير صادر عن «التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC)» المدعوم من الأمم المتحدة، وهو شراكةٌ بين 21 منظمة دولية، تتعاون في ما بينها من أجل تحديد شدة ومدى انعدام الأمن الغذائي الحاد والمزمن وحالات سوء التغذية الحاد داخل البلدان، وفقاً للمعايير المعترف بها دوليًا.
حدد «IPC» خمس مراحل للمجاعة، هي، بحسب برنامج الأغذية العالمي، «مقياس ريختر للجوع»، وهذه المراحل هي:
(1) الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي (لا مشكلة)،
(2) مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد (الضغط)،
(3) انعدام الأمن الغذائي الحاد (الأزمة)،
(4) انعدام الأمن الغذائي الحاد (الطوارئ)،
(5) كارثة، أو مجاعة، وهي مرحلة الافتقار التام إلى إمكانية الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى.
وبحسب تقرير لـ«IPC» في 29 تموز الماضي، فإن «السيناريو الأسوأ لحدوث مجاعة يتكشّف حالياً في قطاع غزة»، ولا سيما أنه بسبب اشتداد الصراع والنزوح «انخفضت إمكانية الحصول على الغذاء وغيره من المواد والخدمات الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة».
كل هذه المعطيات تؤشّر إلى أمر واحد: أن لإسرائيل هدفاً واحداً فقط، هو «تطهير» فلسطين من الفلسطينيين. وهي تقوم بذلك بشتى الطرق، بما فيها الجوع، «أحدث قاتل في غزة» بحسب لازاريني
ويضيف التقرير أن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن «انتشار المجاعة وسوء التغذية والأمراض يُسهم في ارتفاع الوفيات المرتبطة بالجوع» كما إنّ أحدث البيانات تشير إلى «بلوغ حد المجاعة في معظم أنحاء قطاع غزة، وفي مدينة غزة أيضاً».
وبحسب المنظمات الدولية، لكي يتم تصنيف منطقة ما على أنها في حالة مجاعة، يجب أن يعاني ما لا يقل عن 20% من سكانها من نقص حاد في الغذاء، وأن يعاني واحد من كل 3 أطفال من سوء التغذية الحاد، إلى جانب وفاة شخصين من كل 10 آلاف يومياً بسبب الجوع أو سوء التغذية والمرض.
وتعليقاً على هذا التقرير، قالت منظمة الصحة العالمة (شريكة في «IPC») إنّ «الناس [في غزة] لا يجدون طعاماً لأيام، وآخرون يموتون لأن أجسادهم التي تعاني نقص التغذية أو الضعف الشديد تستسلم للأمراض أو لفشل الأعضاء». وأضافت، حول وضع القطاع الصحي وإمكانية تدخّله لحماية الذين يعانون من نقص التغذية الحاد، أنه «بينما يُنتظر من النظام الصحي أن يكون مصدراً للإعاشة والإغاثة، فإنّ النظام الصحي في غزة يفتقر إلى الإمدادات الطبية الأساسية والوقود وغير ذلك من الضروريات اللازمة لأداء مهماته بشكلٍ كاملٍ؛ بل إن العاملين في المجال الإنساني والعاملين الصحيين يعانون الضعف بسبب الجوع».
كذلك الإعلام الحكومي في غزة، قال في 13 آب الجاري، إنّ أعداد الضحايا جراء المجاعة وسوء التغذية في القطاع، ارتفع إلى 235 شهيداً، بينهم 106 أطفال، و19 امرأة، و75 من كبار السن، و35 رجلاً فوق سنة الـ 18. وأضاف البيان أن 40 ألف رضيع (أقل من سنة) يعانون من سوء تغذية وحياتهم مهددة. و250 ألف طفل (أقل من 5 سنوات) يعانون من نقص غذاء يهدد حياتهم مباشرة. و1,200,000 طفل (أقل من 18 عاماً) يعيشون حالة انعدام أمن غذائي حاد.
هذا التجويع، وكل ما يحدث في قطاع غزة منذ نحو عامين، ليسا إبادة لحياة البشر فقط، بل إبادة لإمكانية واحتمالية الوجود والبقاء بعد الحرب. ويبدو ذلك جلياً بإنهاء حياة البشر والحجر، وإعدام وسائل المساعدة على البقاء كالمستشفيات والمراكز الصحية، والمنظمات الدولية التي كانت تعمل في غزة، وغيرها، فقد وقعت أمس 102 منظمة دولية، بياناً مشتركاً طالبت فيه إسرائيل بـ«وقف استخدام المساعدات سلاحاً في غزة».
وأضافت هذه المنظمات، بينها «أوكسفا» و«أطباء بلا حدود»، أن «إسرائيل تهدّد بحظر منظمات الإغاثة الرئيسية مع تفاقم المجاعة».
هذه المنظمات، كـ«الأونروا» و«برنامج الأغذية العالمي» و«يونيسف»، تطالب الاحتلال يومياً تقريباً بأن يُسمح لها بالعودة للعمل والقيام بواجبها تجاه الناس في غزة، إلا أن تلك المطالبات تقابل بالرفض التام. وبيّنت المنظمات التي وقّعت البيان، أنّ إسرائيل رفضت منذ آذار طلبات عشرات المنظمات غير الحكومية لإدخال المساعدت الإنسانية المنقذة للحياة إلى غزة، بدعوى أنها «غير مخولة» بذلك.
على العكس، فتحت إسرائيل المجال لـ«مؤسسة غزة الإنسانية» الأميركية، التي منذ إنشائها «قُتل ما يقارب 1,400 شخص أثناء بحثهم اليائس عن الطعام» بحسب تصريح المفوض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني في 8 آب الجاري، والذي أضاف: «لقد حان الوقت لاستعادة بوصلتنا الأخلاقية وإنسانيتنا».
وفي محاولة لهذه الاستعادة، سمحت إسرائيل لبعض الإنزالات الجوية (بعضها قامت هي بها)، وهي عمليات تكلّف ما لا يقل عن 100 ضعف تكلفة الشاحنات التي تحمل ضعف كمية المساعدات التي تحملها الطائرات بحسب «الأونروا»، التي أكدت أن لديها ستة آلاف شاحنة محملة بالمساعدات، عالقة خارج غزة، في انتظار السماح بدخولها.
كل هذه المعطيات تؤشّر إلى أمر واحد: أن لإسرائيل هدفاً واحداً فقط، هو «تطهير» فلسطين من الفلسطينيين. وهي تقوم بذلك بشتى الطرق، بما فيها الجوع، «أحدث قاتل في غزة» بحسب لازاريني. وغداً، حين تتوقف الحرب، فإنها ستعمل كل يوم على فتح بوابات للتهجير، والأساليب كثيرة، منها منع إعادة الإعمار. ألا يحدث هذا في لبنان؟
أيهم السهلي
كاتب فلسطيني
«يعمل الجيش الإسرائيلي في غزة بخمس فرق عسكرية، بقوة لا مثيل لها منذ بداية الحرب. لم نعد نتحدّث عن غارات ودخول وخروج، بل عن احتلال وتطهير وبقاء حتى القضاء على حماس». وأضاف: «وفي الطريق إلى تدمير حماس، ندمّر أيضاً ما تبقى من القطاع».
هكذا تحدّث وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، في معرض حديث له عن التجويع قبل أشهر، وهذا ما تفعله حكومته وجيشها، وهكذا ترى الغالبية في إسرائيل.
هناك من يبارك التجويع كسلاح مستخدم في المعركة، بغض النظر عن كونه يستخدم في مواجهة مدنيين في القطاع. وبغض النظر عن أن 20 ألف طفل نقلوا إلى المستشفيات لتلقي العلاج من سوء التغذية الحاد بين نيسان وتموز الماضيين، بحسب تقرير صادر عن «التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC)» المدعوم من الأمم المتحدة، وهو شراكةٌ بين 21 منظمة دولية، تتعاون في ما بينها من أجل تحديد شدة ومدى انعدام الأمن الغذائي الحاد والمزمن وحالات سوء التغذية الحاد داخل البلدان، وفقاً للمعايير المعترف بها دوليًا.
حدد «IPC» خمس مراحل للمجاعة، هي، بحسب برنامج الأغذية العالمي، «مقياس ريختر للجوع»، وهذه المراحل هي:
(1) الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي (لا مشكلة)،
(2) مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد (الضغط)،
(3) انعدام الأمن الغذائي الحاد (الأزمة)،
(4) انعدام الأمن الغذائي الحاد (الطوارئ)،
(5) كارثة، أو مجاعة، وهي مرحلة الافتقار التام إلى إمكانية الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى.
وبحسب تقرير لـ«IPC» في 29 تموز الماضي، فإن «السيناريو الأسوأ لحدوث مجاعة يتكشّف حالياً في قطاع غزة»، ولا سيما أنه بسبب اشتداد الصراع والنزوح «انخفضت إمكانية الحصول على الغذاء وغيره من المواد والخدمات الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة».
كل هذه المعطيات تؤشّر إلى أمر واحد: أن لإسرائيل هدفاً واحداً فقط، هو «تطهير» فلسطين من الفلسطينيين. وهي تقوم بذلك بشتى الطرق، بما فيها الجوع، «أحدث قاتل في غزة» بحسب لازاريني
ويضيف التقرير أن هناك أدلة متزايدة تشير إلى أن «انتشار المجاعة وسوء التغذية والأمراض يُسهم في ارتفاع الوفيات المرتبطة بالجوع» كما إنّ أحدث البيانات تشير إلى «بلوغ حد المجاعة في معظم أنحاء قطاع غزة، وفي مدينة غزة أيضاً».
وبحسب المنظمات الدولية، لكي يتم تصنيف منطقة ما على أنها في حالة مجاعة، يجب أن يعاني ما لا يقل عن 20% من سكانها من نقص حاد في الغذاء، وأن يعاني واحد من كل 3 أطفال من سوء التغذية الحاد، إلى جانب وفاة شخصين من كل 10 آلاف يومياً بسبب الجوع أو سوء التغذية والمرض.
وتعليقاً على هذا التقرير، قالت منظمة الصحة العالمة (شريكة في «IPC») إنّ «الناس [في غزة] لا يجدون طعاماً لأيام، وآخرون يموتون لأن أجسادهم التي تعاني نقص التغذية أو الضعف الشديد تستسلم للأمراض أو لفشل الأعضاء». وأضافت، حول وضع القطاع الصحي وإمكانية تدخّله لحماية الذين يعانون من نقص التغذية الحاد، أنه «بينما يُنتظر من النظام الصحي أن يكون مصدراً للإعاشة والإغاثة، فإنّ النظام الصحي في غزة يفتقر إلى الإمدادات الطبية الأساسية والوقود وغير ذلك من الضروريات اللازمة لأداء مهماته بشكلٍ كاملٍ؛ بل إن العاملين في المجال الإنساني والعاملين الصحيين يعانون الضعف بسبب الجوع».
كذلك الإعلام الحكومي في غزة، قال في 13 آب الجاري، إنّ أعداد الضحايا جراء المجاعة وسوء التغذية في القطاع، ارتفع إلى 235 شهيداً، بينهم 106 أطفال، و19 امرأة، و75 من كبار السن، و35 رجلاً فوق سنة الـ 18. وأضاف البيان أن 40 ألف رضيع (أقل من سنة) يعانون من سوء تغذية وحياتهم مهددة. و250 ألف طفل (أقل من 5 سنوات) يعانون من نقص غذاء يهدد حياتهم مباشرة. و1,200,000 طفل (أقل من 18 عاماً) يعيشون حالة انعدام أمن غذائي حاد.
هذا التجويع، وكل ما يحدث في قطاع غزة منذ نحو عامين، ليسا إبادة لحياة البشر فقط، بل إبادة لإمكانية واحتمالية الوجود والبقاء بعد الحرب. ويبدو ذلك جلياً بإنهاء حياة البشر والحجر، وإعدام وسائل المساعدة على البقاء كالمستشفيات والمراكز الصحية، والمنظمات الدولية التي كانت تعمل في غزة، وغيرها، فقد وقعت أمس 102 منظمة دولية، بياناً مشتركاً طالبت فيه إسرائيل بـ«وقف استخدام المساعدات سلاحاً في غزة».
وأضافت هذه المنظمات، بينها «أوكسفا» و«أطباء بلا حدود»، أن «إسرائيل تهدّد بحظر منظمات الإغاثة الرئيسية مع تفاقم المجاعة».
هذه المنظمات، كـ«الأونروا» و«برنامج الأغذية العالمي» و«يونيسف»، تطالب الاحتلال يومياً تقريباً بأن يُسمح لها بالعودة للعمل والقيام بواجبها تجاه الناس في غزة، إلا أن تلك المطالبات تقابل بالرفض التام. وبيّنت المنظمات التي وقّعت البيان، أنّ إسرائيل رفضت منذ آذار طلبات عشرات المنظمات غير الحكومية لإدخال المساعدت الإنسانية المنقذة للحياة إلى غزة، بدعوى أنها «غير مخولة» بذلك.
على العكس، فتحت إسرائيل المجال لـ«مؤسسة غزة الإنسانية» الأميركية، التي منذ إنشائها «قُتل ما يقارب 1,400 شخص أثناء بحثهم اليائس عن الطعام» بحسب تصريح المفوض العام لـ«الأونروا» فيليب لازاريني في 8 آب الجاري، والذي أضاف: «لقد حان الوقت لاستعادة بوصلتنا الأخلاقية وإنسانيتنا».
وفي محاولة لهذه الاستعادة، سمحت إسرائيل لبعض الإنزالات الجوية (بعضها قامت هي بها)، وهي عمليات تكلّف ما لا يقل عن 100 ضعف تكلفة الشاحنات التي تحمل ضعف كمية المساعدات التي تحملها الطائرات بحسب «الأونروا»، التي أكدت أن لديها ستة آلاف شاحنة محملة بالمساعدات، عالقة خارج غزة، في انتظار السماح بدخولها.
كل هذه المعطيات تؤشّر إلى أمر واحد: أن لإسرائيل هدفاً واحداً فقط، هو «تطهير» فلسطين من الفلسطينيين. وهي تقوم بذلك بشتى الطرق، بما فيها الجوع، «أحدث قاتل في غزة» بحسب لازاريني. وغداً، حين تتوقف الحرب، فإنها ستعمل كل يوم على فتح بوابات للتهجير، والأساليب كثيرة، منها منع إعادة الإعمار. ألا يحدث هذا في لبنان؟
متضامنة فرنسية: نحمل الدقيق وقدوراً فارغة في شوارع باريس احتجاجاً على تجويع أطفال غزة
خرجت متضامنة فرنسية في حديث مؤثر لتصف أجواء الاحتجاجات المستمرة في العاصمة باريس تضامنًا مع سكان غزة، حيث قالت إن "في عام 2025، نجد أنفسنا مضطرين للتظاهر حاملين أكياس الدقيق وقدور الطبخ الفارغة، احتجاجاً على من يقوم حرفياً بتجويع الأطفال وسكان غزة، بينما يقف العالم في حالة لامبالاة تامة".
وأشارت المتضامنة إلى أن "المنظمة الأممية المسؤولة عن الأمن الغذائي أكدت أن المساعدات الحالية غير كافية، وأن خطر المجاعة أصبح لا رجعة فيه".
وأضافت أنّ "حتى المساعدات الإنسانية التي يتم إسقاطها جواً لا تكفي أمام حجم الكارثة". وأوضحت أن الأوضاع وصلت إلى حد أن "الأطفال لن يتمكنوا من النمو بشكلٍ طبيعي أو العيش دون آثار صحية دائمة".
وختمت بالقول: "الأمر مخزٍ للغاية. لقد ضقنا ذرعاً، لكننا مستمرون ولن نتراجع. هناك احتجاجات يومية في باريس هذا الأسبوع والكثير من المبادرات التي تنطلق وتستمر. نحن لن نتوقف".
خرجت متضامنة فرنسية في حديث مؤثر لتصف أجواء الاحتجاجات المستمرة في العاصمة باريس تضامنًا مع سكان غزة، حيث قالت إن "في عام 2025، نجد أنفسنا مضطرين للتظاهر حاملين أكياس الدقيق وقدور الطبخ الفارغة، احتجاجاً على من يقوم حرفياً بتجويع الأطفال وسكان غزة، بينما يقف العالم في حالة لامبالاة تامة".
وأشارت المتضامنة إلى أن "المنظمة الأممية المسؤولة عن الأمن الغذائي أكدت أن المساعدات الحالية غير كافية، وأن خطر المجاعة أصبح لا رجعة فيه".
وأضافت أنّ "حتى المساعدات الإنسانية التي يتم إسقاطها جواً لا تكفي أمام حجم الكارثة". وأوضحت أن الأوضاع وصلت إلى حد أن "الأطفال لن يتمكنوا من النمو بشكلٍ طبيعي أو العيش دون آثار صحية دائمة".
وختمت بالقول: "الأمر مخزٍ للغاية. لقد ضقنا ذرعاً، لكننا مستمرون ولن نتراجع. هناك احتجاجات يومية في باريس هذا الأسبوع والكثير من المبادرات التي تنطلق وتستمر. نحن لن نتوقف".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire