واشنطن تخلع الأقنعة

 

سعد الله مزرعاني
كاتب وسياسي لبناني

كالعادة، في تعامله المباشر والشخصاني والمرتجل والعابث، مع كل حدث أو موقف، كبُر أم صغُر، سارع الرئيس ترامب إلى التعامل على هذا النحو مع حرب غزة. بطريقته الاستعراضية، أعلن وكرَّر أنه سيأتي فوراً إلى المنطقة. طريقته تلك، كانت الوجه العلني لما جرى ويجري طبخه في الغرف المغلقة والأجهزة الاستخبارية، بشأن تحويل مسألة غزّة إلى قمة جبل جليد في صفقة كاملة تجري محاولة فرضها على فلسطين وكل المنطقة: بالإرهاب والإبادة والتهديد والخداع والتواطؤ.
رغم كل ما حدث، واصل ترامب رؤية المشهد الدامي في غزة وفي الضفة الغربية، بعين واحدة هي العين الإسرائيلية. كرر اختصاره للأزمة بعملية احتجاز 20 أسيراً إسرائيلياً وبتبني مجمل الأهداف الإسرائيلية، بما فيها تلك التي عجزت حكومة العدو عن تحقيقها بعد سنتين من الإبادة. وهو في مجرى اندفاعه «العفوي»، لم يتردد في أكثر من خطاب وتعليق وتهديد، بنزع قناع «الوسيط» الشكلي، والتصرف على أنه الطرف المحوري والأساسي في العدوان على الشعب الفلسطيني، وفي حرب غزة خصوصاً. في السياق، أعلن، في الكنيست الإسرائيلي، أنه شريك مع إسرائيل في «الانتصار».
ولولا حرصه على مساعدة نتنياهو في الخروج من مأزقه الداخلي (قبل الخارجي الذي تجلى خصوصاً في مخاطبة قاعة شبه فارغة أثناء إلقاء كلمته في الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة)، لكان نسب كل الفضل في «الانتصار» لواشنطن وله شخصياً! حرصه هذا دفعه إلى مطالبة رئيس الكنيست، مباشرة وعلناً، بالكف عن ملاحقة نتنياهو! ذكّر أيضاً بأنه، في ولايته السابقة، كان قد قدّم لإسرائيل «هدية» نقل سفارة واشنطن إلى القدس، والاعتراف بضم الجولان... بناءً على طلب آل مادلسن، من كبار الأثرياء الصهاينة الممولين لحملته الانتخابية. ثم توجه إلى السيدة مادلسون الجالسة في قاعة الكنيست، متسائلاً، بتودّد وإعجاب، عما إذا كانت تحب إسرائيل أكثر من أميركا؟
إعلان الرئيس الأميركي شراكة بلاده في «الانتصار»، ليست، إذاً، مجرد «قفشة ترامبية» عابرة. إنها تعبير عن واقع ثابت ودائم يحكم العلاقة بين الطرفين، أياً كانت الإدارات القائمة. لقد بدأت الشراكة بتبرير العدوان: «دفاع مشروع عن النفس». وبالدعم المطلق، وهو متعدد الأشكال: عسكري وسياسي وديبلوماسي (فيتوات مجلس الأمن)، ومالي (عشرات المليارات)، ودفاعي واستخباراتي (عبر الأساطيل)، وقمعي لمعاقبة المحتجين في جامعات أميركا وإطلاق العصابات الصهيونية للاعتداء عليهم وإرهابهم... هذا إلى العدوان على صنعاء لفك الحصار البحري عن العدو، وعلى طهران باستهداف مؤسساتها النووية التي عجز العدو الإسرائيلي في الوصول إليها.
الواقع أن ما أصاب إسرائيل من عزلة دولية غير مسبوقة، قد أصاب واشنطن بالدرجة نفسها. هذا حصل في مجلس الأمن، وفي مسألة الاعتراف بدولة فلسطين وتبني «حل الدولتين»... ثم أن كل الوحشية الإسرائيلية، وكل الدعم والإمكانات من قبل واشنطن، لم ينجحا في إخضاع المقاومة وأبناء غزة وفي دفعهما إلى الاستسلام أو إلى الهجرة.
ملحمة صمود ومقاومة أسطورية استمرت في إدهاش العالم على امتداد سنتين، لتنتهي بقول ترامب لنتنياهو: «لا تستطيع مواجهة كل العالم». كان الأحرى به أن يقول «لا نستطيع» الاستمرار في مواجهة كل العالم! وهكذا جاء وقت التراجع، وخصوصاً حين اجتاحت المظاهرات المليونية مدن العالم الغربي خصوصاً وأصبحت قضية غزّة، مقاومةً وشعباً، مستحوذة، رغم الآلام العظيمة والخسائر الجسيمة، على «الحُسنيين»: الصمود الأسطوري، وعجز القتلة وداعميهم وافتضاحهم.
بيد أن واشنطن ذات باع طويل، خصوصاً في ما يتعلق بالكيان الصهيوني، في المبادرة إلى تحويل تدخلها السياسي المعتاد، تحت عنوان «الوساطة»، إلى مناورة لتحقيق ما عجز عن تحقيقه من أهداف، وذلك بوسائل الخداع والضغوط والمناورات. هكذا هي «خطة ترامب» في العاشر من الشهر الحالي! لقد رمت الخطة إلى إنقاذ نتنياهو من ربط حرب الإبادة، وما رافقها من همجية ومجازر مروعة، بمخاوفه على مستقبله السياسي الشخصي، غير عابئ بخسائر إسرائيل، ولا بالعزلة السياسية المتعاظمة لكل من حكومته والإدارة الأميركية. تولى الرئيس الأميركي، المهووس بـ«العظمة»، الأمور مباشرة. طمأن نتنياهو. حشد عدداً من «الكومبارس» في كرنفال التوقيع.
تجاهل كل آلام الفلسطينيين بعد قضيتهم. ركّز فقط على أسرى العدو، أطلق التهديدات تكراراً ضد الجانب الفلسطيني بشأن تسليم السلاح. روّج لـ«سلام شامل» عبر استئناف التطبيع الإبراهيمي. أطلق الوعود بشأن الازدهار والاستقرار اللذين ستنعم بهما المنطقة، بالشراكة مع تل أبيب وبرعاية واشنطن... كل ذلك وسواه من دون أي ذكر لقضية الشعب الفلسطيني ولحقّه في تقرير المصير، الغائبين كلياً عن بنود خطته!
الأخطر، قبل هذا وبعده، محاولة ترامب وإدارته فرض تلك الخطة أساساً لدعم الأطماع الصهيونية في نطاق مشروع «إسرائيل الكبرى»، بكل ما يرافقه من الممارسات الإرهابية والقتل والتهديد والتوسع. وكذلك، في نطاق محاولة أوسع لإحلال «سلام» أميركي في المنطقة مفخَّخ بعشرات أصناف صيغ السيطرة والترهيب والابتزاز والنهب والوصاية.
أمّا لبنان، فكان نصيبه من كرنفال «شرم الشيخ» الاستبعاد، وتجديد مطالبته بنزع سلاح المقاومة. وهو الهدف الأساسي الذي من أجل فرض تحقيقه بعد تشريعه، تواصل القوات الإسرائيلية، برعاية وشراكة و«رقابة» من واشنطن، عدوانها على لبنان. تواصل ذلك بالإرهاب والقتل والتدمير والتوسع واستباحة السيادة والأجواء. تواصله، كذلك، بمنع العودة عبر منع المساعدات حتى من اللبنانيين «المنتشرين» لأهاليهم... هذا فيما تواصل السلطة تجاهل أبسط واجباتها في حمايتهم أمنياً وسياسياً واجتماعياً، أو في محاولة ذلك!
ليست هي المحاولة الأولى التي ترتكبها وتختبرها واشنطن تحت شعار «الشرق الأوسط الجديد». منذ 22 عاماً (غزو واحتلال العراق)، وواشنطن وتل أبيب وأتباعهما في المسار نفسه، ومن أجل الأهداف نفسها أيضاً. الجديد الآن أن واشنطن قد خلعت القفازات والأقنعة بوصفها عدواً مباشراً. هذا يملي الكثير من التبعات والمهمات!
لم ينجحوا في السابق. ليس بالضرورة أن ينجحوا اليوم، طالما بقيت شعلة المقاومة حيّة ومتوهّجة وفاعلة!
سينتصرُ الشهداء على الموت
صلاح أبو لاوي

1. جحر الدّيك
من أين ستأتيك
يَا الْجَالِسُ خلف الشاشات
تراقب موت بنيك
انهضْ
وتعلّمْ
كيف أعاد رجال الله رجولتنا
في جحر الدّيك

2. عاصفة
تكبرُ العاصفة
تصغرُ العاصفة
إننا البرق والرّعد والوجهة الجارفة
كلّما حاولوا قتل روح فلسطينَ
هبّتْ إلى الموت أرواحنا النازفة
وسينتصر الشّهداء على الموتِ
أيتها الأمة الرّاجفة
فاتبعيهم
إلى دير ياسينَ
فهي على حالها
في انتظار الذي لم يعدْ
لم تزلْ واقفة

3. قاوم
إنْ وقفتَ على حافّة الهاوية
لا تصدّقْ خرير النّهاياتِ
أو تدعِ النهرَ يسرقُ عينكَ
فالنّهرُ لصٌّ
ونحن قرابينه الجارية
إنْ وقفتَ على حافّة الهاوية
لا تفكّرْ سوى بجناحيكَ...
واعطهما فرصةً ثانية

4. قبّلي البندقية
قبّلي قدمي الشّهيد
قبّلي البندقية
راح حيث يريد
في انتظار البقية
إنما الموت بريد...
للحياة الأبدية

5. باب الشمس
خيمة خيمة
سوف نبني قرانا على تلة الحبّ
حتى يعود لنا البحرُ والغيمُ والذكريات
وسنفتح باباً لشمس الإيابِ
وإن كره الموتُ والظلمات
هكذا نحنُ
شعبٌ يحبُّ الحياةَ
وإنْ هجرته الحياة

* شاعر فلسطيني مقيم في الأردن. والنصوص من مجموعة شعرية بعنوان «خسارات يوشع بن نون»‏، صدرت حديثاً عن «دار البيان العربي للثقافة والنشر» في ‏بيروت.
ذاكرة الحرب في «شنطة»
يستضيف «بيت بيروت» عرض فيلم «شنطة ملجأ» بين 7 و16 تشرين الثاني (نوفمبر). يقدّم المشروع تركيباً بصرياً لافتاً من تسع شاشات فيديو متجاورة، تظهر فيها تسع نساء يروين قصصهن مع الحرب، كل واحدة عبر حقيبتها التي حملت ما تبقى من ذاكرتها. تتقاطع الأصوات في عرض متزامن، لتشكّل حواراً جماعياً يفيض بالعاطفة والحنين والخسارة.
تلك الحقيبة، البسيطة في شكلها، كانت تختزن حياة بأكملها: أوراقاً رسمية، صوراً عائلية، مجوهرات، أو ربما بقايا طفولة. من هذا الرمز، تولد تجربة فنية مؤثرة بعنوان «شنتة الملجأ». إنه عمل فني – توثيقي يجمع بين الفكرة الأصلية لرانيا طبّارة، وإخراج وفاء سيلين حلاوي، والتصميم الفني لداليا بعاصيري.
وقد سبق أن عُرض المشروع على «بي. بي. سي عربي»‏ وشارك في معرض «آرت دبي»، كما في معارض أخرى، قبل أن يعود اليوم إلى بيروت، المدينة التي ولدت منها هذه القصص، والتي لم تنتهِ حروبها بعد.

* «شنطة ملجأ»: بين 7 و16 تشرين الثاني (نوفمبر) - الساعة السادسة مساءً - «بيت بيروت» (السوديكو). للاستعلام: 71/028969
حسون الغريب... رواية حقائق الحياة الصغيرة
عبد الهادي سعدون

«حتى أبعد الحكايات تحتوي على جرذ في مكان ما» (لؤي حمزة عباس)
تعرفت في بداية وصولي إلى مجريط إلى واحد من أكثر التجار العراقيين كرماً. ما إن يراني أعبر من أمام مخزنِه في وسط شارع Mesón de Paredes حتى يقبض عليّ من يدي بقوة ويمضي بي إلى أقرب كافتريا ليدعوني إلى قهوة أو شاي أو كأس نبيذ، وكان يزيد من كرمه، عندما يحتاج إلى وقت أطول للحديث معي، بدعوتي على غداء دسم في المطعم المغربي القريب من المنطقة. لم أره طوال سنين عدة إلا وهو وسط دكانته التي باع فيها على مدى عقدين كاملين آلاف الشراشف الصينية والإيشاربات والمناديل الملونة برسوم أشهر الفنانين العالميين.

كنت في سني شبابي من أكثر الآذان سمعاً واهتماماً بكل من يرغب في بث شجونه وهمومه ومصائبه وحكاياته. وصاحبنا التاجر العراقي، لم يكن سوى واحد من هؤلاء، رغم أنه لم يكن يعترف بذلك إطلاقاً. لم أعرف من حياته سوى نتف كان يرويها لي عن هروبه بعد وصول البعثيين ودخوله المغرب لأشهر لينتقل منه إلى إسبانيا. بل حتى اسمه ولقبه «حسون الغريب»‏ الذي عرفه الجميع به، أتصور أنه من ابتكاره أو لقبه البديل.

كان يقدم نفسه لأصحابي الآخرين كتاجر اضطراراً، لكنه حقيقة روائي ومفكر عراقي منفي. لكن لا تتعبوا أنفسكم بالبحث في الإنترنت أو أي موسوعة معلومات أخرى أو أنسكلوبديا الرواية العراقية لمؤلفها حسين السكاف أو أي دراسة أخرى عن الرواية العراقية المغتربة، لأنكم لن تجدوا اسمه بينها ولن تعثروا على أي نص أو إشارة تدل عليه، لأني ببساطة لم أر أي كتاب له في حياته الطويلة في العاصمة الإسبانية التي وصلها ليلة موت فرانكو وغادرها إلى مقبرة العرب ليلة القبض على صدام حسين، وكأنه بهذين التاريخين اللذين لا ناقة ولا جمل له في اختيارهما، يضيفهما إلى أوراق حياته الخاوية، ما يزيدها دهشة وأهمية.

مع ذلك، لم أتعرف في حياتي المجريطية إلى خيال واسع وخطط كتب متخيلة كما كان عليه مشروع حسون الغريب. في كل جلسة، كان يحدثني ويناقشني بالتفصيل عن عمل روائي جديد يضاف إلى أعماله الأخرى أو كتاب فكري آخر جاهز لانتشال العالم من قنوطه ويأسه المزمن.

لم يكن يتوقف إطلاقاً عن طرح الأفكار والحديث عن كتبه وكأنها كتبت أصلاً وصدرت فعلاً. عندما أخبرته عن دهشتي من غزارة أفكاره ونشاطه الكبير، قال لي:

— أنت فقط أستطيع أن أخبرك بالسر. الحقيقة أنني لم أتوقف ولا ليوم واحد عن جلد عميرة، أم الخمسة، مانويلا كما يقول الإسبان، العادة السرية أو سمها ما تشاء... لا، لا تبدي الاستغراب، ولا تقل لي ما علاقة هذا بذاك، لأكن صريحاً أكثر، فأنا أسير على خطى أساتذتي الكبار الذين تعلمت منهم الكثير عن تخليص الجسد من رغباته الآنية، ما سيتيح لك الانشغال بالكتابة الحقيقية والأفكار المنيرة بشكل أكثر تركيزاً.

ألم ترَ كيف أن أستاذي دوستويفسكي مثلاً قد ترك لنا أطناناً من الكتب، أو فوكنر أو نجيب محفوظ حتى آخرهم الكبير ماركيز... كلهم كانوا على سُنة جلد عميرة، وأنا على خطاهم، أفرغ جسدي من تهويماته وأنتج الكثير، لهذا تراني غزير الإنتاج، ولن أحيد عنها حتى آخر يوم في حياتي.

على مدى سنين منذ تعرفي به للمرة الأولى عام 1995 وحتى آخر لقاء لنا، أشهراً قبل رحيله عن دنيانا، لم يتركني من دون أن يضيف عنواناً جديداً إلى قائمة مؤلفاته الطويلة، يزيد من كرمه في كل مرة وهو يسرد عليّ أحد مشاريعه الروائية الأخيرة.

ولأنني كنت سِمِّيعاً ممتازاً، كنت أحتمل حكاياته التي لا نهاية لها، بل كنت أستمتع بها حقاً، وفي ساعات النقاش الطويلة، كنت أحلّق معه في شخوصه وعوالمه ومدنه، أحوك على منوالها وأحثه على المزيد منها، ما كان يفرحه ويدخله في نشوة مَنْ عثر على سر عشبة الخلود التي أضاعها جده كلكامش. المرة الأخيرة التي التقيت فيها بحسون الغريب، بعد أشهر اختفاء طويلة، كان في منتدى مدريد الثقافي. لم أتشجع على المضي إليه، لولا إلحاح صديقة شاعرة كانت ترغب في لقائي وإهدائي كتابها الشعري الأخير، وأضافت:

— هناك ندوة عن الحب العذري في الأدبين العربي والإسباني، نحضرها ثم نجلس في المقهى ونتحدث.
لم أكن بحال الاستماع لمحاضرة عن الحب بينما كنت أتابع وقائع دخول الأميركان للعراق، ولم أكن أعلم أي شيء عن ناسي وأهلي هناك. لكنني وافقت أخيراً لإلحاح الشاعرة ومضيت إلى هناك وقد وصلت قاعة الندوة متأخراً بنصف ساعة.

جلست في آخر صف، وعلى ما يبدو أن الكاتب الذي لا أتذكر اسمه، قد أنهى حديثه وفتح المجال للأسئلة والحوار. هناك لمحت حسون الغريب وسمعت بحة صوته الجهوري وهو يطلب الإذن بالحديث. ناقش ما قاله المؤلف عن الحب العذري وصحّح للمؤلف، كعادته، الكثير من أفكاره الخاطئة حسب رأيه، والتي عليه مراجعتها وتصويبها وتقديمها لينهي مداخلته قائلاً:

— لو أردت معرفة المزيد مما ذكرته بشكل مختصر، فما عليك سوى قراءة كتابي الذي أصدرته باللغة الإسبانية عن الحب المستحيل.
بعدما انفض الجمع، اقتربت وسلمت على صاحبتي الشاعرة، لكن ما إن تبادلنا بضع كلمات حتى رأيتني وجهاً لوجه مع صاحبي حسون الغريب الذي احتضنني بقوة وتأثر:

— لم أعرف أنك هنا!
فما كان منه إلا أن قبض على ذراعي كعادته وقادني خارج الصالة من دون أن يهتم باستغراب واعتراض صاحبتي الشاعرة. رأيته يعرج ويمشي بصعوبة متكئاً على عكاز. كان من الصعب استيعاب المشهد. حسون الرجل الضخم العملاق، لم يبقَ منه سوى جسد نحيف ووجه متعب. مع ذلك لم يتوقف عن الحديث بصدد الأشهر الطويلة التي لم نلتق فيها، ولم يجبني إطلاقاً عن حالته الصحية وكأن الأمر لا يعنيه أو كأن العرج والإنهاك الَّلذَيْنِ سألته عنهما كانا بشخص آخر، لا به. على أي حال لم يتوقف عن الحديث بصدد كتبه الأخيرة التي لم تصلني أخبارها بعد.
مع ذلك شعرت به يتحدث بنبرة حزينة. سألته مباشرة:

— ما هذا الحزن والألم؟ لم أرك بحالة كهذه إطلاقاً.
نظر إليّ بتركيز، لأجده يبكي بحرارة. بكاء رجل عجوز غلبه الزمن. انتحب لفترة ومسح عينيه بالمنديل. كنا لوحدنا في كافتريا المنتدى قبل وصول الآخرين، في زاوية بعيدة عن لغط الزبائن الآخرين. أحسسته ببكائه صادقاً هذه المرة، رغم مبالغته في ما سيخبرني به، قال لي إنّه حزين وكئيب ولا يجد لذة بأي شيء. كان قد ترك صناديق حاجياته في بيت صاحبته الإسبانية الأخيرة قبل أن يفترقا:

— تصور صندوق رواياتي وقصصي والسيناريوهات والمذكرات الشخصية ومسودات الكتب الفكرية التي تركتها بعهدتها، لم يبق منها شيء. استلمتها أوراقاً متناثرة مقروضة ومنقعة ببراز الفئران. لقد أكلت الفئران اللعينة ودمرت كل كتبي إذ لم تسلم منها ولا ورقة واحدة، وأنت تعرف أنني أكتب باليد ولا أستخدم الكمبيوتر، وجل نتاجي الروائي والفكري دونته على الورق... تصور هذه الفئران التي أرسلها ربك لي من دون البشر الآخرين، لتترك كل إرث العالم وتقضي بظرف ساعات على ما أنجزته من عصارة أفكاري لأكثر من خمسين سنة... أي مصيبة أكبر من هذه؟

آخر ما كتبت رواية عن عراق اليوم، رواية ضخمة في أكثر من 700 صفحة، رواية ملحمية تتناول قرناً كاملاً من حياة عائلة عراقية، كان سيكون كتابي الـ100... لقد أنجزت قبله 99 كتاباً كما تعرف (أضاف وكأنني قد عشت فورته الأدبية واطّلعت عليها فعلاً)، ورغبت أن أتمها قبل أن أرحل عن العالم بالكتاب المئة.
لم أقل أي كلمة، كنت منشدّاً لكلماته، أحسست بحزنه فعلاً، وللمرة الأولى أميل لتصديقه حتى لو أنني أعرف به وبماضي كتبه المتخيلة. تنهد تنهيدة طويلة وقال:

— الله كريم، حتى لو دمرتها وتبرزت عليها كل فئران العالم، فلن يسرقها مني أحد. كلها هنا في رأسي، وسأعيد كتابتها من جديد.
وأشار بحرقة إلى صدغه وفركه بإصبعه الكبيرة. لم أنطق بكلمة، لم أعرف كيف أجيبه. فقط ربتّ على كتفه وطلبت له قهوة أخرى.
عادت زاويتنا إلى صخبها بوصول جمع من السيدات رفقة صديقتي الشاعرة الإسبانية. بثانية واحدة، لمحت حسون الغريب وقد تهلل وجهه ونسي حزنه وأنا أقدمه لهن كروائي ومفكر عراقي منفي. لم يتوقف بعدها عن الحديث وقد وجد من يستمع إليه.

عادت له ابتسامته واسترجع نبرته اللاذعة ومناوشاته وهو يسرد على مسامعهن قصة آخر كتبه التي نشرها، بينما رحت أتابع الجلسة كما لو كنت متفرجاً لا غير، سعيداً بسعادة صاحبي الذي نسيني ونسي أوجاعه وآلامه وقد أحاطته روائح النسوة وتساؤلاتهن المغرية، وبدأت قريحته تتفتح مجدداً وهو يسرد عليهن وقائع حياته الطويلة بين الكتب وآلاف الصفحات القصصية والفكرية.
حواركميل أبو حنيش : هذا المنفى القسري يجب أن نحوّله إلى ساحة جديدة للاشتباك
هي الحريّة التي كان ثَمنها اثنين وعشرين عاماً من النّضال، والصّمود، والثقافة المشتبِكة، الحريّة التي لم تتخلى عنها المقاومة في كل الميادين، هذه الصفقة التي تمسكت بها المقاومة حتى اللحظة الأخيرة ليتحرر آلاف من الأسرى من سجون الاحتلال الوحشية ومئات الأسرى المحكومين بالمؤبدات لتؤكد أن لا مؤبد لهذا المحتل مدى الحياة.
من بينهم الأسير المحرر اليوم، القائد والمثقف المشتبك، كميل أبو حنيش، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأحد رموز أدب السجون، أبرز منظّري التجربة التنظيمية داخل المعتقلات، من التسعة مؤبدات الى الحرية، كان مثل النمل في البيت على قوله: النمل يقاوم المحتلين لأنه ببساطة تذوق قمح البلاد فعرف كيف يقاوم!
وليتحدث لنا أكثر عن تجربته الثقافية والتنظيمية داخل السجون وعن معنى الحريّة والسّجن، أجرت بوابة الهدف الإخبارية  مع الأديب والمُفكر كميل أبو حنيش، هذا الحوار.

عندما نتحدث عن ٩ مؤبدات، كيف يؤثر هذا الرقم على حياتك داخل الأسر؟
 هذا الرقم الهائل في عمر الزمن كان الهدف منه أن يستبطن الأسير منه الألم والحرمان والتنكيل والقهر ولكن بوسع الأسير الفلسطيني أن يتحدّى هذا القهر عبر الثقافة والأدب وتعزيز الصمود والتماسك وعدم الاستسلام بقدر الأسر، رغم أن الكثير من الأسرى وقعوا في هذا الفخ الزمني، ولكن الأسير المثقف والمشتبك الذي يعتبر السّجن محطة جديدة للاشتباك فإنه يعمل على الالتفاف والتحايل على هذا الزمن وكسر إرادة السّجان من خلال الصمود وتعزيز ثقافة الانسان الثوري.

هل سيكون هناك تأثير على الانتاج الأدبي داخل السجون بين الماضي والحاضر بعد طوفان الاقصى؟
 بالطبع كانت معركة طوفان الأقصى من المحطات الهامة في تاريخ شعبنا ومعركته التحررية الطويلة ولطالما كان الأدب الفلسطيني المقاوم يتصدى لمهماته التحررية ويكون في كل محطة من محطات الثورة له أدواته وقدرته على المجابهة ويستمد قوته من هذا الواقع لهذا السبب بوسعنا القول أن ما قبل ٧ اكتوبر وما بعدها والأدب ستظل مهمته منحصرة في تطوير أدوات المقاومة الثقافية.
لهذا السبب نحن الآن ونحن نجري هذا الحوار نتعرض لإبادة كبيرة على مرآى ومسمع من العالم يجب علينا أن نطوّر من أدواتنا وقدراتنا وتأثيراتنا الثقافية على كافة الأصعدة ويجب أن يكون الأدب يمتشق سلاحه بمهارة ويستعد للمنازلة القادمة، لأن القضية الفلسطينية بعد السابع من اكتوبر دخلت مرحلة جديدة عنوانها الابادة، الطمس، الاقتلاع، ورغم أن الأدب الفلسطيني كان منذ تاريخ الاحتلال الصهيوني تصدى لمهماته ولكن في هذه المرحلة نحن في عصر ثورات المعلومات والاتصالات الإعلام الرقمي يجب أن نستغل هذه الأدوات لتوسيع حضورنا على الساحتين العربية والدّولية إضافة نحن بحاجة لتعزيز هويتنا الوطنية وسيساهم الأدب الفلسطيني في تطوير الاشتباك الذي عنوانه التمسك للهوية الوطنية التي تتعرض للاقتلاع والتنكيل ومحاولة الطمس من الوجود.

التعذيب والتنكيل والابادة داخل السجون كما غزة والعقاب الجماعي كيف يتفشش الاحتلال بالأسرى؟
كان الهدف من المؤسسة الاعتقالية التي صمّمها المستعمر الصهيوني، ترويض الانسان الفلسطيني ولا ننسى أن أجيال مختلفة دخلت السجون الصهيونية ولهذا تعوّدنا نحن الفلسطينيين أن يكون السجن جزء من حياتنا، والاحتلال في كل محطة كان يمارس كل وسائل القمع والتعذيب ضد الفلسطيني ولكن هذه المرة ربما لم يسبق أن تعرضت السجون لمثل هذا القمع وهذا التنكيل وهذا المشهد المرعب الذي وصفه الكثير من الأسرى القدامى الذين كانوا في مرحلة الستينيات والسبعينيات، والثمانيات، قالوا لم نشهد من هذه الروح البهيمية المنفلتة من عقالها التي تعززت مع حضور الوزير الفاشي "ايتمار بن غفير" وترؤسه لوزارة الأمن الداخلي وتحريضه بشكل مستمر واغرائه السجانين من خلال رفع رواتبهم وتحريضهم على الأسرى بقول : يجب عليكم أن تضربوا لتقتلوا، هؤلاء إرهابيون، هؤلاء قتلة.
لهذا السبب تعرضنا طوال السنتين الماضيتين لسلسلة طويلة من الاجراءات العقابية التي كانت تمس انسانيتنا، وصلت لحد تجويعنا واذلالنا وضربنا والتنكيل المستمر بنا ليل ونهار ولكن الأسير الفلسطيني استطاع أن يصمد ويقاوم التجويع من خلال الابقاء والحفاظ على القيم الاعتقالية والثورية في ظل هذه المرحلة الصعبة .
واليوم تحررنا وتحرر الكثير من الاسرى وبقية الالاف ولكننا واثقون جداً أن اخواننا اللذين تركناهم خلفنا يواصلون الصمود واستغلال كل ما من شأنه أن يعزز مقاومتهم.

كان اسمك ضمن صفقة وفاء الأحرار ٢٠١١ ورفض الاحتلال، كيف هي لحظة شعورك حينها وكيف أثر هذا على كميل؟
صفقة وفاء الاحرار كان عدد الأسرى القدامى كبير جداً، ونحن كنا في حينها أسرى جدد ولدينا سنوات قليلة ومقابل من أمضى عشرات السنوات، أنا شخصياً لم أكن أتوقع أن يُطلق سراحي وكنت أقول دائماً أن الأولوية يجب أن تكون للأسرى القدامى ومع ذلك كنا نتأمل أن يجري الإفراج عنّي ولكن انتهاء الصفقة بقينا نتسلح بالأمل ونعزّز الصمود وأوفياء للقيم التي تربينا عليها وواصلنا رحلة المقاومة الثقافية والجلسات خلال التعليم الاكاديمي.
وتطويره والانتاج الأدبي والثقافي وحولنا السجون إلى جامعات ومعاهد بالفعل في السنوات الاخيرة، لدرجة غالبية الاسرى نالوا الشهادات الأكاديمية المختلفة وقسم منهم تحوّل إلى رمز ثقافي وأدبي وأصبحوا معروفين في خارج قلاع الأسر.

عن أحمد سعدات ومروان البرغوثي كان هناك رفض لأسماؤهم ضمن الصفقة ومازالت المقاومة تضغط ليكونوا بين المحررين، ماذا تخبرنا عن ما يتعرضوا له الان داخل السجون؟
تمارس مصلحة السجون القمع أفظع وأقسى الوسائل لعدد من الرموز من بينهم الرفيق أحمد سعدات والاخ مروان البرغوثي والاخ حسن سلامة وابراهيم حامد، وغيرهم عشرات من الاسرى المعزولين حالياً، ولكن هؤلاء العمالقة اللذين يعرفون أن واجبهم الوطني لا يسمحوا للاحتلال أن يكسر معنوياتهم هم يدركون أنهم قد يتعرضون لكل الوسائل القاسية من التعذيب في أي لحظة، ووصلت صلب السجان وحقارته أن يعتدي بالضرب على عدد منهم دون مراعاة لأعمارهم ومكانتهم السياسية والاجتماعية كلهم كانوا خاضعين للوقاحة التي كان عنوانها "ايتمار بن غفير" اللذي كان يدعوهم إلى قتل الأسرى ولكن قدر الانسان الفلسطيني أن يصمد وهؤلاء وهم قادة ورموز شعبنا ويجب أن يكونوا في المقدمة وسيتجاوزون هذه المرحلة من خلال التماسك وستعود ساحات السجون معاقل وقلاعلحماية التاريخ الوطني الفلسطيني.

بالعودة الى الأدب والرواية لديك رواية الجهة السابعة تحكي عن الحياة والحرية والموت والوجود ما هي الجهة السابعة التي قد يراها الأسير في زنازين العزل؟
الجهة السابعة فكرتها انسانية وفلسفية ووجودية الانسان الذي يعيش في الحاضر بينما الأسير الفلسطيني المحروم من الحياة الطبيعية كان يعيش في الماضي يتغذى على الذكريات ويتسلح بثلاث مكونات بالحب، بالحلم، ويقاوم هاجس الموت، حتى يستطيع بوسعه أن ينتصر على السجن، أن يكون بوسعه أن يرمم ذاته وهكذا كانت فكرة الجهة السابعة التي استلهمتها من شعر لأحمد شوقي: ولو أنّ الجهات خُلقن سبعاً لكان الموت سابعة الجهات.
وكنت أرى ليس فقط الموت عبارة عن جهة سابعة ثمة أفكار أخرى على سبيل المثال الحب يكون الانسان جهة سابعة والحلم مثلاً، ويجب أن نتسلح بالحب والحلم لننتصر على الموت والقيد.

من موقعك القيادي والثقافي والحزبي هل يمكن أن تحدثنا عن تجربة العمل الاعتقالي والتنظيمي وقيادتك للعديد من المواقع والمنظمات الحزبية، كيف تُقيّم لنا تجربة منظمة فرع السجون، وواقع الحركة الوطنية الأسيرة؟
الأسر له تجربة مميزة على الأصعدة التنظيمية والأكاديمية والثقافية والانسانية والاجتماعية، ومن يعيشها يدرك أن لا مجال للاسترخاء والكسل يجب أن نكون مثل خلية النحل وإلّا تكلست أرواحنا، لهذا السبب كنا منهمكين ومنغمسين منها، من رؤوسنا حتى أخمص اقدامنا في حياة وأنشطة السجن، التنظيم بالنسبة لنا أهم القلاع، لأن السّجان يريدنا غير منظّمين، يريدنا أن نكون ذاتيين أن نتحول إلى حيوانات وبهائم نتنظر الطعام، والاستهلاك ولكن التنظيم حولنا إلى كيان متماسك كانت المنظمات الأسيرة على مدار أكثر من ستين عامًا قلاع لحماية الهوية الفلسطينية وتثقيف الشعب الفلسطيني، وكذلك الأمر الثقافة كان لدينا الجلسات الثقافية والتعليم والدورات كانت هناك قيم ثقافية في الأسر ليست موجودة في مكان آخر التعاون والتضامن والأخلاق العالية والتمسك في القيم الانسانية واستطعنا في السنوات الاخير أن نطور من الانشطة الاكاديمية التي خرّجت العشرات والمئات من الأسرى.
أما منظمة فرع السجون التي بدأنا بانشائها منذ العام ٢٠٠٧ وتعرضنا لقمع وتنكيل واضطهاد وعزل الأمين العام أحمد سعدات وعدد من الأسرى الرفاق وقاومنا من خلال الاضراب عن الطعام والتمرد على هذه الاجراءات وفي الحقيقة رغم ذلك نعترف أن هناك ترهّل في جسم الحركة الأسيرة وهو ما يفسر حالة الهشاشة والضعف التي لم يكن بوسع الحركة الاسيرة التصدي لاجراءات السجان في مرحلة ما بعد ٧ اكتوبر
نحن أخطأنا في هذه المرحلة لأننا لم نمتّن منظماتنا واستسلمنا بشكل كامل باعتبار أننا سنتحرر جميعنا ولو قاومنا منذ البداية لاجراءات السجان لما وصلت الحالة إلى هذا الانهاك وبالطبع بعد هذه الصفقة سيقوم اخواننا إلى منظمات الأسر لتمارس دورها للتصدي لمهامها الوطنية والاجتماعية والثقافية والانسانية والأخلاقية.

أخيراً، اليوم كيف هي الحرية ولكن خارج الوطن وكيف تتخيل اليوم نابلس بعد 22 عاماً؟
نحن الآن في مرحلة جديدة عنوانها المنفى، صحيح أن الحرية أفضل من البقاء في السجن وصحيح أن المنفى بمعنى من المعاني هو أفضل من البقاء بين القيود والأغلال والأبواب الموصدة ولكن تبقى ساحة منفى بعيدة عن الوطن، ولكن نحن نشتاق للعودة إلى أحضان أمهاتنا وقرانا ومددنا وأحياءنا ومخيماتنا، كنت أتمنى أن أعود إلى بيت دجن، إلى نابلس، ولكن ماذا نفعل!،  يجب أن نتحمل ساحة المنفى حالياً، هذا المنفى القسري يجب أن نحوّله، إلى ساحة جديدة للاشتباك والانضمام إلى اخواننا اللذين سبقونا في هذا الدرب ونحن بعد ما نستقر سنبدأ بمشاوراتنا وأنشطتنا المختلفة في ما نستطيع من خلال أن نحوّل هذه الساحة إلى ساحة نضال جديدة.
عشرات الشهداء والجرحى في خروقات الاحتلال لوقف الحرب على غزة
أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أن الاحتلال الإسرائيلي خرق اتفاق وقف الحرب 47 مرة، ما أسفر عن استشهاج وإصابة العشرات من الفلسطينيين في القطاع.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي، في بيان، أن «الاحتلال الإسرائيلي ارتكب منذ الإعلان عن انتهاء الحرب على قطاع غزة سلسلة من الخروقات الخطيرة والمتكررة، بلغت حتى اليوم 47 خرقاً موثقاً، في انتهاكٍ صارخٍ وواضحٍ لقرار وقف الحرب ولقواعد القانون الدولي الإنساني».
وأوضح البيان أن «هذه الخروقات تنوّعت بين جرائم إطلاق النار المباشر على المواطنين، وجرائم القصف والاستهداف المتعمّد، واعتقال عدد من المواطنين المدنيين، في ممارسات تعكس استمرار النهج العدواني للاحتلال رغم إعلان وقف الحرب».
وأشار إلى أن «هذه الاعتداءات نفّذها الاحتلال باستخدام الآليات العسكرية والدبابات المتمركزة على أطراف الأحياء السكنة، والرافعات الإلكترونية المزودة بأجهزة استشعار واستهداف عن بُعد، إضافة إلى الطائرات المسيرة (الكواد كابتر) التي تواصل التحليق فوق المناطق السكنية، وتنفّذ عمليات إطلاق نار واستهداف مباشر للمدنيين».
وشدد البيان على أن «هذه الخروقات تم رصدها في جميع محافظات قطاع غزة دون استثناء، مما يؤكد أن الاحتلال لم يلتزم بوقف العدوان، ويستمر في سياسة القتل والإرهاب بحق أبناء شعبنا الفلسطيني».
وكشف أنه «منذ صدور قرار وقف الحرب، ارتقى 38 شهيداً وأُصيب 143 مواطناً بجراح متفاوتة، جرّاء هذه الخروقات».
وحمّل المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، الاحتلال «المسؤولية الكاملة عن هذه الانتهاكات»، داعياً «الأمم المتحدة والجهات الضامنة للاتفاق إلى التدخل العاجل لإلزام الاحتلال بوقف عدوانه المستمر، وحماية السكان المدنيين العزّل في قطاع غزة».
وأعلن الدفاع المدني في غزة، السبت، انتشال جثث 9 فلسطينيين قال إنهم قتلوا في هجوم استهدف حافلة، أمس الجمعة، في حين أفاد جيش العدو بأنه أطلق النار على مركبة تجاوزت ما يُعرف بـ«الخط الأصفر».
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، لوكالة «فرانس برس» إنّه «بعد التنسيق مع مكتب الصليب الأحمر، طواقم الدفاع المدني تتمكن من انتشال 9 شهداء نتيجة استهداف الاحتلال الاسرائيلي باصاً للنازحين شرق حي الزيتون بالأمس».
من جهته، قال جيش الاحتلال في بيان إنّه «رصد مركبة مشبوهة تتجاوز الخط الأصفر»، في إشارة إلى خط انسحاب قوات الاحتلال داخل قطاع غزة، المتّفق عليه في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.
الخارجية الأميركية تحذر «حماس»: مستعدون لاتخاذ الإجراءات اللازمة!
حذرت وزراة الخارجية الأميركية من أن استمرار حملة حركة «حماس» ضد العملاء في قطاع غزة قد يدفعها إلى «اتخاذ إجراءات» من أجل الحفاظ على وقف إطلاق النار، فيما أكدت «حماس» أن قرار نتنياهو الإبقاء على معبر رفح مغلقاً سيؤخر تسليم الجثث.
قالت وزارة الخارجية الأميركية، فجر اليوم، في بيان مقتضب: «أبلغنا الدول الضامنة بتقارير موثوقة عن انتهاك وشيك للاتفاق من قبل حركة حماس ضد سكان غزة».
واعتبرت أن الهجوم المزعوم ضد المدنيين في غزة يشكل انتهاكاً مباشراً وخطيراً لاتفاق وقف إطلاق النار، كما أنه يقوّض التقدم الكبير الذي تحقق من خلال جهود الوساطة.
وأضافت الخارجية الأميركية أن الدول الضامنة لاتفاق غزة تطالب «حماس» بالوفاء بالتزاماتها بموجب بنود وقف إطلاق النار.
وجاء في البيان «إذا مضت حماس في الهجوم فسيتم اتخاذ إجراءات لحماية سكان غزة والحفاظ على وقف إطلاق النار»، مشيرةً إلى أن الدول الضامنة ثابتة على التزامها الراسخ بضمان سلامة المدنيين والحفاظ على الهدوء على الأرض.

«حماس» ترد على نتنياهو
من جهة أخرى، اعتبرت حركة «حماس» قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية رفض فتح معبر رفح خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار.
وقالت الحركة في بيان، إن «استمرار إغلاق معبر رفح، ومنع خروج الجرحى والمرضى وحركة المواطنين في الاتجاهين، ومنع إدخال المعدات الخاصة اللازمة في عمليات البحث عن المفقودين تحت الأنقاض، ومنع دخول التجهيزات والفرق المختصة بفحص الجثث والتأكد من هويتها، سيؤدّي إلى تأخير عمليات انتشال وتسليم الجثث».
ولفتت «حماس» إلى أن «استمرار الاحتلال في ارتكاب التجاوزات والاعتداءات، والتي بلغت حتى الآن أكثر من 47 خرقاً موثقاً خلّفت 38 شهيداً و143 مصاباً، يثبت مجدداً نواياه العدوانية ومواصلة سياسة الحصار بحق أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، إذ يواصل مجرم الحرب نتنياهو اختلاق الذرائع الواهية لتعطيل الاتفاق والتنصّل من التزاماته».
وطالبت الوسطاء والجهات الضامنة للاتفاق بالتحرك العاجل للضغط على الاحتلال «لفتح معبر رفح فوراً، وإلزامه بكافة بنود الاتفاق، ووقف جرائمه المستمرة ضد شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة».

...وتُسلّم جثتين
في سياق متصل، سلّمت «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس»، ليلاً، جثتين لأسيرين إسرائيليين كانا في قطاع غزة للصليب الأحمر.
وقال «القناة 11» العبرية إن «الجيش تسلّم من الصليب الأحمر جثتي أسيرين إسرائيليين كانا في قطاع غزة».
وبذلك، يرتفع عدد جثث الأسرى الإسرائيليين الذين سلّمتهم المقاومة للاحتلال عن طريق الصليب الأحمر تنفيذاً لاتفاق وقف النار إلى 12.
وقالت «كتائب القسام»، في وقت سابق، إن المقاومة التزمت بما تم الاتفاق عليه وسلّمت جميع من لديها من الأسرى الأحياء وما بين أيديها من جثثٍ تستطيع الوصول إليها، مؤكدةً أن ما تبقى من جثث يحتاج جهوداً كبيرة ومعداتٍ خاصة للبحث عنها واستخراجها، وأنها تبذل جهداً كبيراً من أجل إغلاق هذا الملف.
نتنياهو يشترط استعادة جثث جميع الأسرى قبل فتح معبر رفح
نفى رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، السبت، بيان السفارة الفلسطينية في مصر، حول إعادة فتح معبر رفح، مؤكداً أن المعبر سيبقى مغلقاً إلى حين استعادة جميع جثث الأسرى.
وأعلن مكتب نتنياهو، في بيان، أن إعادة فتح معبر رفح ستتمّ فقط بعد أن تسلم حركة «حماس» جثث جميع الأسرى التي لا تزال في قطاع غزة، وأضاف: «أوعز رئيس الوزراء نتانياهو بإبقاء معبر رفح مغلقاً حتى إشعار آخر».
وأوضح البيان أنه «سيتم النظر في إعادة فتحه وفقاً لكيفية وفاء حماس بالتزاماتها في إعادة الرهائن وجثث القتلى، وتنفيذ الشروط المتفق عليها لوقف إطلاق النار».
وفي وقت سابق من اليوم، أعلنت السفارة الفلسطينية في مصر، أنه «سيتم فتح معبر رفح يوم الإثنين لتمكين الفلسطينيين المقيمين في مصر من العودة إلى قطاع غزة».
وفي سياق تبادل الأسرى، أعلنت كتائب «القسام»، أنها «ستقوم بتسليم جثتين لأسيرين من أسرى الاحتلال تم استخراجهما اليوم في قطاع غزة عند الساعة العاشرة مساء بتوقيت غزة».
ووفقاً للمفاوضات حول آليات الدخول والخروج من قطاع غزة، وما سيُسمح بعبوره في أثناء المدّة المقبلة إلى حين التوصّل إلى «معايير مستدامة»، تمّ التوافق خلال المفاوضات، على دخول المساعدات عبر 5 محاور رئيسية في البداية، في مقدّمها المسار الممتدّ من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم، على أن يكون معدّل الدخول اليومي 400 شاحنة، تزداد تدريجياً إلى 600 شاحنة تلبّي احتياجات القطاع، مع توزيعها عبر الأمم المتحدة وأذرعها المختلفة.
يُشار إلى أن خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب في قطاه غزة، كانت تنص على استمرار دخول التوزيع والمساعدات إلى قطاع غزة دون تدخل من الطرفين من خلال الأمم المتحدة ووكالاتها، والهلال الأحمر، بالإضافة إلى المؤسسات الدولية الأخرى غير المرتبطة بأي شكل من الأشكال بأي من الطرفين، وسيخضع فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين لنفس الآلية المطبقة بموجب اتفاقية 19 كانون الثاني 2025.
ويتكوف: شعرنا بـ«الخيانة» بعد الغارة الإسرائيلية على قطر
أعرب الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، اليوم، عن شعوره بـ«الخيانة» عقب الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قطر في أيلول الفائت.
وقال ويتكوف، في مقابلة مع شبكة «سي بي إس» إلى جانب صهر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، جاريد كوشنر، اللذين عملا معاً على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، إنّه علم بشأن الهجوم الإسرائيلي الذي طال الدوحة في التاسع من أيلول، في الصباح التالي لحدوثه.
وأضاف، وفق مقتطفات نُشرت من مقابلة مع برنامج «60 دقيقة»: «أعتقد أنّنا أنا وجاريد شعرنا (...) بقليلٍ من الخيانة».
كما أكّد ويتكوف أن العدوان الإسرائيلي على الدوحة «كان له تأثيرٌ كبير، لأنّ القطريين كانوا طرفاً أساسياً في المفاوضات، كما كان حال المصريين والأتراك»، موضحاً: «خسرنا ثقة القطريين، وهكذا اختفت حماس وأصبح من الصعب جداً الوصول إليها».
من جهته، أشار كوشنر إلى أنّ العدوان دفع ترامب إلى إدراك «أنّ الوقت قد حان ليكون قوياً للغاية، وأن يمنع الإسرائيليين من القيام بأشياء شعر بأنها لا تخدم مصالحهم على المدى الطويل».
وكان ترامب قد كتب، في منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي حينها، أنّ قرار تنفيذ الغارة الجوية على الدوحة اتخذه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولاحقاً، اتصل برئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن، خلال زيارته الأخيرة إلى البيت الأبيض، للاعتذار منه عن الهجوم، بضغطٍ من ترامب.
وأسفرت الغارة، التي استهدفت مقرّ اجتماع لقيادة حركة «حماس» في الدوحة في التاسع من أيلول، عن استشهاد ستة أشخاص، هم أحد عناصر قوى الأمن الداخلي القطري، وخمسة من أعضاء الحركة، إضافةً إلى توقّف عملية التفاوض لفترةٍ مؤقتة.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire