مشروع التطــبيع وتأثيره على لبنان.
أيهم السهلي
كاتب فلسطيني
من شدة الموت الذي عشناه في فلسطين عموماً، وفي غزة خصوصاً، خلال العامين الماضيين، لم أعد أجيد الرثاء، ولم يعد في وسعي الكتابة عن أحد مات، فهذا حدث طبيعي في حياة البشر، لكن ما أصابنا نحن الفلسطينيين، هو اللاطبيعي، باستشهاد أكثر من 71 ألف إنسان في قطاع غزة والضفة الغربية.
مناسبة الكلام، رحيل الرفيق/ الصديق خالد عطا يوم 19 الشهر الجاري، عن عمر ناهز الثانية والثمانين، قضى معظمه في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. عرفته منذ نحو عشرين عاماً. لم أعرفه إلا وهو يعمل، فلا يتوقف إلا ليخوض نقاشاً بارعاً هادئاً، في الغالب يستغله لتوجيه نقد لاذع، يقوله بطريقته التي يصوب من خلالها إلى هدفه فيصيبه، ولكن هيهات من يفهم. طريقته كانت مزجاً ما بين ما أخذ من بئر السبع، أصوله في فلسطين، وما عاشه في غزة بعد النكبة، وما بين هواه المصري، ونكتة الشارع «الراشدة» التي يتقن لعبتها، ومرة أخرى هيهات من يفهم. كانت تساعده في فعل ذلك وغيره، ثقافته الكبيرة، الموسوعية في بعض الشؤون، ولا سيّما في التاريخ والاقتصاد.
بعض رفاقه، وبعض المهتمين في الأوساط الفلسطينية، يظنون أن الرجل قيادي صف أول في «الجبهة الديمقراطية» فحسب، يتخذ موقعه في المكتب السياسي، ويتولى مهمات أخرى في تنظيمه، ليس من اليوم، بل منذ سنوات خلت. لكن خالد عطا، أو أحمد زكي عبد العال كما هو اسمه الحقيقي، وفقاً لـ«الديمقراطية» في بيان نعيه، واحد من المثقفين الفلسطينيين الكبار، صاحب رأي ومعرفة، قلّما فوّت كتاباً في الشأن الفلسطيني، السياسي أو التاريخي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، لم يقرأه، أو لم يتصفحه بالحد الأدنى. والأهم، قلّما لم يكن له رأي وازن في ما يقرأ، ورأيه عادة ما يكون مبنياً على معرفة عميقة في الموضوع.
عدا عن ثقافته وقراءته، عايش محطات مهمة في الثورة الفلسطينية، وأسهم في بعضها، وفي التفاعلات التي فيها. وكانت من ميزاته، ذاكرته الحديدية، ومن محاسنها، أن من السهل عليه أن يعيد حديثاً دار بينه وبين محمود درويش على سبيل المثال، حول حدث ما، أو بينه وبين أحد المثقفين اليساريين العرب الذين كانوا في صفوف الثورة الفلسطينية، وكم كانوا كثراً، وكم كان يؤلمه أنهم انفضّوا من حول التنظيمات الفلسطينية، رغم أن معظمهم ظلوا على مبادئهم وقيمهم، باستثناء قلة ذهبت نحو خيارات أخرى، تحت مسميات «الحل»، فحتى هؤلاء، حين كان ينقدهم خالد عطا، كان ينتقد معهم اليسار الفلسطيني الذي ابتعد عن هؤلاء، ولم يتابع تحولاتهم، وأسبابها.
عرفت خالد عطا خلال السنوات الأخيرة، من قرب. كانت بيننا اتصالات دورية، كان يبدأها بالإشادة بمدينتي حيفا، وبأهلها وناسها، فكان يقول «أهلاً بأسيادنا في الجاهلية والإسلام»، لم يكن يعني الجملة، لكنها كانت مبتدأ لحديث نقدي ميّزه عن غيره من الكثير من الرفاق والإخوة في الثورة الفلسطينية، فالنقّادون ممن احتلوا مواقع قيادية فلسطينية، قلة. لذلك لا نجد مراجعات نقدية كثيرة للتجربة الثورية الفلسطينية، والقلة التي كتبت راجعت الماضي، لفهم الحاضر. لكن عطا، للأسف، لم يكتب، كانت مراجعته شفهية، تشمل الحاضر. طالبته مراراً أن يكتب، لكنه لم يفعل، على الأقل هذا ما أعرفه، وقدّرت أن رفضه المتكرر، مرتبط بعدم فتح أبواب مغلقة، وأسئلة لن تتوقف. وبسبب ما سمعته منه، وهو كثير، فإن شخصيات عدة كانت سترى نفسها في عينه، أنها مسؤولة ولو جزئياً عن وضع بعض القوى الفلسطينية، ومسؤولة عن أوضاع شعبنا، ومسؤولة بالمحصلة عما آلت إليه القضية الفلسطينية.
كنا نلتقي في جلسات «فشات الخلق» بين حين وآخر، أو بين الاتصالات المتكررة، حيث كنا نلتقي في بيروت، حين كان يأتي بمهمات إلى لبنان، أو حين يكون على سفر، و«نكولس» لساعات، نتحدث خلالها عن كثير من الأمور. فبدءاً بحيفا التي كان يحبها كثيراً، وصولاً إلى غزة، والقاهرة، وذكرياته، مروراً بالكثير من المثقفين الفلسطينيين والعرب الذين عرفهم من قرب. كان يتحدث بإسهاب، كما كان مستمعاً جيداً، وكان دائم الحديث بذهن المثقف، لا القيادي، ولذلك كان صادقاً في تحليله لسؤال «ما العمل؟»، إذ كان يرى أن السؤال الصحيح، هو «لماذا صرنا إلى ما صرنا إليه؟»، ففي الإجابة عن هذا السؤال، إجابة ضمنية عن السؤال الأول.
خالد عطا، قيادي فلسطيني نادر، كان يهتم بتفاصيل رفاقه وأصدقائه، فهو إن صح التعبير «من الزمن الجميل»، زمن المبادئ والقيم والاستقامة الفكرية والأخلاقية. فبقدر رفضه للكثير من المتغيرات كتغليب الولاء على الكفاءة والمبدئية، بقدر ما كان يسعى إلى الالتزام بقيمه التي تأسس عليها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان إن أصاب أحد الرفاق مكروه صحي، لا يتركه، يتابع شؤونه وظروفه، وحتى ظروف عائلته، بل ويتفانى في المساعدة والدعم المادي والمعنوي، وفي تأمين الاحتياجات المختلفة، ومنها المادية. وفي بعض الأحيان كان يخوض صراعات هادئة لحل أمور عالقة لبعض الأشخاص من داخل الجبهة، وآخرين في خارجها.
أخيراً، كنت أزوره في مكتبه في الأزبكية في دمشق، غرفة صغيرة، مليئة بالأغراض، فيها كتب، وفيها دفء، والكثير الكثير من الذكريات التي توالدت عبر السنين، فهو شبه مقيم فيها، كان المسموع منها ضحكته الرنانة، عدا عن ذلك، كان حين يستقبل أحداً فيها، يجلس مستمعاً، ومحدّثاً، كما كان لبعض المقربين، هامساً بما في نفسه من ألم على ما آلت إليه أمور شعبنا وقضيتنا، وأمور غزة التي رحل وهي تتألم.
كاتب فلسطيني
من شدة الموت الذي عشناه في فلسطين عموماً، وفي غزة خصوصاً، خلال العامين الماضيين، لم أعد أجيد الرثاء، ولم يعد في وسعي الكتابة عن أحد مات، فهذا حدث طبيعي في حياة البشر، لكن ما أصابنا نحن الفلسطينيين، هو اللاطبيعي، باستشهاد أكثر من 71 ألف إنسان في قطاع غزة والضفة الغربية.
مناسبة الكلام، رحيل الرفيق/ الصديق خالد عطا يوم 19 الشهر الجاري، عن عمر ناهز الثانية والثمانين، قضى معظمه في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. عرفته منذ نحو عشرين عاماً. لم أعرفه إلا وهو يعمل، فلا يتوقف إلا ليخوض نقاشاً بارعاً هادئاً، في الغالب يستغله لتوجيه نقد لاذع، يقوله بطريقته التي يصوب من خلالها إلى هدفه فيصيبه، ولكن هيهات من يفهم. طريقته كانت مزجاً ما بين ما أخذ من بئر السبع، أصوله في فلسطين، وما عاشه في غزة بعد النكبة، وما بين هواه المصري، ونكتة الشارع «الراشدة» التي يتقن لعبتها، ومرة أخرى هيهات من يفهم. كانت تساعده في فعل ذلك وغيره، ثقافته الكبيرة، الموسوعية في بعض الشؤون، ولا سيّما في التاريخ والاقتصاد.
بعض رفاقه، وبعض المهتمين في الأوساط الفلسطينية، يظنون أن الرجل قيادي صف أول في «الجبهة الديمقراطية» فحسب، يتخذ موقعه في المكتب السياسي، ويتولى مهمات أخرى في تنظيمه، ليس من اليوم، بل منذ سنوات خلت. لكن خالد عطا، أو أحمد زكي عبد العال كما هو اسمه الحقيقي، وفقاً لـ«الديمقراطية» في بيان نعيه، واحد من المثقفين الفلسطينيين الكبار، صاحب رأي ومعرفة، قلّما فوّت كتاباً في الشأن الفلسطيني، السياسي أو التاريخي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، لم يقرأه، أو لم يتصفحه بالحد الأدنى. والأهم، قلّما لم يكن له رأي وازن في ما يقرأ، ورأيه عادة ما يكون مبنياً على معرفة عميقة في الموضوع.
عدا عن ثقافته وقراءته، عايش محطات مهمة في الثورة الفلسطينية، وأسهم في بعضها، وفي التفاعلات التي فيها. وكانت من ميزاته، ذاكرته الحديدية، ومن محاسنها، أن من السهل عليه أن يعيد حديثاً دار بينه وبين محمود درويش على سبيل المثال، حول حدث ما، أو بينه وبين أحد المثقفين اليساريين العرب الذين كانوا في صفوف الثورة الفلسطينية، وكم كانوا كثراً، وكم كان يؤلمه أنهم انفضّوا من حول التنظيمات الفلسطينية، رغم أن معظمهم ظلوا على مبادئهم وقيمهم، باستثناء قلة ذهبت نحو خيارات أخرى، تحت مسميات «الحل»، فحتى هؤلاء، حين كان ينقدهم خالد عطا، كان ينتقد معهم اليسار الفلسطيني الذي ابتعد عن هؤلاء، ولم يتابع تحولاتهم، وأسبابها.
عرفت خالد عطا خلال السنوات الأخيرة، من قرب. كانت بيننا اتصالات دورية، كان يبدأها بالإشادة بمدينتي حيفا، وبأهلها وناسها، فكان يقول «أهلاً بأسيادنا في الجاهلية والإسلام»، لم يكن يعني الجملة، لكنها كانت مبتدأ لحديث نقدي ميّزه عن غيره من الكثير من الرفاق والإخوة في الثورة الفلسطينية، فالنقّادون ممن احتلوا مواقع قيادية فلسطينية، قلة. لذلك لا نجد مراجعات نقدية كثيرة للتجربة الثورية الفلسطينية، والقلة التي كتبت راجعت الماضي، لفهم الحاضر. لكن عطا، للأسف، لم يكتب، كانت مراجعته شفهية، تشمل الحاضر. طالبته مراراً أن يكتب، لكنه لم يفعل، على الأقل هذا ما أعرفه، وقدّرت أن رفضه المتكرر، مرتبط بعدم فتح أبواب مغلقة، وأسئلة لن تتوقف. وبسبب ما سمعته منه، وهو كثير، فإن شخصيات عدة كانت سترى نفسها في عينه، أنها مسؤولة ولو جزئياً عن وضع بعض القوى الفلسطينية، ومسؤولة عن أوضاع شعبنا، ومسؤولة بالمحصلة عما آلت إليه القضية الفلسطينية.
كنا نلتقي في جلسات «فشات الخلق» بين حين وآخر، أو بين الاتصالات المتكررة، حيث كنا نلتقي في بيروت، حين كان يأتي بمهمات إلى لبنان، أو حين يكون على سفر، و«نكولس» لساعات، نتحدث خلالها عن كثير من الأمور. فبدءاً بحيفا التي كان يحبها كثيراً، وصولاً إلى غزة، والقاهرة، وذكرياته، مروراً بالكثير من المثقفين الفلسطينيين والعرب الذين عرفهم من قرب. كان يتحدث بإسهاب، كما كان مستمعاً جيداً، وكان دائم الحديث بذهن المثقف، لا القيادي، ولذلك كان صادقاً في تحليله لسؤال «ما العمل؟»، إذ كان يرى أن السؤال الصحيح، هو «لماذا صرنا إلى ما صرنا إليه؟»، ففي الإجابة عن هذا السؤال، إجابة ضمنية عن السؤال الأول.
خالد عطا، قيادي فلسطيني نادر، كان يهتم بتفاصيل رفاقه وأصدقائه، فهو إن صح التعبير «من الزمن الجميل»، زمن المبادئ والقيم والاستقامة الفكرية والأخلاقية. فبقدر رفضه للكثير من المتغيرات كتغليب الولاء على الكفاءة والمبدئية، بقدر ما كان يسعى إلى الالتزام بقيمه التي تأسس عليها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان إن أصاب أحد الرفاق مكروه صحي، لا يتركه، يتابع شؤونه وظروفه، وحتى ظروف عائلته، بل ويتفانى في المساعدة والدعم المادي والمعنوي، وفي تأمين الاحتياجات المختلفة، ومنها المادية. وفي بعض الأحيان كان يخوض صراعات هادئة لحل أمور عالقة لبعض الأشخاص من داخل الجبهة، وآخرين في خارجها.
أخيراً، كنت أزوره في مكتبه في الأزبكية في دمشق، غرفة صغيرة، مليئة بالأغراض، فيها كتب، وفيها دفء، والكثير الكثير من الذكريات التي توالدت عبر السنين، فهو شبه مقيم فيها، كان المسموع منها ضحكته الرنانة، عدا عن ذلك، كان حين يستقبل أحداً فيها، يجلس مستمعاً، ومحدّثاً، كما كان لبعض المقربين، هامساً بما في نفسه من ألم على ما آلت إليه أمور شعبنا وقضيتنا، وأمور غزة التي رحل وهي تتألم.
ندوة وحفل توقيع "قبل أن تنطفئ الذاكرة"
للكاتب طنّوس شلهوب في مونتريال: "الكلمة التي لا تكون رصاصةً في صدر
المحتل هي ملعونةٌ وخائنةٌ"
بدعوة من "المجلس التنسيقي لدعم فلسطين" CC4P و"المؤسسة الفلسطينية الكندية في كندا"، عُقد في مقرّ المؤسسة في مونتريال مساء الخميس 18-12-2025 ندوة حول كتاب "قبل أن تنطفئ الذاكرة" للكاتب والأكاديمي طنوس شلهوب، وحفل توقيع للكتاب، وسط حضور حاشد غصّت به القاعة. وقدّمت الندوة الزميلة دارين حوماني.
في كلمتها، قدّمت حوماني قراءةً تضع الكتاب في سياقه الفكري والسياسي والإنساني الأوسع، بدءًا من سنوات التشكّل الأولى، حين لعب الأدب والفكر دورًا حاسمًا في وعي الكاتب، فصاغا نظرته إلى مفاهيم كالموت بوصفه أحيانًا فعل وفاء، والبطولة باعتبارها إحساسًا جماعيًا يمنح الوجود معناه، فيما تكمن قوة الأدب، كما يعكس الكتاب، في قدرته على تنقية الروح من أثقال الحياة.
وتابعت حوماني أنّ السرد ينتقل من تلك المرحلة التأسيسية إلى زمن النضال في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي ضمن صفوف الحزب الشيوعي، مرورًا بمحطات شخصية وجغرافية متعدّدة، من قرية دير ميماس إلى بيروت، ثم إلى موسكو حيث أمضى الكاتب عقدًا من الزمن دارسًا للهندسة الميكانيكية، قبل أن يعود إلى بيروت حاملًا شهادة الدكتوراه ليعمل أستاذًا في الجامعة اللبنانية.
غير أنّ أهمية الكتاب، بحسب حوماني، لا تكمن في كونه سيرة فردية فحسب، بل في تحوّله إلى سيرة جماعية لمرحلة كاملة، تستعيد بيروت في زمن الحرب الأهلية بما خلّفته من جروح عميقة في جسد المجتمع، وتستحضر تجارب إنسانية قاسية، من بينها قصة والد الكاتب على خطوط التماس، وإنقاذه في لحظة مفصلية من مصير الإعدام “على الهوية” الذي كان يطال كثيرين آنذاك. كما يتوسّع السرد ليشمل محطات أخرى من موسكو إلى سيبيريا، ومن السير في شوارع بطرسبورغ مع الثوار، إلى تأمّل "الجنون الأميركي" ولعنة التاريخ، في فسيفساء يجد القارئ نفسه في واحدة من زواياها.
وأشارت حوماني إلى أنّ حضور طنوس شلهوب الفكري والثوري لا يقتصر على الكتاب، فحضوره يمتدّ إلى الفضاء العام، حيث يشارك في شوارع مونتريال في التظاهرات المدافعة عن العدالة الإنسانية ومناهضة الإمبريالية الأميركية وحلفائها، ليس كمشارك عابر بل كصوت ثابت يؤمن بأن كرامة الإنسان واحدة وغير قابلة للتجزئة، وأن الوقوف إلى جانب الحق واجب أخلاقي. هذا الموقف ينعكس أيضًا في كتاباته الصحافية النقدية، من تفكيكه للدلالات للمشاريع الأميركية في الخليج، إلى مقالاته حول بنية الهيمنة الإمبريالية التي تقوم على تلاقي المراكز الأميركية مع الكيان الصهيوني والأنظمة العربية الرجعية، وصولًا إلى تحليله لتجربة فنزويلا بوصفها نموذجًا مقلقًا للنظام الرأسمالي العالمي وصراعه الدائم على الموارد.
وقال طنوس شلهوب في كلمته أن كتاب "قبل أن تنطفئ الذاكرة" ليس سيرةً ذاتية بالمعنى التقليدي، بل حاول فيه أن يذهب إلى ما هو أعمق من ذلك، والإمساك بما يتسرّب من الزمن: بتفاصيل صغيرة وحكايات تتداخل فيها الذاكرة الفردية مع الذاكرة الجماعية، ويتحوّل فيها الماضي إلى مساحة حوار مفتوحة مع الذات و"مع أولئك الذين رحلوا وبقوا فينا".
وأضاف شلهوب أن الكتابة تأتي كفعل مقاومة للنسيان، وكشهادة على حضور جيل آمن بالثورة ولم يتخلَّ عنها، مؤكّدًا أن ما عاشه الأفراد لا ينفصل عن التجربة الجمعية، وأن الحكايات الهامشية هي في جوهرها متن الذاكرة لا أطرافها.
وفي كلمته، أعلن شلهوب تمسّكه بخياراته وانتمائه وأن تمسّكه بهذا الموقف "له دلالات في زمن الانهيارات الكبرى والهزائم الفردية"، واضعًا المقاومة بوصفها الطريق الحتمي نحو الحرية والعدالة، ومشدّدًا على أن الكرامة الإنسانية هي القيمة العليا التي يجب أن يدور حولها الوجود.
واعتبر طنوس أن الكتاب في مجمله رسالة إيمان بأن في داخل كل إنسان ضوءًا قادرًا على مواجهة العتمة، وبأن السقوط لا يلغي القدرة على البدء من جديد، وهو إهداء صريح إلى الآباء، والرفاق الراحلين، وكل "من حمل فكرةً ثوريةً ولم يخنها، إلى الذين يؤمنون بأن الكلمة التي لا تكون رصاصةً في صدر المحتل هي ملعونةٌ وخائنةٌ."
في ختام اللقاء، وبعد كلمتي شلهوب وحوماني، فُتح باب النقاش أمام الحضور، فتوالت الأسئلة والمداخلات التي تناولت مضامين الكتاب، وسياقه الفكري والسياسي، كما توقّفت عند تجربة النضال والمقاومة كما يرويها الكاتب، وما تحمله من أبعاد شخصية وجماعية في آن. وشكّل هذا الحوار مساحة تفاعل حيّ بين الكاتب والحاضرين، عكست اهتمامًا واضحًا بالذاكرة بوصفها فعلًا مقاومًا وبالسرد كأداة لفهم التاريخ واستعادة معناه ووثيقة للأجيال القادمة. واختُتمت الأمسية بحفل توقيع الكتاب، حيث التقى الكاتب قرّاءه ووقّع نسخًا من كتابه، في أجواء اتسمت بالودّ والحوار واستكمال النقاش خارج إطار المنصّة.
بدعوة من "المجلس التنسيقي لدعم فلسطين" CC4P و"المؤسسة الفلسطينية الكندية في كندا"، عُقد في مقرّ المؤسسة في مونتريال مساء الخميس 18-12-2025 ندوة حول كتاب "قبل أن تنطفئ الذاكرة" للكاتب والأكاديمي طنوس شلهوب، وحفل توقيع للكتاب، وسط حضور حاشد غصّت به القاعة. وقدّمت الندوة الزميلة دارين حوماني.
في كلمتها، قدّمت حوماني قراءةً تضع الكتاب في سياقه الفكري والسياسي والإنساني الأوسع، بدءًا من سنوات التشكّل الأولى، حين لعب الأدب والفكر دورًا حاسمًا في وعي الكاتب، فصاغا نظرته إلى مفاهيم كالموت بوصفه أحيانًا فعل وفاء، والبطولة باعتبارها إحساسًا جماعيًا يمنح الوجود معناه، فيما تكمن قوة الأدب، كما يعكس الكتاب، في قدرته على تنقية الروح من أثقال الحياة.
وتابعت حوماني أنّ السرد ينتقل من تلك المرحلة التأسيسية إلى زمن النضال في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي ضمن صفوف الحزب الشيوعي، مرورًا بمحطات شخصية وجغرافية متعدّدة، من قرية دير ميماس إلى بيروت، ثم إلى موسكو حيث أمضى الكاتب عقدًا من الزمن دارسًا للهندسة الميكانيكية، قبل أن يعود إلى بيروت حاملًا شهادة الدكتوراه ليعمل أستاذًا في الجامعة اللبنانية.
غير أنّ أهمية الكتاب، بحسب حوماني، لا تكمن في كونه سيرة فردية فحسب، بل في تحوّله إلى سيرة جماعية لمرحلة كاملة، تستعيد بيروت في زمن الحرب الأهلية بما خلّفته من جروح عميقة في جسد المجتمع، وتستحضر تجارب إنسانية قاسية، من بينها قصة والد الكاتب على خطوط التماس، وإنقاذه في لحظة مفصلية من مصير الإعدام “على الهوية” الذي كان يطال كثيرين آنذاك. كما يتوسّع السرد ليشمل محطات أخرى من موسكو إلى سيبيريا، ومن السير في شوارع بطرسبورغ مع الثوار، إلى تأمّل "الجنون الأميركي" ولعنة التاريخ، في فسيفساء يجد القارئ نفسه في واحدة من زواياها.
وأشارت حوماني إلى أنّ حضور طنوس شلهوب الفكري والثوري لا يقتصر على الكتاب، فحضوره يمتدّ إلى الفضاء العام، حيث يشارك في شوارع مونتريال في التظاهرات المدافعة عن العدالة الإنسانية ومناهضة الإمبريالية الأميركية وحلفائها، ليس كمشارك عابر بل كصوت ثابت يؤمن بأن كرامة الإنسان واحدة وغير قابلة للتجزئة، وأن الوقوف إلى جانب الحق واجب أخلاقي. هذا الموقف ينعكس أيضًا في كتاباته الصحافية النقدية، من تفكيكه للدلالات للمشاريع الأميركية في الخليج، إلى مقالاته حول بنية الهيمنة الإمبريالية التي تقوم على تلاقي المراكز الأميركية مع الكيان الصهيوني والأنظمة العربية الرجعية، وصولًا إلى تحليله لتجربة فنزويلا بوصفها نموذجًا مقلقًا للنظام الرأسمالي العالمي وصراعه الدائم على الموارد.
وقال طنوس شلهوب في كلمته أن كتاب "قبل أن تنطفئ الذاكرة" ليس سيرةً ذاتية بالمعنى التقليدي، بل حاول فيه أن يذهب إلى ما هو أعمق من ذلك، والإمساك بما يتسرّب من الزمن: بتفاصيل صغيرة وحكايات تتداخل فيها الذاكرة الفردية مع الذاكرة الجماعية، ويتحوّل فيها الماضي إلى مساحة حوار مفتوحة مع الذات و"مع أولئك الذين رحلوا وبقوا فينا".
وأضاف شلهوب أن الكتابة تأتي كفعل مقاومة للنسيان، وكشهادة على حضور جيل آمن بالثورة ولم يتخلَّ عنها، مؤكّدًا أن ما عاشه الأفراد لا ينفصل عن التجربة الجمعية، وأن الحكايات الهامشية هي في جوهرها متن الذاكرة لا أطرافها.
وفي كلمته، أعلن شلهوب تمسّكه بخياراته وانتمائه وأن تمسّكه بهذا الموقف "له دلالات في زمن الانهيارات الكبرى والهزائم الفردية"، واضعًا المقاومة بوصفها الطريق الحتمي نحو الحرية والعدالة، ومشدّدًا على أن الكرامة الإنسانية هي القيمة العليا التي يجب أن يدور حولها الوجود.
واعتبر طنوس أن الكتاب في مجمله رسالة إيمان بأن في داخل كل إنسان ضوءًا قادرًا على مواجهة العتمة، وبأن السقوط لا يلغي القدرة على البدء من جديد، وهو إهداء صريح إلى الآباء، والرفاق الراحلين، وكل "من حمل فكرةً ثوريةً ولم يخنها، إلى الذين يؤمنون بأن الكلمة التي لا تكون رصاصةً في صدر المحتل هي ملعونةٌ وخائنةٌ."
في ختام اللقاء، وبعد كلمتي شلهوب وحوماني، فُتح باب النقاش أمام الحضور، فتوالت الأسئلة والمداخلات التي تناولت مضامين الكتاب، وسياقه الفكري والسياسي، كما توقّفت عند تجربة النضال والمقاومة كما يرويها الكاتب، وما تحمله من أبعاد شخصية وجماعية في آن. وشكّل هذا الحوار مساحة تفاعل حيّ بين الكاتب والحاضرين، عكست اهتمامًا واضحًا بالذاكرة بوصفها فعلًا مقاومًا وبالسرد كأداة لفهم التاريخ واستعادة معناه ووثيقة للأجيال القادمة. واختُتمت الأمسية بحفل توقيع الكتاب، حيث التقى الكاتب قرّاءه ووقّع نسخًا من كتابه، في أجواء اتسمت بالودّ والحوار واستكمال النقاش خارج إطار المنصّة.
الفصائل: وقف مخصّصات الأسرى والشهداء والجرحى جريمة أخلاقية
أثار قرار السلطة الفلسطينية وقف صرف رواتب ومخصصات عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، وتحويل الملف بالكامل إلى المؤسسة الفلسطينية للتمكين الاقتصادي (تمكين) موجة غضب واسعة، وتشهد المحافظات الفلسطينية، منذ أيام حالة، تحركات احتجاجية على الخطوة التي وُصفت بأنها تمس أحد أبرز الثوابت الوطنية الفلسطينية.
وأدانت فصائل المقاومة الفلسطينية القرار الذي رأت فيه «خطوة تمثل انحداراً أخلاقياً وسقوطاً وطنياً وقيمياً وخطيئة لا تغتفر».
واعتبرت الفصائل، في بيان، أن قرار السلطة «سياسة خطيرة تعمق الانقسام وتمثل خضوعاً واضحاً لسياسات حكومة العدو الصهيوني»، لافتة إلى أنه «يعكس استجابة فاضحة للإملاءات الخارجية وخطوة مشبوهة هدفها زيادة وتعميق معاناة أهالي الشهداء والأسرى تحت ذرائع واهية».
ودعت الفصائل إلى تحرك وطني وشعبي عاجل «لحماية هذه العائلات المناضلة من تغول بعض المسؤولين في السلطة على حقوقهم المشروعة في الوقت الذي يتعرض فيه الأسرى داخل سجون العدو لأبشع الممارسات الوحشية الفاشية التي تستهدف حياتهم وإنسانيتهم».
«جريمة سياسية وأخلاقية مكتملة الأركان»
في السياق نفسه، اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن إقدام السلطة الفلسطينية «على قطع رواتب عائلات شهداء شعبنا ومخصصات الأسرى والجرحى هو بمثابة جريمة سياسية وأخلاقية مكتملة الأركان، وطعنة سافرَة للتاريخ الجهادي لشعبنا، وتنصّل فاضح من كل العهود والمواثيق التي قامت عليها مسيرة الكفاح والنضال الفلسطيني».
وأشارت الحركة، في بيان، إلى أن «هذا القرار الجائر يتماهى حرفياً مع إملاءات الاحتلال ومشروعه الرامي إلى تجريد القضية الفلسطينية من روحها ومعناها».
ولفتت إلى أن هذا القرار «يأتي في لحظة بالغة الحرج والمعاناة، فهو يضرب عائلات قدّمت أبناءها دفاعاً عن فلسطين، تاركاً إياها تواجه الجوع والعوز والقلق وحدها بعد قطع ما كان يسند صمودها، في وقت يعيش فيه أبناءهم الأسرى في سجون الاحتلال أقسى صنوف القهر والعذاب، ما يجعل من القرار عقاباً للشعب الفلسطيني على تمسّكه بحقه المشروع في المقاومة».
ودعت الحركة قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله إلى التراجع الفوري عنه.
وجاء القرار بمرسوم صادر عن رئيس السلطة، محمود عباس، نص على أن مؤسسة «تمكين» هي الجهة الوحيدة المخولة بدفع المخصصات المالية، وفق معايير الاستحقاق الاجتماعي، مع إلزام العائلات بتعبئة استمارات موحدة.
أثار قرار السلطة الفلسطينية وقف صرف رواتب ومخصصات عائلات الشهداء والأسرى والجرحى، وتحويل الملف بالكامل إلى المؤسسة الفلسطينية للتمكين الاقتصادي (تمكين) موجة غضب واسعة، وتشهد المحافظات الفلسطينية، منذ أيام حالة، تحركات احتجاجية على الخطوة التي وُصفت بأنها تمس أحد أبرز الثوابت الوطنية الفلسطينية.
وأدانت فصائل المقاومة الفلسطينية القرار الذي رأت فيه «خطوة تمثل انحداراً أخلاقياً وسقوطاً وطنياً وقيمياً وخطيئة لا تغتفر».
واعتبرت الفصائل، في بيان، أن قرار السلطة «سياسة خطيرة تعمق الانقسام وتمثل خضوعاً واضحاً لسياسات حكومة العدو الصهيوني»، لافتة إلى أنه «يعكس استجابة فاضحة للإملاءات الخارجية وخطوة مشبوهة هدفها زيادة وتعميق معاناة أهالي الشهداء والأسرى تحت ذرائع واهية».
ودعت الفصائل إلى تحرك وطني وشعبي عاجل «لحماية هذه العائلات المناضلة من تغول بعض المسؤولين في السلطة على حقوقهم المشروعة في الوقت الذي يتعرض فيه الأسرى داخل سجون العدو لأبشع الممارسات الوحشية الفاشية التي تستهدف حياتهم وإنسانيتهم».
«جريمة سياسية وأخلاقية مكتملة الأركان»
في السياق نفسه، اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن إقدام السلطة الفلسطينية «على قطع رواتب عائلات شهداء شعبنا ومخصصات الأسرى والجرحى هو بمثابة جريمة سياسية وأخلاقية مكتملة الأركان، وطعنة سافرَة للتاريخ الجهادي لشعبنا، وتنصّل فاضح من كل العهود والمواثيق التي قامت عليها مسيرة الكفاح والنضال الفلسطيني».
وأشارت الحركة، في بيان، إلى أن «هذا القرار الجائر يتماهى حرفياً مع إملاءات الاحتلال ومشروعه الرامي إلى تجريد القضية الفلسطينية من روحها ومعناها».
ولفتت إلى أن هذا القرار «يأتي في لحظة بالغة الحرج والمعاناة، فهو يضرب عائلات قدّمت أبناءها دفاعاً عن فلسطين، تاركاً إياها تواجه الجوع والعوز والقلق وحدها بعد قطع ما كان يسند صمودها، في وقت يعيش فيه أبناءهم الأسرى في سجون الاحتلال أقسى صنوف القهر والعذاب، ما يجعل من القرار عقاباً للشعب الفلسطيني على تمسّكه بحقه المشروع في المقاومة».
ودعت الحركة قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله إلى التراجع الفوري عنه.
وجاء القرار بمرسوم صادر عن رئيس السلطة، محمود عباس، نص على أن مؤسسة «تمكين» هي الجهة الوحيدة المخولة بدفع المخصصات المالية، وفق معايير الاستحقاق الاجتماعي، مع إلزام العائلات بتعبئة استمارات موحدة.
تواصل الخروقات الإسرائيلية: شهيدان شرقي مدينة غزة وارتفاع ضحايا انهيار المباني
استشهد شخصان، الإثنين، بنيران الاحتلال شرقي مدينة غزة، فيما أعلنت وزارة الصحة في القطاع وصول 12 شهيدا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ 48 ساعة الماضية، منهم 4 شهداء جدد و8 شهداء تم انتشالهم من مواقع مختلفة، إلى جانب تسجيل 7 إصابات جديدة.
ومنذ وقف إطلاق النار في 11 تشرين أول/أكتوبر 2025، بلغ إجمالي الشهداء 405، فيما وصل إجمالي الإصابات إلى 1,115، وعدد حالات الانتشال إلى 649. وارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لتصل إلى 70,937 شهيدا و171,192 مصابا، في ظل استمرار التصعيد العسكري وما يرافقه من معاناة إنسانية واسعة بين السكان المدنيين في القطاع، بحسب بيانات وزارة الصحة في القطاع.
كما سجلت الوزارة وفاة 4 مواطنين نتيجة انهيار مبنى، ليصل إجمالي ضحايا انهيار المباني بسبب المنخفض الجوي إلى 15 حالة، ما يعكس استمرار تداعيات الأوضاع الإنسانية في القطاع.
وواصل الجيش الإسرائيلي، الإثنين، هجماته المدفعية والجوية على مناطق متفرقة من قطاع غزة، مخترقًا اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 10 أكتوبر الماضي.
وتأتي هذه الهجمات في وقت تستمرّ المعاناة الإنسانية في غزة المحاصر، مع نقص حاد في المستلزمات الأساسية ومخاوف من انهيار الأبنية المتضررة على ساكنيها.
استشهد شخصان، الإثنين، بنيران الاحتلال شرقي مدينة غزة، فيما أعلنت وزارة الصحة في القطاع وصول 12 شهيدا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ 48 ساعة الماضية، منهم 4 شهداء جدد و8 شهداء تم انتشالهم من مواقع مختلفة، إلى جانب تسجيل 7 إصابات جديدة.
ومنذ وقف إطلاق النار في 11 تشرين أول/أكتوبر 2025، بلغ إجمالي الشهداء 405، فيما وصل إجمالي الإصابات إلى 1,115، وعدد حالات الانتشال إلى 649. وارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لتصل إلى 70,937 شهيدا و171,192 مصابا، في ظل استمرار التصعيد العسكري وما يرافقه من معاناة إنسانية واسعة بين السكان المدنيين في القطاع، بحسب بيانات وزارة الصحة في القطاع.
كما سجلت الوزارة وفاة 4 مواطنين نتيجة انهيار مبنى، ليصل إجمالي ضحايا انهيار المباني بسبب المنخفض الجوي إلى 15 حالة، ما يعكس استمرار تداعيات الأوضاع الإنسانية في القطاع.
وواصل الجيش الإسرائيلي، الإثنين، هجماته المدفعية والجوية على مناطق متفرقة من قطاع غزة، مخترقًا اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 10 أكتوبر الماضي.
وتأتي هذه الهجمات في وقت تستمرّ المعاناة الإنسانية في غزة المحاصر، مع نقص حاد في المستلزمات الأساسية ومخاوف من انهيار الأبنية المتضررة على ساكنيها.
إسرائيل تَحشد للحرب على إيران: ثلاثة خيارات في جعبة نتنياهو
يحيى دبوق
لم تَعُد إرهاصات الزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى الولايات المتحدة، في الـ29 من الجاري، مقتصرة على التخطيط أو التنسيق اللوجستي، بل دخلت فعليّاً مرحلة التفاوض المكثّف على مستوى المواقف الاستراتيجية والنتائج. وفي هذا الجانب، تحدّثت مجموعة تقارير في وسائل الإعلام العبرية عن الملفّات المطروحة على جدول أعمال الزيارة، ومن ضمنها: شروط الانتقال إلى المرحلة الثانية في غزة، خصوصاً في ما يتعلق بوجود القوات الدولية في القطاع - والذي تقرنه إسرائيل بضمانات أمنية ملزمة -؛ الموقف من استمرار الغارات في سوريا؛ التقديرات حول التهديد الإيراني، والتي وصلت إلى حدّ استعراض طرق العمل العسكري المُقترحة من الجانب الإسرائيلي؛ فضلاً عن تحديد سقوف التدخّل في لبنان بما يتوافق مع المحدّدات الأميركية المسموحة، وإمكانات التصعيد فيه.
وتستهدف تلك التقارير، بوضوح، رسم صورة متكاملة للتهديدات من وجهة نظر إسرائيل، وتحديد ما تراه الأخيرة «خطّاً أحمرَ»، وما لا يمكنها «التساهل» حياله أو تجاوزه. ومن بين مظاهر هذه «المقاربة التفاوضية العلنية» أيضاً، مواقفُ صدرت مباشرةً على لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين، لعلّ أكثرها دلالةً تهديد رئيس الأركان، إيال زامير، إيران بشكل مباشر في حال تجاوزت «الخطوط الحمر»، في إشارة إلى تزايد وتيرة صناعة الصواريخ والطائرات المُسيّرة. وتساوقت تصريحات زامير مع سيل من التسريبات المنسوبة إلى مسؤولين في الأجهزة الأمنية أو في مكتب رئيس الحكومة ووزارة الخارجية، والتي يؤشّر تزامنها إلى كون نشرها مقصوداً وموجّهاً، بهدف إيصال رسالة إلى الطرف الأميركي قبل الدخول في محادثات الغرف المُغلقة.
في المقابل، أطلق مسؤولون أميركيون، من بينهم مقرّبون من فريق الرئيس دونالد ترامب، تصريحات تشير إلى أولوية المضيّ قُدماً في خطّة إعادة إعمار غزة، وضرورة مشاركة دول من مثل تركيا وقطر فيها، وربط أيّ دعم أميركي في ملفات أخرى من مثل إيران أو سوريا، بتحقيق تقدُّم ملموس في القطاع. وفي حين أشار ترامب إلى أن طلب الزيارة جاء من نتنياهو، وأن تفاصيلها لم تُحسم بعد، فقد حملت تلك التصريحات رسالة ضمنية بضرورة المضيّ في الملفّات العالقة بما يتوافق مع الرؤية الأميركية، حتى قبل موعد الزيارة نفسها. والواقع أن النقاشات بين الجانبَين تدور على ثلاثة مستويات متوازية: الاجتماعات الفنية بين ممثّلي الأجهزة الأمنية والدبلوماسية؛ التسريبات المنسوبة إلى مصادر في كلا الجانبَين؛ والتحرّكات الميدانية التي يتصدّرها رفع وتيرة الاعتداءات في سوريا بهدف تظهير التفوّق في هذه الساحة؛ وتعزيز تدفّق المعلومات الاستخبارية حول إيران. ويؤكّد التزامن بين كلّ تلك الديناميات، أن الطرفين يدركان أن نتائج اللقاء في فلوريدا يجب أن تتبلور، قبل أن يصعد نتنياهو إلى الطائرة متوجّهاً إلى أميركا.
وفي اليومَين الماضيَين، برز في الخطاب الأمني والإعلامي الإسرائيلي، تركيز استثنائي على إيران، لم يَعُد يقتصر على التحذير من استئناف الأخيرة نشاطها النووي، بل انتقل إلى الحديث الصريح عن حرب مقبلة حتمية. لا بل إن بعض التقارير تحدّثت عن أن «الساعة تدقّ»، وأن «الحرب المقبلة قد كُتبت فصولها بالفعل»، مع الإشارة إلى التحضير العملي لدى الجيش الإسرائيلي لذلك: من إعادة بناء بنك الأهداف، وبلورة سيناريوات متعدّدة، وصولاً إلى اعتماد مبدأ الهجوم باعتباره الوسيلة الأنجع للحماية، في ظلّ «سيادة» الرأي القائل إن «إسرائيل تبْرع في الهجوم، أكثر منها في الدفاع».
وفي هذا الإطار، يدور الحديث عن ثلاثة سيناريوات عملية: هجوم إسرائيلي منفرد، أو عملية مشتركة مع الولايات المتحدة، أو ضربة أميركية بالكامل، على غرار الغارة الأخيرة في سوريا ضدّ «داعش». ووفقاً للمصادر العبرية، فإن القرار النهائي مرتبط بنتيجة زيارة نتنياهو لفلوريدا، حيث يُتوقّع أن يطلب الأخير «الضوء الأخضر» من ترامب لشنّ العملية، وربّما يسعى إلى إشراك الجيش الأميركي فيها. وبحسب التسريبات، فإن نتنياهو سيؤكّد أمام ترامب أن إيران لم تَعُد تكتفي ببناء عناصر التهديد، بل دخلت مرحلة «الاختبارات الميدانية»، بما يشمل تغييرات في أماكن إطلاق الطائرات المُسيّرة، وتجريب أنظمة رادار ودفاع جوي جديدة، وتنقّلات غير مألوفة لوحدات «الحرس الثوري»، تمّ رصدها وتأكيدها استخباريّاً، وهو ما تعاملت معه إسرائيل بوصفه جرس إنذار في غرف القيادة العسكرية الإسرائيلية.
على أن اللافت أن هذا النوع من التصريحات لم يعُد مقتصراً على الدوائر السياسية، بل تحوّل إلى خطاب عسكري مباشر؛ إذ أكّد رئيس الأركان، إيال زامير، أن «ذراع الجيش طويلة»، وأنه «سيضرب حيث يُطلب إليه ذلك، في الجبهات القريبة والبعيدة»، مشيراً إلى أن «الحرب الطويلة في تاريخ إسرائيل تدور في جوهرها حول إيران». كذلك، كشف تقرير آخر أن زامير ناقش مع قائد «سنتكوم»، براد كوبر، مخاوف جدّية من أن التدريبات الإيرانية الأخيرة قد تكون غطاء لعملية هجومية. وعلى الرغم من أن الاستخبارات الأميركية لا ترى - حتى اللحظة - مؤشرات إلى هجوم وشيك، إلّا أن المصادر الإسرائيلية تصرّ على أن «احتمال التصعيد لم يعُد أقل من 50%»، وفقاً للتسريبات المنشورة في صحيفة «معاريف»، أمس، مع التشديد على أن الهدف لم يَعُد احتواء إيران، بل «إعادة ترتيب موازين القوّة في المنطقة، قبل فوات الأوان».
وأيّاً يكن، فالأكيد أن زيارة نتنياهو لا تخدم التنسيق بين الجانبَين في ملف واحد، بل هي منعطف لإرساء «قواعد الاشتباك المقبلة» سواء في غزة أو لبنان وسوريا وإيران، وتحديد حجم الدعم الأميركي المُنتظَر في كلّ من تلك الساحات.
يحيى دبوق
لم تَعُد إرهاصات الزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى الولايات المتحدة، في الـ29 من الجاري، مقتصرة على التخطيط أو التنسيق اللوجستي، بل دخلت فعليّاً مرحلة التفاوض المكثّف على مستوى المواقف الاستراتيجية والنتائج. وفي هذا الجانب، تحدّثت مجموعة تقارير في وسائل الإعلام العبرية عن الملفّات المطروحة على جدول أعمال الزيارة، ومن ضمنها: شروط الانتقال إلى المرحلة الثانية في غزة، خصوصاً في ما يتعلق بوجود القوات الدولية في القطاع - والذي تقرنه إسرائيل بضمانات أمنية ملزمة -؛ الموقف من استمرار الغارات في سوريا؛ التقديرات حول التهديد الإيراني، والتي وصلت إلى حدّ استعراض طرق العمل العسكري المُقترحة من الجانب الإسرائيلي؛ فضلاً عن تحديد سقوف التدخّل في لبنان بما يتوافق مع المحدّدات الأميركية المسموحة، وإمكانات التصعيد فيه.
وتستهدف تلك التقارير، بوضوح، رسم صورة متكاملة للتهديدات من وجهة نظر إسرائيل، وتحديد ما تراه الأخيرة «خطّاً أحمرَ»، وما لا يمكنها «التساهل» حياله أو تجاوزه. ومن بين مظاهر هذه «المقاربة التفاوضية العلنية» أيضاً، مواقفُ صدرت مباشرةً على لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين، لعلّ أكثرها دلالةً تهديد رئيس الأركان، إيال زامير، إيران بشكل مباشر في حال تجاوزت «الخطوط الحمر»، في إشارة إلى تزايد وتيرة صناعة الصواريخ والطائرات المُسيّرة. وتساوقت تصريحات زامير مع سيل من التسريبات المنسوبة إلى مسؤولين في الأجهزة الأمنية أو في مكتب رئيس الحكومة ووزارة الخارجية، والتي يؤشّر تزامنها إلى كون نشرها مقصوداً وموجّهاً، بهدف إيصال رسالة إلى الطرف الأميركي قبل الدخول في محادثات الغرف المُغلقة.
في المقابل، أطلق مسؤولون أميركيون، من بينهم مقرّبون من فريق الرئيس دونالد ترامب، تصريحات تشير إلى أولوية المضيّ قُدماً في خطّة إعادة إعمار غزة، وضرورة مشاركة دول من مثل تركيا وقطر فيها، وربط أيّ دعم أميركي في ملفات أخرى من مثل إيران أو سوريا، بتحقيق تقدُّم ملموس في القطاع. وفي حين أشار ترامب إلى أن طلب الزيارة جاء من نتنياهو، وأن تفاصيلها لم تُحسم بعد، فقد حملت تلك التصريحات رسالة ضمنية بضرورة المضيّ في الملفّات العالقة بما يتوافق مع الرؤية الأميركية، حتى قبل موعد الزيارة نفسها. والواقع أن النقاشات بين الجانبَين تدور على ثلاثة مستويات متوازية: الاجتماعات الفنية بين ممثّلي الأجهزة الأمنية والدبلوماسية؛ التسريبات المنسوبة إلى مصادر في كلا الجانبَين؛ والتحرّكات الميدانية التي يتصدّرها رفع وتيرة الاعتداءات في سوريا بهدف تظهير التفوّق في هذه الساحة؛ وتعزيز تدفّق المعلومات الاستخبارية حول إيران. ويؤكّد التزامن بين كلّ تلك الديناميات، أن الطرفين يدركان أن نتائج اللقاء في فلوريدا يجب أن تتبلور، قبل أن يصعد نتنياهو إلى الطائرة متوجّهاً إلى أميركا.
وفي اليومَين الماضيَين، برز في الخطاب الأمني والإعلامي الإسرائيلي، تركيز استثنائي على إيران، لم يَعُد يقتصر على التحذير من استئناف الأخيرة نشاطها النووي، بل انتقل إلى الحديث الصريح عن حرب مقبلة حتمية. لا بل إن بعض التقارير تحدّثت عن أن «الساعة تدقّ»، وأن «الحرب المقبلة قد كُتبت فصولها بالفعل»، مع الإشارة إلى التحضير العملي لدى الجيش الإسرائيلي لذلك: من إعادة بناء بنك الأهداف، وبلورة سيناريوات متعدّدة، وصولاً إلى اعتماد مبدأ الهجوم باعتباره الوسيلة الأنجع للحماية، في ظلّ «سيادة» الرأي القائل إن «إسرائيل تبْرع في الهجوم، أكثر منها في الدفاع».
وفي هذا الإطار، يدور الحديث عن ثلاثة سيناريوات عملية: هجوم إسرائيلي منفرد، أو عملية مشتركة مع الولايات المتحدة، أو ضربة أميركية بالكامل، على غرار الغارة الأخيرة في سوريا ضدّ «داعش». ووفقاً للمصادر العبرية، فإن القرار النهائي مرتبط بنتيجة زيارة نتنياهو لفلوريدا، حيث يُتوقّع أن يطلب الأخير «الضوء الأخضر» من ترامب لشنّ العملية، وربّما يسعى إلى إشراك الجيش الأميركي فيها. وبحسب التسريبات، فإن نتنياهو سيؤكّد أمام ترامب أن إيران لم تَعُد تكتفي ببناء عناصر التهديد، بل دخلت مرحلة «الاختبارات الميدانية»، بما يشمل تغييرات في أماكن إطلاق الطائرات المُسيّرة، وتجريب أنظمة رادار ودفاع جوي جديدة، وتنقّلات غير مألوفة لوحدات «الحرس الثوري»، تمّ رصدها وتأكيدها استخباريّاً، وهو ما تعاملت معه إسرائيل بوصفه جرس إنذار في غرف القيادة العسكرية الإسرائيلية.
على أن اللافت أن هذا النوع من التصريحات لم يعُد مقتصراً على الدوائر السياسية، بل تحوّل إلى خطاب عسكري مباشر؛ إذ أكّد رئيس الأركان، إيال زامير، أن «ذراع الجيش طويلة»، وأنه «سيضرب حيث يُطلب إليه ذلك، في الجبهات القريبة والبعيدة»، مشيراً إلى أن «الحرب الطويلة في تاريخ إسرائيل تدور في جوهرها حول إيران». كذلك، كشف تقرير آخر أن زامير ناقش مع قائد «سنتكوم»، براد كوبر، مخاوف جدّية من أن التدريبات الإيرانية الأخيرة قد تكون غطاء لعملية هجومية. وعلى الرغم من أن الاستخبارات الأميركية لا ترى - حتى اللحظة - مؤشرات إلى هجوم وشيك، إلّا أن المصادر الإسرائيلية تصرّ على أن «احتمال التصعيد لم يعُد أقل من 50%»، وفقاً للتسريبات المنشورة في صحيفة «معاريف»، أمس، مع التشديد على أن الهدف لم يَعُد احتواء إيران، بل «إعادة ترتيب موازين القوّة في المنطقة، قبل فوات الأوان».
وأيّاً يكن، فالأكيد أن زيارة نتنياهو لا تخدم التنسيق بين الجانبَين في ملف واحد، بل هي منعطف لإرساء «قواعد الاشتباك المقبلة» سواء في غزة أو لبنان وسوريا وإيران، وتحديد حجم الدعم الأميركي المُنتظَر في كلّ من تلك الساحات.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire