نسرين حريز
أنا أيضاً أحلم. ألا يحق لي أن أحلم؟
طبعاً كنت أحلم بألا أكون هنا في غزّة.
أن أكون حصاناً مدلّلاً في مزرعة كبيرة.
أن آكل الجزر والخضار الطازجة بدلاً من أن أجرّ عربة قديمة فيها خضار شبه ذابلة.
كنت أحلم بأن أكون حصان سباق ينظر إليّ الناس بإعجاب، لا أن أجفل كل مرّة تطلق فيها السيارات أبواقها المزعجة وهي تجتازني مسرعةً وينظر إليّ السائقون وكأنهم لا يرغبون في وجودي.
وحدهم الأطفال كانوا ينظرون إليّ بفرح، كأنني كائن خياليّ خارجٌ من إحدى قصصهم الملوّنة فيلتفتون إليّ من الزجاج الخلفيّ للسيارات ويلوّحون لي بأيديهم فأبتسم لهم وأحيّيهم على طريقتي.
أطفال الحيّ ينتظرون يوم الجمعة حيث يقوم نعيم بتنظيف العربة، فيجتمعون حولي وأسمع صيحاتهم وأصواتهم وأرى عيونهم تتلألأ فرحاً بانتظار تلك الجولة الأسبوعية المعهودة في عربتي الخشبية القديمة.
بعضهم كان يطعمني بيديه وبعضهم يتكلّم معي ويخبرني أسراره الصغيرة.
أمّا نعيم، فقد كان صديقي الذي لم أكن أحلم بصديق غيره في الدنيا. فقد كان وجوده يكفيني ولقد كان ينتقل معي بأحلامي إلى تلك المزرعة الفخمة أو إلى ميدان السباق الصاخب أو إلى رحلة هادئة على شاطئ البحر.
كنت أعرف الأحلام، لكن لم أعرف الكوابيس يوماً إلى أن أصبح الوقت كابوساً ثقيلاً مستمراً رافقني فيه صديقي نعيم في كل دقيقة.
أصوات القنابل ما عادت تجفلني الآن وما عاد الغبار الكثيف يخنقني، وما عادت الحُفَر في الطرقات المدمرة تتعبني.
كم تمنيت أن أكون مجنّحاً كما في الأساطير، فلا أجرّ الجرحى بل أطير بهم بلمح البصر إلى المستشفى علّني أنقذ حياتهم.
كم تمنيت أن أفقد حاسة الشمّ، فأرتاح من رائحة الدماء والموت التي عشّشت في عربتي الخشبية.
كم تمنّيت أن أفقد الذاكرة، فلا أرى عيون أصدقائي الأطفال وقد حملهم نعيم بين يديه وهم هادئون صامتون وادعون ووضعهم في عربتنا. أمّا أنا، فقد كنت أجرّهم ببطء شديد إلى تلك المقبرة علّني أطيل لقائي بهم ولو قليلاً.
اليوم وبعد شهور طوال من الألم، لم أعد أحلم بأن أغادر غزّة ولا أن أكون في مزرعة فخمة أو في ميدان سباق.
أنا اليوم أنظر إلى السماء برضى وأرى أنني أقوم بما لا يستطيع بشر فعله. ربما جُلّ ما يفعلونه هم هو أن ينظروا إلينا عبر شاشاتهم إمّا بلا رحمة أو بلا حيلة.
أشعر أن أهل الأرض قد تركونا وحيدين في ساحة المعركة، فأشفق على إنسانية البشر.
في أوقات راحتنا القصيرة بعد نهار مضنٍ يفترش نعيم العربة وينام. يبدو أنه قد اعتاد رائحة الموت.
الليلة الماضية، شعرت بموجات لطيفة آتية من تحت الأرض. تجمّدت في مكاني وإذا بهم يخرجون من حفرة صغيرة حاملين سلاحهم.
ها هم يمرّون كالطيف من جانبي مدجّجين بالثقة والبطولة.
عاهدت نفسي أن لا أخبر أحداً حتى نعيم بسري الكبير.
ولكنّ لقاءهم كان كالسحر. هذا اللقاء أبعد عني الكابوس وجعلني أجرؤ أن أحلم من جديد.
ألا يحق لي أن أحلم من جديد؟
أحلم بأن هؤلاء الأبطال سوف يحفرون بصبرهم وعزمهم التاريخ كما حفروا تلك الأنفاق وسوف ينتصرون!
وعندما ينتصرون، سأذهب في جولة أنا ونعيم وعربتي إلى القدس ويافا وأريحا ونابلس.
وأصل إلى نهر الأردن فأشرب من مياهه وأرتوي. أرتوي كما لم أرتوِ يوماً من قبل.
* لبنان
أنا أيضاً أحلم. ألا يحق لي أن أحلم؟
طبعاً كنت أحلم بألا أكون هنا في غزّة.
أن أكون حصاناً مدلّلاً في مزرعة كبيرة.
أن آكل الجزر والخضار الطازجة بدلاً من أن أجرّ عربة قديمة فيها خضار شبه ذابلة.
كنت أحلم بأن أكون حصان سباق ينظر إليّ الناس بإعجاب، لا أن أجفل كل مرّة تطلق فيها السيارات أبواقها المزعجة وهي تجتازني مسرعةً وينظر إليّ السائقون وكأنهم لا يرغبون في وجودي.
وحدهم الأطفال كانوا ينظرون إليّ بفرح، كأنني كائن خياليّ خارجٌ من إحدى قصصهم الملوّنة فيلتفتون إليّ من الزجاج الخلفيّ للسيارات ويلوّحون لي بأيديهم فأبتسم لهم وأحيّيهم على طريقتي.
أطفال الحيّ ينتظرون يوم الجمعة حيث يقوم نعيم بتنظيف العربة، فيجتمعون حولي وأسمع صيحاتهم وأصواتهم وأرى عيونهم تتلألأ فرحاً بانتظار تلك الجولة الأسبوعية المعهودة في عربتي الخشبية القديمة.
بعضهم كان يطعمني بيديه وبعضهم يتكلّم معي ويخبرني أسراره الصغيرة.
أمّا نعيم، فقد كان صديقي الذي لم أكن أحلم بصديق غيره في الدنيا. فقد كان وجوده يكفيني ولقد كان ينتقل معي بأحلامي إلى تلك المزرعة الفخمة أو إلى ميدان السباق الصاخب أو إلى رحلة هادئة على شاطئ البحر.
كنت أعرف الأحلام، لكن لم أعرف الكوابيس يوماً إلى أن أصبح الوقت كابوساً ثقيلاً مستمراً رافقني فيه صديقي نعيم في كل دقيقة.
أصوات القنابل ما عادت تجفلني الآن وما عاد الغبار الكثيف يخنقني، وما عادت الحُفَر في الطرقات المدمرة تتعبني.
كم تمنيت أن أكون مجنّحاً كما في الأساطير، فلا أجرّ الجرحى بل أطير بهم بلمح البصر إلى المستشفى علّني أنقذ حياتهم.
كم تمنيت أن أفقد حاسة الشمّ، فأرتاح من رائحة الدماء والموت التي عشّشت في عربتي الخشبية.
كم تمنّيت أن أفقد الذاكرة، فلا أرى عيون أصدقائي الأطفال وقد حملهم نعيم بين يديه وهم هادئون صامتون وادعون ووضعهم في عربتنا. أمّا أنا، فقد كنت أجرّهم ببطء شديد إلى تلك المقبرة علّني أطيل لقائي بهم ولو قليلاً.
اليوم وبعد شهور طوال من الألم، لم أعد أحلم بأن أغادر غزّة ولا أن أكون في مزرعة فخمة أو في ميدان سباق.
أنا اليوم أنظر إلى السماء برضى وأرى أنني أقوم بما لا يستطيع بشر فعله. ربما جُلّ ما يفعلونه هم هو أن ينظروا إلينا عبر شاشاتهم إمّا بلا رحمة أو بلا حيلة.
أشعر أن أهل الأرض قد تركونا وحيدين في ساحة المعركة، فأشفق على إنسانية البشر.
في أوقات راحتنا القصيرة بعد نهار مضنٍ يفترش نعيم العربة وينام. يبدو أنه قد اعتاد رائحة الموت.
الليلة الماضية، شعرت بموجات لطيفة آتية من تحت الأرض. تجمّدت في مكاني وإذا بهم يخرجون من حفرة صغيرة حاملين سلاحهم.
ها هم يمرّون كالطيف من جانبي مدجّجين بالثقة والبطولة.
عاهدت نفسي أن لا أخبر أحداً حتى نعيم بسري الكبير.
ولكنّ لقاءهم كان كالسحر. هذا اللقاء أبعد عني الكابوس وجعلني أجرؤ أن أحلم من جديد.
ألا يحق لي أن أحلم من جديد؟
أحلم بأن هؤلاء الأبطال سوف يحفرون بصبرهم وعزمهم التاريخ كما حفروا تلك الأنفاق وسوف ينتصرون!
وعندما ينتصرون، سأذهب في جولة أنا ونعيم وعربتي إلى القدس ويافا وأريحا ونابلس.
وأصل إلى نهر الأردن فأشرب من مياهه وأرتوي. أرتوي كما لم أرتوِ يوماً من قبل.
* لبنان
يدعو الحزب الشيوعي إلى اعتصام أمام صيدلية «بسترس» رفضاً لأي مفاوضات
سياسية واقتصادية مع العدو الصهيوني، تحت عنوان «لا مصلحة للبنان بالدخول
في مفاوضات سياسية واقتصادية مع العدو الصهيوني في ظل اختلال موازين القوى
واستمرار عدوانه».
ويأتي التحرّك في سياق الموقف الثابت للحزب الرافض لأي مسار تفاوضي مع إسرائيل، معتبراً أنّ الظروف الراهنة التي يشهدها لبنان والمنطقة لا تسمح بالخوض في محادثات «تُشرعن الاحتلال وتغضّ النظر عن الاعتداءات المتواصلة».
اعتصام رفضاَ للتفاوض مع العدو: الأحد - الساعة 11 صباحاً - «صيدلية بسترس» (الصنايع).
ويأتي التحرّك في سياق الموقف الثابت للحزب الرافض لأي مسار تفاوضي مع إسرائيل، معتبراً أنّ الظروف الراهنة التي يشهدها لبنان والمنطقة لا تسمح بالخوض في محادثات «تُشرعن الاحتلال وتغضّ النظر عن الاعتداءات المتواصلة».
اعتصام رفضاَ للتفاوض مع العدو: الأحد - الساعة 11 صباحاً - «صيدلية بسترس» (الصنايع).
«طريق الشام» والذاكرة
يستضيف «بيت بيروت» ضمن مبادرة «احكيلي»، لقاءً مع الشاعر والكاتب أنطوان بولاد للحديث عن كتابه الجديد «طريق الشام -Rue De Damas») دار الساقي (مساء الأحد 7 كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
يقترح بولاد في هذا العمل عودة حميمة إلى طفولته الممتدة على 950 متراً من شارع دمشق، الشارع الذي يحتضن «بيت بيروت» اليوم، والذي شكّل خلال الحرب الأهلية خط تماس عُرف بالخط الأخضر. بين الذاكرة والمكان، يستعيد الكاتب تفاصيل حيّز عاش فيه التحوّلات الكبرى للمدينة، مقدّماً سرداً شخصياً يتحوّل بدوره إلى مساهمة أساسية في ذاكرة بيروت وحكاياتها.
يشارك بولاد الحضور قصصه وانطباعاته، متوقفاً عند أثر المكان والطفولة في تجربته الأدبية، في جلسة نقاش ستُعقد باللغة العربية والدخول إليها مجاني.
* «طريق الشام - Rue De Damas»: الأحد 7 كانون الأول (ديسمبر) - الساعة 6:00 مساءً - «بيت بيروت» (السوديكو). للاستعلام: 03/298383
يستضيف «بيت بيروت» ضمن مبادرة «احكيلي»، لقاءً مع الشاعر والكاتب أنطوان بولاد للحديث عن كتابه الجديد «طريق الشام -Rue De Damas») دار الساقي (مساء الأحد 7 كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
يقترح بولاد في هذا العمل عودة حميمة إلى طفولته الممتدة على 950 متراً من شارع دمشق، الشارع الذي يحتضن «بيت بيروت» اليوم، والذي شكّل خلال الحرب الأهلية خط تماس عُرف بالخط الأخضر. بين الذاكرة والمكان، يستعيد الكاتب تفاصيل حيّز عاش فيه التحوّلات الكبرى للمدينة، مقدّماً سرداً شخصياً يتحوّل بدوره إلى مساهمة أساسية في ذاكرة بيروت وحكاياتها.
يشارك بولاد الحضور قصصه وانطباعاته، متوقفاً عند أثر المكان والطفولة في تجربته الأدبية، في جلسة نقاش ستُعقد باللغة العربية والدخول إليها مجاني.
* «طريق الشام - Rue De Damas»: الأحد 7 كانون الأول (ديسمبر) - الساعة 6:00 مساءً - «بيت بيروت» (السوديكو). للاستعلام: 03/298383
وقائع عَرَضِيَّة ٭
رولان بارت
ترجمة: إسماعيل أزيات
أضع نفسي في وضع من ينجز شيئاً، وليس في وضع من يتكلّم عن شيء: لا أدرس منتوجاً؛ وإنّما أنخرط في عملية إنتاجه؛ فأُبْطِلُ الخطاب عن الخطاب؛ ولذلك لم يعد العالم يحضر عندي في شكل موضوع؛ ولكن في شكل كتابة؛ أي في شكل ممارسة؛ وهكذا أنتقل إلى نوع آخر من المعرفة، معرفة الهاوي.
■ ■ ■
في المغرب، منذ زمن ليس ببعيد، نادل، في مطعم محطّة، يخرج ليقطف زهرة جيرانيوم حمراء ثمّ يضعها في كأس من الماء بين آلة القهوة وحوض ممتلئ بأكواب وأطباق متّسخة.
في ساحة قبالة سوق صغير، ولد بقميص أزرق تتطاير أطرافه، علامة على اختلال (ما يعني في هذا البلد اتّصاف الشاب بكلّ سمات الجنون) يومئ لأحد الأوروبيين ويصرخ في وجهه:
— عدْ إلى بلدك!
ثمّ يتوارى. بعد هنيهة، تدلّ تراتيل على اقتراب جنازة؛ يظهر الموكب. بين حاملي النعش (بالتناوب) الولدُ نفسه، وقد صار طيّعاً، هادئاً لبعض الوقت.
■ ■ ■
اضطهاد الحلاقة: يجزم رفائيليتو أنّ والده قصّ له شعره أثناء نومه. أولاد آخرون يؤكّدون أنّ الشرطة تجزّ شعرهم حين تقبض عليهم بشكل مباغت في الشارع: تمرّد وقمع على صعيد شعر الأولاد الأسود.
أميركيتان مسنّتان تمسكان بمرفقي رجل أعمى، طويل القامة أكبر منهما سنّاً وتعبران به الطّريق وهو بينهما. لكن ما كان يبتغيه، هذا الأوديب، هي النقود: النقود، النقود، وليس المساعدة.
■ ■ ■
حاج موقّر، ذو لحية قصيرة مشذّبة بحرص شديد، وبيدين مقلّمتين بعناية، مسدلة عليه، بفنّ ومهارة، جلّابة بيضاء مثل الثلج ذات قماش رهيف جداً، يشرب كأس حليب.
ومع ذلك هذا ما وقع: لطخة، أثر خفيف لشيء ما، ربّما براز حمامة على غطاء للرأس نظيف جدّاً.
■ ■ ■
امرأة أوروبية ما عادت شابّة، مثقلة بالمساحيق، متّسخة، ملفوفة بشكل مضحك بكلّ ما يثير الحركة وتنسلّ خيوطه، شعر بجدائل، أهداب تتدلّى من فوق المعطف، حقيبة وحواشي ثوب بعضه فوق بعض، تمرّ عبر السوق. هذه التحفة المتأرجحة كالبندول (بحسب صبيّ لا تطرف عينه) «ساحرة سوڤياتية».
الطفل الذي وجدته في الممرّ كان نائماً في كرتون قديم، الرأس بارز كما لو كان مفصولاً عن جسده.
بالقرب من السوق، استقرّ زوجان أوروبيان يبيعان الطعام الخفيف للهبيّين. لافتة تقول: حفظ الصحة اختصاصنا. وتفرغ المرأة منفضة السجائر في الشارع، الأمر الذي ليس سلوكاً بريطانياً.
■ ■ ■
فتاة تعاقبها أمّها على الملأ، أمّ فلاحة. البنت تصيح والأمّ هادئة، مصرّة على العقاب؛ أمسكت بشعر الفتاة كما لو أنّه قطعة ثوب، وشرعت توجّه لها سلسلة ضربات عنيفة منتظمة على رأسها. تتشكّل حلقة على الفور. حُكم المدلّك: المرأة على حقّ
— لماذا ؟
— لأنّ الفتاة عاهرة (في الواقع، هو لا يعرف عنها شيئاً).
الطفل — لا يمكن أن يكون تجاوز الخامسة من العمر — يرتدي بنطلوناً قصيراً وقبّعة: يدقّ على أحد الأبواب، يبصق، يسوّي ما بين فخذيه.
■ ■ ■
فتيات صغيرات يبعن، بصورة غير مشروعة، النعناع والليمون. شرطي دنيء في لباس مدني يبدو غليظ القلب جداً؛ يعاملهنّ بقسوة، بخشونة، لكنّه يتركهنّ يلذن بالفرار.
فنتازيا لذيذة: محمد ذو اليدين النّاعمتين، الذي يشتغل في مصنع النّسيج، يصرّ أنّ مسجد اليهود يغرق في الظلمة يوم السبت؛ يشير لي إليه: إنّه كنيسة الكبوشيين الإسبان؛ يستخدمها اليهود (أُقرضت لهم) من أجل أن يقيموا فيها صلواتهم.
مراهق أسود اللّون، في معطف حافظ من المطر زهيد وقبّعة مكسيكية زرقاء زاهية، وفتاة هيبيّة، بقدمين عاريتين على رصيف قذر.
أن تسير، أن تمرّ أمام أبناء البلد في مقهى (السنترال): فتى تغزّل بفتاة، سوى أنّه يضحّي بنفسه على رؤوس الأشهاد من أجل نزعة غربية طائشة.
■ ■ ■
المسؤولة في شركة «إيبريا» لا تبتسم. لها صوت حازم، مكياجها كثير (لكنّه جاف)، أظافر جدّ طويلة حمراء كالدم ــ هذه الأظافر تجمّع التذاكر الطّوال، تطويها بحركة خبيرة وسلطوية.
عبد السلام، المقيم في القسم الداخلي في تطوان، جاء هذا الصباح إلى طنجة ( لقاؤنا جرى بمحض المصادفة) من أجل شراء مرهم مضاد للروماتيزم وسدّادة تصدر صفيراً لغلاية الماء.
شاب أسود يلبس قميصاً فاتحاً بلون النعناع، بنطلوناً أخضر لوزياً، جوارب برتقالية وحذاء أحمر يبدو في غاية النّعومة.
وأنا أشاهد رجلاً ملتحياً يرقص، أخبرني أحدهم أنّه فيلسوف. لكي تكون فيلسوفاً، قال، لا بدّ من أربعة أمور: أن تكون حاصلاً على شهادة في اللغة العربية؛ أن تسافر كثيراً؛ أن تكون على تواصل مع فلاسفة آخرين؛ أن تبتعد عن الواقع مثل أن ترتاد شاطئ البحر.
■ ■ ■
شهر يوليو، في السّاحة الغاصّة بالنّاس. جماعة من الهيبيّين تجلس إلى طاولة، من بينهم زوجان؛ الزوج أشقر، ممتلئ الجسم لا يرتدي تحت السالوبيت أيّ شيء؛ المرأة تلبس قميص نوم طويلاً من نوع فاغنر؛ تمسك يد طفلة صغيرة بيضاء، ذات طراوة تشجّعها على التغوّط فوق الرّصيف بين سيقان رفقائها الذين لا يبالون.
■ ■ ■
مصطفى مغرم بقبّعته الرياضية. لا يخلعها حتى أثناء ممارسة الجنس.
في باحة فندق المنزه، امرأة ذاهلة بعض الشيء، تلبس فستاناً طويلاً أحمر اللّون، ترمقني بنظرة قاسية وتسألني عن المراحيض.
■ ■ ■
حليوة (هذا الاسم الذي يتكرّر بلا انقطاع) يحبّ البنطولات البيضاء النّاصعة (عند نهاية الموسم)، لكن بما أنّ المراحيض هي ما هي عليه، فهناك على الدّوام لطخة فوق هذه الملابس ذات البياض الحليبي.
فوق شاطئ طنجة (عائلات، مثليون، فتيان) أصحاب حرف مسنّون، مثل حشرات بطيئة جداً، قديمة جداً، ينبشون الرّمل.
سلّام أحد المحاربين القدامى في طنجة، ينفجر من الضّحك لأنّه التقى بثلاثة إيطاليين لم يفيدوه في شيء: «حسبوني امرأة!».
■ ■ ■
فلاح عجوز بجلابة رمادية (اللّون الغامق للفقر المدقع) يحمل على كتفه جديلة ضخمة من البصل الإسباني ذي اللّون الوردي القديم.
«بابا» عجوز إنكليزي جذّاب ومخبول، يتخلّى عن وجبة غذائه في رمضان تعاطفاً (شفقة على الصبية الصّغار الذين يُختنون).
في التاسعة صباحاً، يجتاز شاب هيّاب ساحة السوق، وعلى كتفيه شاة حيّة رُبطت حوافرها إلى الأمام (وضع رعويّ وتوراتي). تمرّ بنت صغيرة تداعب دجاجة بين ذراعيها.
■ ■ ■
من نافذة الفندق، وكان الكورنيش مقفراً (ما زال الوقت مبكّراً من صباح الأحد: في الأفق البعيد أطفال ذاهبون إلى الشاطئ للعب الكرة)، أبصر خروفاً وكلباً صغيراً له ذيل على شكل مروحة؛ الخروف يتبع الكلب من كثب؛ يحاول في آخر المطاف أن يعتليه.
من القطار الذي غادره للتوّ في محطّة مهجورة (أصيلة)، رأيته يركض على الطريق، وحيداً تحت المطر، ضامّاً بين ذراعيه علبة السيجار الفارغة التي طلب منّي أن أعطيه إيّاها «لكي يصون فيها أوراقه».
(٭) Roland Barthes, Incidents, Paris, Seuil, 1987.
رولان بارت
ترجمة: إسماعيل أزيات
أضع نفسي في وضع من ينجز شيئاً، وليس في وضع من يتكلّم عن شيء: لا أدرس منتوجاً؛ وإنّما أنخرط في عملية إنتاجه؛ فأُبْطِلُ الخطاب عن الخطاب؛ ولذلك لم يعد العالم يحضر عندي في شكل موضوع؛ ولكن في شكل كتابة؛ أي في شكل ممارسة؛ وهكذا أنتقل إلى نوع آخر من المعرفة، معرفة الهاوي.
■ ■ ■
في المغرب، منذ زمن ليس ببعيد، نادل، في مطعم محطّة، يخرج ليقطف زهرة جيرانيوم حمراء ثمّ يضعها في كأس من الماء بين آلة القهوة وحوض ممتلئ بأكواب وأطباق متّسخة.
في ساحة قبالة سوق صغير، ولد بقميص أزرق تتطاير أطرافه، علامة على اختلال (ما يعني في هذا البلد اتّصاف الشاب بكلّ سمات الجنون) يومئ لأحد الأوروبيين ويصرخ في وجهه:
— عدْ إلى بلدك!
ثمّ يتوارى. بعد هنيهة، تدلّ تراتيل على اقتراب جنازة؛ يظهر الموكب. بين حاملي النعش (بالتناوب) الولدُ نفسه، وقد صار طيّعاً، هادئاً لبعض الوقت.
■ ■ ■
اضطهاد الحلاقة: يجزم رفائيليتو أنّ والده قصّ له شعره أثناء نومه. أولاد آخرون يؤكّدون أنّ الشرطة تجزّ شعرهم حين تقبض عليهم بشكل مباغت في الشارع: تمرّد وقمع على صعيد شعر الأولاد الأسود.
أميركيتان مسنّتان تمسكان بمرفقي رجل أعمى، طويل القامة أكبر منهما سنّاً وتعبران به الطّريق وهو بينهما. لكن ما كان يبتغيه، هذا الأوديب، هي النقود: النقود، النقود، وليس المساعدة.
■ ■ ■
حاج موقّر، ذو لحية قصيرة مشذّبة بحرص شديد، وبيدين مقلّمتين بعناية، مسدلة عليه، بفنّ ومهارة، جلّابة بيضاء مثل الثلج ذات قماش رهيف جداً، يشرب كأس حليب.
ومع ذلك هذا ما وقع: لطخة، أثر خفيف لشيء ما، ربّما براز حمامة على غطاء للرأس نظيف جدّاً.
■ ■ ■
امرأة أوروبية ما عادت شابّة، مثقلة بالمساحيق، متّسخة، ملفوفة بشكل مضحك بكلّ ما يثير الحركة وتنسلّ خيوطه، شعر بجدائل، أهداب تتدلّى من فوق المعطف، حقيبة وحواشي ثوب بعضه فوق بعض، تمرّ عبر السوق. هذه التحفة المتأرجحة كالبندول (بحسب صبيّ لا تطرف عينه) «ساحرة سوڤياتية».
الطفل الذي وجدته في الممرّ كان نائماً في كرتون قديم، الرأس بارز كما لو كان مفصولاً عن جسده.
بالقرب من السوق، استقرّ زوجان أوروبيان يبيعان الطعام الخفيف للهبيّين. لافتة تقول: حفظ الصحة اختصاصنا. وتفرغ المرأة منفضة السجائر في الشارع، الأمر الذي ليس سلوكاً بريطانياً.
■ ■ ■
فتاة تعاقبها أمّها على الملأ، أمّ فلاحة. البنت تصيح والأمّ هادئة، مصرّة على العقاب؛ أمسكت بشعر الفتاة كما لو أنّه قطعة ثوب، وشرعت توجّه لها سلسلة ضربات عنيفة منتظمة على رأسها. تتشكّل حلقة على الفور. حُكم المدلّك: المرأة على حقّ
— لماذا ؟
— لأنّ الفتاة عاهرة (في الواقع، هو لا يعرف عنها شيئاً).
الطفل — لا يمكن أن يكون تجاوز الخامسة من العمر — يرتدي بنطلوناً قصيراً وقبّعة: يدقّ على أحد الأبواب، يبصق، يسوّي ما بين فخذيه.
■ ■ ■
فتيات صغيرات يبعن، بصورة غير مشروعة، النعناع والليمون. شرطي دنيء في لباس مدني يبدو غليظ القلب جداً؛ يعاملهنّ بقسوة، بخشونة، لكنّه يتركهنّ يلذن بالفرار.
فنتازيا لذيذة: محمد ذو اليدين النّاعمتين، الذي يشتغل في مصنع النّسيج، يصرّ أنّ مسجد اليهود يغرق في الظلمة يوم السبت؛ يشير لي إليه: إنّه كنيسة الكبوشيين الإسبان؛ يستخدمها اليهود (أُقرضت لهم) من أجل أن يقيموا فيها صلواتهم.
مراهق أسود اللّون، في معطف حافظ من المطر زهيد وقبّعة مكسيكية زرقاء زاهية، وفتاة هيبيّة، بقدمين عاريتين على رصيف قذر.
أن تسير، أن تمرّ أمام أبناء البلد في مقهى (السنترال): فتى تغزّل بفتاة، سوى أنّه يضحّي بنفسه على رؤوس الأشهاد من أجل نزعة غربية طائشة.
■ ■ ■
المسؤولة في شركة «إيبريا» لا تبتسم. لها صوت حازم، مكياجها كثير (لكنّه جاف)، أظافر جدّ طويلة حمراء كالدم ــ هذه الأظافر تجمّع التذاكر الطّوال، تطويها بحركة خبيرة وسلطوية.
عبد السلام، المقيم في القسم الداخلي في تطوان، جاء هذا الصباح إلى طنجة ( لقاؤنا جرى بمحض المصادفة) من أجل شراء مرهم مضاد للروماتيزم وسدّادة تصدر صفيراً لغلاية الماء.
شاب أسود يلبس قميصاً فاتحاً بلون النعناع، بنطلوناً أخضر لوزياً، جوارب برتقالية وحذاء أحمر يبدو في غاية النّعومة.
وأنا أشاهد رجلاً ملتحياً يرقص، أخبرني أحدهم أنّه فيلسوف. لكي تكون فيلسوفاً، قال، لا بدّ من أربعة أمور: أن تكون حاصلاً على شهادة في اللغة العربية؛ أن تسافر كثيراً؛ أن تكون على تواصل مع فلاسفة آخرين؛ أن تبتعد عن الواقع مثل أن ترتاد شاطئ البحر.
■ ■ ■
شهر يوليو، في السّاحة الغاصّة بالنّاس. جماعة من الهيبيّين تجلس إلى طاولة، من بينهم زوجان؛ الزوج أشقر، ممتلئ الجسم لا يرتدي تحت السالوبيت أيّ شيء؛ المرأة تلبس قميص نوم طويلاً من نوع فاغنر؛ تمسك يد طفلة صغيرة بيضاء، ذات طراوة تشجّعها على التغوّط فوق الرّصيف بين سيقان رفقائها الذين لا يبالون.
■ ■ ■
مصطفى مغرم بقبّعته الرياضية. لا يخلعها حتى أثناء ممارسة الجنس.
في باحة فندق المنزه، امرأة ذاهلة بعض الشيء، تلبس فستاناً طويلاً أحمر اللّون، ترمقني بنظرة قاسية وتسألني عن المراحيض.
■ ■ ■
حليوة (هذا الاسم الذي يتكرّر بلا انقطاع) يحبّ البنطولات البيضاء النّاصعة (عند نهاية الموسم)، لكن بما أنّ المراحيض هي ما هي عليه، فهناك على الدّوام لطخة فوق هذه الملابس ذات البياض الحليبي.
فوق شاطئ طنجة (عائلات، مثليون، فتيان) أصحاب حرف مسنّون، مثل حشرات بطيئة جداً، قديمة جداً، ينبشون الرّمل.
سلّام أحد المحاربين القدامى في طنجة، ينفجر من الضّحك لأنّه التقى بثلاثة إيطاليين لم يفيدوه في شيء: «حسبوني امرأة!».
■ ■ ■
فلاح عجوز بجلابة رمادية (اللّون الغامق للفقر المدقع) يحمل على كتفه جديلة ضخمة من البصل الإسباني ذي اللّون الوردي القديم.
«بابا» عجوز إنكليزي جذّاب ومخبول، يتخلّى عن وجبة غذائه في رمضان تعاطفاً (شفقة على الصبية الصّغار الذين يُختنون).
في التاسعة صباحاً، يجتاز شاب هيّاب ساحة السوق، وعلى كتفيه شاة حيّة رُبطت حوافرها إلى الأمام (وضع رعويّ وتوراتي). تمرّ بنت صغيرة تداعب دجاجة بين ذراعيها.
■ ■ ■
من نافذة الفندق، وكان الكورنيش مقفراً (ما زال الوقت مبكّراً من صباح الأحد: في الأفق البعيد أطفال ذاهبون إلى الشاطئ للعب الكرة)، أبصر خروفاً وكلباً صغيراً له ذيل على شكل مروحة؛ الخروف يتبع الكلب من كثب؛ يحاول في آخر المطاف أن يعتليه.
من القطار الذي غادره للتوّ في محطّة مهجورة (أصيلة)، رأيته يركض على الطريق، وحيداً تحت المطر، ضامّاً بين ذراعيه علبة السيجار الفارغة التي طلب منّي أن أعطيه إيّاها «لكي يصون فيها أوراقه».
(٭) Roland Barthes, Incidents, Paris, Seuil, 1987.
الأطفال المشردون في ازدياد: كلُّ الأبواب مُغلقة في وجههم
زينب حمود
يتجوّل عباس عوّاد، ابن الأحد عشر عاماً، بين أزقّة الأوزاعي ببنطال رقيق وحذاء مهترئ، في طقس شتوي بارد. وعند حلول الليل، لا يجد مأوى يلجأ إليه، للاحتماء من البرد والأمطار، عدا عن الأخطار التي تتربص به: النفسية والجنسية والصحية. ينام قرب مولّد كهرباء، ولا «يُؤنِس» وحشته إلا الفئران والجرذان. أما طعامه فغالباً ما يكون «غنيمة» مشاجرات تنتهي بضربِه، قبل أن تمنَّ إحدى الأيادي عليه بـ«سندويشة».
قبل شهر، وصل عباس إلى الأوزاعي هارباً من منظمة «الاتحاد لحماية الأحداث» التي كانت تتولى رعايته. وحين حاول العودة بعد أن خَبِر قسوة الشارع، اكتشف أن الأبواب أُقفلت في وجهه.
عباس ليس استثناءً. هو واحد من عشرات، وربما مئات الأطفال المتروكين لمصيرهم. «روحوا شوفوا الكوارث في الشمال»، تقول القاضية فاطمة ماجد، في إشارة إلى تفاقم أزمة التشرد «القديمة، والتي استفحلت مع الارتفاع الحاد في أعداد المشردين مقابل عجز الدولة عن حمايتهم».
أجساد صغيرة «تُرمى» على أبواب جوامع ودور أيتام وجمعيات، وأحياناً في القمامة، إضافة إلى «حالات تسيّب بالجملة في آخر ثلاث سنوات بعد تخلِي الأهل عن أولادهم سراً أو علانية»، كما تقول نائبة المدير العام لـ«دار الأيتام الإسلامية» سلوى الزعتري. وتشير إلى أن الدار استقبلت «أكثر من 35 طفلاً خلال السنة الماضية فقط».
في مقابل ربط كثيرين قضية تشرد الأطفال بالأزمة الاقتصادية، تؤكد الزعتري أن «الفقر لم يكن يوماً سبباً لتخلِي الأهل عن أولادهم بهذا الشكل، خصوصاً أننا نقدم الرعاية للأولاد الذين يحضرهم أهلهم إذا عجزوا عن رعايتهم». وتوضح أن الأسباب تعود إلى «الخلافات العائلية، ودخول أحد الوالدين أو كلاهما السجن، وتعاطي المخدرات، مقابل عدم احتضان العائلة الممتدة (عم/ جد/ خال...) للأولاد».
شبهات تُحيط بالجمعيات
وإذا كانت دار الأيتام لا تزال قادرة على استقبال المزيد من المشردين، فالجمعيات الأخرى بلغت الحدود القصوى لقدرتها الاستيعابية، ولم تعد تستقبل المزيد منهم. بذلك، يواجه عشرات الأطفال الخذلان مرتين: مرّةً من الأهل الذين أنجبوهم ثم تركوهم إلى مصيرهم، ومرّةً ثانية من الدولة التي تخلت عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها وألقتها على الجمعيات. مع العلم أن علامات استفهام كثيرة تحيط بتعاطي هذه الجمعيات مع هذا الملف الإنساني. ومن الأمثلة: المماطلة والخِفَّة التي أظهرتها جمعية «الاتحاد لحماية الأحداث»، الموكلة حماية الطفل عباس نفسه، بموجب قرار قضائي.
تقول يارا، التي تسكن في الأوزاعي، وحاولت إيجاد مأوى لعباس، إنها في كل مرة تتواصل فيها مع الموظفة في الاتحاد، «تخلق حجة جديدة تَحُول دون أخذ الطفل. مرّةً تجهل مكانه، رغم أنني أكدت لها أنني سأساعدهم في إيجاده. ومرّةً ثانية تتحجج بأن الأم موجودة وجاءت لأخذه، لكنها لم تجده في المكان المحدد». دفع ذلك يارا إلى الاستنكار: «كيف تُضيِّع أمٌ طفلها ولا تبحث عنه ثانية وتعود إلى منزلها وتتابع حياتها بشكل طبيعي؟».
غير أن النقطة اللافتة، بالنسبة ليارا، كانت تركيز الموظفة على أن الطفل: «لديه منزل وعائلة، لكنه لا يريد أن يقعد تحت سقف»، محاولةً بذلك التنصل من المسؤولية ورميها على الطفل نفسه. ولا تكتفي بذلك، فتسأل: «إذا كانت سلوكياته سيئة كيف نضبطه؟»، قبل أن تتحجج: «لنفترض أننا أتينا لأخذ الطفل، وهو لا يريد العودة، فرمى بنفسه أمام السيارات!». أي إن الموظفة «خائفة عليه من حادث سيارة، ولا تخاف عليه من حوادث ضرب وتحرش واغتصاب قد يتعرض لها طفل في الشارع، عدا عن ظروف حياته الصعبة»، تُعلِّق يارا.
المشكلة ليست في تعاطي الجمعية فقط، بل في تخلِّي كل الأطراف عن مسؤولياتها، بدءاً من وزراة الشؤون الاجتماعية التي أحالت الملف إلى الجمعية، ورغم معرفتها أن الطفل لا يزال مشرداً، فلم تفعل شيئاً حيال ذلك. أما القضاء، فيشكو من محدودية عدد المؤسسات المتعاقدة مع الوزارة وضعف قدرتها على استقبال الأطفال المتواجدين في الشارع. وتؤكد ماجد، في هذا الإطار، أن «الجمعيات لم تعد تستقبل الأطفال الذين نُحِيلهم إليها، ونحن لا نستطيع إجبارها على ذلك إذا كان فعلاً ليس هناك أماكن شاغرة للمزيد من المشردين»، مشيرةً إلى «شروط باتت تضعها الجمعيات المتعاقدة معنا».
عوائق وتحديات
وتعود هذه «الكارثة الإنسانية»، إلى الأزمات المالية وعدم تقاضي هذه الجمعيات مستحقاتها من وزراة الشؤون الاجتماعية منذ العام 2022. لكن، الزعتري تتحدث عن تحديات أخرى، غير الهم المادي الذي «لا يقف في طريق رعاية أي طفل يُحِيله القضاء إلى دار الأيتام، شرط أن يكون لبنانياً». وأهم التحديات، بحسب الزعتري، تتعلق باللقطاء ومكتومي القيد، لأن «غياب الأوراق الثبوتية يحدُّ من قدرتنا على تقديم الخدمات التعليمية والطبابة، ولا سيما إدخال الأطفال إلى المستشفيات، ويمنع إدراج الأطفال في لوائح مُستحِقي الحماية في وزارة الشؤون الاجتماعية»، ولذا، «نحصل على تعهد من قضاء الأحداث لمساعدتنا في إصدار هويات لهؤلاء الأطفال».
التحدي الثاني يتعلق بالعمر، فالمشردون الرضع ودون الأربع سنوات هم «الفئة الأكبر، لكن نادراً جداً ما تتوافر أماكن لاستقبالهم، لغياب الفرق المختصة لرعايتهم». ومن هم فوق الـ 12 عاماً «غير مُفضِّلين لدى غالبية الجمعيات». والسبب، وفقاً للزعتري، «حساسية هذه الأعمار، وعدم قدرتنا فعلاً على رعاية جزء مهم ممن لديهم اضطرابات سلوكية متقدمة، لأننا مؤسسة رعائية وليست تأهيلية، لذا نطلب من القضاء البحث لهم عن مكان آخر».
وسط كل هذه السوداوية، ما هو الحل إذاً؟ أين يذهب الرضّع بأنفسهم؟ وكيف يتخلص المشردون من سلوكياتهم «السيئة» التي تُقفِل أبواب الجمعيات في وجههم؟ ومن يتحمل مسؤولية هؤلاء الأطفال الآن؟ تجيب ماجد: «نبحث في بعض الحالات عن عائلات تستقبلهم وتؤمن لهم مسكناً وطعاماً والحاجات الأساسية»، مؤكدةً في الوقت نفسه أن «هذا لا يكفي والأزمة بحاجة إلى تدخل سريع».
زينب حمود
يتجوّل عباس عوّاد، ابن الأحد عشر عاماً، بين أزقّة الأوزاعي ببنطال رقيق وحذاء مهترئ، في طقس شتوي بارد. وعند حلول الليل، لا يجد مأوى يلجأ إليه، للاحتماء من البرد والأمطار، عدا عن الأخطار التي تتربص به: النفسية والجنسية والصحية. ينام قرب مولّد كهرباء، ولا «يُؤنِس» وحشته إلا الفئران والجرذان. أما طعامه فغالباً ما يكون «غنيمة» مشاجرات تنتهي بضربِه، قبل أن تمنَّ إحدى الأيادي عليه بـ«سندويشة».
قبل شهر، وصل عباس إلى الأوزاعي هارباً من منظمة «الاتحاد لحماية الأحداث» التي كانت تتولى رعايته. وحين حاول العودة بعد أن خَبِر قسوة الشارع، اكتشف أن الأبواب أُقفلت في وجهه.
عباس ليس استثناءً. هو واحد من عشرات، وربما مئات الأطفال المتروكين لمصيرهم. «روحوا شوفوا الكوارث في الشمال»، تقول القاضية فاطمة ماجد، في إشارة إلى تفاقم أزمة التشرد «القديمة، والتي استفحلت مع الارتفاع الحاد في أعداد المشردين مقابل عجز الدولة عن حمايتهم».
أجساد صغيرة «تُرمى» على أبواب جوامع ودور أيتام وجمعيات، وأحياناً في القمامة، إضافة إلى «حالات تسيّب بالجملة في آخر ثلاث سنوات بعد تخلِي الأهل عن أولادهم سراً أو علانية»، كما تقول نائبة المدير العام لـ«دار الأيتام الإسلامية» سلوى الزعتري. وتشير إلى أن الدار استقبلت «أكثر من 35 طفلاً خلال السنة الماضية فقط».
في مقابل ربط كثيرين قضية تشرد الأطفال بالأزمة الاقتصادية، تؤكد الزعتري أن «الفقر لم يكن يوماً سبباً لتخلِي الأهل عن أولادهم بهذا الشكل، خصوصاً أننا نقدم الرعاية للأولاد الذين يحضرهم أهلهم إذا عجزوا عن رعايتهم». وتوضح أن الأسباب تعود إلى «الخلافات العائلية، ودخول أحد الوالدين أو كلاهما السجن، وتعاطي المخدرات، مقابل عدم احتضان العائلة الممتدة (عم/ جد/ خال...) للأولاد».
شبهات تُحيط بالجمعيات
وإذا كانت دار الأيتام لا تزال قادرة على استقبال المزيد من المشردين، فالجمعيات الأخرى بلغت الحدود القصوى لقدرتها الاستيعابية، ولم تعد تستقبل المزيد منهم. بذلك، يواجه عشرات الأطفال الخذلان مرتين: مرّةً من الأهل الذين أنجبوهم ثم تركوهم إلى مصيرهم، ومرّةً ثانية من الدولة التي تخلت عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها وألقتها على الجمعيات. مع العلم أن علامات استفهام كثيرة تحيط بتعاطي هذه الجمعيات مع هذا الملف الإنساني. ومن الأمثلة: المماطلة والخِفَّة التي أظهرتها جمعية «الاتحاد لحماية الأحداث»، الموكلة حماية الطفل عباس نفسه، بموجب قرار قضائي.
تقول يارا، التي تسكن في الأوزاعي، وحاولت إيجاد مأوى لعباس، إنها في كل مرة تتواصل فيها مع الموظفة في الاتحاد، «تخلق حجة جديدة تَحُول دون أخذ الطفل. مرّةً تجهل مكانه، رغم أنني أكدت لها أنني سأساعدهم في إيجاده. ومرّةً ثانية تتحجج بأن الأم موجودة وجاءت لأخذه، لكنها لم تجده في المكان المحدد». دفع ذلك يارا إلى الاستنكار: «كيف تُضيِّع أمٌ طفلها ولا تبحث عنه ثانية وتعود إلى منزلها وتتابع حياتها بشكل طبيعي؟».
غير أن النقطة اللافتة، بالنسبة ليارا، كانت تركيز الموظفة على أن الطفل: «لديه منزل وعائلة، لكنه لا يريد أن يقعد تحت سقف»، محاولةً بذلك التنصل من المسؤولية ورميها على الطفل نفسه. ولا تكتفي بذلك، فتسأل: «إذا كانت سلوكياته سيئة كيف نضبطه؟»، قبل أن تتحجج: «لنفترض أننا أتينا لأخذ الطفل، وهو لا يريد العودة، فرمى بنفسه أمام السيارات!». أي إن الموظفة «خائفة عليه من حادث سيارة، ولا تخاف عليه من حوادث ضرب وتحرش واغتصاب قد يتعرض لها طفل في الشارع، عدا عن ظروف حياته الصعبة»، تُعلِّق يارا.
المشكلة ليست في تعاطي الجمعية فقط، بل في تخلِّي كل الأطراف عن مسؤولياتها، بدءاً من وزراة الشؤون الاجتماعية التي أحالت الملف إلى الجمعية، ورغم معرفتها أن الطفل لا يزال مشرداً، فلم تفعل شيئاً حيال ذلك. أما القضاء، فيشكو من محدودية عدد المؤسسات المتعاقدة مع الوزارة وضعف قدرتها على استقبال الأطفال المتواجدين في الشارع. وتؤكد ماجد، في هذا الإطار، أن «الجمعيات لم تعد تستقبل الأطفال الذين نُحِيلهم إليها، ونحن لا نستطيع إجبارها على ذلك إذا كان فعلاً ليس هناك أماكن شاغرة للمزيد من المشردين»، مشيرةً إلى «شروط باتت تضعها الجمعيات المتعاقدة معنا».
عوائق وتحديات
وتعود هذه «الكارثة الإنسانية»، إلى الأزمات المالية وعدم تقاضي هذه الجمعيات مستحقاتها من وزراة الشؤون الاجتماعية منذ العام 2022. لكن، الزعتري تتحدث عن تحديات أخرى، غير الهم المادي الذي «لا يقف في طريق رعاية أي طفل يُحِيله القضاء إلى دار الأيتام، شرط أن يكون لبنانياً». وأهم التحديات، بحسب الزعتري، تتعلق باللقطاء ومكتومي القيد، لأن «غياب الأوراق الثبوتية يحدُّ من قدرتنا على تقديم الخدمات التعليمية والطبابة، ولا سيما إدخال الأطفال إلى المستشفيات، ويمنع إدراج الأطفال في لوائح مُستحِقي الحماية في وزارة الشؤون الاجتماعية»، ولذا، «نحصل على تعهد من قضاء الأحداث لمساعدتنا في إصدار هويات لهؤلاء الأطفال».
التحدي الثاني يتعلق بالعمر، فالمشردون الرضع ودون الأربع سنوات هم «الفئة الأكبر، لكن نادراً جداً ما تتوافر أماكن لاستقبالهم، لغياب الفرق المختصة لرعايتهم». ومن هم فوق الـ 12 عاماً «غير مُفضِّلين لدى غالبية الجمعيات». والسبب، وفقاً للزعتري، «حساسية هذه الأعمار، وعدم قدرتنا فعلاً على رعاية جزء مهم ممن لديهم اضطرابات سلوكية متقدمة، لأننا مؤسسة رعائية وليست تأهيلية، لذا نطلب من القضاء البحث لهم عن مكان آخر».
وسط كل هذه السوداوية، ما هو الحل إذاً؟ أين يذهب الرضّع بأنفسهم؟ وكيف يتخلص المشردون من سلوكياتهم «السيئة» التي تُقفِل أبواب الجمعيات في وجههم؟ ومن يتحمل مسؤولية هؤلاء الأطفال الآن؟ تجيب ماجد: «نبحث في بعض الحالات عن عائلات تستقبلهم وتؤمن لهم مسكناً وطعاماً والحاجات الأساسية»، مؤكدةً في الوقت نفسه أن «هذا لا يكفي والأزمة بحاجة إلى تدخل سريع».
حوارالمناضل الأسير جورج عبد الله: "كل ما هو ضروري للنصر وجد"
جورج عبد الله طليقاً من السجون الفرنسية، إنه المناضل الأسير الذي عانق الحرية، المناضل في وجوه متعددة، ومتجددة منذ شبابه إلى كهولته، ثمة سيرورة تاريخية شكلته كعلامة فارقة، تكثفّ رحلته النضالية، وتجهر بوعيه القومي والوطني والأممي وصلابته، كما رؤيته العميقة للتحولات والمشهد السياسي الفلسطيني والعربي والعالمي والأدل إيمانه بدور مجلة الهدف الريادي، والتنويري، ووعيه بقوانين الصراع بمستوياته كافة مع الأمبريالية والصهيونية وثقته الراسخة بالنصر، وحسم الصراع لصالح الشعوب وفي المقدمة منها الشعب الفلسطيني.
الهدف، وعلى هامش المؤتمر القومي العربي الذي انعقد ببيروت التقت المناضل الكبير جورج عبد الله وكان لها معه الحوار التالي:
ذكرياتك الأولى مع مجلة الهدف؟
العلاقة قديمة جداً، كنت شابًا آنذاك وفي العشرينات من عمري (تريد أن تعيدني لشبابي. أنا عمري الآن 74 سنة)، يمكننا القول إن الأطراف التي كانت تشرف على "الهدف" كانت لها علاقة، ليس فقط مع مجلة "الهدف"، بل مع أجهزة الجبهة.
هل التقيتُ غسان كنفاني سابقًا؟
طبعًا، كان لغسان دور كبير. أنا شخصيًا لا أعرفه مباشرة، لكننا ربينا على فنه.
ما هو تقييمك للمؤتمر القومي العربي بالدورة الرابعة والثلاثين؟
المؤتمر هو إطار يمكن أن يلتقي فيه الناس وتُطرَح بعض الأفكار، ونرى حالة المثقفين من هذا النمط أين هم؟!. لا نحمله أكثر من طاقته، مجرد وجوده هو في حد ذاته مكسب، المهام المطلوبة من خارج المؤتمر كبيرة، فالمطلوب إذن فهم الأقطار العربية بشكل ثوري، ومطلوب من "الهدف" وغير "الهدف" أن يبحثوا ويحفروا ويجيبوا على أسئلة كبيرة: مثل أين الجماهير العربية؟ ولماذا؟ وما معنى أن الجماهير الأوروبية تتحرك؟ ولماذا؟
لماذا التضامن مع فلسطين اليوم؟ ماذا يعني؟ هل هو محبة فلسطين أم هناك عوامل أخرى؟ هل الكوفية التي يحملها المتظاهر الأوروبي تعبر فقط عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني وآلامه؟ أم تعبر عن رفضه للنظام العالمي الذي يجعل من حرب إبادة موضوعًا للنقاش الثانوي؟
نريد أن نرى: هل حالة الجماهير العريضة هذه التي نزلت إلى الشوارع، هل من الممكن أن تكون الكوفية الفلسطينية هي عنوان لمواجهة صيرورة الفاشية في هذه الأنظمة؟ هل هناك علاقة بين أن يكون حزب "الجبهة الوطنية" لمارين لوبان في فرنسا أول حزب، وبين تحرك الجماهير تحت راية الكوفية الفلسطينية؟
أقصد أن مارين لوبان هي أول حزب في المشهد البرلماني، وهو حزب فاشي وهو مع "إسرائيل" بكل أبعادها، مع "إسرائيل" أكثر من (بن غفير) و(سموتريتش) أنفسهم.
هذا اليمين المتطرف يسمى يمينًا متطرفًا، ولكنه في الحقيقة يمين فاشي، وهو الذي كان يُعتبر معاديًا للسامية. ما معنى أن يتغير مضمونه؟ وما معنى أن تقف الجماهير مع فلسطين في وجه هذه الصيرورة الفاشية؟
هذا يقودنا إلى سؤال: كيف تقيم أداء النخب العربية؟ هل هي بالفعل حققت مستوى الوعي المطلوب؟
من هي النخب العربية؟!. قد نختلف على مقولة "النخب"، النخب العربية هم الناس الذين يواجهون بالبندقية، أم هم الناس الذين لديهم إمكانية التكلم على المحطات الإذاعية بدون أن يكون لهم علاقة بممارسة الكفاح، ويعطون نصائح ويقولون افعلوا ذلك ولا تفعلوا ذلك؟
هل كتلة المثقفين العرب تلعب دورها أم لا؟ تقديري الشخصي: لا تلعب دورها. هذه هي المسألة المركزية.
دور الجبهة الشعبية و"الهدف" من خلال وجودها في الجبهة الشعبية، دور أساسي في محاربة كل الأفكار التي أدت إلى هزيمة حركة الجماهير، فالجماهير العربية لا تتحرك الآن ليس فقط، لأن هناك قمعًا، فمقولة القمع غير صالحة للاستخدام. لم يسقط في مصر عشرون ألف قتيل، ولم تكن هناك مظاهرة ليموتوا فيها أساسًا، لم ينزلوا إلى الشوارع خوفًا من الموت، هذا الخوف لماذا؟ ماذا يعني أن يُخوَّف الشعب في فرنسا ويدخلون السجن في فرنسا ويستمرون؟ لماذا لا تحصل في مصر ثورة؟ هناك مئات آلاف الأسرى في السجون المصرية، ولكن هناك ظروفًا اجتماعية اقتصادية تدفع للثورة... أين نحن منها؟
ماذا تقول في الذكرى الثانية لـ معركة "طوفان الأقصى" ؟
"طوفان الأقصى" يشكل حالة حاسمة ما بين ما قبل وما بعد "طوفان الأقصى"، وضعَ "إسرائيل" في موقعها في آخر فصل من فصول وجودها، بعكس كل الدعايات. دور "الهدف" أن تفضح هذه الدعايات المغرضة والدعايات التطبيلية. "إسرائيل" اليوم هي أضعف من أي فترة سابقة. كانت لديها في سنة 1970 مؤسسات اقتصادية فردية، وفي التسعينات بدأت تشكل حالة اقتصادية متقدمة من خلال "السيليكون فالي" وغيرهم، مع مليون من المعسكر الاشتراكي وعدد كبير من المليارات.
"طوفان الأقصى" أدى إلى ضرب كل هذا. "إسرائيل" حاليًا نتحدث وكأنه لم يحصل "طوفان الأقصى"، نتكلم وكأن "السيليكون فالي" ما زال موجودًا. "السيليكون فالي" طار، والمؤسسات المالية الأوروبية طارت بفعل "طوفان الأقصى" ولن تعود لا اليوم ولا غدًا، لأسباب موضوعية، وهي وضع الرأسمال العالمي وهو في حالة صدام مع ذاته، لأن هناك أزمات مستعصية. فالرأسمال الأمريكي لديه 32 تريليون عجز ولا توجد أزمة أكبر من هذه. لذلك فالرأسمال الأمريكي بقيادة ترامب يدوس على كل المعاهدات الدولية، ويحاول قدر المستطاع أن ينهب بأسرع ما يمكن عن طريق البلطجة؛ لأنه يرى أن الأمور قد وصلت إلى الزاوية.
علينا أن نفهم ما الذي يحصل في أمريكا، ومتى ستنفجر الثورة؟ التناقضات بين الإمبرياليات بلغت حدًا، أننا أصبحنا على أبواب حرب عالمية ثالثة. والذي يمنع الحرب العالمية الثالثة، هي الثورة في فرنسا، في إيطاليا، وغيرها، دور "الهدف" أن تقول لنا كيف سيحصل هذا، وما هي العلاقة بين جماهيرنا وجماهير أوروبا، كيف يمكننا التنسيق بين بعضنا البعض. وهذا بالضبط هو دور مجلة "الهدف".
هل كنت تتوقع أن تنال الحرية؟
طبعًا. ولكن السؤال الأساسي الذي كان يشغل بالي، مثل أي مناضل، (أنا كنت مناضلًا في الأسر) وبالتالي كانت مهمتي أن أرى أين يمكنني التعبير عن النضال. لم أكن أسيرًا مناضلًا، ولو كنت ذلك لكنت خرجت منذ زمن طويل. أنا لست أسيرًا مناضلًا، بل أنا مناضلٌ أسير. إذا كان الأمريكي يملي في الثمانينيات بقصف شعبنا وكان مجرم حرب، اليوم هناك حرب الإبادة، وهو أكثر من مجرم حرب، هو وكل المؤسسات التي تحيط به، وكل التشكيلات الاجتماعية التي يعبر عنها. وشعرت أن كل ما هو ضروري للنصر وُجِد. وجدت الناس، وجدت أبطال غزة، أبطال الضفة الذين وقفوا في وجه العدو.
وجدت الرجعية العربية التي وقفت كليًا في صف العدو. واليوم أبناء غزة يقولون: "نحن ندوس على هذه البرجوازية العربية".
جورج عبد الله طليقاً من السجون الفرنسية، إنه المناضل الأسير الذي عانق الحرية، المناضل في وجوه متعددة، ومتجددة منذ شبابه إلى كهولته، ثمة سيرورة تاريخية شكلته كعلامة فارقة، تكثفّ رحلته النضالية، وتجهر بوعيه القومي والوطني والأممي وصلابته، كما رؤيته العميقة للتحولات والمشهد السياسي الفلسطيني والعربي والعالمي والأدل إيمانه بدور مجلة الهدف الريادي، والتنويري، ووعيه بقوانين الصراع بمستوياته كافة مع الأمبريالية والصهيونية وثقته الراسخة بالنصر، وحسم الصراع لصالح الشعوب وفي المقدمة منها الشعب الفلسطيني.
الهدف، وعلى هامش المؤتمر القومي العربي الذي انعقد ببيروت التقت المناضل الكبير جورج عبد الله وكان لها معه الحوار التالي:
ذكرياتك الأولى مع مجلة الهدف؟
العلاقة قديمة جداً، كنت شابًا آنذاك وفي العشرينات من عمري (تريد أن تعيدني لشبابي. أنا عمري الآن 74 سنة)، يمكننا القول إن الأطراف التي كانت تشرف على "الهدف" كانت لها علاقة، ليس فقط مع مجلة "الهدف"، بل مع أجهزة الجبهة.
هل التقيتُ غسان كنفاني سابقًا؟
طبعًا، كان لغسان دور كبير. أنا شخصيًا لا أعرفه مباشرة، لكننا ربينا على فنه.
ما هو تقييمك للمؤتمر القومي العربي بالدورة الرابعة والثلاثين؟
المؤتمر هو إطار يمكن أن يلتقي فيه الناس وتُطرَح بعض الأفكار، ونرى حالة المثقفين من هذا النمط أين هم؟!. لا نحمله أكثر من طاقته، مجرد وجوده هو في حد ذاته مكسب، المهام المطلوبة من خارج المؤتمر كبيرة، فالمطلوب إذن فهم الأقطار العربية بشكل ثوري، ومطلوب من "الهدف" وغير "الهدف" أن يبحثوا ويحفروا ويجيبوا على أسئلة كبيرة: مثل أين الجماهير العربية؟ ولماذا؟ وما معنى أن الجماهير الأوروبية تتحرك؟ ولماذا؟
لماذا التضامن مع فلسطين اليوم؟ ماذا يعني؟ هل هو محبة فلسطين أم هناك عوامل أخرى؟ هل الكوفية التي يحملها المتظاهر الأوروبي تعبر فقط عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني وآلامه؟ أم تعبر عن رفضه للنظام العالمي الذي يجعل من حرب إبادة موضوعًا للنقاش الثانوي؟
نريد أن نرى: هل حالة الجماهير العريضة هذه التي نزلت إلى الشوارع، هل من الممكن أن تكون الكوفية الفلسطينية هي عنوان لمواجهة صيرورة الفاشية في هذه الأنظمة؟ هل هناك علاقة بين أن يكون حزب "الجبهة الوطنية" لمارين لوبان في فرنسا أول حزب، وبين تحرك الجماهير تحت راية الكوفية الفلسطينية؟
أقصد أن مارين لوبان هي أول حزب في المشهد البرلماني، وهو حزب فاشي وهو مع "إسرائيل" بكل أبعادها، مع "إسرائيل" أكثر من (بن غفير) و(سموتريتش) أنفسهم.
هذا اليمين المتطرف يسمى يمينًا متطرفًا، ولكنه في الحقيقة يمين فاشي، وهو الذي كان يُعتبر معاديًا للسامية. ما معنى أن يتغير مضمونه؟ وما معنى أن تقف الجماهير مع فلسطين في وجه هذه الصيرورة الفاشية؟
هذا يقودنا إلى سؤال: كيف تقيم أداء النخب العربية؟ هل هي بالفعل حققت مستوى الوعي المطلوب؟
من هي النخب العربية؟!. قد نختلف على مقولة "النخب"، النخب العربية هم الناس الذين يواجهون بالبندقية، أم هم الناس الذين لديهم إمكانية التكلم على المحطات الإذاعية بدون أن يكون لهم علاقة بممارسة الكفاح، ويعطون نصائح ويقولون افعلوا ذلك ولا تفعلوا ذلك؟
هل كتلة المثقفين العرب تلعب دورها أم لا؟ تقديري الشخصي: لا تلعب دورها. هذه هي المسألة المركزية.
دور الجبهة الشعبية و"الهدف" من خلال وجودها في الجبهة الشعبية، دور أساسي في محاربة كل الأفكار التي أدت إلى هزيمة حركة الجماهير، فالجماهير العربية لا تتحرك الآن ليس فقط، لأن هناك قمعًا، فمقولة القمع غير صالحة للاستخدام. لم يسقط في مصر عشرون ألف قتيل، ولم تكن هناك مظاهرة ليموتوا فيها أساسًا، لم ينزلوا إلى الشوارع خوفًا من الموت، هذا الخوف لماذا؟ ماذا يعني أن يُخوَّف الشعب في فرنسا ويدخلون السجن في فرنسا ويستمرون؟ لماذا لا تحصل في مصر ثورة؟ هناك مئات آلاف الأسرى في السجون المصرية، ولكن هناك ظروفًا اجتماعية اقتصادية تدفع للثورة... أين نحن منها؟
ماذا تقول في الذكرى الثانية لـ معركة "طوفان الأقصى" ؟
"طوفان الأقصى" يشكل حالة حاسمة ما بين ما قبل وما بعد "طوفان الأقصى"، وضعَ "إسرائيل" في موقعها في آخر فصل من فصول وجودها، بعكس كل الدعايات. دور "الهدف" أن تفضح هذه الدعايات المغرضة والدعايات التطبيلية. "إسرائيل" اليوم هي أضعف من أي فترة سابقة. كانت لديها في سنة 1970 مؤسسات اقتصادية فردية، وفي التسعينات بدأت تشكل حالة اقتصادية متقدمة من خلال "السيليكون فالي" وغيرهم، مع مليون من المعسكر الاشتراكي وعدد كبير من المليارات.
"طوفان الأقصى" أدى إلى ضرب كل هذا. "إسرائيل" حاليًا نتحدث وكأنه لم يحصل "طوفان الأقصى"، نتكلم وكأن "السيليكون فالي" ما زال موجودًا. "السيليكون فالي" طار، والمؤسسات المالية الأوروبية طارت بفعل "طوفان الأقصى" ولن تعود لا اليوم ولا غدًا، لأسباب موضوعية، وهي وضع الرأسمال العالمي وهو في حالة صدام مع ذاته، لأن هناك أزمات مستعصية. فالرأسمال الأمريكي لديه 32 تريليون عجز ولا توجد أزمة أكبر من هذه. لذلك فالرأسمال الأمريكي بقيادة ترامب يدوس على كل المعاهدات الدولية، ويحاول قدر المستطاع أن ينهب بأسرع ما يمكن عن طريق البلطجة؛ لأنه يرى أن الأمور قد وصلت إلى الزاوية.
علينا أن نفهم ما الذي يحصل في أمريكا، ومتى ستنفجر الثورة؟ التناقضات بين الإمبرياليات بلغت حدًا، أننا أصبحنا على أبواب حرب عالمية ثالثة. والذي يمنع الحرب العالمية الثالثة، هي الثورة في فرنسا، في إيطاليا، وغيرها، دور "الهدف" أن تقول لنا كيف سيحصل هذا، وما هي العلاقة بين جماهيرنا وجماهير أوروبا، كيف يمكننا التنسيق بين بعضنا البعض. وهذا بالضبط هو دور مجلة "الهدف".
هل كنت تتوقع أن تنال الحرية؟
طبعًا. ولكن السؤال الأساسي الذي كان يشغل بالي، مثل أي مناضل، (أنا كنت مناضلًا في الأسر) وبالتالي كانت مهمتي أن أرى أين يمكنني التعبير عن النضال. لم أكن أسيرًا مناضلًا، ولو كنت ذلك لكنت خرجت منذ زمن طويل. أنا لست أسيرًا مناضلًا، بل أنا مناضلٌ أسير. إذا كان الأمريكي يملي في الثمانينيات بقصف شعبنا وكان مجرم حرب، اليوم هناك حرب الإبادة، وهو أكثر من مجرم حرب، هو وكل المؤسسات التي تحيط به، وكل التشكيلات الاجتماعية التي يعبر عنها. وشعرت أن كل ما هو ضروري للنصر وُجِد. وجدت الناس، وجدت أبطال غزة، أبطال الضفة الذين وقفوا في وجه العدو.
وجدت الرجعية العربية التي وقفت كليًا في صف العدو. واليوم أبناء غزة يقولون: "نحن ندوس على هذه البرجوازية العربية".
«إسرائيل الكبرى»: المجازفة الأكبر!
سعد الله مزرعاني
كاتب وسياسي لبناني
في مجرى جموح التطرّف وحرب الإبادة الشاملة و«استشعار» وإشهار دور رسولي (مخلّص!) وكابوس محاكمة الرّشى، باشر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، معلناً ومتفاخراً، بإنشاء «إسرائيل التوراتية»! غداة «طوفان الأقصى»، وبعد أن تسابق قادة الأطلسي - عدا عن اتصالات سرّية من قبل قادة دول عربية! - في الحضور إلى تل أبيب، للدعم والحثّ على الردّ، بكّر نتنياهو، في إعلان توعّد فيه بأنه «سيعيد رسم» خرائط الشرق الأوسط! ومنذ ذلك التاريخ، باتت الممارسات والإعلانات والمواقف البالغة التطرّف لشركائه في السلطة، هي البوصلة الفعلية الموجِّهة لعمل الحكومة ولقراراتها حيال مجمل المعركة/الحرب التي لا تزال مفتوحة، منذ أكثر من سنتين، رغم ما تخلّلها من مناورات/ اتفاقات هشّة لوقف إطلاق النار، توجّتها «خطة ترامب» التي تتجاوز غزة وفلسطين إلى كامل المدى العربي والشرق أوسطي.
على أن تحويل الردّ على عملية «طوفان الأقصى» إلى معركة شاملة هو ما وجّه نشاط الحكومة العنصرية الفاشية الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو، بينما كانت الولايات المتحدة شريكة ومنخرطة منذ اللحظات الأولى: التبرير بـ«الدفاع عن النفس». أمّا الدعم الشامل، السياسي والديبلوماسي والاستخباراتي والعسكري والمالي، فكان، واستمرّ، في تصاعد متواصل، ليبلغ ذروته مع تسلّم دونالد ترامب، مقاليد السلطة في واشنطن، منذ مطلع السنة الحالية. وفي تلك المرحلة، حصل العدوان على الجمهورية الإيرانية، علماً أنّ واشنطن كانت شريكة مباشرة في المعركة منذ المحاولة الفاشلة لكسر الحصار اليمني العنيد، وصولاً إلى قصف المفاعل النووي الإيراني، بعدما لم تتمكّن إسرائيل من القيام بذلك.
قبل ذلك وبعده، عمدت إلى تحريك الأساطيل واعتراض صواريخ الردّ الإيراني، والإمعان في تبرير وتغطية حرب الإبادة والتجويع والتدمير ومحاولة التهجير الشاملة...، وصولاً إلى دخول ترامب مباشرة على الخط، عبر مشروع نقل سكان غزة إلى مصر ومواطني «الضفة الغربية» إلى الأردن، وتحويل الأولى، بعد استكمال تدميرها وتهجير أهلها، إلى مرفق سياحي مملوك من ترامب شخصياً!!
أمّا في لبنان، فتعاظم الدعم الأميركي، بعد بدء الهجوم الإسرائيلي، بوتيرة متصاعدة في الحقول كافة، بما فيها تنسيق عمليات الاغتيال، وذروتها تمثّلت في اغتيال السيد حسن نصر الله، بقرار أميركي وإسرائيلي مشترك، اتُّخذ في «البيت الأبيض» بوجود نتنياهو زائراً ومنسّقاً. تُوِّج هذا المسار بتنسيق الانقلاب في سوريا بإدارة أميركية، ما وفّر للعدو الإسرائيلي مكسباً استراتيجياً واندفاعة سريعة في إعلان المباشرة بتنفيذ مشروع «إسرائيل الكبرى». تبديد وتشتيت الجيش السوري وتدمير قدراته، من كل نوع، كان بداية تلك الاندفاعة المستمرة: تقدّماً، وتحريضاً على الفتنة، وإذلالاً للسلطة الجديدة المستسلمة! وتبلور، في السياق، شعارٌ موحّد: «نزع السلاح»، «التوسّع»، «إقامة مناطق آمنة» وخالية من أي تهديد: في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا. وبذلك، تصبح دول «الطوق» مفتوحة: ما بين مطبِّع موقّع لمعاهدات واتفاقيات مخلّة كمصر والأردن والسلطة الفلسطينية، وآخرين معرّضين للعدوان تحت شعار إزالة أي تهديد لأمن إسرائيل!
إلى ذلك، فإنّ ملفات إيران واليمن والعراق، لا تزال مفتوحة بالضغوط السياسية والأمنية والمالية وغيرها، والتي تمارسها واشنطن بشكل خاص. وفي هذا السياق، تتجدّد الضغوط الأميركية على المملكة السعودية خصوصاً من أجل الانضمام الفوري إلى الاتفاقات التطبيعية «الإبراهيمية». هذا ما تميّزت به الزيارة الأخيرة لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن، حيث طولِب بالانضمام فوراً إلى المطبّعين، وبالتخلّي عن مجرد فكرة ومشروع الدولة الفلسطينية التي حاول أن يستظلّها في أثناء حرب الإبادة للتغطية على تخلّفه وفريقه عن دعم الشعب الفلسطيني.
«خطة ترامب» التي أشارت (بعد تعديلها وكشرط لإقرارها في مجلس الأمن أخيراً) إشارةً خجولةً إلى مسار يؤدّي إلى قيام دولة فلسطينية، لا تملك أي صدقية في ظروف تواصل الإجرام الصهيوني المدعوم من واشنطن. ويتمثّل أحد أهمّ أهدافها في احتواء تعاظم الحملة الشعبية والسياسية الدولية ضدّ الإرهاب الصهيوني والدعم الأميركي له، وتدارك عجز العدو عن «تدمير المقاومة وتحرير الأسرى». أمّا على الصعيد العربي، فالاحتقان سيد الموقف، حيث حال القمع والمنع دون أن يتحرّك الشارع العربي إلا جزئياً قبل أن يُواجه بالقمع والمنع، هو الآخر. ويُذكر، هنا، أنّ الأنظمة التي طبّعت سابقاً قد تعرّضت إلى إذلال مشين. بعضها، كمصر، واجه إحراجات شديدة بسبب انتهاكات العدو لاتفاقيات التطبيع نفسها، دون أن يحرّك ساكناً كما توعّد!
الواقع أنّ حكومة إسرائيل، ورغم كل ما ارتكبته من إجرام ومجازر، تجد نفسها في حال عجز عن إنجاز أيٍّ من أهدافها المعلنة والأساسية. فالمقاومة في غزّة لا تزال قوية سياسياً وعسكرياً. المقاومة في لبنان حاضرة، واستعادت وتستعيد الكثير من قدراتها، وهي التي منعت العدو من التقدّم البرّي المؤثّر في أثناء الحرب، والاكتفاء بغارات الطيران بعد خديعة «وقف الأعمال العدائية». إيران، من جهتها، مصمّمة على عدم التنازل في الملف النووي رغم الضغوط. التيارات الداعمة للمقاومة في العراق، حلّت في المركز الأول انتخابياً. صنعاء ثابتة في خياراتها وفي مواقعها. حتى في سوريا، انطلقت أولى عمليات المقاومة في بيت جن، وفاجأت مجموعة عسكرية إسرائيلية وألحقت بها خسائر كبيرة...
إلى ذلك، استجدى «المخلّص» نتنياهو، تدخّل ترامب، ضدّ القضاء في بلاده، واسترحم الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، منذ أيام، طالباً العفو، دون أن يجرؤ على الاعتراف بالارتكاب خشية استعجال الإدانة! كذلك، يمكن القول، بثقة، إنّ الجيش الإسرائيلي شديد الإرهاق؛ فهو يعاني من طول زمن الحرب وخسائرها الكبيرة، ويكابد أيضاً نقصاً كبيراً في العديد، وتهرّباً من الخدمة مقلقاً له، في صفوف جنود الاحتياط، وازدياداً ملحوظاً في عمليات الانتحار... أمّا الاقتصاد ففي حال ركود واستنزاف وخسائر غير مسبوقة.
على أنّ ثمّة فارقاً كبيراً بين مرحلة التطبيع السلمي المفروض بالضغوط والوعود (الوهمية)، وبين تنفيذ «إسرائيل الكبرى» بالقوة وبالحروب والقتل والدمار والتهجير. انتشار الجيش الإسرائيلي، على النحو الراهن، مكلف ومرهق ومجازِف في ظلّ تعدّد وتنوع المهمّات وتوسّع رقعتها، ممّا يزيد المتضرّرين/الأعداء، لتصبح المقاومة حتمية عاجلاً أو آجلاً، بعدما مثّلت عقب التجربتين الغزيّة واللبنانية عنوان الكرامة والصمود. ما يبدو انتصارات الآن قد يتحوّل تحدّياتٍ كابوسية لوجود إسرائيل نفسها ولنفوذ داعميها، وليس فقط لما تمّ تحقيقه من مكاسب ستكون مؤقّتة قطعاً!
سعد الله مزرعاني
كاتب وسياسي لبناني
في مجرى جموح التطرّف وحرب الإبادة الشاملة و«استشعار» وإشهار دور رسولي (مخلّص!) وكابوس محاكمة الرّشى، باشر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، معلناً ومتفاخراً، بإنشاء «إسرائيل التوراتية»! غداة «طوفان الأقصى»، وبعد أن تسابق قادة الأطلسي - عدا عن اتصالات سرّية من قبل قادة دول عربية! - في الحضور إلى تل أبيب، للدعم والحثّ على الردّ، بكّر نتنياهو، في إعلان توعّد فيه بأنه «سيعيد رسم» خرائط الشرق الأوسط! ومنذ ذلك التاريخ، باتت الممارسات والإعلانات والمواقف البالغة التطرّف لشركائه في السلطة، هي البوصلة الفعلية الموجِّهة لعمل الحكومة ولقراراتها حيال مجمل المعركة/الحرب التي لا تزال مفتوحة، منذ أكثر من سنتين، رغم ما تخلّلها من مناورات/ اتفاقات هشّة لوقف إطلاق النار، توجّتها «خطة ترامب» التي تتجاوز غزة وفلسطين إلى كامل المدى العربي والشرق أوسطي.
على أن تحويل الردّ على عملية «طوفان الأقصى» إلى معركة شاملة هو ما وجّه نشاط الحكومة العنصرية الفاشية الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو، بينما كانت الولايات المتحدة شريكة ومنخرطة منذ اللحظات الأولى: التبرير بـ«الدفاع عن النفس». أمّا الدعم الشامل، السياسي والديبلوماسي والاستخباراتي والعسكري والمالي، فكان، واستمرّ، في تصاعد متواصل، ليبلغ ذروته مع تسلّم دونالد ترامب، مقاليد السلطة في واشنطن، منذ مطلع السنة الحالية. وفي تلك المرحلة، حصل العدوان على الجمهورية الإيرانية، علماً أنّ واشنطن كانت شريكة مباشرة في المعركة منذ المحاولة الفاشلة لكسر الحصار اليمني العنيد، وصولاً إلى قصف المفاعل النووي الإيراني، بعدما لم تتمكّن إسرائيل من القيام بذلك.
قبل ذلك وبعده، عمدت إلى تحريك الأساطيل واعتراض صواريخ الردّ الإيراني، والإمعان في تبرير وتغطية حرب الإبادة والتجويع والتدمير ومحاولة التهجير الشاملة...، وصولاً إلى دخول ترامب مباشرة على الخط، عبر مشروع نقل سكان غزة إلى مصر ومواطني «الضفة الغربية» إلى الأردن، وتحويل الأولى، بعد استكمال تدميرها وتهجير أهلها، إلى مرفق سياحي مملوك من ترامب شخصياً!!
أمّا في لبنان، فتعاظم الدعم الأميركي، بعد بدء الهجوم الإسرائيلي، بوتيرة متصاعدة في الحقول كافة، بما فيها تنسيق عمليات الاغتيال، وذروتها تمثّلت في اغتيال السيد حسن نصر الله، بقرار أميركي وإسرائيلي مشترك، اتُّخذ في «البيت الأبيض» بوجود نتنياهو زائراً ومنسّقاً. تُوِّج هذا المسار بتنسيق الانقلاب في سوريا بإدارة أميركية، ما وفّر للعدو الإسرائيلي مكسباً استراتيجياً واندفاعة سريعة في إعلان المباشرة بتنفيذ مشروع «إسرائيل الكبرى». تبديد وتشتيت الجيش السوري وتدمير قدراته، من كل نوع، كان بداية تلك الاندفاعة المستمرة: تقدّماً، وتحريضاً على الفتنة، وإذلالاً للسلطة الجديدة المستسلمة! وتبلور، في السياق، شعارٌ موحّد: «نزع السلاح»، «التوسّع»، «إقامة مناطق آمنة» وخالية من أي تهديد: في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا. وبذلك، تصبح دول «الطوق» مفتوحة: ما بين مطبِّع موقّع لمعاهدات واتفاقيات مخلّة كمصر والأردن والسلطة الفلسطينية، وآخرين معرّضين للعدوان تحت شعار إزالة أي تهديد لأمن إسرائيل!
إلى ذلك، فإنّ ملفات إيران واليمن والعراق، لا تزال مفتوحة بالضغوط السياسية والأمنية والمالية وغيرها، والتي تمارسها واشنطن بشكل خاص. وفي هذا السياق، تتجدّد الضغوط الأميركية على المملكة السعودية خصوصاً من أجل الانضمام الفوري إلى الاتفاقات التطبيعية «الإبراهيمية». هذا ما تميّزت به الزيارة الأخيرة لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن، حيث طولِب بالانضمام فوراً إلى المطبّعين، وبالتخلّي عن مجرد فكرة ومشروع الدولة الفلسطينية التي حاول أن يستظلّها في أثناء حرب الإبادة للتغطية على تخلّفه وفريقه عن دعم الشعب الفلسطيني.
«خطة ترامب» التي أشارت (بعد تعديلها وكشرط لإقرارها في مجلس الأمن أخيراً) إشارةً خجولةً إلى مسار يؤدّي إلى قيام دولة فلسطينية، لا تملك أي صدقية في ظروف تواصل الإجرام الصهيوني المدعوم من واشنطن. ويتمثّل أحد أهمّ أهدافها في احتواء تعاظم الحملة الشعبية والسياسية الدولية ضدّ الإرهاب الصهيوني والدعم الأميركي له، وتدارك عجز العدو عن «تدمير المقاومة وتحرير الأسرى». أمّا على الصعيد العربي، فالاحتقان سيد الموقف، حيث حال القمع والمنع دون أن يتحرّك الشارع العربي إلا جزئياً قبل أن يُواجه بالقمع والمنع، هو الآخر. ويُذكر، هنا، أنّ الأنظمة التي طبّعت سابقاً قد تعرّضت إلى إذلال مشين. بعضها، كمصر، واجه إحراجات شديدة بسبب انتهاكات العدو لاتفاقيات التطبيع نفسها، دون أن يحرّك ساكناً كما توعّد!
الواقع أنّ حكومة إسرائيل، ورغم كل ما ارتكبته من إجرام ومجازر، تجد نفسها في حال عجز عن إنجاز أيٍّ من أهدافها المعلنة والأساسية. فالمقاومة في غزّة لا تزال قوية سياسياً وعسكرياً. المقاومة في لبنان حاضرة، واستعادت وتستعيد الكثير من قدراتها، وهي التي منعت العدو من التقدّم البرّي المؤثّر في أثناء الحرب، والاكتفاء بغارات الطيران بعد خديعة «وقف الأعمال العدائية». إيران، من جهتها، مصمّمة على عدم التنازل في الملف النووي رغم الضغوط. التيارات الداعمة للمقاومة في العراق، حلّت في المركز الأول انتخابياً. صنعاء ثابتة في خياراتها وفي مواقعها. حتى في سوريا، انطلقت أولى عمليات المقاومة في بيت جن، وفاجأت مجموعة عسكرية إسرائيلية وألحقت بها خسائر كبيرة...
إلى ذلك، استجدى «المخلّص» نتنياهو، تدخّل ترامب، ضدّ القضاء في بلاده، واسترحم الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، منذ أيام، طالباً العفو، دون أن يجرؤ على الاعتراف بالارتكاب خشية استعجال الإدانة! كذلك، يمكن القول، بثقة، إنّ الجيش الإسرائيلي شديد الإرهاق؛ فهو يعاني من طول زمن الحرب وخسائرها الكبيرة، ويكابد أيضاً نقصاً كبيراً في العديد، وتهرّباً من الخدمة مقلقاً له، في صفوف جنود الاحتياط، وازدياداً ملحوظاً في عمليات الانتحار... أمّا الاقتصاد ففي حال ركود واستنزاف وخسائر غير مسبوقة.
على أنّ ثمّة فارقاً كبيراً بين مرحلة التطبيع السلمي المفروض بالضغوط والوعود (الوهمية)، وبين تنفيذ «إسرائيل الكبرى» بالقوة وبالحروب والقتل والدمار والتهجير. انتشار الجيش الإسرائيلي، على النحو الراهن، مكلف ومرهق ومجازِف في ظلّ تعدّد وتنوع المهمّات وتوسّع رقعتها، ممّا يزيد المتضرّرين/الأعداء، لتصبح المقاومة حتمية عاجلاً أو آجلاً، بعدما مثّلت عقب التجربتين الغزيّة واللبنانية عنوان الكرامة والصمود. ما يبدو انتصارات الآن قد يتحوّل تحدّياتٍ كابوسية لوجود إسرائيل نفسها ولنفوذ داعميها، وليس فقط لما تمّ تحقيقه من مكاسب ستكون مؤقّتة قطعاً!
فلسطين بين التضامن العالمي والنفاق في مجلس الأمن
افتتاحية الهدف
تواصلت الجهود الدولية والإقليمية والعربية وتكثفت في الشهرين الأخيرين إلى أن تم الاتفاق على وقف إطلاق النار في قطاع غزة بموجب ما جاءت به خطة الرئيس الأمريكي ترامب بنقاطها العشرين. وما أتى عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2803) بالموافقة على مضامين هذه الخطة بتعديلات طفيفة لا تغير في المحتوى الذي يتقاطع مع الرؤية الصهيونية، وينال من حق الشعب الفلسطيني ونضاله العادل والمشروع في الدفاع عن نفسه واسترداد حقوقه الوطنية.
إلا أن الحرب والعدوان لم يتوقف رغم هذا الاتفاق فالقصف والتدمير والقتل والاعتقال والحصار والاحتلال لا زال قائماً في قطاع غزة، وأبعد من ذلك يستمر العدوان والاجتياحات والاغتيالات والاستيطان في الضفة الغربية، سيما مدن ومخيمات الشمال وليس آخرها مدينة طوباس ومخيم الفارعة، وكما تستمر الاستفزازات ومحاولات التهويد للمقدسات الفلسطينية، وخاصة القدس والمسجد الأقصى وما حوله، وأيضاً في الخليل والحرم الإبراهيمي.
مخاطر حقيقية تتهدد الوجود الفلسطيني، الإنسان والحضارة والهوية والكيانية الفلسطينية والتاريخ والجغرافيا الفلسطينية الموحدة، وكل ذلك ضمن خطة صهيونية واضحة عنوانها حسم الصراع ونفي أي وجود قومي وأية تعبيرات قومية للفلسطينيين على أرض فلسطين بمعنى وحسب الادعاء الصهيوني لا تتسع هذه الأرض أو ما يسمونه بـ"الدولة اليهودية" لوجود شعبين أو قوميتين متناقضتين، وعلى الفلسطينيين أن يرحلوا، مخطط التهجير والتطهير العرقي لا يزال له الأولوية في المخططات والأهداف الصهيونية.
ويزداد التمسك بهذه الأهداف في العام الانتخابي "الإسرائيلي" 2026، ويتصاعد العدوان بأشكاله الوحشية المختلفة ضد الشعب الفلسطيني في الداخل وخاصة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وفي الخارج سيما لبنان والاعتداء على مخيم عين الحلوة، وأيضاً التهديدات للمخيمات الفلسطينية في سوريا، وكل ذلك يتم بدعم أمريكي مطلق وبلا حدود، وفي ظل عجز وتواطؤ معظم الدول العربية والإسلامية وبؤس القيادة الرسمية الفلسطينية ومواقفها التي تجلّت في مباركة وتأييد قرار مجلس الأمن، والانصياع للضغوط والتهديدات الصهيو- أمريكية.
إن ما حققته العملية الفدائية البطولية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر يتميز بأبعاد ومعاني تاريخية وإنجازات وطنية استراتيجية رغم حجم التضحيات والدمار والنزوح والحصار والتجويع والإبادة الجماعية. وإذ يحتفي العالم كله باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني لابد من الإشارة إلى التغير النوعي في حجم التأييد العالمي للحق الفلسطيني، وانتصار سردية الحق والعدالة والرواية الفلسطينية، واقتحامها لكل عواصم وجامعات وبرلمانات وموانئ العالم، وباتت فلسطين “Viva Palestine” رمزاً وعنواناً لكل الشعوب والحركات التقدمية والديمقراطية وقوى الحرية والسلام في العالم.
وغدا الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية رمزاً للوحشية والفاشية والعنصرية وعنواناً للقتل والإجرام في العالم بأسره، وهكذا سقطت الرواية التاريخية الصهيونية والتلمودية وتم سحقها وتحول الكيان الصهيوني إلى كيان مطارد وملاحق ومعزول.
تسعى الإدارة الأمريكية وفائض "القوة الإسرائيلية" لتحقيق الأهداف التي عجزوا عن تحقيقها بالحرب والعدوان، وخاصة على جبهات فلسطين ولبنان و سوريا بوسائل الضغط والابتزاز السياسي والاقتصادي والإرهاب العسكري والأمني.
إلا أن ثبات وصمود المقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة، ومشاهد الأبطال السوريين في تصديهم للتوغلات الصهيونية في الجنوب السوري ومؤخراً في بيت جن، سيقطع الطريق على مخططات العدو وسيسقط أهدافه.
لقد أعلنت المقاومة موقفها برفض الوصاية الدولية على قطاع غزة، وأي محاولة لفصل قطاع غزة عن الضفة وأي محاولة لاختراع بدائل تمثيلية للشعب الفلسطيني سواء كانت محلية أو دولية أو غير ذلك.
إن أي قوة دولية في غزة لها مهمة واحدة هي مراقبة وتثبيت وقف إطلاق النار، وأي هيئة دولية مشرفة "مجلس السلام" دورها يتعلق بجمع الأموال وإعادة الإعمار وإلزام الكيان الصهيوني بالانسحاب من قطاع غزة وإدخال المساعدات بكل أشكالها وما تتطلبه مقومات الحياة وإعادة الإعمار، وأما المقاومة وحقها بالدفاع عن النفس وإنهاء الاحتلال فهو حق مشروع كفلته كل القوانين والشرائع.
ويبقى الواجب الذي تفرضه الضرورة والمبادئ والقيم؛ وهو وحدة المقاومين الفلسطينيين والعرب وخاصة في فلسطين وجبهات التماس وساحات الاستهداف.
افتتاحية الهدف
تواصلت الجهود الدولية والإقليمية والعربية وتكثفت في الشهرين الأخيرين إلى أن تم الاتفاق على وقف إطلاق النار في قطاع غزة بموجب ما جاءت به خطة الرئيس الأمريكي ترامب بنقاطها العشرين. وما أتى عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2803) بالموافقة على مضامين هذه الخطة بتعديلات طفيفة لا تغير في المحتوى الذي يتقاطع مع الرؤية الصهيونية، وينال من حق الشعب الفلسطيني ونضاله العادل والمشروع في الدفاع عن نفسه واسترداد حقوقه الوطنية.
إلا أن الحرب والعدوان لم يتوقف رغم هذا الاتفاق فالقصف والتدمير والقتل والاعتقال والحصار والاحتلال لا زال قائماً في قطاع غزة، وأبعد من ذلك يستمر العدوان والاجتياحات والاغتيالات والاستيطان في الضفة الغربية، سيما مدن ومخيمات الشمال وليس آخرها مدينة طوباس ومخيم الفارعة، وكما تستمر الاستفزازات ومحاولات التهويد للمقدسات الفلسطينية، وخاصة القدس والمسجد الأقصى وما حوله، وأيضاً في الخليل والحرم الإبراهيمي.
مخاطر حقيقية تتهدد الوجود الفلسطيني، الإنسان والحضارة والهوية والكيانية الفلسطينية والتاريخ والجغرافيا الفلسطينية الموحدة، وكل ذلك ضمن خطة صهيونية واضحة عنوانها حسم الصراع ونفي أي وجود قومي وأية تعبيرات قومية للفلسطينيين على أرض فلسطين بمعنى وحسب الادعاء الصهيوني لا تتسع هذه الأرض أو ما يسمونه بـ"الدولة اليهودية" لوجود شعبين أو قوميتين متناقضتين، وعلى الفلسطينيين أن يرحلوا، مخطط التهجير والتطهير العرقي لا يزال له الأولوية في المخططات والأهداف الصهيونية.
ويزداد التمسك بهذه الأهداف في العام الانتخابي "الإسرائيلي" 2026، ويتصاعد العدوان بأشكاله الوحشية المختلفة ضد الشعب الفلسطيني في الداخل وخاصة في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وفي الخارج سيما لبنان والاعتداء على مخيم عين الحلوة، وأيضاً التهديدات للمخيمات الفلسطينية في سوريا، وكل ذلك يتم بدعم أمريكي مطلق وبلا حدود، وفي ظل عجز وتواطؤ معظم الدول العربية والإسلامية وبؤس القيادة الرسمية الفلسطينية ومواقفها التي تجلّت في مباركة وتأييد قرار مجلس الأمن، والانصياع للضغوط والتهديدات الصهيو- أمريكية.
إن ما حققته العملية الفدائية البطولية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر يتميز بأبعاد ومعاني تاريخية وإنجازات وطنية استراتيجية رغم حجم التضحيات والدمار والنزوح والحصار والتجويع والإبادة الجماعية. وإذ يحتفي العالم كله باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني لابد من الإشارة إلى التغير النوعي في حجم التأييد العالمي للحق الفلسطيني، وانتصار سردية الحق والعدالة والرواية الفلسطينية، واقتحامها لكل عواصم وجامعات وبرلمانات وموانئ العالم، وباتت فلسطين “Viva Palestine” رمزاً وعنواناً لكل الشعوب والحركات التقدمية والديمقراطية وقوى الحرية والسلام في العالم.
وغدا الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية رمزاً للوحشية والفاشية والعنصرية وعنواناً للقتل والإجرام في العالم بأسره، وهكذا سقطت الرواية التاريخية الصهيونية والتلمودية وتم سحقها وتحول الكيان الصهيوني إلى كيان مطارد وملاحق ومعزول.
تسعى الإدارة الأمريكية وفائض "القوة الإسرائيلية" لتحقيق الأهداف التي عجزوا عن تحقيقها بالحرب والعدوان، وخاصة على جبهات فلسطين ولبنان و سوريا بوسائل الضغط والابتزاز السياسي والاقتصادي والإرهاب العسكري والأمني.
إلا أن ثبات وصمود المقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة، ومشاهد الأبطال السوريين في تصديهم للتوغلات الصهيونية في الجنوب السوري ومؤخراً في بيت جن، سيقطع الطريق على مخططات العدو وسيسقط أهدافه.
لقد أعلنت المقاومة موقفها برفض الوصاية الدولية على قطاع غزة، وأي محاولة لفصل قطاع غزة عن الضفة وأي محاولة لاختراع بدائل تمثيلية للشعب الفلسطيني سواء كانت محلية أو دولية أو غير ذلك.
إن أي قوة دولية في غزة لها مهمة واحدة هي مراقبة وتثبيت وقف إطلاق النار، وأي هيئة دولية مشرفة "مجلس السلام" دورها يتعلق بجمع الأموال وإعادة الإعمار وإلزام الكيان الصهيوني بالانسحاب من قطاع غزة وإدخال المساعدات بكل أشكالها وما تتطلبه مقومات الحياة وإعادة الإعمار، وأما المقاومة وحقها بالدفاع عن النفس وإنهاء الاحتلال فهو حق مشروع كفلته كل القوانين والشرائع.
ويبقى الواجب الذي تفرضه الضرورة والمبادئ والقيم؛ وهو وحدة المقاومين الفلسطينيين والعرب وخاصة في فلسطين وجبهات التماس وساحات الاستهداف.
مداخلة د. ماري ناصيف - الدبس رئيسة جمعية مساواة - وردة بطرس في ورشة عمل حول:
"العنف ضد المرأة وسبل الحل" (دير الغزال – البقاع الأوسط -6 كانون الأول 2025)
تحت عنوان " مظاهر العنف ضد المرأة في المجتمع والقوانين
ما هو مفهوم العنف ضد المرأة؟
بحسب التعريف الذي طرحته الأمم المتحدة في العام 2015، يتحدد مفهوم العنف على أنه "أي فعل مبني على أساس النوع الإجتماعي ويترتب عليه، أو يحتمل أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسدية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك إطلاق التهديدات بأفعال من قبيل القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة. وتشمل أبعاده العنف الجسدي والجنسي والنفسي/العاطفي والعنف الاقتصادي الذي يحدث في إطار الأسرة والمجتمع عموماً أو العنف من هذا النوع الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه. ويشمل العنف ضد المرأة العنف المنـزلي، وزواج الطفلة، والحمل القسري، وجرائم ”الشرف“، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وقتل الإناث، والعنف الجنسي وغيره من أشكال العنف التي يرتكبها شخص آخر غير الشريك، والتحرش الجنسي (في مكان العمل، وغيره من المؤسسات، وفي الأماكن العامة)، والاتجار بالنساء، والعنف في حالات الحروب والنـزاعات المسلحة."
إذا انطلقنا من هذا المفهوم، المبني على تعريف الأمم المتحدة، نجد أن العنف يشمل جميع نواحي الحياة الخاصة والعامة في لبنان، إن في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، أم في المجال السياسي، أم كذلك في القوانين التي تنظّم أوضاع المواطنين... وصولا إلى الأيديولوجية المعتمدة لدى القوى المسيطرة سياسيا ودينيا.
واستنادا إلى توقيع لبنان على أغلبية الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وكذلك على إعلان التزام حكوماته المتعاقبة بما جاء في المؤتمرات الدولية المتعاقبة منذ مؤتمر مكسيكو في العام 1975، سنحاول دراسة أكثر مظاهر العنف السائدة في مجتمعنا والناجمة عن العادات والتقاليد المتخلفة، وما يظهر منها في الممارسة اليومية، وما انتقل منها إلى القوانين، إن المتعلقة بالأحوال الشخصية أم القوانين الوضعية (أي تلك التي وضعها الانسان دون الرجوع إلى الشرائع الدينية).
1- التمييز في العادات والتقاليد من الأسرة إلى المجتمع:
وهي العنوان الأول في التمييز ضد المرأة، والعنف الذي نرزح تحت ثقله، خاصة في الأرياف. من مساويء العادات والتقاليد:
- التمييز بين الذكور والاناث منذ الولادة داخل الأسرة. وكون الأسرة هي المكان الأول الذي يتفتح فيه الطفل على الحياة، فهي غالبا ما تكون المؤثر الأساس في تكوينه وفي بناء شخصيته وتطوره. ففي الأسرة تحدد أدوار الذكور والإناث، وتتم داخلها عملية تلقين ثقافة التمييز منذ الطفولة. وهنا تجدر الاشارة إلى أن الوالدين يمثلان عادة المجتمع الذي يعيشان فيه، بما يحتويه من عادات وتقاليد موروثة جيلا بعد جيل.عادة المجتمع الذي يعيشان فيه، بما يحتويه من عادات وتقاليد موروثة جيلا بعد جيل.
- التمييز في المجتمع: بما أن مجتمعنا، وخاصة في الأرياف، يؤمن بضرورة التمييز بين الذكر والأنثى، فهو قد وضع أساليب مختلفة للتربية الموجهة إلى كل منهما. لذلك تتم عملية تنشئة الذكر على أنه الأقوى والأساسي في العائلة، خلافا للأنثى التي تعامل على أنها العنصر الأضغف والأقل شأنا.
- التمييز في الكتب المدرسية، وفي التوجيه نحو الوظيفة الاجتماعية، ومنها في مجال العمل والدور الاقتصادي الذي هو الأساس، بمعنى الدور في الانتاج.
ثانيا - التمييز في القوانين:
أولا في قوانين الأحوال الشخصية المتعددة، ودور الطائفية والمذهبية: التي تحدد للأنثى دورا ثانويا وهامشيا، وتربط كينونتها بالذكر (بنت فلان، زوجة فلان، أخت فلان)، ودورها في العائلة..
وثانيا، في القوانين الوضعية التي شكلت ولا يزال بعضها يشكل انعكاسا للصورة النمطية للمرأة:
القوانين التي عدلت ولا تطبق لعدم صدور المراسيم الضرورية: قانون العمل، بعض ما يتلق بأنظمة الموظفين (التعويض العائلي في حالة الطلاق).
التقديمات والتعويضات (خاصة في القطاع الخاص)، حق المرأة اللبنانية في إعطاء جنسيتها لأولادها، الإرث...إلخ.
ولا ننسى التحايلات على بعض القوانين التي عدلت، خاصة في مجال قانون العقوبات وملحقاته.
وسنتوقف بالتحديد عند القانون 293/ 2014 والمسمى "حماية النساء وسائر أفراد الاسرة من العنف الاسري" وأهدافه الستة، وأولها وأهمها تجريم العنف الأسري بكافة أشكاله، وإمكانية إصدار حماية، واستحداث صندوق حكومي أو مشترك لمساعدة ضحايا العنف الأسري. منذ صدور القانون حتى الآن، هناك بضعة مئات من النساء اللواتي قتلن، وأكثر بكثير هن اللواتي يتعرضن للعنف، ومنهن من تقدم بشكاوى لم تغير من حالتهن. ولا ننسى الحديث عن العنف والتحرش في عالم العمل (بدءا بالمصانع ووصولا إلى وسائل الاعلام)، وكذلك العنف في وسائل التواصل الاجتماعي. ونضيف إلى كل هذا العنف الناجم عن العدوان الصهيوني المستمر والذي أدى إلى قتل المئات من النساء والفتيات وفقدان الأزواج والتشرد والنزوح حيث كان العنف والتحرش بالمرصاد.
ما العمل؟
إن كنا نريد تغيير علاقة المجتمع بالمرأة ونظرته الدونية لها، لا بد من السعي إلى توحيد الصفوف وتطوير العمل المشترك باتجاهات عدة:
أولها التوعية المجتمعية داخل الأسر وفي المدارس. وفي مجال التعليم، لا بد من إعادة النظر ببعض الكتب المدرسية والنصوص التي تحتوي عليها، والتي لا تزال تؤكد على الصورة النمطية المتخلفة.
ثانيها، إلغاء التحفظ الموضوع على المادة 9 من اتفاقية سيداو والمتعلقة بحق المرأة في إعطاء جنسيتها لأولادها.
ثالثها، تعديل العقوبات المتعلقة بالعنف ضد المرأة في القانون 293 / 2014، وتنفيذ هذه العقوبات بشكل صارم، بما يوقف العنف المتزايد والقاتل على صعيد الأسرة، حيث تقول الاحصاءات أن غمرأة من أصل ثلالث نساء تتعرض خلال حياتها للعنف من قبل الزوج أو الأب أو الأخ.
رابعهاا، تعديل القوانين الوضعية لتتوافق والاتفاقيات العربية والدولية المتعلقة بعالم العمل. وإبرام الاتفاقية 190 التي تدعو إلى عالم عمل خال من العنف والتحرّش.
خامسها، وهو الأساس، رفع التحفظ عن المادة 16 من اتفاقية سيداو التي تطال تنظيم الأحوال الشخصية ودور المرأة في العائلة. وعلى أساس ذلك، متابعة التحرك من أجل استعادة الدولة لصلاحيتها في التشريع في مجال الأحوال الشخصية، عبر وضع قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، وتطبيق ما جاء في المادة 7 من الدستور حول المساواة الكاملة بين النساء والرجال في الحقوق... ولا ننسى أننا من دعاة المناصفة الفعلية في كل مجالات المؤسسات الدستورية (بدءا بمجلس النواب) وامتدادا إلى الادارة العامة.
لا بد، بالطبع، من التأكيد على جدولة التحركات، من جهة، ووضع الأولويات في كل مرحلة، وخاصة في وضع برنامج للتنفيذ يستند، كما سبق وأشرت، إلى تجميع القوى الشعبية (نقابات، تنظيمات نسائية وشبابية وحقوقية وتعليمية وثقافية وإعلامية) في كل منظقة، وعلى الصعيد الوطني.
"العنف ضد المرأة وسبل الحل" (دير الغزال – البقاع الأوسط -6 كانون الأول 2025)
تحت عنوان " مظاهر العنف ضد المرأة في المجتمع والقوانين
ما هو مفهوم العنف ضد المرأة؟
بحسب التعريف الذي طرحته الأمم المتحدة في العام 2015، يتحدد مفهوم العنف على أنه "أي فعل مبني على أساس النوع الإجتماعي ويترتب عليه، أو يحتمل أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسدية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك إطلاق التهديدات بأفعال من قبيل القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة. وتشمل أبعاده العنف الجسدي والجنسي والنفسي/العاطفي والعنف الاقتصادي الذي يحدث في إطار الأسرة والمجتمع عموماً أو العنف من هذا النوع الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه. ويشمل العنف ضد المرأة العنف المنـزلي، وزواج الطفلة، والحمل القسري، وجرائم ”الشرف“، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وقتل الإناث، والعنف الجنسي وغيره من أشكال العنف التي يرتكبها شخص آخر غير الشريك، والتحرش الجنسي (في مكان العمل، وغيره من المؤسسات، وفي الأماكن العامة)، والاتجار بالنساء، والعنف في حالات الحروب والنـزاعات المسلحة."
إذا انطلقنا من هذا المفهوم، المبني على تعريف الأمم المتحدة، نجد أن العنف يشمل جميع نواحي الحياة الخاصة والعامة في لبنان، إن في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، أم في المجال السياسي، أم كذلك في القوانين التي تنظّم أوضاع المواطنين... وصولا إلى الأيديولوجية المعتمدة لدى القوى المسيطرة سياسيا ودينيا.
واستنادا إلى توقيع لبنان على أغلبية الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وكذلك على إعلان التزام حكوماته المتعاقبة بما جاء في المؤتمرات الدولية المتعاقبة منذ مؤتمر مكسيكو في العام 1975، سنحاول دراسة أكثر مظاهر العنف السائدة في مجتمعنا والناجمة عن العادات والتقاليد المتخلفة، وما يظهر منها في الممارسة اليومية، وما انتقل منها إلى القوانين، إن المتعلقة بالأحوال الشخصية أم القوانين الوضعية (أي تلك التي وضعها الانسان دون الرجوع إلى الشرائع الدينية).
1- التمييز في العادات والتقاليد من الأسرة إلى المجتمع:
وهي العنوان الأول في التمييز ضد المرأة، والعنف الذي نرزح تحت ثقله، خاصة في الأرياف. من مساويء العادات والتقاليد:
- التمييز بين الذكور والاناث منذ الولادة داخل الأسرة. وكون الأسرة هي المكان الأول الذي يتفتح فيه الطفل على الحياة، فهي غالبا ما تكون المؤثر الأساس في تكوينه وفي بناء شخصيته وتطوره. ففي الأسرة تحدد أدوار الذكور والإناث، وتتم داخلها عملية تلقين ثقافة التمييز منذ الطفولة. وهنا تجدر الاشارة إلى أن الوالدين يمثلان عادة المجتمع الذي يعيشان فيه، بما يحتويه من عادات وتقاليد موروثة جيلا بعد جيل.عادة المجتمع الذي يعيشان فيه، بما يحتويه من عادات وتقاليد موروثة جيلا بعد جيل.
- التمييز في المجتمع: بما أن مجتمعنا، وخاصة في الأرياف، يؤمن بضرورة التمييز بين الذكر والأنثى، فهو قد وضع أساليب مختلفة للتربية الموجهة إلى كل منهما. لذلك تتم عملية تنشئة الذكر على أنه الأقوى والأساسي في العائلة، خلافا للأنثى التي تعامل على أنها العنصر الأضغف والأقل شأنا.
- التمييز في الكتب المدرسية، وفي التوجيه نحو الوظيفة الاجتماعية، ومنها في مجال العمل والدور الاقتصادي الذي هو الأساس، بمعنى الدور في الانتاج.
ثانيا - التمييز في القوانين:
أولا في قوانين الأحوال الشخصية المتعددة، ودور الطائفية والمذهبية: التي تحدد للأنثى دورا ثانويا وهامشيا، وتربط كينونتها بالذكر (بنت فلان، زوجة فلان، أخت فلان)، ودورها في العائلة..
وثانيا، في القوانين الوضعية التي شكلت ولا يزال بعضها يشكل انعكاسا للصورة النمطية للمرأة:
القوانين التي عدلت ولا تطبق لعدم صدور المراسيم الضرورية: قانون العمل، بعض ما يتلق بأنظمة الموظفين (التعويض العائلي في حالة الطلاق).
التقديمات والتعويضات (خاصة في القطاع الخاص)، حق المرأة اللبنانية في إعطاء جنسيتها لأولادها، الإرث...إلخ.
ولا ننسى التحايلات على بعض القوانين التي عدلت، خاصة في مجال قانون العقوبات وملحقاته.
وسنتوقف بالتحديد عند القانون 293/ 2014 والمسمى "حماية النساء وسائر أفراد الاسرة من العنف الاسري" وأهدافه الستة، وأولها وأهمها تجريم العنف الأسري بكافة أشكاله، وإمكانية إصدار حماية، واستحداث صندوق حكومي أو مشترك لمساعدة ضحايا العنف الأسري. منذ صدور القانون حتى الآن، هناك بضعة مئات من النساء اللواتي قتلن، وأكثر بكثير هن اللواتي يتعرضن للعنف، ومنهن من تقدم بشكاوى لم تغير من حالتهن. ولا ننسى الحديث عن العنف والتحرش في عالم العمل (بدءا بالمصانع ووصولا إلى وسائل الاعلام)، وكذلك العنف في وسائل التواصل الاجتماعي. ونضيف إلى كل هذا العنف الناجم عن العدوان الصهيوني المستمر والذي أدى إلى قتل المئات من النساء والفتيات وفقدان الأزواج والتشرد والنزوح حيث كان العنف والتحرش بالمرصاد.
ما العمل؟
إن كنا نريد تغيير علاقة المجتمع بالمرأة ونظرته الدونية لها، لا بد من السعي إلى توحيد الصفوف وتطوير العمل المشترك باتجاهات عدة:
أولها التوعية المجتمعية داخل الأسر وفي المدارس. وفي مجال التعليم، لا بد من إعادة النظر ببعض الكتب المدرسية والنصوص التي تحتوي عليها، والتي لا تزال تؤكد على الصورة النمطية المتخلفة.
ثانيها، إلغاء التحفظ الموضوع على المادة 9 من اتفاقية سيداو والمتعلقة بحق المرأة في إعطاء جنسيتها لأولادها.
ثالثها، تعديل العقوبات المتعلقة بالعنف ضد المرأة في القانون 293 / 2014، وتنفيذ هذه العقوبات بشكل صارم، بما يوقف العنف المتزايد والقاتل على صعيد الأسرة، حيث تقول الاحصاءات أن غمرأة من أصل ثلالث نساء تتعرض خلال حياتها للعنف من قبل الزوج أو الأب أو الأخ.
رابعهاا، تعديل القوانين الوضعية لتتوافق والاتفاقيات العربية والدولية المتعلقة بعالم العمل. وإبرام الاتفاقية 190 التي تدعو إلى عالم عمل خال من العنف والتحرّش.
خامسها، وهو الأساس، رفع التحفظ عن المادة 16 من اتفاقية سيداو التي تطال تنظيم الأحوال الشخصية ودور المرأة في العائلة. وعلى أساس ذلك، متابعة التحرك من أجل استعادة الدولة لصلاحيتها في التشريع في مجال الأحوال الشخصية، عبر وضع قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، وتطبيق ما جاء في المادة 7 من الدستور حول المساواة الكاملة بين النساء والرجال في الحقوق... ولا ننسى أننا من دعاة المناصفة الفعلية في كل مجالات المؤسسات الدستورية (بدءا بمجلس النواب) وامتدادا إلى الادارة العامة.
لا بد، بالطبع، من التأكيد على جدولة التحركات، من جهة، ووضع الأولويات في كل مرحلة، وخاصة في وضع برنامج للتنفيذ يستند، كما سبق وأشرت، إلى تجميع القوى الشعبية (نقابات، تنظيمات نسائية وشبابية وحقوقية وتعليمية وثقافية وإعلامية) في كل منظقة، وعلى الصعيد الوطني.
مشعل: نرفض أي وصاية على غزة والفلسطينيون هم من يحكمون أنفسهم
أكد رئيس حركة حماس في الخارج، خالد مشغل، رفض كل أشكال الوصاية على قطاع غزة، مشددا على أن الفلسطينيين هم من يحكمون أنفسهم.
جاء ذلك في كلمة، السبت، خلال مؤتمر "العهد للقدس: نحو تجديد إرادة الأمة في مواجهة التصفية والإبادة" المنعقد في مدينة إسطنبول.
وقال مشعل إن "البلطجة الإسرائيلية تريد أن تخضع المنطقة لأجندتها وهذا خطر حقيقي"، مؤكدا أن الأوان حان "لتقرر الأمة تحرير القدس واستعادة المقدسات الإسلامية والمسيحية".
وأضاف "نرفض كل أشكال الوصاية على غزة، والفلسطيني هو من يحكم نفسه".
كما شدد على ضرورة "حماية مشروع المقاومة وسلاحها وإنقاذ الضفة الغربية من التهويد والاستيطان والتهجير، والوقوف إلى جانب شعبنا".
وأكد أن "إسرائيل لن تكون صديقة ولا عونا لأحد ولا جزءا من منظومة المنطقة".
ويأتي حديث مشعل بعد أيام من حديث إعلام إسرائيلي عن إن الولايات المتحدة تعتزم، في غضون أسبوعين، تشكيل اللجنة التي ستدير قطاع غزة "مؤقتا"، وكذلك تشكيل مجلس السلام، الذي سيشرف عليها، في ظل إصرار الاحتلال الإسرائيلي على رفض أي دور للسلطة الفلسطينية أو حركة "حماس" في إدارة قطاع غزة ما بعد الحرب.
وعن استمرار الحصار الإسرائيلي الخانق على غزة رغم اتفاق وقف النار، قال مشعل إن "الصورة الأقسى من حرب الإبادة وقفت، لكن التجويع والحصار وإغلاق المعابر ومنع المساعدات ومعاقبة الناس ما زال مستمرا".
وكان يُفترص أن ينهي اتفاق وقف إطلاق النار حرب إبادة خلّفت في غزة أكثر من 70 ألف شهيد ونحو 171 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء.
لكن يوميا تخرق إسرائيل الاتفاق، ما أدى إلى استشهاد 360 فلسطينيا وإصابة 922، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
كما يمنع الاحتلال إسرائيل إدخال قدر كاف من الغذاء والدواء إلى قطاع غزة المحاصر، حيث يعيش نحو 2.4 مليون فلسطيني في أوضاع كارثية.
ودعا مشعل في كلمته إلى الاستمرار في ملاحقة إسرائيل وقادتها على الساحة الدولية، ومحاكمتهم وإدانتهم قانونيا وسياسيا.
وأضاف "يجب أن نعامل هذا الكيان كمنبوذ مسؤول عن حرب الإبادة بحق أهلنا في غزة وفي فلسطين والمنطقة".
كما طالب "بالعمل على تحرير الأسرى والمعتقلين في سجون العدو"، في وقت تتعنت إسرائيل في ملف جثامين الأسرى الفلسطينيين، إذ يقبع بسجونها أكثر من 9 آلاف و300 أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، ويعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، ما أودى بحياة عشرات منهم.
أكد رئيس حركة حماس في الخارج، خالد مشغل، رفض كل أشكال الوصاية على قطاع غزة، مشددا على أن الفلسطينيين هم من يحكمون أنفسهم.
جاء ذلك في كلمة، السبت، خلال مؤتمر "العهد للقدس: نحو تجديد إرادة الأمة في مواجهة التصفية والإبادة" المنعقد في مدينة إسطنبول.
وقال مشعل إن "البلطجة الإسرائيلية تريد أن تخضع المنطقة لأجندتها وهذا خطر حقيقي"، مؤكدا أن الأوان حان "لتقرر الأمة تحرير القدس واستعادة المقدسات الإسلامية والمسيحية".
وأضاف "نرفض كل أشكال الوصاية على غزة، والفلسطيني هو من يحكم نفسه".
كما شدد على ضرورة "حماية مشروع المقاومة وسلاحها وإنقاذ الضفة الغربية من التهويد والاستيطان والتهجير، والوقوف إلى جانب شعبنا".
وأكد أن "إسرائيل لن تكون صديقة ولا عونا لأحد ولا جزءا من منظومة المنطقة".
ويأتي حديث مشعل بعد أيام من حديث إعلام إسرائيلي عن إن الولايات المتحدة تعتزم، في غضون أسبوعين، تشكيل اللجنة التي ستدير قطاع غزة "مؤقتا"، وكذلك تشكيل مجلس السلام، الذي سيشرف عليها، في ظل إصرار الاحتلال الإسرائيلي على رفض أي دور للسلطة الفلسطينية أو حركة "حماس" في إدارة قطاع غزة ما بعد الحرب.
وعن استمرار الحصار الإسرائيلي الخانق على غزة رغم اتفاق وقف النار، قال مشعل إن "الصورة الأقسى من حرب الإبادة وقفت، لكن التجويع والحصار وإغلاق المعابر ومنع المساعدات ومعاقبة الناس ما زال مستمرا".
وكان يُفترص أن ينهي اتفاق وقف إطلاق النار حرب إبادة خلّفت في غزة أكثر من 70 ألف شهيد ونحو 171 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء.
لكن يوميا تخرق إسرائيل الاتفاق، ما أدى إلى استشهاد 360 فلسطينيا وإصابة 922، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
كما يمنع الاحتلال إسرائيل إدخال قدر كاف من الغذاء والدواء إلى قطاع غزة المحاصر، حيث يعيش نحو 2.4 مليون فلسطيني في أوضاع كارثية.
ودعا مشعل في كلمته إلى الاستمرار في ملاحقة إسرائيل وقادتها على الساحة الدولية، ومحاكمتهم وإدانتهم قانونيا وسياسيا.
وأضاف "يجب أن نعامل هذا الكيان كمنبوذ مسؤول عن حرب الإبادة بحق أهلنا في غزة وفي فلسطين والمنطقة".
كما طالب "بالعمل على تحرير الأسرى والمعتقلين في سجون العدو"، في وقت تتعنت إسرائيل في ملف جثامين الأسرى الفلسطينيين، إذ يقبع بسجونها أكثر من 9 آلاف و300 أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، ويعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، ما أودى بحياة عشرات منهم.
حزب الشعب الفلسطيني يدين تواصل حملات التحريض الصهيونية ضد الأسير المحرر باسم خندقجي عضو اللجنة المركزية للحزب
ويعلن تضامنه الكامل مع رفيقه المناضل، الروائي والشخصية الثقافية الحاصل على ارفع الجوائز العربية
يدين حزب الشعب الفلسطيني وجمهوره وأصدقائه من الكتاب والادباء الفلسطينيين اسمرار حملات التحريض الاسرائيلية وآخرها تصريحات وزير الحرب الاسرائيلي "يسرائيل كاتس" ضد الروائي والأديب الرفيق الاسير المحرر باسم خندقجي ، عضو اللجنة المركزية للحزب الذي افرج عنه مؤخرا في صفقة التبادل ويقيم حالياً في القاهرة والذي أصدر عدة روايات ادبية ابداعية وهو داخل المعتقل لاقت تفاعلاً ونجاحاً واسعاً محلياً وعربياً ودولياً ترجمت لعدة لغات وحازت على عدة جوائز ..
واذ يعتبر الحزب تواصل حملات التحريض ضد الرفيق الروائي باسم خندقجي حرباً على الرواية الفلسطينية وقمعاً بهدف منع كشف حقيقة ظروف الإرهاب المزرية داخل معتقلات الاحتلال والممارسات غير الانسانية التي كشفتها تقارير مؤسسات حقوق الانسان ووسائل الاعلام المختلفة فإنه يرى في قرار وزير الحرب الاسرائيلي التعسفي ضد تناقل اخبار وانشطة ودور الروائي باسم خندقجي واستمرار التحريض ضده تاكيدا لطبيعة الوجه الحقيقي للممارسة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وضد حرية الرأي والتعبيروالاعلام .
ودعا الحزب المثقفين واتحادات الكتاب في العالم العربي والعالم الى ادانة حملات التحريض ضد الرفيق باسم خندقجي وكشف وتعرية اجراءات الاحتلال القمعية ضد الكتاب والمثقفين الفلسطينيين الذين لا يزال عدد كبير منهم يقبع داخل المعتقلات الصهيونية.
ويعلن تضامنه الكامل مع رفيقه المناضل، الروائي والشخصية الثقافية الحاصل على ارفع الجوائز العربية
يدين حزب الشعب الفلسطيني وجمهوره وأصدقائه من الكتاب والادباء الفلسطينيين اسمرار حملات التحريض الاسرائيلية وآخرها تصريحات وزير الحرب الاسرائيلي "يسرائيل كاتس" ضد الروائي والأديب الرفيق الاسير المحرر باسم خندقجي ، عضو اللجنة المركزية للحزب الذي افرج عنه مؤخرا في صفقة التبادل ويقيم حالياً في القاهرة والذي أصدر عدة روايات ادبية ابداعية وهو داخل المعتقل لاقت تفاعلاً ونجاحاً واسعاً محلياً وعربياً ودولياً ترجمت لعدة لغات وحازت على عدة جوائز ..
واذ يعتبر الحزب تواصل حملات التحريض ضد الرفيق الروائي باسم خندقجي حرباً على الرواية الفلسطينية وقمعاً بهدف منع كشف حقيقة ظروف الإرهاب المزرية داخل معتقلات الاحتلال والممارسات غير الانسانية التي كشفتها تقارير مؤسسات حقوق الانسان ووسائل الاعلام المختلفة فإنه يرى في قرار وزير الحرب الاسرائيلي التعسفي ضد تناقل اخبار وانشطة ودور الروائي باسم خندقجي واستمرار التحريض ضده تاكيدا لطبيعة الوجه الحقيقي للممارسة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وضد حرية الرأي والتعبيروالاعلام .
ودعا الحزب المثقفين واتحادات الكتاب في العالم العربي والعالم الى ادانة حملات التحريض ضد الرفيق باسم خندقجي وكشف وتعرية اجراءات الاحتلال القمعية ضد الكتاب والمثقفين الفلسطينيين الذين لا يزال عدد كبير منهم يقبع داخل المعتقلات الصهيونية.
57 انتهاكا واعتداء إسرائيليا بحق الصحافيين الفلسطينيين في نوفمبر
رصدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، 57 انتهاكًا واعتداءً إسرائيليًّا، بحق الصحافيين خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
جاء ذلك في تقرير لها نشرته مساء السبت، معتبرة أن "تلك الانتهاكات تعكس استمرار التصعيد الممنهج ضد الطواقم الإعلامية ومنعها من القيام بواجبها المهني".
وقالت النقابة إن المستوطنين لعبوا دورًا محوريًا في تنفيذ اعتداءات جسيمة شهدتها مناطق الضفة الغربية المحتلة المختلفة.
وتضمنت تلك الانتهاكات إصابتين بالرصاص الحي و22 اعتداء على يد المستوطنين، إضافة إلى المنع من التغطية، والمطاردة، والضرب بالعصي، ورشق الحجارة، وإشهار السلاح بوجه الصحفيين.
وذكر تقرير النقابة، أن الاعتداءات شملت 16 حالة احتجاز أفراد وطواقم صحفية ومنعهم من العمل.
ووثقت النقابة في تقريرها 6 حالات بالضرب المباشر، على أيدي جنود إسرائيليين ومستوطنين خلال التغطيات الإعلامية.
كما أقدم مستوطنون على تحطيم مركبات صحافيين واحتجاز بعضها خلال تغطيات في الخليل.
وطالبت نقابة الصحافيين "بتكثيف الضغط الدولي على الاحتلال لوقف الاعتداءات اليومية بحق الإعلاميين، وتوفير حماية دولية للصحافيين في الميدان".
ومنذ بدء إسرائيل حرب الإبادة بغزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي استمرت عامين، تشهد الضفة الغربية والقدس المحتلتين تصاعدا في اعتداءات الجيش والمستوطنين أسفرت عن استشهاد 1088 فلسطينيا وإصابة نحو 11 ألفا واعتقال ما يزيد على 21 ألفا آخرين.
رصدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين، 57 انتهاكًا واعتداءً إسرائيليًّا، بحق الصحافيين خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
جاء ذلك في تقرير لها نشرته مساء السبت، معتبرة أن "تلك الانتهاكات تعكس استمرار التصعيد الممنهج ضد الطواقم الإعلامية ومنعها من القيام بواجبها المهني".
وقالت النقابة إن المستوطنين لعبوا دورًا محوريًا في تنفيذ اعتداءات جسيمة شهدتها مناطق الضفة الغربية المحتلة المختلفة.
وتضمنت تلك الانتهاكات إصابتين بالرصاص الحي و22 اعتداء على يد المستوطنين، إضافة إلى المنع من التغطية، والمطاردة، والضرب بالعصي، ورشق الحجارة، وإشهار السلاح بوجه الصحفيين.
وذكر تقرير النقابة، أن الاعتداءات شملت 16 حالة احتجاز أفراد وطواقم صحفية ومنعهم من العمل.
ووثقت النقابة في تقريرها 6 حالات بالضرب المباشر، على أيدي جنود إسرائيليين ومستوطنين خلال التغطيات الإعلامية.
كما أقدم مستوطنون على تحطيم مركبات صحافيين واحتجاز بعضها خلال تغطيات في الخليل.
وطالبت نقابة الصحافيين "بتكثيف الضغط الدولي على الاحتلال لوقف الاعتداءات اليومية بحق الإعلاميين، وتوفير حماية دولية للصحافيين في الميدان".
ومنذ بدء إسرائيل حرب الإبادة بغزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي استمرت عامين، تشهد الضفة الغربية والقدس المحتلتين تصاعدا في اعتداءات الجيش والمستوطنين أسفرت عن استشهاد 1088 فلسطينيا وإصابة نحو 11 ألفا واعتقال ما يزيد على 21 ألفا آخرين.


Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire